تقارير

كلمة السيسي في “تفتيش حرب” الجيش الثالث.. ملاحظات، ومضامين، ورسائل

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

شهد رأس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، في 25 أكتوبر 2023، اصطفاف “تفتيش حرب” الفرقة الرابعة المدرعة بالجيش الثالث، بمحافظة السويس. وهو إجراء دوري، تقوم به وحدات من الجيش المصري في ذكرى احتفالات نصر أكتوبر 1973 من كل عام.

وكعادته في مثل هذه المناسبات، استغل السيسي المناسبة في توجيه رسائل عديدة، أملتها عليه الأزمة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، بسبب عملية “طوفان الأقصى” والحرب بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال في قطاع غزة.

أولًا: ملاحظات عامة

  1. اصطفاف “تفتيش الحرب” إجراء يُجرَى بصفة دورية، ولكنه تزامن هذه المرة مع أحداث وتبعات المواجهة العسكرية غير المسبوقة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود المصرية مع قطاع غزة.
  2. جاء اصطفاف “تفتيش الحرب” بعد أن تعرَّضت الدولة والجيش في مصر لما وصفه البعض بالإهانة من جانب إسرائيل، التي تحدث مسؤولون فيها عن تهجير الفلسطينيّين إلى الأراضي المصرية، في سيناء وباقي المدن، وفرضت على مصر إغلاق معبر رفح، وهددت بضرب قوافل المساعدات. وكذلك، بعد أن أصيبت عناصر من الجيش المصري جراء قصف إسرائيلي، قال المتحدث العسكري المصري إنه وقع بطريق الخطأ.
  3. حضر مراسم الاصطفاف والتفتيش عدد كبير من القيادات العليا بالجيش، على رأسهم وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الأفرع، في رسالة غير مباشرة، مفادها أن الجيش متحد في الوقوف خلف السيسي.
  4. كانت كلمة قائد الجيش الثالث الميداني، اللواء شريف العرايشي، التي سبقت كلمة السيسي، حماسية، حينما أكّد على جاهزية الجيش المصري، وقال: “جاهزون لطي الأرض في نطاق مسؤوليتنا، أو أي مكان آخر يتم تكليفنا بالانطلاق إليه”. وربما وازنت كلمة العرايشي كلمة السيسي التي اتسمت في مجملها بالرتابة والتهيُّب.
  5. خرج تفتيش الحرب في صورة مهيبة، وأجواء حماسية، وأعلن الجيش من خلال استعراضه للأسلحة عن جاهزيته، ولكن كلمة السيسي فرغت الحدث من مضمونه، بعد أن أرسل رسائل تحتوي كلها على مضامين غير حماسية، وتحرص على عدم انخراط الجيش في مواجهة عسكرية، وهو ما يتعارض مع الهدف من عرض مثل هذه الأسلحة، وهو طمأنة الداخل، وتحذير الأطراف الخارجية التي يمكن أن تعتدي على مصر.
  6. حرص السيسي على تضمين كلمته بعض العبارات ذات الطابع الديني، لاستثارة مشاعر الشعب المصري، كقوله: “ثم حاجة أخرى مهم قوي إن إحنا نتسلح بيها، وهي الإيمان… التسلح بالعلم والمعرفة، والتسلح بالإيمان. هو ده السبيل الحقيقي لامتلاك قدرة، قدرة لا تُقهَر؛ لأنها ها تبقى مدعومة بأسباب الدنيا، ومدعومة بأسباب السماء. يبقى معاك دعم ربنا سبحانه وتعالى”.
  7. تخللت كلمة السيسي عبارات مقطعة وجُمَل غير مكتملة، للتهرُّب من تسمية الأشياء بأسمائها، كما في رفضه وصف ما تقوم به إسرائيل بالعدوان، في قوله: “إحنا بنقوم بدور إيجابي في… وأيضا لوقف آآ وقف للـ.. وقف الـ.. يعني إطلاق النار”. ولتجنب التعبير عن مواقفه بصراحة، كقوله: “ساعات أسمع كدا، كلام يقولك: مادام عندنا يعني… لأ، إنت عندك عشان تدافع عن نفسك”. والمسكوت عنه في كلامه هو: “محاربة إسرائيل”.
  8. ظهرت ثنائية المدني والعسكري في كلمة السيسي – على قصرها – عدة مرات، كقوله: “أنا عايز أقول لكم على حاجة في القوات المسلحة، وحتى للمصريّين”، “التضحية اللي قدمتها مصر وقدمتها القوات المسلحة”. وهي ثنائية تمييزية في نظرة السيسي والجيش للمصريّين.

ثانيًا: مضامين ورسائل

تحدث السيسي في بعض المضامين، ووَجَّه من خلال كلمته مجموعة من الرسائل، إلى الداخل والخارج، رَدَّ فيها على ما أثير حول دور مصر في الصراع الدائر على حدودها الشرقية، بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.

  1. حرص السيسي في بداية كلمته على التأكيد على أن تواجده في تفتيش الحرب، هو تواجد طبيعي، وأن التفتيش نشاط تدريبي، مخطط له من قبل، ضمن الأنشطة المدرجة على جدول احتفالات نصر أكتوبر. وهو بهذا ينفي عن نفسه وعن الجيش المصري القيام بأي عمل يمكن تفسيره على أنه تصعيد للتوتر في المنطقة أو استعداء لإسرائيل وحلفائها.
  2. أكد السيسي على ضرورة التعقل في استخدام قوة الجيش المصري، وحذر مما أسماه “أوهام القوة”، في إشارة إلى التفكير في الدخول في مواجهات عسكرية غير محسوبة، قد تؤدي إلى نتائج سيئة، يندم عليها الجيش. وهو بهذا يَرد على الدعوات التي خرجت منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتي تتساءل عن الدور المصري وتستنكر عدم تدخل مصر لنصرة الفلسطينيّين أو حتى لحماية أمنها القومي.
  3. بَدَا حديث السيسي عن الأمن القومي مضطربًا ومتناقضًا، بسبب رغبته في استبعاد أي تحرُّك للجيش خارج حدود مصر. فقد قلص السيسي من دائرة الأمن القومي المصري، وقصرها على حماية الحدود المصرية، في رسالة مفادها أن الجيش لن يقوم بأي عمليات خارج الحدود. وهو بذلك يناقض نفسه، حينما قال إن “حماية الحدود المصرية وتأمين الأمن القومي المصري ومصالح مصر” دور أصيل ورئيس للقوات المسلحة.

فأمن مصر القومي والمصالح المصرية أوسع من الحصر داخل الحدود المصرية، خاصة وأن فلسطين هي بوابة مصر الشرقية، ويتواجد فيها العدو الأول وفق عقيدة الجيش المصري.

كذلك، فإن حديث السيسي عن الأمن القومي يتناقض مع حديثه من قبل عن أمن الخليج وارتباطه بالأمن القومي المصري، وأن الجيش المصري على استعداد للتحرك وقت الحاجة لحماية أمن الدول الخليجية.

  • لم يُشِر السيسي من قريب أو بعيد إلى عدوان إسرائيل ومسؤوليتها عن جرائم الإبادة التي تُمارس ضد المدنيّين في قطاع غزة. ولم يتحدث عن إغلاق معبر رفح، وقصف إسرائيل لنقطة الحدود المصرية، وإصابة الجنود المصريّين، ودعوات التهجير إلى سيناء، واكتفى في حديثه عن الأحداث بالإشارة إلى دور مصر في محاولة احتواء التصعيد والوصول لتهدئة وتقديم المساعدات الإنسانية.
  • خاطب السيسي القوات المسلحة، وذكرها بالتضحيات التي قدمت في حرب أكتوبر، وأكد أن مصر لم تتجاوز حدودها أبدًا، عبر تاريخها القديم والحديث، وكانت أهدافها دائمًا أن تحافظ على أرضها وترابها. وكأنه يريد أن يوجه رسالة إلى الجيش بأن مصر لن تتدخل في حرب طالما كانت هذه الحرب خارج حدودها، وبذلك يصبح دور الجيش داخليًّا فقط، في مواجهة أي معارضة يمكن أن تظهر للنظام الحاكم.
  • أكَّد السيسي أن الجيش المصري بقوته وبمكانته، وبقدرته، وبكفاءته، هدفه شيء واحد فقط، هو حماية مصر وأمنها القومي، دون تجاوز”. في رسالة إلى الداخل والخارج بأن الجيش المصري لن يتدخل في أي صراع إقليمي.

وبهذا يَعتبر السيسي التدخل في أي عمل خارج الحدود المصرية “تجاوزًا”، رغم أنه قام بعمليات عسكرية في شرق ليبيا.

  • أعلن السيسي أن الحل للقضية الفلسطينية هو المسار الدبلوماسي، وحل الدولتين، الذي يوفر الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وهو بذلك يستبعد الحل عبر المقاومة والمواجهة المسلحة مع إسرائيل. ولكنه لم يتعرض لدور إسرائيل في إضعاف المسار السلمي ورفضها إقامة الدولة الفلسطينية.
  • مازالت مسألة الخيانة تسيطر على تفكير السيسي، ويستدعيها للدفاع عن نفسه كلما شعر بأنه مُدان أمام الشعب المصري. ولكن يمكن قراءة استدعائها هذه المرة في سياق مغاير، وهو خوف السيسي نفسه من خيانة المحيطين به من قيادات الجيش. وذلك عندما ربط امتلاك القوة بالإيمان، وفسَّر الإيمان بأنه النزاهة والشرف وعدم الخيانة، وقال إن امتلاك القدرة التي لا تُقهَر مرهون بالتعامل مع الأمور بشرف، من غير غدر ولا خيانة ولا خِسَّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى