خبر وتعقيبغير مصنف

تحالف “درع إبراهيم”: هل نشهد اصطفافًا أمنيًّا عربيًّا مع إسرائيل بعد الهجوم على إيران؟

الخبر:

عقب الهجوم الإسرائيلي-الأميركي على إيران وإعلان وقف إطلاق النار، غزت صور الحكام العرب لوحات الإعلانات في شوارع تل أبيب، وطغت على مشاهد الدمار الناتج عن صواريخ إيران، في مشهد بشّر بولادة “شرق أوسط جديد” في ظل اتفاق “درع إبراهيم”، مؤكدة أن تل أبيب تعتبر نفسها قد حققت أهداف الحرب، وأنها ستمضي في قيادة المنطقة.

وقد أظهرت اللوحات الكبيرة المنتشرة في الميادين العامة بتل أبيب صور حكام عرب، من بينهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقادة خليجيون، يقفون خلف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تحت عناوين: “خطة درع إبراهيم”. و”تحالف الأمن الإقليمي”.

وحملت اللوحات شعارات متعددة: بالإنجليزية كُتب: تحالف الأمن الإقليمي، وهي مبادرة إسرائيلية ذات طابع سياسي وأمني، وباللغة العربية كُتب: “وقت للحرب، وقت للتسوية… الآن هو وقت الاتفاقية الإبراهيمية”.

ورجّحت صحف إسرائيلية أن الهدف من هذا “الائتلاف الأمني” العربي الإسرائيلي، المدعوم أمريكيًّا، هو تدشين انتصار إستراتيجي على محور المقاومة في غزة ولبنان وإيران، وفرض إسرائيل كقوة قائدة وحامية للأنظمة العربية، بل كمندوب لها لدى البيت الأبيض.

وفي التوقيت ذاته، أعلن مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في مقابلة مع قناة CNBC، أن الإدارة الأمريكية تتوقع قريبًا انضمام دول جديدة إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية”، ما يشير إلى وجود علاقة مباشرة بين “الائتلاف الأمني” الجديد والتوسع في مشروع التطبيع.

وكان ترامب قد صرّح في مارس 2025م بأن المزيد من الدول ترغب في الانضمام إلى الاتفاقية الإبراهيمية” التي تفاوضت عليها إدارته عام 2020م، بين إسرائيل وكلٍّ من الإمارات والبحرين والسودان.

وقال: “سترون دولًا تبدأ في استكمال التزاماتها في اتفاقيات إبراهيم… المزيد والمزيد من الدول ترغب في الانضمام. لقد كان ذلك نجاحًا باهرًا، ونجاحًا هائلًا.”

التعقيب:

السؤال المركزي الذي طُرح عقب الإعلان عن هذا “الائتلاف الأمني الإقليمي” هو:
إذا كانت الدول المشاركة فيه هي الدول المطبّعة (الإمارات، البحرين، سلطنة عمان، المغرب، مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية)، إلى جانب دول أخرى تتوقع إسرائيل تطبيعها مستقبلًا (السعودية، لبنان، سوريا)، فهل ما يزال هناك ما يُسمّى بمحور المقاومة؟ وإن لم يعد، فما هو العدو الذي يواجهه هذا التحالف؟

وهل الهدف من هذا التحالف هو فقط تمكين إسرائيل من قيادة المنطقة ضمن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”؟ أم تشكيل جبهة عربية إسرائيلية لمواجهة إيران، بعدما فشلت تل أبيب وواشنطن في “تركيعها” خلال حرب الاثني عشر يومًا؟ أم أن العدو المشترك سيكون التيار الإسلامي والهوية الإسلامية، التي تخشاها إسرائيل وبعض الأنظمة العربية؟

وما دلالة الإعلان المنتشر في شوارع تل أبيب، والذي يصوّر عشرة حكّام عرب يقفون خلف ترامب ونتنياهو تحت شعاري: “درع إبراهيم” و”التحالف الأمني الإسرائيلي”؟

وبحسب ما نشره موقع تحالف الأمن الإقليمي” الإسرائيلي، الذي تبنّى الحملة الدعائية لهذا الائتلاف، فإن إسرائيل ستعيد بناء نفسها في السنوات المقبلة كـ وطن صهيوني يهودي ديمقراطي، مستغلة تفوقها العسكري والسياسي والاقتصادي، وهو ما يعني أن الحديث لا يدور فقط عن “دولة يهودية” داخل حدود إسرائيل الحالية، بل عن “وطن يهودي” يتوسّع ليشمل أراضي عربية، لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات”.

أما خطة درع إبراهيم، وفقًا للموقع ذاته، فهي “خطة لإنشاء نظام إقليمي جديد يضمن أمن إسرائيل”، أي أن وظيفة الدول العربية في هذا التحالف هي حماية إسرائيل.

وهذا ما يفسّر ما ورد في تفاصيل الخطة عن نية “الانفصال عن الفلسطينيين”، ودخول مصر والأردن إلى غزة لحراستها ومنع المقاومة، وتحويل سوريا إلى “منطقة عازلة” أمام النفوذ الإيراني، بالتنسيق مع ترامب.

ووفقًا لتقرير نشره موقع ميديا لاين” الأمريكي، بتاريخ 22 يونيو 2025م، فإن الغاية من هذه الخطة هي “توحيد إسرائيل مع الدول العربية المعتدلة، وتشكيل درعٍ حديدي ضد إيران ووكلائها، ورسم نظام إقليمي جديد يُعطي الأولوية للاستقرار والتعاون”.

أما الكاتب البريطاني توماس كيث، فقد كتب عبر منصة “إكس” (تويتر سابقًا) أن هذه الخطة ترمي إلى “تحقيق هيمنة إسرائيلية دائمة في المنطقة، ووضع خطة هيكلية لما بعد فرض السيادة الإسرائيلية”، مضيفًا أن التحالف الإقليمي المعتدل هو اسم مموّه لحلف ناتو عربي، تكون إسرائيل مركزه، والولايات المتحدة داعمه الخلفي، وأنه يهدف إلى بناء شرق أوسط لا وجود فيه لفلسطين، وتتحول فيه الدول العربية إلى أدوات أمنية لحماية إسرائيل.

ومن غير المعروف السبب الذي دفع إسرائيل إلى وضع صورة الرئيس السوري أحمد الشرع ضمن قادة التحالف، أو صورة الرئيس اللبناني، فحزب الله في لبنان يمنع أي توجه رسمي مماثل.

وقد تزامن نشر صورة الشرع مع حملة في الصحف الإسرائيلية تزعم أنه وافق على التطبيع، وأن هناك مفاوضات لتحويل سوريا إلى حزام أمني لإسرائيل، مقابل انسحاب الأخيرة من مناطق سيطرت عليها عقب سقوط نظام الأسد.

سوريا الرسمية تجاهلت كل هذه الدعاوى والاخبار الإسرائيلية عن انضمامها للتطبيع واكتفي قادتها بالتأكيد على أن ما يجري هو مجرد تفاوض غير مباشر حول حل مشاكل الحدود المتوترة، ونفت مصادر سورية صحة ادعاءات الاحتلال.

وقد زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت”، بتاريخ 26 يونيو م،2025 أن “إسرائيل وسوريا تستعدان لتطبيع العلاقات”، وأن الاتفاق المتوقع يشمل “ضم الجولان رسميًّا إلى السيادة الإسرائيلية”، وهو ما نفته مصادر سورية وسط صمت رسمي.

من الواضح أن إسرائيل تسعى إلى استثمار ما تعتبره “انتصارًا” عسكريًّا على إيران وحزب الله لتقدّم نفسها أمام الأنظمة العربية كـ دولة عظم” قادرة على قيادة الإقليم، وجلب الاستثمارات والحماية من بوابة واشنطن.

إن تدشين هذا الائتلاف من داخل تل أبيب، ووضع صورة ترامب عليه، كأنه يجري برعاية أمريكية مباشرة، قد يفسّر الصمت العربي المطبق تجاه الإعلان.

وربما لا يكون هذا الصمت مجرد حياد، بل مؤشرًا على أن بعض الأنظمة متورطة بالفعل، أو أنها لا تملك إلا أن تكون بيادق تُحرَّك على رقعة “الشرق الأوسط الإسرائيلي الجديد”، دون استشارتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى