مقدمة
يُعاني العالم من تناقضات وفوضى لم يشهدها منذ عقود؛ فالنظام الدولي في تفكك، والنظم الإقليمية غير قادرة على إدارة أزماتها، كما أن الدولة الوطنية تواجه تحديات غير مسبوقة، سواء من الشبكات العالمية كالشركات والمنظمات الدولية، أو شبكات المصالح العابرة للقارات. كما أن التنظيمات تحت الدولة تكتسب زخمًا في التأثير لم يكن ليكون لولا ثورة الاتصال التي يعيشها العالم منذ عقود. تفكيك هذه التناقضات هو جوهر نظرية القيادة عبر المستقبل، التي أطلقتها جامعة ماساتشوستش للتكنولوجيا. فمن خلال هذه التناقضات يمكن للقيادة التي تتحسس المستقبل أن ترسم ملامح المستقبل وتصنعه إذا امتلكت القدرات القيادية اللازمة.
في هذه الورقة، نرسم بعض هذه التناقضات التي تعانيها المنطقة العربية والإسلامية، ونرسم ملامح المستقبل والسياسات التي يمكن من خلالها العبور نحو المستقبل والخروج من حالة الركود والتخلف والضعف الإستراتيجي الذي حوَّل المنطقة لساحة تصفية نزاعات دولية، وأفقدها القدرة على أن تكون لاعبًا دوليًّا يُحسَب له حسابات في عالم يشهد تحولات تاريخية غير مسبوقة.
تمهيد
ربما لن يكون من الصعب الحديث عن تحولات كبرى تشهدها المنطقة، فكل ما حولنا تغيَّر تغيرًا جذريًّا، سواء تلك القضايا المتعلقة بطبع الحياة ومؤشرات الاقتصاد والاجتماع، أو المسارات الكبرى في الديمغرافيا والبيئة والتقنية. وتأثير كل ذلك على النظام العالمي وقدرته على إيجاد الحد الأدنى من الاستقرار الذي يسمح باستمرار العالم بشكل طبيعي يوحي بوجود نظام يمكنه ضبط العلاقة بين الدولة وما فوقها وما تحتها من منظمات وهيئات وشركات كبرى.
لقد اختصر ابن خلدون هذه الفترة من التاريخ بقوله: “إذا تبدَّلت الأحوال جملة، فكأنما تبدَّل الخلق من أصله، وتحوَّل العالم بأسره، كأنه خلق جديد ونشأة مستأنفة، وعالم محدث”.
هذا التصور هو جوهر الحديث في علوم المستقبل، وهناك عدة نماذج تفسيرية لهذا التحول الكبير، وهي محل دراسة من جامعات كبرى عبر العالم، يمكننا من خلالها فهم هذه النظريات، ومراجعة النماذج التفسيرية لمستقبل المنطقة، أعني العالم العربي والإسلامي، أو ما يُسمَّى بقوس الأزمة في الشرق الأوسط من أفغانستان للمغرب، أو بتعبيرات المستشرق جون مارشال: من نهر النيل لنهر جيحون، أو ما عُرف تاريخيًّا بطريق الحرير.
هذه المنطقة لها ديناميتها الخاصَّة عبر التاريخ، وبدون فهم كيف تحركت هذه المنطقة تاريخيًّا سيكون من الصعب فهم طبيعة مسارها المستقبلي. لذا سنحاول أن نميز هنا بين مجموعة من النظريات للتحول الكبير الذي يشهده العالم، ثم نتحدث عن كيف سـتؤثر هذه التحولات في منطقتنا العربية والإسلامية، لندلف بعدها في الحديث عن تصور مستقبل الأحداث الجارية، سواءً في غزة، أو سوريا، أو مآلات الدولة العربية التي يَرى برنارد لويس أنها تعيش عصر النهايات.
التحول الكبير
النظريات المستقبلية تطورت بشكل كبير، ويمكن تلخيصها في توجهين أساسيّين: نظريات العامل الواحد، ونظريات مركبة.
جدول (1)
مختصر النظريات المتعلقة بمستقبل العالم
أولًا: نظريات العامل الواحد | 1 | نظريات الزمن والتغيير: تركز على فهم الصراع بين الثابت والمتغير في الأيديولوجيات المختلفة. |
2 | فرط الثقافة: تشير إلى تأثير السرعة والمعلومات على البنية البشرية وعلاقتنا بالماضي والمستقبل. | |
3 | نظريات العلم والتقنية والعقلانية: تعتمد على التغيرات العلمية والنظريات الحديثة في تشكيل المستقبل. | |
ثانيًا: النظريات التكاملية والنماذج التركيبية | 1 | نظريات البيئة والرؤية الشاملة: تعزز النظر إلى البيئة والنشاطات البشرية ككل متكامل، وترى أن تأثيرها سيكون حاسمًا في التغيرات التي يشهدها العالم. مثال: ما يحدث من فيضانات وزلازل. |
2 | النظريات الدينية: تشمل كافة التصورات المستقبلية الدينية، ومنها كل ما يشمل الحديث عن ملاحم كبرى ينتهي بها التاريخ. | |
3 | النظريات النفسية والعلاقات الإنسانية: تركز على تطور النفس الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، وهذه ترى بتغيرات كبرى في النفس البشرية بل تغيرات جينية تثبتها بعض الدراسات، وكذلك تدرس تأثير الذكاء الصناعي في تطوير أو تجاوز القدرات البشرية في التفكير والتحليل والتوقع. | |
4 | نظرية المسارات الكبرى وتشمل: التغيرات الديمغرافية والتقنية: مثل العولمة والتغيرات البيئية وتأثيرها الواسع.عالم المعلومات والكمبيوتر: تأثير المعلوماتية على الحياة الاجتماعية.الثورات التقنية: كالتقنيات الحديثة والروبوتات والبيوتكنولوجي. |
هذه النظريات رغم اختلافها إلا أنها تتفق بأننا نعيش حالة من التطورات الكبرى التي تطال كافة مناحي الحياة. أقرب الأمثلة التي تبين فكرة التطور والتحول هو ما يحدث في دودة القز، حين تتحول من شرنقتها إلى فراشة متعددة الألوان وتطير في الهواء. هذا التحول الكبير يرتبط بنظرية التطور، لكنها شملت ثلاث نظريات أخرى هي السائدة في جامعات العالم: نظرية التكاملية لكلين ويلبر الفيلسوف الأمريكي، ونظرية التركيب لإدغار مورين الفرنسي، ونظرية الواقعية النقدية لروي باسكار الفيلسوف الهندي.
هذه الفلسفات لا ترى بأن المستقبل سيطال فقط تحولًا في التقنية أو عدد السكان أو تغيرًا في ميزان القوى، بل إن هناك فلسفة جديدة كاملة قد تحكم العلم والمعرفة في القرن الحادي والعشرين.
بصورة أوضح، ما نعنيه من عرض هذه النظريات التي بسطنا القول فيها في كتابنا “النهايات”[1]، هو أن التحول الذي يشهده العالم سوف يشمل مسارات كبرى، تتعلق بالبيئة والتقنية والديمغرافيا، هذه ستؤثر في تصورنا للعالم وطبيعة المناهج البحثية للتاريخ. وفي النهاية سنجد أن مجموع الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية تؤثر في النفس البشرية وقدراتنا على إدراك الوجود من حولنا، وهكذا تصبح القرارات في المجالات المختلفة مغايرة لما نعيشه اليوم. باختصار: التغيير شامل، وهو استئناف لخلق جديد تمامًا كما ذكر ابن خلدون.
نظرية القيادة عبر المستقبل
إحدى هذه النظريات هي نظرية القيادة عبر المستقبل، التي تعطينا تصورًا مبسطًا عن التحولات التي يشهدها العالم. ولها ميزة، فهي تعتمد على تحليل التناقضات، أو ما يُعرف بالجدلية ((Dialectic. وهذا منهج قديم تجاوزته الحداثة بالتحليل المرتبط بتفكيك الظواهر وتبسيطها واتخاذ بعض الجزئيات كدليل على الظاهرة الكلية. أما طريقة التفكير هذه فتنظر في اكتشاف التناقضات ومعرفة مآلاتها. وقد أثبتت علوم الإدراك والأعصاب أنها طبيعة بشرية، وأنها إحدى الخصائص التي يكتسبها الإنسان من خلال ممارسة الحياة منذ الطفولة. هذه النظرية تسير بنفس المنوال، فتحاول أن تتبع هذه التناقضات ومعرفة مساراتها. يشرح أوتو شارمر في كتابه هذه الفكرة حين يقول:
“الكوارث الطبيعية كالبراكين، والزلازل، والتسونامي تميل لتحدث عند خطوط الصدع للصفائح التكتونية؛ هذا يَعني أن الأرض التي تلتقي فيها هذه الصفائح يَحتك بعضها ببعض بقوة هائلة. لا يمكننا أن نتوقع تمامًا أين أو متى ستنفك هذه الصفائح عن بعضها أو متى سيحدث الانفجار. لكن من خلال معرفة جغرافيا خطوط التصدع يمكننا معرفة المناطق الأكثر تأثيرًا”.
القيادة عبر المستقبل تعني أن نتلمس هذه التصدعات ونتحسسها ونتعامل معها، ليس عن طريق التحليل المجرد، إنما بوعي بحجم التحديات وتعدد الرؤى والتوجهات والإرادات التي يمكن أن تنتظر المستقبل وتتعامل معه، بعد أن خففت من عبء الماضي. ويمكن هنا أن ننظر لما حدث في الربيع العربي لنعرف كيف يمكن لتلمس المستقبل أن يقود الناس نحو التغيير. المثال الحي لهذا هو المسار الذي أطلقت شرارته أسماء محفوظ، عبر الفيديو الذي نشرته في 18 يناير 2011م، والذي ألهم الناس حول العالم، وعندما نزلت لساحة التحرير تجمع حولها ثلاثة شباب فقط. في المرة التالية، بعد أسبوع من نشر الفيديو، في 1 فبراير، مليون متظاهر تجمعوا سلميًّا في الساحة. وفي 11 من فبراير، سقط نظام لم يعتقد أحد أنه سيسقط بهذه السهولة.
يشرح أوتو شارمر في الكتاب المذكور بعد ذلك هذه التناقضات التي يعانيها العالم وتتمثل في:
- التناقض البيئي: فنحن نستهلك ضعف ونصف ما يمكن للبيئة أن تنتجه، وهذا يَعني أن نظريات التنمية التي ترتبط بالنمو المستمر دون إدراك للأبعاد البيئية وقدراتها المتناهية في إنتاج الموارد قد تؤدي لأزمات وصراعات مستمرة على الموارد. التجربة الرواندية درست بعناية في هذا السياق، وأكدت كيف لشح الموارد أن يؤدي لنزاعات مستمرة. التغيرات البيئية والديمغرافيا مع استمرار النهج الرأسمالي الذي يستبعد البيئة من المعادلة قد يؤدي إلى صراعات، وهذا قد يُغيّر كل شيء كما كتبت نعومي كلاين.
- تناقض الثروة والدخل: 1% فقط من سكان العالم يمتلك أكثر مما يمتلكه 90% من الطبقات الدنيا، وهذا يَعني تركز الثروة واستمرار حالة اللاتفاوت الشديدة، ما يجعل حقوق الإنسان والقيم الإخلاقية والحكم الرشيد قضايا أساسية لمنع انفجار هذا التناقض.
- التناقض بين الاقتصاد المالي والاقتصاد الحقيقي: التجارة العالمية للسلع تشكل فقط 1.4% من الاقتصاد العالمي الذي يَعتمد على المضاربة في العملات، وتشكل أكثر من 1500 تريليون دولار ( 1.5 كوادري ليون)، بينما تشكل تجارة السلع 20 تريليون دولار فقط. هذه المضاربات المستمرة تستفيد منها شركات كبرى وشبكات عابرة للنظم السياسية، سواء كانت دكتاتورية أو ديمقراطية، لأنها تعيد تدوير هذا المال بشكل رهيب[2].
- التناقضات التقنية: مع انتشار التقنية صارت حلًّا لكثير من المعضلات، ولكن هذه الحلول عادةً ما تتعرض للأعراض ولا تصل لجذور المشاكل التي نعانيها. وهكذا صارت التقنية تمنع عنَّا رؤية الكثير من الواقع الذي نعيشه، وهذا يحدث لبعض الدول التي تريد أن تغطي على معضلاتها الاجتماعية العميقة بالاستثمار في هذه المجالات. التقنية سوف تكون أكثر فاعلية إذا حللنا بها جذور المشاكل التي نعانيها.
- تناقضات القيادة: القيادات تصدر قرارات تتناقض مع الناس المتأثرين بهذه القرارات، وهذا يصل بالقرارات الفوقية إلى حدودها القصوى، والتي تعني التمرد وغياب القدوات والقيادة للناس في النظر للمستقبل والعمل من أجله.
- تناقض الاستهلاك: آليَّة الرغبة والاستهلاك المستمر يأتي على صحة الناس وسعادتهم، وهذا يصل إلى مداه، وهذا يفسر انتشار حالات القلق والإحباط كوباء يجتاح العالم[3].
- تناقض الحوكمة: فالنزاعات المستمرة، والتنافس يأتي كبديل عن التعاون والتعاضد، فالمحرك وراء كثير من القرارات هو التنافس ومحاولة غلبة الآخر، هذا يحدث في كافة المجالات وهنا يغيب الرشد عن القرارات الحكومية أو المؤسسات الاجتماعية أو الحركات الإصلاحية.
- تناقض الملكية: فهناك تصاعد في ظاهرة ملكية الشركات الخاصة والأفراد للموارد النادرة، كما يحدث لشركات التقنية، وهكذا فإن إباحة الملكية الخاصة لما هو شائع ويحتاجه الناس يمثل تناقضًا آخر وصل لمداه وفقًا لهذه النظرية. الجدول التالي يلخص هذه التناقضات.
البيئة | الدخل | الاقتصاد | التقنية | القيادة | الاستهلاك | الحوكمة | الملكية | |
الأعراض | 1.5 ضعف الموارد | 1% يملكون دخلا أكبر من 90% من السكان | 1.5 كوادري ليون من الفقاعة الاقتصادية | متلازمة الحلول التقنية السريعة | قرارات تصدر لا أحد يريدها أو مقتنع بها | الإحباط ، القلق، استهلاك دون سعادة أو شعور بالذات | عدم القدرة على حل المعضلات للنظام مجتمعًا | استهلاك للموارد من قبل فئة محدود مما يسبب مشاكل لكثير من المجتمعات |
التناقضات | نمو لامتناهي وموارد متناهية | الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرًا | اقتصاد المضاربة والاقتصاد الحقيقي | الحلول التقنية والاحتياجات الاجتماعية | تناقض بين القيادات الكلاسيكية والأزمات المعاصرة | بين ناتج الدخل القومي وسعادة الناس | تناقض بين الجزء والكل (الاغتراب) | الملكية والحاجات الاجتماعية |
المستوى | حدود النمو مع استنزاف الموارد | حدود التفاوت | حدود المضاربات (اقتصاد الفقاعة) | التركيز على الأعراض | حدود القيادة الهرمية | حدود الاستهلاك | حدود التنافس والنزاع | حدود الملكية الفردية |
في كل من هذه التناقضات تبدو القيادة عبر المستقبل أكثر وضوحًا، ففي كل مستوى سنتحاج لقيادة تركز على الاستدامة مقابل التناقضات البيئية، وتركز على حقوق الإنسان في مواجهة تفاوت الدخل، وتهتم بالاقتصاد الحقيقي أمام اقتصاد المضاربة. كما أن الحلول المستدامة قد تضع حدًا لمتلازمة الحلول السريعة التي تصحب التناقض التقني. في مستوى الرغائب سيكون للثقافة والوعي دور في تغيير طبيعة المستهلك، كما أن التعاضد والتعاون يحتاجان لقيادات تتجاوز التنافس والتنازع الذي يخلق تناقض الحكومة والإدارة الرشيدة ويدخل في ذلك تنظيم الملكية العامة.
هذه التناقضات تنعكس على منطقتنا وتؤثر فيها، لكن هناك تناقضات أخرى تختص بها المنطقة، هي التي سنذكرها فيما يلي.
تناقضات العرب والمسلمين
هذه التناقضات التي يشهدها العالم، ربما تجسدت في منطقتنا العربية والإسلامية، وهذا ليس بجديد، ففي كتاب فرانكوبين، مؤرخ التاريخ العالمي في جامعة أكسفورد، وعنوانه: “طريق الحرير[4]“، خير شاهد على أن هذه المنطقة من نهر جيحون إلى النيل كانت مرآةً للعالم الذي نعيشه ولاتزال. من خلال هذه التناقضات يمكن رسم ملامح المستقبل. نكرر هنا أنه لم يكن التنبؤ بالمستقبل جزءًا من علوم المستقبليات، بل الأصل هو فتح آفاق المستقبل، وهذا ممكن من خلال تمرين العقل على التفكير الأفقي الذي يتجاوز المشهد الحالي، لكن قوة هذه العلوم لا تكمن في صدق النبوءات كما يعتقد البعض خطأً. هذه القدرات هي قدرات قيادية في المقام الأول، وهو جوهر نظرية القيادة عبر المستقبل؛ إذا وضعنا ذلك في الحسبان، فإن فهم هذه التناقضات سيبدأ هناك في مساحة لا ينتبه لها كثيرون، في مؤشرات الديمغرافيا والبيئة وتأثيرات تقنيات الاتصال على المجتمعات العربية. هذه المؤثرات ستغير من طرق الوعي بالمستقبلFuture Conscıousness وهذا سيخلق في اللاوعي الجمعي حالة من العدوى الفكرية التي تنتشر بين الناس وتجعلهم يبنون سلوكهم وفقًا لما رسخ في أحلامهم وتصوراتهم. هذا ما تظهره بوضوح مجالات كعلوم الإدراك وعلوم التغيير الاجتماعية المرتبطة بنظرية الشبكة.
لتوضيح ذلك سنذكر هذه التناقضات وتأثيرها في الوعي، ومن ثم يمكن أن نربط كل ذلك بما يمكن تخيله من سيناريوهات ستعيشها المنطقة.
دول فتية وإنتاجية ضعيفة
دراسة الهرم السكاني قضية أساسية لفهم التغيرات الجيوسياسية؛ لأنه أداة سهلة ويمكن التعامل معها وتوقع مساراتها. مثل هذه المسارات المتوقعة هي التي تعطينا الأرضية التي يمكن أن نفتح من خلالها روزنة الغد الذي ينتظرنا، وهي أيضًا فتحة صغيرة لا يمكن أن نطمئن إليها كما نكرر كثيرًا.
في كتابه ما بعد العادي[5] (أو الطبيعي) في العالم الإسلامي، يُبيّن سردار عالم المستقبليات، مسارات الديمغرافيا في العالم الإسلامي، وهي مسارات تشمل منطقتنا العربية، وتتشابه هذه المسارات من حيث تأثير الثقافة والدين على بنية الأسرة ومعدلات الخصوبة فيها. بالطبع تختلف كل دولة من حيث الهرم السكاني فيها، ومن خلال دراسته يمكن أن نتعرف على معدل المواليد والنسبة الأكبر من السكان هل هي عاملة وفتية أم أن المجتمع في حالة شيخوخة. وهكذا يمكن تتبع مسار الديمغرافيا. بالطبع هنا لن نستطيع ذكر كل دول المنطقة، لكن ما يهمنا هو المسار Trend في هذا النمو السكاني وتأثيراته على المجتمعات ودول المنطقة. فالظاهر من هذا الهرم أن هذه الدول لديها معدل خصوبة يسمح بازدياد عدد السكان في المستقبل القريب، في دول مثل العراق واليمن، حيث يصل لـ 4%، كما أنها دول فتية حيث يمثل الشباب والقوى العاملة فيها نسبة كبيرة من عدد السكان تصل لـ 60%، كما في دول الربيع العربي. كما أن الهرم نموذجي من حيث عدد كبار السن ومعدل الوفيات، فنسبة كبار السكان للهرم السكاني تصل إلى 10%، وهي نسبة منخفضة مقارنة ببعض الدول الغربية، حيث تصل إلى 20%. وفي مقابل ذلك، المنطقة -نسبيًّا- هي الأقل مقارنة بمناطق أخرى في العالم.
هذا الهرم يشكل ضغطًا كبيرًا على صانع القرار، ولاتزال بنية الاقتصاد والفكر العربي غير قادرة على تحويل هذه الأرقام لقوة تنموية فكرية وإبداعية، فليس هناك إرادة سياسية وقدرة على التفكير الإستراتيجي الذي يسمح بتحويل هذه الفرص لسياسات تنموية. هذا الأمر لم يتغير بعد الربيع العربي، بل ازداد تأثيرًا، فقد صدر تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) الذي شرح الكثير من القضايا التي كانت دافعًا للحراك الشبابي وانتفاضة الشعوب العربية عام 2011، هذا التقرير أظهر غياب السياسات الحكومية لمواجهة أخطار كالفقر والأمن الغذائي، فالمنطقة هي الأكثر خطورة في العالم، كما أن التفاوت الطبقي وغياب فرص العمل أمر سائد في كثير من الدول العربية. الدراسات في هذا المجال تشير إلى تحول جديد في هذه المنطقة، فهناك عوامل جديدة ظهرت على السطح وتشمل:
- نقص في معدلات الخصوبة!
- زيادة معدل متوسط العمر
- المنطقة تتأرجح بين فورة الشباب، وزيادة في نسبة المسنين.
تؤكد الدراسات هنا أن هذا يقتضي تغير كبير في السياسات التي ستدمج بين توفير فرص عمل للشباب، وبين تعديل السياسات الحكومية للتعامل مع ازدياد أعداد المسنين (Messkoub,2017). ورغم أن هذا مختلف من مجتمع لآخر إلا أن التعامل مع هذا التناقض تحدٍّ سيكون له تأثيرات مستقبلية في قابل السنين.
شكل (1)
نسبة الاعتمادية، عدد كبار السن بالنسبة للعاملين، من عام 1970 إلى العام 2020، المنطقة تأخذ لونًا أصفر وهي نسبة أقل من 11 وهي الأقل اعتمادية، هذا المسار بزيادة الشباب بالنسبة لكبار السن بدأ يتغير خاصة مع استمرار تناقص الخصوبة في عدد من دول المنطقة كإيران والسعودية

شكل (2)
نسبة الخصوبة للدول المسلمة مقارنة بدول أخرى غير مسلمة (سردار، 2019)

طبائع السلطة وضرورات المستقبل
تواجه المنطقة العربية والإسلامية مخاطر بيئية كبيرة، ورغم أنها تعاني من التصحر والجفاف ومن أكثر المناطق في العالم تأثرًا بالتغير المناخي، ورغم ذلك يزحف الناس نحو المدينة تاركين مزارعهم وقراهم. تتبع هذه المخاطر يؤكد أن معدل خطورة هذا لم يتغير، وأن سياسة الحكومات ظلت خجولة في التعامل معها، بل إن نموذج الحكم في المنطقة لا يعتمد على صناعة قرار رشيد، وهذا يمكن أن يتضح عند تتبع مسار هذه المتغيرات البيئية.
مشاكل المياه مثلًا والنزاع حول مياه النيل والذي يهدد مصر بالجفاف في حال استمرت إثيوبيا في مشروعها سد النهضة ليس بالأمر الجديد، بل إن هذه المخاطر قائمة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وفي ليبيا، مشكلة التصحر صاحبت دولة الاستقلال منذ الخمسينيات، ولاتزال العاصمة طرابلس بلا غطاء نباتي، وهناك مخاطر حقيقية من الجفاف. ولعل ما حدث من فيضانات في مدينة درنة الليبية يؤكد غياب أي رؤية مستقبلية لفهم المتغيرات البيئية وتأثيرها على الاقتصاد والتنمية في دولة مثل ليبيا. اليمن من الدول التي يعاني أطفالها من سوء التغذية، وفي كل سنة يضطر المزارعون لحفر مسافات كبيرة تحت الأرض للوصول للمياه. هذا فضلًا عن النزاع في منطقة العراق والشام حول موارد المياه مع إسرائيل.
هذه المشاكل لم تتغير ولم يُحل أيٌ منها؛ لأن النظمَ الحاكمة إذا أرادت التعامل مع هذه القضايا الكبرى سيكون من الضروري تغيير نموذج الحكم الذي يستجيب للشروط الموضوعية للاستدامة. الأخطر من كل ذلك ما بينه تقرير منظمة الفاو السابق الذكر من أن المنطقة لا تملك مؤشرات دقيقة عن مثل هذه القضايا، وفصَّل التقرير كيف أن أغلب الأرقام يمكن أن ينالها بعض الشكوك خاصة في الفترة التي سبقت الربيع العربي. بمعنى أوضح: نحن في أزمة، ولا ندري حتى عمقها وخطورتها على وجه اليقين.
شكل (3)
المناطق المهددة بالتصحر: اللون أحمر مرتفع جدًّا، المنطقة باللون الرمادي تمثل الجفاف

التقنيات العالية والهويات القاتلة
بينما تسعى النظم الحاكمة في المنطقة لموازنة متطلبات الداخل بشروط المجتمع الدولي للبقاء في الحكم، كان عليه أن تبقي على التشققات التي تركتها القوى الاستعمارية أو تسكتها بالقمع كل حسب سياساتها. لذا فإن الكثير من الانقسامات الجهوية والقبلية والمذهبية والعرقية لاتزال غضة طرية تنتظر كيف تنفجر في وجه صنَّاع القرار، وهذا يجعل التحولات الكبرى في المنطقة خطيرة ولها ارتدادات كبيرة، تسمح بعودة التدخل الخارجي.
في هذا السياق المعقد، جاءت ثورة الاتصالات، وبات من السهل نشر السرديات المختلفة، الضارة والنافعة، داخل هذه المجتمعات، وهذا خلق تناقضًا آخر بين الوعي المجتمعي والقدرة على التواصل من جهةٍ، واستمرار الهويات القاتلة التي تغذيها السلطات الحاكمة من جهةٍ أخرى أخرى. هذه التقنيات خلقت جيلًا جديدًا يحاول أن يواكب المتغيرات التي يشهدها العالم، لكن البنية التحتية لكثير من الدول العربية لا تسمح بأن يكون هناك إبداع قد يجعل من المبادرات والتقنيات المختلفة قادرة على خلق واقع جديد يؤثر في المجال العام. الإبداع قضية أساسية في عالم اليوم، وهو أحد مجالات التنافس والتنازع بين مختلف الدول المتقدمة والصاعدة، لكن في العالم العربي بات الاستهلاك لهذه التقنيات جزءًا من المشكلة.
هذه التقنيات تقتضي تحولات هيكلية في الاقتصاد والسياسة، وهي كما تبدأ من المجتمع وشبكاته ينبغي أن تكون قوة دافعة للتحول، لكن هذا لا يحدث؛ لأن أغلب المبادرات المجتمعية تنتهي في أحضان تخطيط مركزي يهدف للتحكم في هذه المبادرات، هذا كما يحدث في المشاريع الصغرى[6] يحدث في الشركات النامية في مجالات التقنية، حيث تَبيَّن في بعض الدراسات أن تأثير التقدم التكنولوجي على مستويات الدخل والتضخم أقل من مناطق أخرى ودول صاعدة في العالم[7]. ويحدث كذلك في المجال السياسي العام الذي تحاول كل دولة التحكم فيه خوفًا من إعادة تجربة الربيع العربي. فالمجال الذي تخلقه هذه التقنيات يجعل من السهل التواصل عبر المسافات البعيدة، كما أنه يخلق سرديات وهويات قد تكون بداية للحركات وهويات قد تتناقض مع سردية الدول الحاكمة. هذا التناقض سينتهي بطريقتين: إما أن يكون هناك تحركات كبرى أخرى في المنطقة بهويات أكثر تناسقًا، وهذا سيخلق تحدٍّ أكبر للسلطات الحاكمة، أو أن تنجح الدول في التخطيط المركزي لاستيعاب هذه التقنيات التي يحركها جيل من الشباب الذي لم يعرف بعد معنى سيطرة الدولة على كل مناحي الحياة.
هذه التقنيات لتكون فاعلة، ينبغي أن يكون هناك بنية تحتية من التعليم الذي يرتبط بالإبداع وبالسوق أكثر من الجوانب الأكاديمية المنعزلة عن سياق المجتمع والسوق. وهذا ما تقوم به كثير من الدول الخليجية، على رأسها الإمارات العربية المتحدة، والمملكة السعودية، ودولة قطر، وكذلك المملكة المغربية. لكن إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الدول في دعم هذه التقنيات التي ستتناقض حتمًا مع قدرة بعض هذه الدول على المضي في ثورات التقنية للآخر؟
إن تاريخ الثورات الزراعية والصناعية وثورة الاتصال يؤكد ضرورة التقاء السياسة بالتقنية في نهاية المطاف، وهذا تناقض آخر سنرسم من خلاله سيناريوهات المرحلة القادمة في المنطقة. بالطبع سنجد دولًا أخرى تبدو في ذيل المؤشرات الدولية، وهي تستهلك التقنية ولا تملك بنية تعليمية تتناسب والقرن الحادي والعشرين، لكنها في نفس الوقت قد تتحول بفعل الإبداع المجتمعي، وغياب السلطات المركزية المضادة، لقوة فاعلة قادرة على صناعة الحاضر والمستقبل.
مؤشر الإبداع العالمي يقيس منظومة الإبداع من خلال عدة متغيرات تتعلق بالموارد والاهتمام بالبحث العلمي، والآخر يتعلق بعدد الاكتشافات بالنسبة لعدد السكان (براءة اختراع لكل مليون نسمة). كما أن الإبداع يرتبط بمواهب المواطنين من حيث الطبقة التي تهتم بالبحث العلمي والمهندسين والفنانين والعاملين في الإعلام ورجال الأعمال، ونسبة المنخرطين في دراسات عليا بالنسبة لباقي المواطنين. المؤشر يقيس كذلك مستوى التسامح داخل المجتمع، فكلما كان المجتمع منفتحًا ومتعددًا كلما كان أكثر قدرة على الإبداع والاكتشاف. وهذا يعني أن الإبداع عملية معقدة تتداخل مع عناصر مختلفة، ويمكن أن نتوقع كم هي متخلفة دول المنطقة في هذا المؤشر.
شكل (4)
مؤشر الإبداع، وظاهر فيه باللون الرمادي غياب الإبداع في المنطقة، وتظهر جهود بعض الدول كالسعودية ومصر الإمارات

في خلفية المشهد في الشرق الأوسط تناقضات كثيرة تعاني منها المنطقة بين المجتمعات الفتية وغياب الإنتاج، هناك مشاكل بيئية ملحة تقتضي تغيير هيكلية الاقتصاد لكنها تصطدم بنظم سياسية غير قادرة على استيعاب معايير الاستدامة، وهناك ثورة تقنية يُراد نقلها من مجال السوق والشبكات الاجتماعية لصالح مركزية الدولة. هذه الثلاثية ستؤثر في بنية النظام الإقليمي وعلاقته بسياق كل دولة من دول المنطقة، وينتهي هذا التحليل لمحاولة رسم سيناريوهات للمستقبل الجيوسياسي للمنطقة.
الدولة والإقليم في الشرق الأوسط
تناقض أخر يمكن تتبع مساره في منطقتنا العربية خاصة، هو ضعف النظام الإقليمي، وشمولية النظم الحاكمة. فالدول العربية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية حملت معها كثيرًا من بذور الشقاق والانقسام، وهذا ظاهر في كل دولة من دول المنطقة، من الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، لمشاكل الحدود في ليبيا مع محيطها، خاصة مصر. ومن مشاكل المياه في دول حوض النيل، إلى النزاع المستمر في منطقة الشرق الأوسط، خاصة القضية الفلسطينية. هذا المجال حظي بدراسات كثيرة، لكن برنارد لويس كتب مؤخرًا كتابًا عن نهاية التاريخ الحديث في الشرق الأوسط، فبَيَّن إمكانية عودة تلك الانقسامات التاريخية بين دول المنطقة، وأن استمرار المنطقة في عدم قدرتها على بناء نظام إقليمي متوازن ودول فاعلة تناسب قدراتها قد يجعلها في تخلف دائم. يقول: “إذا استمرت على هذا النسق (المنطقة) بضعف قدراتها أمام الهند والصين، من ناحيةٍ، والتقنية الأوروبية والأمريكية من ناحيةٍ أخرى، ستعود مرة أخرة مجالًا للمصالح وليست لاعبًا في لعبة السياسة الدولية الكبرى”.
ضعف النظام الإقليمي يُضعِف دول المنطقة، وهذا التناقض بين قوة بعض الدول على حساب الأخرى هو الذي يجعلنا أمام كثير من الشقيقات الكبرى كمصر وليبيا والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا… إلخ، بدلًا من نظرية التفتيت والانقسام والتي ستتحول لحالة من هيمنة القوي على الضعيف. وهذا ما أشار إليه برنارد لويس، وأثبتته الأحداث بعد الربيع العربي، فالشقيقات الكبرى مارست الكثير من الهيمنة التي عطلت مسار التغيير في المنطقة، وهذا له بعد تاريخي بين المملكة المغربية وموريتانيا، والجزائر ونفوذها في تونس، وهو ما له شواهد كثيرة، ومصر ومحاولاتها الدائمة للسيطرة على ليبيا سياسيًّا كما حدث إبان الانقلاب عام 1969، والتدخل السوري السافر في لبنان ومحاولات تصميم النظام السياسي اللبناني وفق أهواء حزب البعث السوري أمر معروف، وهذا ما شهدناه كذلك في محاولات السعودية والإمارات العربية المتحدة في تحجيم دور دولة قطر في السياسة الدولية. وهكذا نجد أن القوي يحاول التهام الضعيف دون أي قدرة للنظام الإقليمي – المتمثل في الأعراف الدولية والمواثيق بين الدول، بما في ذلك الجامعة العربية – على وضع أسس تسهم في تقوية الإقليم. لذا يظل ساحة للمساومات والمصالح الخارجية التي تؤثر في بنية الدولة الداخلية وتضعف قدرتها على مواكبة التغيرات الديمغرافية والبيئية والتقنية[8].
القضية الفلسطينية هي القضية الأساسية التي كان منظرو القومية العربية يريدون أن تكون الجامع بين الدول العربية، بينما أرادت بريطانيا والقوى الغربية أن تكون إسرائيل فاعلًا لتحويل المنطقة لمجال حيوي يصب في مصالح الغرب بفعل تأثير دولة الكيان على القوى السياسية العربية، وهذا ما صرح به برنارد لويس في كتابه المذكور، حيث ينقل عن لورنس العرب في مقالة له بعنوان “تغيير الشرق”:
“بعد نجاح الصهيونية بقليل سيرتقي بالتأكيد المستوى المادي للعرب، وبالتالي هذا سيكون من الأهمية بمكان بالنسبة للعرب، وقد يكون مصدرًا للارتقاء التقني للعرب بمعزل عن صناعة أوروبا، وفي هذه الحالة فإن الكونفدرالية التي تنشأ ستكون قوة معتبرة ضمن القوى الدولية، لكن هذا لن يكون بالضرورة في الجيل الأول أو الجيل الثاني”[9].
يمضي بعد ذلك برنارد لويس في وصف إمكانية اندماج دولة الكيان مع الدول العربية من خلال خلق مجال قوي تقوده دول عربية مع إسرائيل، وهذا بالطبع يخلق تناقضات ومواقف متباينة تؤكد أن المنطقة هي ساحة للنزاع وليست قوة يمكن أن تنسجم مع نفسها وثقافتها، وهذا يخلق تناقضًا أخر داخل هذه الدول.
الدول الممزقة
كما أن الدول العربية خاصة، ودول الشرق الأوسط عامة، لها خلفيات متنوعة مذهبيًّا وطائفيًّا وفكريًّا، فإن تمفصل هذه الدول حول هذه الخلافات يجعلها عرضة لكثير من الحروب الداخلية، ويجعل منها دولًا قابلة للأزمات والانقسامات، إما بفعل قوى خارجية، أو بانتشار سرديات بين مختلف المذاهب والطوائف نحو الانفصال أو المظلومية الحقوقية التي قد تنتهي لأزمات وحالة من عدم الاستقرار.
منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي مساحة لتحقيق مصالح دول أخرى وليست لاعبًا قويًّا في الساحة الدولية، وهذه أزمة مستمرة منذ نشأة الدول العربية بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الدول تعاني من مشاكل هيكلية في قدرتها على تحقيق مصالح شعوبها، وهناك عقود ضمنية بين الحاكم والمحكومين لاستمرار الوضع على ما هو عليه مقابل تقديم الحد الأدنى من سبل العيش والضمانات التي تضمن استقرار المنطقة ومنعها من تحولات ومفاجآت تؤثر في النظام الدولي.
في كتاب ما وراء الربيع العربي، الذي نشرته مجموعة من الباحثين حول العالم، تمحور النقاش حول نموذج المساومة المستمرة للطبقات الحاكمة في العالم العربي. وملخص النموذج أن دول المنطقة سَعت لإحداث حالة من الثبات والاستقرار والخدمات للشعوب مقابل الولاء السياسي وضمان عدم الخروج عن الطاعة. هذا النموذج كما هو واضح سيتأثر بتغيرات في قدرة هذه الدول على الوفاء بتعهداتها، لذا فإن الدول النفطية تظل دائمًا رهينة لأسعار الطاقة، بينما الدول غير النفطية تستعين بدول خارجية للحصول على مساعدات خارجية أو دعم مادي لضمان استمرار هذه الصفقة مع الشعوب. هذه المراوحة منعت المنطقة من تمكين شركات كبرى في تمثيل قطاع خاص قوي وفاعل، كما أنها ألغت المجتمع من معادلة السلطة. في مقابل ذلك نشأت نخب اقتصادية وسياسية تحسن التربح من هذه التناقضات.
هذه الدول شهدت هزة كبيرة بعد ما عُرِف بالربيع العربي، وهو في الواقع زلزال قلب المسلمات التي بُنيَت عليها المنطقة وسياسات الدول الغربية تجاهها رأسًا على عقب. في كل بدأت تطفو على السطح تناقضات أعمق من تلك التي عرفها النظام العربي قبل الربيع العربي.
في مقال نشرته مجلة “الفورين أفير”، لرئيس معهد كارنيجي في الشرق الأوسط، مها يحيي، تتضح الصورة أكثر حين تقول:
“أمضت إيران وإسرائيل والولايات المتحدة ودول الخليج العربي عقودًا من الزمن في محاولة تشكيل المنطقة على هواها، دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وقد فشلت مرارًا وتكرارًا في تحقيق ذلك. لقد سعوا إلى الأمن بدلًا من السلام، ولكنهم لم ينجحوا في تحقيق أي منهما”.
كل التناقضات التي ذكرناها لاتزال كما هي، لايزال المستقبل غامضًا أمام الشباب العاطل الغاضب، ولاتزال شوارع الدول العربية وبنيتها التحتية تئن من الفساد، وتحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى أداة في يد القوى السياسية يتلاعبون بها بعقول الناس ورؤيتهم للمستقبل. بالطبع كافة القضايا تزداد سوءًا، اليمن يعاني من حرب أهلية لمدة عشر سنوات، ليبيا مثال واضح للحرب بالوكالة، سوريا تبحث عن دولة، وفلسطين تضيع وأهلها يقعون فريسة لتناقضات وتغيرات إقليمية ودولية.
القيادة عبر المستقبل
التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، والتناقضات التي لم تنتهِ من المنطقة، وتحوُّل الإقليم إلى ساحة صراع بين القوى الدولية، هذا يجعل استشراف المستقبل ممكنًا رغم صعوبته؛ لأن تفسير الواقع عبر فهم التناقضات قد يساعدنا ليس في رسم سيناريوهات المستقبل وحسب، بل في وضع سياسات أكثر نضجًا، تهدف لتقليل مستوى التناقضات في المنطقة، وكذلك تحويل المنطقة من ساحة صراع إلى لاعب من اللاعبين في السياسة الدولية.
الإشكال هنا هو أن المنطقة ليس لها – في الغالب – قيادات يمكن أن تقود الحاضر، فضلًا عن أن تقود المستقبل. هذا يسري في كافة المستويات، ففي المستوى الإقليمي لايزال صراع المحاور هو السائد، وفي كل دولة نجد حكامها كأنما تواصوا بالفشل، يستنسخون تجارب مَن سبقهم، والقوى المعارضة لم تستطع أن تخرج من تناقضاتها وخلافاتها وسرديتها التي كانت جزءًا من هذا الواقع الأليم الذي تعيشه المنطقة.
الدراسات المتعلقة بمستقبل الشرق الأوسط ترصد نقاط تحول أساسية مرت بها المنطقة (انظر الجدول)، وكل نقطة تحول تنشأ معها ظاهرة جديدة تسلم لما بعدها. وإذا كان الربيع العربي نقطة تحول في المنطقة فعملية “طوفان الأقصى” نقطة تحول أخرى، ويجب أن نفهم أن كل هذه التحولات هي جزء من هذه التناقضات التي نعيشها، فالربيع العربي خلق حالة من الفوضى في الإقليم، وهو ما جعله عرضة لسياسات كالتي تحدث عنها برنارد لويس. فسقوط النظام القومي العربي، وصعود دول الخليج والصناديق السيادية – كما ذكرنا في التناقضات الدولية، حيث كانت أسواق المضاربة أكبر من الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي- ربطا اقتصاد هذه الدول بالاقتصاد العالمي، وجعل سياساتها أكثر حذرًا، مثل الإمارات التي صارت جزءًا من السياسات الصهيونية التي تسيطر على كثير من الشركات الكبرى التي تشكل شبكة كاملة شرحناها في دراسات أخرى كما بينا في كتابنا “عالم مليء بالشبكات”[10]. هذه الشبكة التي تسربت في المنطقة تمامًا كما وَصَف برنارد لويس قبل أكثر من قرن من الزمان في الكتاب الذي ذكرناه قبل قليل، لم تكن لتتفكك لولا هذه الهزات الكبرى.
من خلال بعض الوثائق السرية للقذافي وتعامله مع مجموعات من المعارضة السعودية، يمكننا أن نفهم كيف كانت النظم العربية تستخدم هذه الجماعات المختلفة للانتقام من بعضها البعض وإضعاف قدراتها الإستراتيجية. وهذا صار واضحًا من خلال السلوك الشبكي التي تقوم به الإمارات للإطاحة بكافة النظم التي جاءت بعد الربيع العربي، الربيع العربي الذي خلق قوى جديدة في المنطقة تعمل من خلال شبكات وسياسات غير رسمية.
لكن علينا هنا أن ندرك أن دولًا جديدة، كتركيا وإيران، صارت فاعلًا أساسيًّا في كثير من قضايا المنطقة. وهو ما جاء في سياق طويل من تفكك النظام القومي العربي. وهذا لم يكن قبل الربيع العربي بهذا الوضوح، فما يحدث في ليبيا وسوريا واليمن يتأثر بشكل كبير بسياسات هذه الدول الإقليمية. المنطقة كذلك لم تعد أسيرة لفاعلٍ دولي واحد، بل لأول مرة يكون هناك مقايضة بين القضايا الدولية وقضايا الإقليم، فمثلًا الحرب الأوكرانية ارتبط مصيرها تمامًا بالقضية السورية، وكذلك الأزمة الليبية من حيث قوة الدولة الروسية. تنظيمات ما تحت الدولة تملك القدرة على التأثير وهذا جاء من تناقضات المقاربات الأمنية للدول العربية ومن تأثير ثورة الاتصالات في الحركات الاجتماعية، ورأينا تأثيرها في “طوفان الأقصى” والربيع العربي، بل إن بيانات مفصلة تؤكد كيف استقوت المقاومة بأسلحة هربت من دول الربيع العربي.
فهم هذه الديناميات يعني أن هذه التناقضات ستنتهي لثنائيات كالتالي:
- فشل الدولة القطرية (بفعل التناقضات المتعلقة بالبيئة والديمغرافيا والحكم الرشيد) ونشأة حالة شعبوية وفوضى كما هو الحال في دول الربيع العربي، أو عودة النظام السابق للربيع العربي في سياق الانتشار السريع للشعبوية وحالة الرفض لليبرالية والديمقراطية.
- استمرار صراع المحاور التركي والإيراني والسعودي دون إطار ونظام إقليمي جديد بديل عن النظام العربي، أو استمرار التأثير غير الرسمي لمجموعة الشبكات المتعلقة بهذه الدول كدولة الإمارات وتأثيرها في دول الربيع العربي، وتأثير الحركات السلفية التابعة للملكة السعودية كما هو الحال في ليبيا، أو تأثير إيران فيما يعرف بسياسة الأذرع الطويلة.
- عودة الولايات المتحدة الأمريكية بقوة بعد “طوفان الأقصى” وإزاحة الوجود الروسي العسكري ومنافسة التواجد الصيني ومشروع طريق الحرير، وهذا سيعني عودة نظم المنطقة لحالة من التبعية لقوة واحدة، وهو ما تعزز بعودة ترامب للبيت الأبيض، أو في المقابل تحول المنطقة إلى ساحة من النزاع، مع بروز قوى صاعدة ذات نفوذ كتركيا في المنطقة، وهذا سيشكل حالة فراغ كبيرة للمنطقة العربية وتفقد فيها قدرتها على التأثير، وهكذا سيعيد التاريخ نفسه بعودة النفوذ التركي للعالم العربي بشكل واضح.
- استمرار النزاع بين التنظيمات والمشاريع الإصلاحية، وغياب رؤية واضحة لمستقبل المنطقة، أو عودة التيارات الإرهابية، كتنظيم الدولة واستمرار حالة المراوحة في كافة مشاريع الإصلاح والتغيير.
هذه الثنائيات رغم قسوتها إلا أنها تُبيّن معنى القيادة عبر المستقبل، والتي ستعني:
- الحكم الرشيد كمشروع متكامل لعودة قوة الدول في المنطقة، وهذا ينبغي أن يركز على تناقضات الديمغرافيا والبيئة والتقنية، وهو مشروع يمكن أن يشمل كافة القوى الفاعلة. وبتحديد معالم الحكم الرشيد في المنطقة يمكن أن يكون هناك حالة إصلاح أكثر نضجًا من المشاريع الأيديولوجية التي عاشت عليها المنطقة من كافة الأطياف، اليمين واليسار والوسط. الحكم الرشيد سوف يعني التركيز على جذور المشاكل التي لاتزال المنطقة تعاني منها.
- قيادة المنطقة نحو نظام إقليمي يحتاج لقيادات حقيقية وشخصيات فاعلة قادرة على وضع الأطر العامة لفعل الدولة والتنظيمات تحت الدولة بما لا يؤثر على المنطقة ويجعلها ساحة للصراع. ما يحدث الآن ربما يبدو كئيبًا وبائسًا، فالمنطقة بلا رؤية أو قيادة، لذا فالقيادة عبر المستقبل سوف تحتاج لتلك الرؤية، لنظام إقليمي ومصالحة كبرى بين كافة القوى الفاعلة في المنطقة. التاريخ يعلمنا الكثير في هذا السياق، فكثير من تلك المبادرات التي نشأت فيها نظم عالمية – سواء في أوروبا ونظام يستفاليا عام 1642، أو النظام العالمي بعد الحرب العالمية – كلها جاءت من مبادرات شخصية وقيادات امتلكت رؤية مغايرة.
- ما يحدث في غزة الآن سوف يرسم ملامح المستقبل القادم، لذا فإنه إما أن تكون المنطقة ساحة أمريكية تفعل فيها ما تشاء كما يريد الرئيس دونالد ترمب، أو تمتلك قدرًا من إرادتها بلملمه ما تبقى من عروبة، وتشحذ أطلال الحضارة الإسلامية في خلفية أبناء هذه المنطقة، أملًا في أن يكون لهذه المنطقة القدرة على التأثير والتدافع مع هذه القوى الصاعدة والقوى العظمى المتصارعة حول النظام العالمي الجديد. القيادة هنا هي التي سوف تعرف كيف يمكن لهذه المنطقة أن تتموضع في هذا السياق الإستراتيجي.
- هذا التموضع الإستراتيجي هو الذي سيقود المنطقة نحو المستقبل، كما حدث مع لورنس العرب حين وضع رؤيته لتفكيك الدولة العثمانية، وكما فعل الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (1913-1924) بمبدأ تقرير المصير والذي كان له تأثير كبير في نهاية الاستعمار وبداية عصبة الأمم التي تطورت لنظام عالمي جديد بعد الحرب الكونية الثانية، أو ما حدث في مراحل متقدمة من تطور النظام العالمي بعد نهاية الاتحاد السوفياتي. منطقة جنوب شرق آسيا مثال مهم لهذا التموضع، فهي الآن رغم اختلاف دولها إلا أنها لاعب أساسي في النظام العالمي، لذا يمكن أن يكون لهذه المنطقة دور إستراتيجي عندما تعمل كمنطقة فاعلة وامتداد للدول الأوروبية التي تبتعد عن الولايات المتحدة الأمريكية بشكل تدريجي، وتجد نفسها أمام تحديات تبحث معها عن حلفاء جدد، ربما يكون هذا من الفرص والتغيرات المستقبلية التي إن كانت هناك قيادات عابرة للزمن يمكنها أن تمد يدها لأوروبا ليكون هناك تصور واضح لعلاقات إستراتيجية تكون هذه المنطقة فيه قوة فاعلة كجنوب شرق آسيا، وربما كانت التجربة التركية مثالًا مهمًّا في هذا السياق، فرغم أنها لم تنجح في الانضمام للاتحاد الأوروبي إلا أنها استفادت بشكل كبير في وضع أسس لحكم رشيد جعلها متميزة عن غيرها من دول المنطقة، ربما ستكون صفقة واضحة مع الأوروبيين هي التي تعيد هذه المنطقة لسياقها التاريخي وقوتها الحقيقية.
- الخروج من التفكير الكلي الذي يبحث عن حل عبر تنظيم أو جماعة أو حتى دولة واحدة دون وجود إدراك بحجم التحديات التي تواجهها المنطقة قد يجعلها ساحة صراع مستمر لا يخبو حتى ينشأ من جديد و بقوة أكثر، إنها اللحظة التي ينكشف فيها واقع المنطقة إستراتيجيًّا وينظر الجميع للمرآة ليرى كما هو قبيح أن نصل لهذه المستوى، والأشد هو أن هذا التعقيد يحجب الرؤى عن المستقبل. إننا نعاني من مفهوم ما فوق الأزمة Metacrisis وهذا يعني أن إطارًا عامًّا كالذي عرضناه الآن يجب أن يكون دافعًا لتفعيل قيادات سياسية ومجتمعية، فاعلة ومتشابكة وقادرة على إعادة صياغة مدارك أبناء المنطقة والعالم الإسلامي ضمن إطار التحول نحو المستقبل، وإلا فالبديل سيكون مزيدًا من الانحدار والضعف والتبعية.
شكل (5)
الإطار العام لهذه الدراسة والمجالات التي تحتاج لقيادة وشبكات لتفعيل القيادة عبر المستقبل

خاتمة
التناقاضات التي ذكرناها في هذه الورقة تُبيّن كيف أنه بدون وجود قيادة قادرة على التعامل مع هذه التناقضات فإن التشققات والتناقضات ستزداد مما يعطي مساحة للمفاجأت أن تكون هي الأصل وعندها تزداد حالة اللايقين، وهذا ما سيعزز حالة المنطقة في استقبالها للازمات الدولية والإقليمية بطريقة سلبية تجعل أزماتها أزمات معقدة حتى نتحدث عن حالة معرفية نسميها مافوق الأزمة. في تلك الحالة فإن الخيط الجامع في كل هذه الأزمات تكمن في الغوص في الحاضر وغياب أي رؤية مستقبلية سوى التعامل مع الأزمات المتعددة التي تحيط بنا من كل جانب. ما يحدث في غزة ربما هو الصورة النماذجية لحالة الضعف والهوان الذي نعيشه، لكنها صورة تتمظهر بصور مختلفة في كافة الدول العربية، فما لم يكن هناك حكم رشيد يسعى لبناء سياسات مستقبلية تتعامل مع الأزمات الكبرى في المنطقة، أعني الديمغرافيا والبيئة والتقنية، فإن حال الناس ومعيشتهم ستمنعهم من التحول لمواطنين فاعلين قادرين على إسناد دول المنطقة وإحداث توازن بين الحاكم والمحكوم، وهكذا ستظل الشرعيات مهزوزة تبحث عن ظهير دولي، وعندها تتحول المنطقة لساحة صراع وتنافس دولي. في ظِل التناقضات الدولية، خاصَّة في الاقتصاد المالي الذي يسيطر على العالم، فإن الصناديق السيادية للدول النفطية والفساد المستشري في كثير من الدول العربية سيعزز حالة التبعية للاقتصاد الدولي والسياسة الاستعمارية للقوى العظمى، وهذا يقتضي حالة من التعاون والتعاضد التي تتجاوز هذه التناقضات، وإلا فإن دورة تاريخية جديدة ستمر على الأمة وهي تكرر نفسها كما كانت في القرن العشرين وإنْ بصور مختلفة. إيجاد رؤية لتجاوز هذه التناقضات هو مفهوم القيادة عبر المستقبل، وهي مسؤولية كافة الحكومات والحركات الإصلاحية والحكماء والمفكرين، لردم تلك الهوة بين النظم السياسية والرشد في اتخاذ القرارات، ومؤشر ذلك هو تقليل هذه التناقضات وصناعة سياسات يمكن أن تجعلنا نخطو ولو خطوة واحدة للأمام.
[1] – كريكش، نزار. النهايات: مستقبليات القرن الحادي والعشرين، مكتبة العقاد، 2019م.
[2] – كتب “توم بوغريس” كتابان غاية في الروعة والدقة، ونموذج للصحافة الاستقصائية، الأول عنوانه يعبر عن محتوى الكتاب (ماكنة النهب: أمراء الحرب، الشركات الكبرى، المهربين والسرقة المنظمة لثروات إفريقيا)، عام 2015، الثاني عنوانه (كليبتوبيا: كيف غزت الأموال القذرة العالم). والكلبتوبيا (Kleptopia) هي نوع من الدكتاتورية التي تنشأ من امتلاك المال واستغلال السلطة لاستغلال ثروات الأوطان. في كلا الكتابين نجد تحقيقات وافية لا تدع مجالًا للشك حول حجم الفساد وشبكاته التي تربط الاقتصاد الغربي والتدفقات المالية بالنظم المستبدة، هذه التحويلات عبر المصارف تصل لتريليونات من الدولارات. الكتاب يتحدث عن اللاعبين الكبار المقربين من روسيا، وعلى رأسهم رئيس كازاخستان نزارباييف، والرئيس روبرت موجابي رئيس الكونغو، والمصرفيون الأوروبيون، والمجموعة الثلاثية للمليارديرات في آسيا (وهم شخصيات كانت تعمل لصالح الحكومات في كازاخستان وروسيا)، و30 شخصية أخرى يتحدث عنها من بينها التون عبد الرزاق رئيس وزراء ماليزيا السابق، وهي القضية التي تورطت فيه دول عربية كالسعودية والإمارات وشغلت الإعلام فترة من الزمن، وهي ليست قضايا شاذة بل هي الأصل في بنية هذا النظام العالمي المتناقض.
[3] – Study: 4 in 10 adults with chronic pain report depression, anxiety
[4] – Frankopan, Peter, Silk Road: A new history of the world, Alfred A kpnof, 2016.
[5] – Ziauddin Sardar et al, Muslim societies in Post-normal times, Centre for Post-normal times;2019.
[6] – World economic forum, The Digital Arab World Understanding and embracing regional changes in the Fourth Industrial Revolution, 2018, WEF_Digital_Arab_World_White_Paper_2018.pdf
[7] – Hodrab, Rami, Mansoor Maitah, and Smutka Luboš. “The Effect of Information and Communication Technology on Economic Growth: Arab World Case.” International Journal of Economics and Financial Issues, vol. 6, no. 2, 2016, pp. 765-775. Available at: http://www.econjournals.com.
[8] – Lewıs Bernard, The of modern history in middle east, independent publisher group, 2013.
[9] – Lawrence, T. E. *Seven Pillars of Wisdom*. Doubleday, 1935.
[10] – كريكش، نزار. عالم مليء بالشبكات، دار الوليد، 2023.