نشرت وكالة “رويترز” للأنباء في الأول من يوليو 2025م تقريرًا بعنوان: “حرب الشرق الأوسط تسلط الضوء على نقطة ضعف مصر في مجال الطاقة” لـ “رون بوسو”، وهو كاتب عمود في وكالة رويترز ومتخصص في مجال الطاقة؛ حيث يغطي موضوعات الطاقة ويقدم تحليلات حول أسواق الطاقة العالمية وتقاطعها مع الجغرافيا السياسية والاقتصاد والحياة اليومية – وشارك ديفيد إيفانز، محرر الأخبار بوكالة رويترز، أيضًا مع رون بوسو في تحرير هذا التقرير.

يقول التقرير إن مصر كانت واحدة من أكبر الخاسرين اقتصاديًّا في الحرب التي دارت رحاها في منطقة الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل والتي دامت 12 يومًا. ويقارن تقرير رويترز بين الآمال المصرية الكبيرة التي سادت خلال فترة ما بعد اكتشاف حقل “ظهر” بالتحوُّل إلى دولة مُصدِّرة للطاقة على مستوى الإقليم، وبين الفاتورة الضخمة التي أصبحت تثقل كاهل الدولة المصرية والمترتبة على استيراد البلاد المتزايد للطاقة في الوقت الحالي من أجل ضمان الحفاظ على استمرار إمدادات الكهرباء خلال فصل الصيف.
وأبرزت وكالة رويترز في تقريرها أن التوقف المفاجئ في واردات الغاز القادم من “إسرائيل” يُبرِز “هشاشة الموقف المصري والآمال المتضائلة في أن تصبح منطقة شرق المتوسط منطقة رئيسية لتصدير الغاز”؛ حيث فرض هذا التوقف في توريد الغاز الإسرائيلي إبان الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة على مصر إعادة تخصيص إمدادات الطاقة بشكل طارئ وإغلاق المصانع، في الوقت الذي تلهث فيه الحكومة من أجل تحقيق الاستقرار في توليد الكهرباء قبل ذروة الطلب عليها في فصل الصيف.
وكانت إسرائيل قد أوقفت تصدير الغاز إلى مصر إبان شنها الحرب مؤخرًا على إيران. وعلى الرغم من أن صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر كانت قد استؤنفت في الثالث والعشرين من شهر يونيو 2025م، إلَّا أن ذلك يُبرِز ضخامة التحديات التي تواجهها مصر في إمدادات الغاز، خاصَّة في ظِل الانخفاض الحاد لإنتاج مصر من الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة، والذي يَرى المراقبون أنه من غير المرجح أن يتعافى قريبًا.
وفيما يلي يقدم “منتدى الدراسات المستقبلية” ترجمة كاملة للتقرير الذي نشرته وكالة “رويترز” للأنباء، وذلك على النحو التالي:
لقد كانت مصر واحدة من أكبر الخاسرين اقتصاديًّا في الحرب التي دارت رحاها في منطقة الشرق الأوسط بين “إسرائيل” وإيران، والتي استمرت 12 يومًا، وذلك بعد أن أوقفت “إسرائيل” صادرات الغاز الطبيعي الحيوية إلى جارتها.
وتمَّت إعادة تشغيل خط أنابيب الغاز الذي يربط بين “إسرائيل” ومصر بعد أن اتفقت “إسرائيل” وإيران على مبادرة وقف إطلاق النار التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثالث والعشرين من شهر يونيو، لكن هذه الواقعة في حد ذاتها إنما تسلط الضوء على الضعف الذي تبدو عليه مصر وتلاشي الآمال في أن يصبح شرق البحر الأبيض المتوسط منطقة رئيسية لتصدير الغاز.
وكان اكتشاف وتطوير موارد الغاز البحرية الضخمة بالقرب من مصر وإسرائيل وقبرص في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين قد أدَّى إلى تحوُّل جذري في مشهد الطاقة في المنطقة بأسرها، وتحويل المنطقة إلى مركز إنتاج رئيسي يجذب شركات الطاقة العالمية.
وكانت هذه الطفرة في الإنتاج بمثابة نعمة كبيرة بالنسبة لمصر على وجه الخصوص. فقد وَفَّر اكتشاف حقل “ظهر” عام 2015م، وهو أكبر حقل غاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتطويره السريع بحلول عام 2017م، لمصر مصدرًا حيويًّا للطاقة يغذي سوقها المحلية، بالإضافة إلى دخل حيوي من صادرات الغاز الطبيعي المسال، والتي وَصَلت إلى سبعة ملايين طن في عام 2022م، أي ما يقارب 2% من إمدادات الغاز العالمية، وفقًا للبيانات التي أعلنتها شركة التحليلات “كبلر”.
لكن الأمور بدأت تتجه نحو الأسوأ في مصر في مطلع هذا العقد، عندما بدأ الإنتاج في الانخفاض بشكل سريع، لا سيما في حقل ظهر الرائد. حيث انخفض إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي من نقطة ذروة كانت قد تجاوزت 6 مليارات قدم مكعب يوميًّا في أوائل عام 2021م إلى 3.5 مليار قدم مكعب يوميًّا فقط بحلول شهر إبريل عام 2025م، وفقًا للبيانات التي أعلنتها مبادرة البيانات المشتركة (JODI).
ومن المتوقع أن يتراوح متوسط الإنتاج بين 4.4 و 4.6 مليار قدم مكعب يوميًّا هذا العام، وفقًا لمارتن شِرِيف، المحلل في شركة الاستشارات “تحليلات ويلجنس للطاقة” (WEA). وأضاف مارتن شِرِيف أنه من غير المرجح أن يشهد هذا الإنتاج زيادة كبيرة في السنوات القادمة، نظرًا لمحدودية النجاح الذي حققته البلاد في استكشافات الغاز البحري في السنوات الأخيرة.
هذا وقد أدَّى النمو السريع في عدد السكان في مصر وارتفاعه من 100 مليون نسمة عام 2015م إلى 115 مليون نسمة بحلول عام 2023م إلى تفاقم أزمة الطاقة في البلاد. ونظرًا لعدم كفاية الإنتاج المحلي لتلبية احتياجات السكان، بدأت مصر في عام 2020م في استيراد الغاز من “إسرائيل“، التي شهدت بدورها طفرة في إنتاج الغاز خلال العقد الماضي عقب اكتشاف عدد من الموارد البحرية الكبيرة للغاز الطبيعي. كما ارتفع إنتاج إسرائيل بأكثر من 70% خلال العقد المنتهي حتى عام 2024م ليصل إلى 2.5 مليار قدم مكعب يوميًا، مع تصدير حوالي نصف هذه الكمية إلى مصر والأردن المجاورتين لها، وفقًا لبيانات حكومية “إسرائيلية”.
كما دفع الانخفاض الحاد في إنتاج الغاز مصرَ إلى استئناف استيراد الغاز الطبيعي المسال في عام 2024م، لأول مرة منذ عام 2018م. ومن المتوقع أن تستورد مصر ما يصل إلى 160 شحنة من الغاز الطبيعي المُسَال هذا العام والعام المقبل بأسعار أعلى بكثير مما يمكنها إنتاجه محليًّا أو حتى استيراده من “إسرائيل”، حيث تعمل خطوط الأنابيب الخاصَّة بالتصدير بكامل طاقتها بالفعل حاليًّا.
إنتاج واستيراد الغاز الطبيعي المصري:

(ملاحظة: تقديرات إنتاج واستيراد الغاز الطبيعي المصري بالمليون متر مكعب قياسي)
خسائر الحرب:
لقد سلطت الحرب الإقليمية الأخيرة التي اندلعت بين “إسرائيل” وإيران الضوء على هشاشة الوضع الذي تعيشه مصر في مجال الطاقة.
وشهدت “إسرائيل” ومصر، الجارتان اللتان كانتا قد وقَّعتا اتفاقية سلام عام 1979م بعد عقود من الصراع المتقطع، تزايدًا ملحوظًا في اعتمادهما المتبادل على بعضهما البعض في ظِل تطور تجارة الغاز بينهما.
وظلت تدفقات الغاز هذه متواصلة إلى حد كبير حتى بعد اندلاع الحروب في المنطقة، في أعقاب السابع من أكتوبر لعام 2023م. لكن لم يلبث ذلك الوضع أن تغيَّر في الثالث عشر من يونيو عندما أوقفت إسرائيل أنشطتها في اثنين من حقولها الغازية البحرية الثلاثة، ليفياثان وكاريش، وذلك بعد ساعات من شنها لموجة من الغارات الجوية ضد إيران بشكل مفاجئ، مما أدَّى إلى تعليق صادراتها من الغاز الطبيعي.
وكانت مصر قد استوردت أكثر من 0.9 مليار قدم مكعب يوميًّا من “إسرائيل” في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025م، أي ما يعادل حوالي 17% من إجمالي استهلاكها الملحوظ، وفقًا لبيانات مبادرة البيانات المشتركة (JODI).
لذلك، فإن انخفاض شحنات الغاز الإسرائيلي، في الوقت الذي كان الطلب على الطاقة يقترب فيه من ذروته الصيفية، كان يهدد بتوجيه ضربة قاسية للاقتصاد المصري.
واضطرت مصانع إنتاج الأسمدة المصرية إلى إيقاف أعمالها في إطار خطة طوارئ حكومية تهدف لمواجهة انخفاض إمدادات الغاز الإسرائيلي. وزادت محطات الكهرباء في البلاد من استخدام زيت الوقود (المازوت) إلى أقصى حد، بينما تحوَّلت محطات أخرى إلى استخدام الديزل للحفاظ على استقرار الشبكة الكهربائية في بلدٍ شهد انقطاعات واسعة النطاق للتيَّار الكهربائي في السنوات الأخيرة.
وتشير حسابات تقريبية إلى أنه مقابل كل أسبوع من انقطاع واردات الغاز الإسرائيلي، كانت مصر في حاجة إلى شراء شحنتين إضافيتين من الغاز الطبيعي المسال أو إيجاد مصادر بديلة للوقود.
صافي صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال:
وكانت مصر قد عادت إلى سابق عهدها كمستورد خالص للغاز الطبيعي المسال في عام 2024م، وذلك نتيجةً للانخفاض الحاد في إنتاج الغاز المحلي.

(ملاحظة: تقديرات صافي صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال بالمليون طن.. رون بوسو. المصدر: كبلر)
تزايد الاعتماد على إسرائيل:
ولحسن حظ القاهرة، فقد استأنفت إسرائيل تصدير الغاز إلى البلاد في الخامس والعشرين من شهر يونيو. لكن هذا لا يتأتى له أن يحل مشاكل مصر الأساسية.
صحيح أن شركات الطاقة الكبرى، بما في ذلك بريتش بتروليوم (BP) وإكسون موبيل وشل وشيفرون، تواصل أنشطتها في استكشاف موارد جديدة للغاز الطبيعي في مصر، والتي قد تُسهِم، في حال اكتشافها، في تعويض الانخفاض الطبيعي في حقولها الحالية من الغاز.
وقد تزيد صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر عندما يقوم حقل ليفياثان الذي تديره شركة شيفرون بتوسيع إنتاجه إلى 14 مليار متر مكعب في عام 2026م من 12 مليار متر مكعب حاليًّا، على الرغم من أن التأخر في توسيع قدرة خطوط الأنابيب بين البلدين قد يعوق هذا التوسع.
لكن إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد يواجه آفاقًا قاتمة في الوقت الحالي. وفي الوقت نفسه، تعاني البلاد أيضًا من تباطؤ النمو وخسارة كبيرة في إيرادات رسوم عبور قناة السويس، حيث حوَّل العديد من الشركات المشغلة للسفن مسارات حركة سفنهم بعيدًا عن البحر الأحمر بسبب الهجمات التي يشنها الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن منذ عام 2023م (ضد السفن المتجهة بشكل مباشر أو غير مباشر إلى “إسرائيل” التي تقوم بحرب إبادة ضد الفلسطينيّين في قطاع غزة).
أما من منظور إقليمي أوسع، فإن تراجع صناعة الغاز في مصر يُبدِّد الآمال التي كانت منعقدة في أن تصبح منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط مركزًا رئيسيًّا لتصدير الغاز الطبيعي المُسَال في السنوات المقبلة.