تقدير موقفغير مصنف

قرار مجلس الأمن رقم 2803 وخطة ترامب لإنهاء حرب غزة.. تقييم التداعيات والسيناريوهات المستقبلية

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

صَوَّت مجلس الأمن الدولي، بتاريخ 17 نوفمبر 2025م، على القرار رقم 2803، في خطوة تُعَد الأكثر حساسية وتأثيرًا على مستقبل الصراع في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب بعد “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023م.

القرار حصل على أغلبية قوية بعد مفاوضات وضغوط أمريكية دبلوماسية مكثفة، وتبنى بصورة مباشرة الخطة الأمريكية ذات العشرين نقطة لإنهاء النزاع، والتي أعلنتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 29 سبتمبر 2025م.

يُعَد هذا القرار أول إطار دولي مُلزِم يُعيد تشكيل إدارة قطاع غزة عبر إنشاء “مجلس السلام” كهيئة انتقالية ذات شخصية قانونية دولية، مكلفة بالإشراف على إعادة الإعمار وإدارة مرحلة ما بعد الحرب إلى حين استكمال إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية.

تكمن أهمية القرار في كونه يعكس تحولًا ملحوظًا لدى القوى الدولية من إدارة الأزمة إلى محاولة هندسة ترتيبات سياسية وأمنية جديدة داخل غزة. ورغم ما يحمله القرار من فرص لوقف القتال وبدء إعادة الإعمار، إلا أنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام تحديات عميقة تتعلق بالشرعية والسيادة الداخلية، وبقدرة الأطراف على الالتزام بآليَّات تنفيذ الخطة في بيئة سياسية وعسكرية شديدة التعقيد.

أولًا: السياق السياسي لصدور القرار 2803

صدر القرار في سياق سياسي معقد، بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب في قطاع غزة، وما رافقها من تصعيد عسكري وتدهور كارثي في الوضع الإنساني.

ورغم التباينات بين القوى الكبرى، فإن الإرهاق الإستراتيجي للأطراف، واتساع المخاوف من حدوث تدهور أكبر، دفعا المجتمع الدولي إلى تبني رؤية مشتركة لإنهاء النزاع.

الولايات المتحدة لعبت الدور الأبرز في الدفع نحو اعتماد الخطة، بينما حرصت الدول الأوروبية على تضمين بند يربط عمل “مجلس السلام” بمبادئ القانون الدولي.

إقليميًّا، تبنت مصر والأردن وقطر موقفًا داعمًا مشروطًا يركز على وقف إطلاق النار ومنع أي ترتيبات قد تفتح الباب لتهجير الفلسطينيّين أو الإضرار بالأمن القومي العربي.

ويشير تضمين القرار لعبارة “الحفاظ على وقف إطلاق النار دون تأخير” إلى إدراك المجتمع الدولي بأن استمرار العمليات العسكرية يهدد بعرقلة أي مسار سياسي أو إنساني في قطاع غزة.

ثانيًا: أبرز بنود الخطة الأمريكية التي صوت عليها مجلس الأمن

  • يَعتمد قرار مجلس الأمن الدولي – الذي يحمل رقم 2803 – الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في قطاع غزة، وهي المعروفة بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمكونة من 20 نقطة لإنهاء النزاع في غزة، والصادرة يوم 29 سبتمبر 2025م، ودَعَا الأطراف لتنفيذها بالكامل والحفاظ على وقف إطلاق النار دون تأخير.
  • يُرحب القرار بتأسيس “مجلس السلام” باعتباره هيئة إدارية انتقالية ذات شخصية قانونية دولية للإشراف على إعادة إعمار غزة حتى استكمال برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، مع إضافة عبارة تؤكد أن عمل المجلس يجب أن يتماشى مع مبادئ القانون الدولي.
  • يُشير القرار إلى أن استكمال إصلاح السلطة الفلسطينية والتقدُّم في إعادة الإعمار قد يهيئان الظروف لمسار نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية، مع فتح حوار أمريكي بين الأطراف حول الأفق السياسي.
  • يؤكد القرار ضرورة استئناف دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بالتعاون مع مجلس السلام، وضمان أن يقتصر استخدامها على الأغراض السلمية.
  • يُجيز القرار للدول المشاركة و”مجلس السلام” إنشاء كيانات تشغيلية ذات سلطات دولية لإدارة الحكم الانتقالي والإعمار والخدمات والمساعدات وتنظيم حركة الدخول والخروج من القطاع.
  • يوجه مجلس الأمن دعوة للبنك الدولي والمؤسسات المالية لدعم إعادة إعمار قطاع غزة وإنشاء صندوق مُخصَّص لهذا الغرض.
  • يُجيز القرار إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة في قطاع غزة تعمل تحت قيادة موحدة يقبلها مجلس السلام، وبالتنسيق مع مصر وإسرائيل، ولها حق استخدام كل الإجراءات اللازمة وفق القانون الدولي لتنفيذ مهامها.
  • ينص القرار على أن قوة الاستقرار سوف تعمل على تجريد قطاع غزة من السلاح وحماية المدنيّين وتدريب الشرطة الفلسطينية والمساعدة في تأمين الممرات الإنسانية.
  • سوف تعمل القوة الدولية – بموجب القرار – أيضًا على مساعدة “مجلس السلام” في مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، وإبرام الترتيبات التي قد تكون ضرورية لتحقيق أهداف الخطة الشاملة.
  • يَذكر القرار أنه مع تقدم السيطرة سوف تنسحب قوات الجيش الإسرائيلي وفق معايير وجدول زمني متفق عليه.
  • يُحدِّد القرار انتهاء ولاية “مجلس السلام” والوجود الدولي المدني والأمني في 31 ديسمبر 2027م ما لم يُقرِّر المجلس خلاف ذلك.
  • يدعو القرار الدول والمنظمات لتقديم الدعم المالي واللوجستي لمجلس السلام وقوة الاستقرار الدولية، وتقديم المجلس تقريرًا كل 6 أشهر.

ثالثًا: مجلس السلام “الهيكل الانتقالي الجديد لإدارة غزة”

يمثل إنشاء “مجلس السلام” التحوُّل الأكثر عمقًا في قرار مجلس الأمن؛ إذ يمنح المجتمع الدولي دورًا مباشرًا وغير مسبوق في إدارة قطاع غزة خلال المرحلة الانتقالية.

المجلس يتمتع بشخصية قانونية دولية، وصلاحيات واسعة تشمل الإشراف على الإعمار، وتنسيق الأمن، وإدارة الخدمات الأساسية.

ومع أن الهدف المُعلَن للمجلس هو ضمان الاستقرار وتهيئة البيئة لعودة مؤسسات السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، إلا أن دوره يثير تساؤلات جوهرية حول:

  • حدوده أمام السلطة الفلسطينية خلال المرحلة الانتقالية.
  • مدى قبوله فلسطينيًّا، سواء من فصائل المقاومة أو المجتمع المحلي.
  • إمكانية تجنب اصطدامه بالمصالح الإقليمية المتداخلة في غزة.

التحدي الأكبر أمام المجلس يتمثل في إدارة قطاع غزة في وقتٍ تتداخل فيه مصالح واتجاهات القوى العسكرية والسياسية، وسط بيئة أمنية شديدة التعقيد.

رابعًا: التداعيات على الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية

فلسطينيًّا، يَضع القرار الفصائل المسلحة أمام استحقاق صعب يتعلق بمستقبل سلاحها ودورها في النظام السياسي.

كما يمنح القرار السلطة الفلسطينية فرصة لإعادة بناء مؤسساتها، لكنه في الوقت نفسه يدفعها نحو اختبار جديد يتعلق بمدى قدرتها على استعادة الشرعية وتحمل أعباء المسؤولية في بيئة مضطربة.

أما حركة حماس فقد جاء موقفها تجاه القرار 2803 متحفظًا وحذرًا، فبينما رحبت بأي ترتيبات تؤدي إلى وقف شامل للعدوان وفتح مسارات إنسانية وإعادة إعمار عاجلة، اعتبرت أيضًا أن القرار يتضمن عناصر “غير متوازنة” ولا يعالج جذور الصراع.

ورفضت الحركة البنود المتعلقة بنزع السلاح الثقيل، واعتبرتها استهدافًا مباشرًا لمكون المقاومة ودورها في حماية الشعب الفلسطيني.

كما أبدت حماس قلقًا من إنشاء “مجلس السلام” بصلاحيات دولية واسعة، معتبرةً أن ذلك قد يُستخدَم لفرض وصاية سياسية على غزة أو إعادة تشكيل النظام الداخلي بأسلوب يتجاوز الإرادة الفلسطينية.

وحذرت الحركة من أي ترتيبات يمكن أن تقصي الفصائل المقاومة أو تقلص حضورها داخل البنية السياسية.

ويمكن تلخيص موقف الحركة بأنه قبول إنساني للقرار ورفض سياسي– أمني لجوهره التنفيذي، مع استمرار سعيها للتفاوض عبر الوسطاء لضمان الحفاظ على وجودها السياسي والتنظيمي في مرحلة ما بعد الحرب.

إسرائيليًّا، يوفر القرار مكاسب أمنية وسياسية لإسرائيل في فترة ما بعد الحرب، إذ يضمن وقف إطلاق النار وفق ترتيبات دولية، لكنه أيضًا يضع إسرائيل تحت مراقبة دولية لتجنب خروقات قد تعرقل الخطة.

وفي المقابل، تظل إسرائيل قلقة من قدرة “مجلس السلام” على ضبط الأمن ومن إمكانية تعثر عملية نزع سلاح المقاومة أو تنفيذ الإصلاحات الفلسطينية.

خامسًا: الانعكاسات الإقليمية والدولية للقرار

تعد مصر الطرف الإقليمي الأكثر تأثرًا بقرار مجلس الأمن، نظرًا لارتباطه المباشر بأمن سيناء، وبالحدود، وبملف المصالحة الفلسطينية، ويُعتبر دورها محوريًّا لضمان عدم تحول “مجلس السلام” إلى كيان منفصل عن توجهات الإطار العربي.

أما قطر، فتستمر في دور الوساطة، بينما تشارك الأردن بشكل مباشر في ملفات إعادة الإعمار وإصلاح القطاع الأمني.

دوليًّا، يعكس القرار رغبة أمريكية في استعادة موقع القيادة في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت ذاته يوسع دور الأوروبيّين عبر آليَّات المراقبة والتمويل.

سادسًا: السيناريوهات المتوقعة

في ضوء توازنات القوى الحالية، ومواقف الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية، وطبيعة القرار 2803 وما يترتب عليه من ترتيبات أمنية وسياسية جديدة، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستقبل قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة:

1 – سيناريو التنفيذ الجزئي والانتقال المضطرب (السيناريو الأكثر ترجيحًا)

يقوم هذا السيناريو على قبول الأطراف – على مضض – بتنفيذ البنود الإنسانية والأمنية العاجلة من القرار، وفي مقدمتها وقف إطلاق النار، والتوسع في إدخال المساعدات، والشروع في إنشاء “مجلس السلام” بصلاحيات محدودة.

إلا أن الخلافات العميقة حول مستقبل السلاح وتركيبة الإدارة في قطاع غزة، سوف تجعل عملية الانتقال بطيئة ومليئة بالتعثرات، وربما تؤدي إلى توترات أمنية متقطعة داخل غزة، إضافة إلى تنافس حاد بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس على النفوذ داخل مؤسسات المرحلة الانتقالية.

وفي هذا السيناريو، سيكون “مجلس السلام” فاعلًا لكن بقدرات محدودة، بينما تبقى ملفات الإصلاح السياسي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية معلقة ومتعثرة لفترات طويلة.

2 – سيناريو الانفجار السياسي وعودة التصعيد (السيناريو الأخطر)

وفق هذا السيناريو، تتصاعد اعتراضات حماس وفصائل المقاومة على الصلاحيات الواسعة لمجلس السلام، مع رفضها البنود المتعلقة بنزع السلاح أو دمج المقاتلين في أجهزة السلطة. قد تقابل إسرائيل أي تحركات ميدانية برد عسكري يؤدي إلى انهيار وقف إطلاق النار.

انهيار المسار السياسي سوف يُعيد الصراع إلى نقطة الصفر، وربما يُعيد إسرائيل إلى عمليات عسكرية واسعة بذريعة “فشل الخطة الدولية”، بينما تتعاظم الانقسامات الداخلية الفلسطينية، وتدخل غزة في مرحلة مضطربة ويُجهَض القرار 2803 تمامًا، ويعود القطاع إلى مربع المواجهة العسكرية.

3 – سيناريو الترتيبات المستقرة ونجاح الانتقال (السيناريو الأقل احتمالًا)

يقوم هذا السيناريو على قدرة الأطراف الدولية، خصوصًا الولايات المتحدة ومصر وقطر، على ممارسة ضغوط مشتركة تقود إلى إنجاح تنفيذ خطة الـ20 نقطة بالكامل، بما يشمل انتقالًا منظمًا للسلطة الفلسطينية بعد استكمال الإصلاحات، وتثبيت وقف إطلاق النار، وإطلاق عملية إعادة إعمار شاملة تحت إشراف مجلس السلام.

نجاح هذا المسار يتطلب قبولًا من حماس بدور سياسي محدود ضمن صيغة توافقية، وامتناع إسرائيل عن فرض وقائع جديدة على الأرض، إضافة إلى توافق فصائلي فلسطيني نادر الحدوث.

ورغم أن هذا السيناريو هو الأكثر إيجابية، إلا أن تعقيد المشهد يجعل احتماله ضعيفًا خلال المدى القريب.

الخاتمة

يعكس قرار مجلس الأمن 2803 محاولة دولية جادة لإعادة هندسة المشهد في قطاع غزة عبر إطار انتقالي جديد يَستند إلى خطة ترامب ذات العشرين نقطة، ويُعيد صياغة ترتيبات ما بعد الحرب من خلال “مجلس السلام” كأداة لإدارة الإعمار وتنظيم المرحلة المقبلة.

غير أن التباين الحاد في مواقف الأطراف – خصوصًا تحفظات حركة حماس على الصلاحيات الواسعة للمجلس واعتراضها على البنود المرتبطة بالسلاح والهيمنة الإدارية – يؤكد أن الطريق نحو تنفيذ القرار لن يكون ممهدًا.

فبينما ترى السلطة الفلسطينية في القرار فرصة لإعادة تموضعها، تنظر إليه إسرائيل كآلية لضبط الأمن في غزة، في حين تتعامل معه حماس كمسار قد يُقوِّض نفوذها ما لم تؤخذ مخاوفها في الحسبان، وهذا الخليط من الحسابات المتعارضة يجعل المشهد هشًا وقابلًا للتقلب.

على ضوء هذه المعطيات، يتضح أن مستقبل القرار سَيُحسم بالكيفية التي ستتم بها إدارة المرحلة الانتقالية، ومدى قدرة الوسطاء الإقليميين والدوليين على منع الانزلاق نحو السيناريوهات التصعيدية.

فالتنفيذ الجزئي المضطرب يبدو الأكثر ترجيحًا، بينما يبقى الانهيار أو النجاح الكامل احتمالين مفتوحين مرتبطين بمدى التوصُّل إلى تفاهمات حول السلاح، والإدارة، وترتيبات الأمن.

إن القرار 2803 لا يمثل نهاية الصراع، بل بداية مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، يفترض فيها أن تختبر إرادة الأطراف في تحويل هذا الإطار الدولي إلى مسار واقعي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، ويعيد بناء غزة، ويمنع إعادة إنتاج أسباب الحرب من جديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى