أوراق بحثيةغير مصنف

المسارات الكبرى ومستقبل الطاقة: التحول من الشمال إلى الجنوب

لقراءة الملف بصيغة PDF

مقدمة

ربما لن نعيش لنشهد مثل هذه التحولات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم، ففي كل ما يحيط بنا تغيرات معقدة، متناقضة، متشابكة، تحدث في مساحات واسعة من العالم. وما يزيد الأمر صعوبة أنها تحدث متزامنة، وشديدة، وتوحي للمراقب بالفوضى، كأنها أمواج متلاطمة، يضرب بعضها بعضًا.

هذا الواقع غيّر مناهج البحث في كافة العلوم، لأن توفر المعطيات الضخمة، والقدرات الهائلة التي وفرتها التقنية للتعامل مع هذه المعطيات، جعل تفسير هذه البيانات ممكنًا، إذا امتلكنا الأدوات المنهجية لدراسة هذا الواقع.

في هذه الورقة، نقدم لقضايا التحول الطاقي، والذي يأتي في سياق أكبر من التحول من شمال الكرة الأرضية حيث الحضارة الغربية، وجنوب الكرة الأرضية موطن الحضارات الشرقية.

تُبيّن الورقة المنهجية التي عرضها عالم المستقبليات “جون نيسبت” في كتابه “المسارات الكبرى”. وتبرز تلك المنهجية من خلال فهم التحول الطاقي في سياق جيوسياسي واقتصادي واجتماعي وفكري أوسع. فمن خلال تتبع تلك المسارات يمكن تصور كيف سيتدرج التحول الطاقي ليسحب معه موجة الحضارة نحو الجنوب. وهذا لن يحدث في مسار خطي، بل سيكون هناك مفاجأت، وإبداع بشري قد يدفع التنمية بالنفوذ، فيفتح لدول أبواب الصدارة، ويترك دولًا أخرى عاجزة عن مواكبة المستقبل وإدراك تحولاته.

“نيسبت” والمسارات الكبرى

عام 1982م، كتب الكاتب المتخصص في علوم المستقبل كتابه المسارات الكبرى، والذي رصد فيه التحولات طويلة الأجل التي ترسم ملامح المستقبل في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن الكتاب تعرض لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكن كثيرًا من الباحثين رأي بأنه سواء في منهجية البحث، أو في توقعاته إنما يرسم مستقبل العالم الذي ظهرت بذوره في ثمانينات القرن العشرين. نشر الكتاب بترجمات مختلفة في 57 دولة – ولم أعثر له على ترجمة عربية – وتميز بمنهجية بحث واضحة، وهي تحليل المسار قبل أن يكون لدى العالم تصور واضح عن علم المعطيات الضخمة الذي يستخدم في دراسة المسارات الكبرى في عصرنا الحالي.

يصف “جون نيسبت” رحلته في كتابة الكتاب التي استغرقت عشر سنوات من البحث، حين يقول: “لقد سافرت حول العالم اتحدث مع الناس حول الأفكار التي طرحتها في الكتاب، فرأيت أن الملاحظة التي اشترك فيها كثيرون يمكن التعبير عنها بأنهم كانوا يعرفون ما يتحدث عنه الكتاب لكن وضع كل ذلك مع بعض هذا هو الجديد بالنسبة لي”.

يصف الكاتب كذلك ما عرف بعد بالاتجاهات أو المسارات الكبرى Megatrends، وهي بتعبيراته التي لم تكن بالإحكام الذي نعرفه اليوم (كما سنأتي على بعضها) كالتالي:

  • التحول من المجتمع الصناعي لعصر المعلومات.
  • التحول الثنائي من انتشار التقنيات إلى التفاعل البشري مع التقنية.
  • التحول من الانعزال والدولة القطرية إلى الاقتصاد الدولي (لم يعبر الكاتب هنا بالعولمة).
  • التحول من التخطيط قصير الأمد إلى الاهتمام المتزايد بالتخطيط طويل الأمد والمسارات الكبرى.
  • التحول من التخطيط من الأعلى لأسفل إلى قوة أكبر للتنظيمات والمدن والتجمعات الأفقية والتوجه من أسفل لأعلى.
  • التحول من الديمقراطية التمثيلية للديمقراطية التي يشترك فيها الجميع عبر المعلومات.
  • التحول من الهرمية للشبكية في التنظيم.
  • التحول من أمريكا إلى الشمال والجنوب تاركين الشمال الصناعي خلفهم.
  • التحول من الخيارات الفردية الضيفة إلى مجتمع متعدد الخيارات وله مسارات أخرى متزايدة.

بالطبع هنا نجد باحثًا يحاول أن يتملس هذه المسارات، فطريقة البحث عن المسار تتطلب جهدًا طويلًا لجمع المعلومات وهو لم يملك الأدوات التي نملكها اليوم، لكنه منذ البداية يقول: “الطريقة الأكثر موثوقية لتوقع المستقبل هي فهم الحاضر”. بل كان جل اهتمامه بالصحافة وما ينشر فيها يحكي لنا عن منهجية بحثه، فيقول: “نحن نعرف المجتمع من خلال طريقة تسمى تحليل المضمون التي ترجع بداياتها للحرب العالمية الثانية. خلال تلك الحرب، الخبراء في مجال الاستخبارات بحثوا عن طريقة للحصول على معلومات من الدول المعادية من خلال الطرق التي تقدمها عادة استطلاعات الرأي العامة. بقيادة كل من بأول لازارسفيلد Paul Lazarsfeld وهارولد لا سول Harold Lasswell، والتي تطورت بعد ذلك لتكون إحدى النظريات المشهورة في علوم الاتصال”.

بالفعل تطور الأمر كما يحدثنا الكتاب عن جمع ما يكتب في الصحافة الألمانية، ومنها تجمع المعلومات وتصنف لمعرفة قضايا كالاقتصاد والتصنيع وطرق الإمداد، ومع الوقت بدأ المسار يتحدد من خلال معرفة المتغيرات المختلفة كإقفال مصنع أو تأخر مطارات أو عدد القتلى من الجنود، وهكذا صرنا على مشارف تحليل المسار، الذي تحول إلى صناعة وصارت الولايات المتحدة تنفق الملايين لتحليل مضمون الصحافة العامة[1].

هذه الطريقة في البحث تحولت إلى مؤسسات خاصة يقودها جون نيسبت ومجموعة من الباحثين، وأثبتت الطريقة نجاعتها لأن الرأي العام كما يقول الكاتب أن “المجتمعات كالأفراد لا تستطيع التعامل إلَّا مع عدد محدود من المخاوف في أن واحد”، لذا فتتبع الاهتمامات خلال سنوات طويلة يجعلنا على مشارف فهم التحولات الكبرى.

هكذا بدأ البحث عبر هذه المنهجية، وتطور الأمر خلال أكثر من ثلاثين سنة ليكتب لنا جون نيسبت ودوريس نيسبت عام 2019 كتابًا عن هذه الاتجاهات، فيقول عن تلك المسيرة: “في أكثر من 30 سنة أو يزيد بعد أن نشر كتاب الاتجاهات الكبرى، الظواهر التي وصفت في الكتاب صارت أكثر وضوحًا، وعجلة تحققها كانت أكثر سرعةً. خلال تلك الفترة قمنا كمؤلف ومساعد للمؤلف بالتعامل مع هذه المتغيرات بالتفصيل. الاتجاهات الكبرى في آسيا وصف التطور الاقتصادي في أسيا؛ التكنولوجيا الفائقة واللمسة البشرية العالية وصف الكتاب الظاهرة كأثر من أثار عصر المعلومات، التوجهات الكبرى في الصين حول قواعد التحول في الصين، كأحد التحديات التي تواجه الغرب ثبتت وتجذرت. تغير اللعبة الدولية، الذي نشر عام 2015 تعامل بشكل أكثر مع العلاقات الدولية”[2].

طبع الكتاب برقم قياسي وهو 14 مليون نسخة، كما أن الكتاب كان الأكثر مبيعًا لمدة سنتين، ورغم أني لم أجد رقما لعدد الأبحاث والاستدلالات بالكتاب إلَّا أن هناك دراسة بَيَّنت الأثر الثوري والهائل لهذا التفكير على الدراسات المستقبلية. في هذه الدراسة، من خلال البحث في 267 دراسة استخدمت هذه المنهجية (التي بالطبع تحولت تحولات كبيرة منذ أن صدر الكتاب الأول)، تبيَّن أنها قد استخدمت وتحولت إلى أداة استخدمت من الأكاديميين والشركات والحكومات على حد سواء[3].

في 8 أبريل عام 2021، توفي جون نيسبت، وصار تحليل المسارات الكبرى أحد القضايا الأساسية لفهم الاسترايتجيات وتطورات المستقبل. لقد صارت المسارات التي رسمها جون نيسبت أكثر وضوحًا من التصنيع للمعلومات، من التقنية كتابع إلى التصنيع إلى المعطيات الضخمة، من الاقتصاد الوطني إلى الاقتصاد العالمي، من النظرة قصيرة الأمد إلى الرؤية طويلة الأمد، من المركزية إلى اللامركزية، من الديمقراطية التمثيلية إلى الديمقراطية التشاركية، من الهرمية إلى الشبكية، من الخيارات الثنائية (إما أو) إلى الخيارات المتعددة والأهم من الشمال إلى الجنوب.

في هذه الورقة البحثية، سوف نشرح تطور تحليل المسار وعلاقته بعلوم المستقبل، ثم نعرج على أهم المتغيرات الجيواستراتيجية التي نعايشها، وهي التحول من الشمال إلى الجنوب، وهي أحد المسارات الكبرى التي صار كثيرٌ من المؤشرات يشير إليها، خاصة في مجال الطاقة.

هذا التصور للمعطيات وبناء الأنماط من خلالها وتحليل المسار هو ما ينبغي للمحللين والباحثين النظر إليه بعمق؛ لأنه يمثل القدرة على قراءة المستقبل، بالطبع كقاعدة في علم المستقبليات لا نتحدث عن تنبؤ بالمستقبل، وليس هذا ضمن أهداف علوم المستقبل؛ لأنه ببساطة مستحيل، لكن الهدف هو تصور خيارات المستقبل، لذا يقال مستقبليات ولا يقال مستقبل. لكن تحليل المسار كما سنرى هو أحد المناهج لانتقال من التحليل قصير الأمد أو الغوص في التموجات الآنية وإهمال التحولات الكبرى.

ربما ستفيد دراستنا للتحول من الشمال إلى الجنوب في مجال الطاقة لفهم منهجية البحث عبر المسارات، لكنها في نفس الوقت تبين كيف يمكن لتغيير المنهجية أن يفتح أمامنا أفاقًا لدراسة المستقبل ومن ثم إمكانية وجود مكان للقوى المدنية والإصلاحية وكذلك الدول العربية لحجز مكانها في هذه التحولات الكبرى.

مسارات المستقبل

بينما يبدو تحليل المسار منطقيًّا، فالمسار هو المحرك لتغيرات جوهرية، وعادة ما يأخذ شكل منحنى سيني S shaped، والذي يُبيّن التغيرات ونمو عامل من العوامل في فترة من الزمن، إلَّا أنه يقع ضمن النماذج المعرفية الاختزالية، وهي التي سيطرت خلال عقود على العلوم الاجتماعية والسياسية، لذا فإنه يجب أن نضع تحليل المسار ضمن إطار أوسع من علوم المستقبليات كما في رسم خارطة المستقبلMapping .

علم المستقبليات – كما بينت في كتابي النهايات – لا يقع ضمن العلوم التطبيقية بالمعنى الكلاسيكي؛ لأننا نتعامل مع قضايا لم تتحقق بعد، لذا فإن تحليل المسار رغم أنه يبغي البحث عن آفاق المستقبل لكنه يظل جزءًا من الحاضر.

علوم المستقبل هي العلوم التي تحاول توقع الاحتمالات الواردة في المستقبل، وهناك عدة مناهج للبحث، يمكن وضعها كأركان لعلوم المستقبل، منها خارطة المستقبل، وهذه تتعلق بفرضية أن التاريخ يعيد نفسه، وأن هناك مسارًا للمستقبل ينبغي تتبعه لمعرفة التحولات التي تنشأ معه. هذا يمثل الخط الأساسي في الجامعات الغربية، خاصة في تطور التقنية التي من خلالها يمكن تتبع الكثير من التغيرات المستقبلية.

في مقابل وضع خارطة للمستقبل من خلال تجميع البيانات التاريخية واكتشاف الأنماط الكامنة فيها لتوقع مسار المستقبل، هناك ركن ثان وهو التوقعAnticipation ، ومن خلاله يمكن أثناء رسم خارطة المستقبل أن ننتبه للأحداث الطارئة والتي قد لا تكون هي السائدة في حجم المعلومات التي ندرس بها مسار الأحداث، لكن كل حدث ناشئ سيتحول إلى نماط سائد في المستقبل.

هنا تختلف النماذج الاختزالية في التعليم الغربي عن النماذج المركبة التي باتت تنتشر في كثير من الأوساط الأكاديمية، فبينما تسعى النظم الاختزالية لاعتبار تلك الأحداث الناشئة عوامل لا يمكن قياسها وبالتالي تجاهلها أو ببساطة عدم التعليق عليها، في النظم المركبة وفي ممارسة التوقع ينبغي أن نعتبر أن هذه الظواهر جزء أساسي من المستقبل، هي جنين هذا المستقبل أو الفتات الذي قد يجتمع مع الوقت ليكوّن كيانًا وأحداثًا هي عماد الواقع.

شكل (1)

منحنى يأخذ شكلS  ليعبر عن ظاهرة النشوء، ويُبيّن المنحنى كيف تبدأ المؤشرات والأمارات في الظهور بخلاف الأنماط السائدة إلى أن ينمو النمط الجديد ليصبح هو السائد. هذا يحدث في كافة النظم الطبيعية والنظم التي هي من صنع الإنسان[4]

فهم النشوء كجزء من عملية التحول هو أحد ثمرات التحول نحو النماذج المركبة، فكل نظام قد يكون فيه نمط سائد لكن بذور الأنماط المستقبلية تأتي من التغيرات البطيئة أو التناقضات المتراكمة أو الفوضى الحادثة أو المفاجآت المحيرة، أو ببساطة من عملية التحول التاريخي نفسها. الأمر لا يعني بحال تجاهل التاريخ كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، أو كما كتب فوكو ياما بعد نهاية الحرب الباردة، أو كما حدث في كثير من الأحداث التاريخية التي جعلت الناس تكفر بالتاريخ، بل هو نمط متراكم لا يمكن أن ننتبه له إلَّا بدراسة معطيات التاريخ نفسها.

هذا التحليل إذا لا يتعلق باختزال الواقع، وبالتالي يمكن تبسيط عملية التوقع لعمليات إحصائية بحته، بل بفهم ديناميات المستقبل من خلال فهم مجموع العوامل المؤثرة في التاريخ كقوى دافعه نحو خلق ونشوء جديد. لتوضيح الفرق بين النمط وتحليل المسار في النماذج الاختزالية والأنماط كمؤشر على التغيير في النماذج المركبة سوف نذكر نموذجين للتحليل ينبغي البحث من خلالهما لفهم التحولات التي يشهدها العالم.

نموذج (T3)

كل القوى الدافعة للمشهد الذي يمثل الحاضر تشارك في بناء تصوراتنا عن المستقبل. المسار الكلاسيكي في علوم المستقبليات هو أحد هذه التوقعات للمستقبل، فإن تلك المؤشرات التي يمكن جمعها حول معطيات الواقع، منذ بدايتها كبذور متناثرة، والتي تشكل نمطًا يتكرر عبر الأحداث كشجرة ثابتة، هي أحد المسارات التي يمكن تتبعها، لكن علينا أن ننتبه مع سيادة ذلك المسار الظاهر لنا نحن المراقبون، إلى أن مسارات أخرى تتبع هذا المسار (الأفق 1)، وهي مسارات تمثل التفكير غير النمطي الذي قد يقلب المشهد من إبداع أو سلوك غير متوقع لم يتقيد بما هو سائد من حوله. كل ذلك قد يخلق أفقًا جديدًا (الأفق 2)، أو يؤدي إلى نشوء ظاهرة كانت متفرقة غير واضحة، ربما نعتبرها تافهة أو حالمة، قد تتكاثر لتتحول من مؤشرات محدودة ونادرة إلى أن تصير مسارًا سائدًا هي الأخرى (الأفق 3). التاريخ يؤكد أن هذه المسارات كلها قد تتفاعل مع بعضها ليؤثر أحدها في الأخر ويتحرك الحاضر نحو المستقبل[5].

في حديثنا عن مستقبل الطاقة، سوف تقابلنا هذه المسارات، فالمسار الذي عليه الواقع وهو سائد بقوة هو الطاقة الأحفورية التي نعرفها في النفط والغاز الطبيعي، لكن هذا المجال قد يتأثر باكتشافات جديدة في مسار الطاقة من الهيدروجين مثلًا، كما أن المسار الذي نستبعد أن يكون هو السائد، كاستخدام الطاقات البديلة، قد يكون هو المسار السائد، وقد تجتمع كل هذه المسارات ويؤثر بعضها في بعض لينشأ واقع جديد لا يتعلق فقط بالطاقة، بل بتأثير كل العوامل المتعلقة بالطاقة، كنظام مركب (معقد)، لنجد أنفسنا أمام تحول عظيم في مشهد جديد من مشاهد التاريخ.

شكل (2)

نموذج الأفق الثلاثي لقراءة المستقبل

هذا بالطبع لا يعني أن مسارات الطاقة منفصلة عن غيرها، بل -كما سيأتي معنا- إن هذه التحولات معقدة ومتناقضة وأحيانا فوضوية ومترابطة بشكل يجعل من الصعب فصل بعضها عن بعض، لذا فإن وجود علم المعطيات وتحليلها، وكذلك الذكاء الصناعي وخوارزمياته قد يجعل علم المستقبليات أكثر قدرة على فهم هذا الواقع المركب. هذا التركيب لا يتعلق فقط بالمعطيات عن الظاهرة قيد الدراسة كالطاقة مثلًا، بل بقدرتنا على فهم طبيعة الأحداث وعمقها وقدرتها على التأثير في جوانب أخرى من المشهد، وهذا له نموذج أخر يستخدم في علوم المستقبل.

عمق المستقبل (نموذج (CLA

إذا كان المسار الأفقي للأحداث يقتضي منا أن ننتبه للمفاجأت التي تخبؤها الظواهر الناشئة، والتي ربما لم ننتبه لها في تتبعنا للمعطيات الضخمة التي صرنا نملكها، أو الأحداث الصادمة التي تنشأ من عدم قدرتنا على طرح الأسئلة التي يكمن في جوابها مسار البحث عما تخبؤة الأحداث في طياتها، أو المفاجأت التي حتى لو طرحنا كل الأسئلة الممكنة فلن ندركها، فهي خارج نطاق قدراتنا نحن البشر؛ كل ذلك يعني أن تركيز عقولنا أثناء البحث يسير وفقًا للانتقائية التي ركب بها الدماغ، وعدم قدرتنا على التمييز بين المعلومات التي نملكها وتلك التي لم نحط بها من الأساس علمًا حتى نسأل عنها، خاصة مع ميول عقولنا الجبلي نحو الماضي؛ يجبرنا كل ذلك على أن نضع نماذج أشبه بمؤشرات يجب جردها والإجابة عليها قبل أن نتحدث عن الأحداث المستقبلية، حتى لا نجد أنفسنا أسرى لمجموعة من العوائد التي تفرضها علينا معارفنا السابقة.

سهيل صنع الله، عالم المستقبليات، يضع نموذجًا يساعد في فهم حفريات الأحداث حتى يمكننا أن نسأل الأسئلة الكافية لفهم المسارات المختلفة. هذا النموذج يتكون من أربع أركان أساسية:

  1. الركن الأول هو الأحداث اليومية Litany، ويدخل في ذلك المسار بالمعنى التقليدي حيث يقوم الباحث بتتبع الأحداث اليومية كما فعل جون نيسبت في كتابه المذكور آنفًا. والتعامل مع هذه الأحداث اليومية عادةً ما يكون قصير الأمد، لكن خلفه عمق أخر.
  2. الركن الثاني يتعلق بالبنية الاقتصادية والسياسية التي تسببت في هذه الأحداث، وهذه هي التي يقوم المحللون بتحليلها.
  3. الركن الثالث هو الرؤية الكونية التي ننظر بها للأحداث أو الصورة الكبرى التي تحوي البارا ديم أو النموذج التفسيري الذي ننطلق منه في تفسير كافة القضايا التي تواجهنا.
  4. الركن الرابع هو الرواية أو المجاز الذي يحكم التفكير قبل حتى الرؤية الكونية.

فمثلًا في قضايا النفط، هناك أحداث وتغيرات مستمرة في أسعاره، وهي متقلبة بشكل كبير كأسعار الأسواق المالية، ووراء تلك المتغيرات أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، لكن خلف ذلك قضايا غير منظورة كالصراع الحضاري بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها، أو النموذج الحاكم من خلال مثلث الدولار واستبطان الجميع تأثير أسعار النفط على قيمة الدولار، أو ما يعرف بالسعر التوازني الذي يمكن للدول معه أن تدير مواردها واحتياجاتها. لا ينتهي الأمر هنا، بل هناك سردية تختلف من باحث لأخر، فحين يؤمن أحدهم مثلًا بأن النظام الدولي يسعى دائمًا لتكريس حالة الإفقار للدول النامية فإن هذه السردية التي يمكن رسم مجاز لها مثل استنزاف ثروات الآخرين، والعيش على أجسادهم، فإنها هي الأخرى جزء من العمق الذي ينبغي أن نفهم به مسارات المستقبل.

شكل (3)

النموذج السببي الطبقي حيث تكون الأحداث والأسباب هي المرئية والرؤية الكونية والسردية غير مرئية

هذه النماذج تسهم في خروج قراءة المسارات من الاختزال، بمعنى أن نفهم الواقع بتعقيداته، لذا فإن الحديث عن المستقبل ومسار التحول من الشمال للجنوب، حيث تسهم الطاقة في تحقق هذا المسار، سيكون أكثر وضوحًا إذا وضعنا في حسابنا هذه النماذج[6].

حزام الجنوب

في كتابه المسارات الكبرى، وضع “جون نيسبت” أحد التحولات الأساسية من الشمال للجنوب، ورغم أنه كان يقصد الولايات المتحدة الأمريكية إلَّا أن الأمر تطور في دراساته الأخرى للحديث عن شمال وجنوب الكرة الأرضية، لذا كان كتابه (Global Game Changer) [7]والذي عزز فيه ملاحظاته من خلال السفر واللقاء مع قيادات وجامعات ومشاريع كبرى في الصين وجنوب شرق آسيا وإفريقيا. بالطبع هناك كثيرون لهم كتابات عن هذا التحول، من هذه الكتابات كتاب نيل فيرجسون “التفكك الكبير”[8]، أو كتب أخرى لريتشارد هاس أو فرانسيس فوكو ياما، بعنوانين قريب من التفكك والتحلل للغرب. لكن لا ينبغي أن يُختصَر الأمر في الحديث عن أفول الغرب، فهذا قديم، لذا فإن هذا التحول ينبغي أن يقارن بتحولات تاريخية كبرى كما حدث في القرن الخامس عشر أو إبان الحرب العالمية الثانية، حينما صدر كتاب كارل بولاني الشهير “التحول العظيم”[9].

في كتابه المذكور وكتب أخرى، حاول جون نيسبت أن يتتبع مسار التحول من الشمال إلى الجنوب، والذي كما ذكرنا سيكون مسارًا يحدث في التحول بشكل بطيء وفي مجالات متعددة، قد تبدو متناثرة لكنها مؤثرة وتدفع المشهد نحو التحول. (إن الإطار الزمني الذي سنكون فيه شهودًا وفاعلين في تغيير قواعد اللعبة العالمية والتحول من عالم مركزي غربي إلى عالم متعدد المراكز سيكون النصف الأول من القرن الحادي والعشرين) كما هو الحال في التحولات التاريخية السابقة، يستدل بتقرير البنك الدولي الصادر عام 2011، تحت عنوان التعددية القطبية: الاقتصاد العالمي الجديد لم يحدث في أي وقت من أوقات التاريخ الحديث أن كان فيه هذا العدد الكبير من البلدان النامية في طليعة نظام اقتصادي متعدد الأقطاب. في غضون العقدين المقبلين، سيكون لصعود الاقتصادات الناشئة حتمًا أثار كبيرة على المشهد العالمي والجيوسياسي، هذه التعددية لن تكون بلا هوية جغرافية، لذا ستدخل في مجال الدراسات الحضارية التي تستدل بأن التحول نحو الجنوب كان هو المسار عبر التاريخ. إيان موريس يتحدث عن نشاط جامعي وبحثي كبير حول النظرية طويلة الأمد في التحول الحضاري والتي من خلالها كان الحديث عن فهم التحولات الكبرى التي حدثت بين الشمال والجنوب وحدد لها مدة زمنية تصل لخمسة قرون.

بالطبع هذا يحتاج لمعطيات ضخمة لفهم هذه التحولات التاريخية، لكن المؤشرات الكبرى المتمثلة في الديمغرافيا والتقنية والطاقة تشير بوضوح لاستمرار هذا التحول، فالغرب يمثل 17 بالمئة من سكان العالم، ومع ذلك يسيطر على 75 بالمئة من ثروات العالم[10]. الصين مثلًا خلال ثلاثة عقود فقط تحولت لثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وأكبر تاجر عالمي، وقريبًا أكبر سوق استهلاكي. في دراسة مثلًا استمرت 40 عامًا يُبيّن ستيفن راين سميث كيف حدث التحول في الثقافة وطرق التفكير، حيث بات الطلبة الذين يستقون العلوم من الشمال بمئات الآلاف، كثير من القادة بات يشعر بقدرته على بناء اقتصادات قوية، هذا ما أسماه أحد الباحثين بقرن الأسواق الناشئة[11].

ينبغي أن ننتبه هنا إلى أن الحديث لا يتعلق بالنظرية القطبية، حيث ينظر للقطب الصيني والأمريكي، بل لحزام في جنوب الكرة الأرضية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، حيث يمكن دراسة التحول عبر عقود من خلال متابعة البيانات المختلفة وفقًا للنموذج المتبع. مثلًا نموذج البريكس BRICS يعتمد على دراسة ناتج الدخل القومي، والتقني، والديمغرافيا. جون نيسبت يركز على التصورات والأفكار والتجارة والدخل القومي والأسواق الناشئة، لذا فإن التصور الكلي أهم من نظرية التوازن السائدة في التحليل في منطقتنا، وهذا يقتضي دراسة المسار عبر البيانات الضخمة، ويمكن وضع نماذج للتحليل مختلفة ودراستها عبر التاريخ وكلما كان التاريخ أطول كان النمط المتاح للتحليل أقوى وأكثر على اكتشاف مسار التاريخ (مع الانتباه لتأثير الابتكار والإبداع والمفاجآت)، ومن مجمل تلك البيانات يمكن القول إنه قد (تزامنت هذه الاتجاهات مع تحول تاريخي في القوة العالمية. ففي الفترة من عام 1960 إلى عام 1990، انخفضت حصة الولايات المتحدة في الناتج الاقتصادي العالمي من خمسي الناتج إلى حوالي الربع، ولا تزال على حالها، كما تقلصت حصة أوروبا منذ عام 1960 بنحو النصف تقريبًا. وفي ذروتها في أوائل التسعينيات، كانت اليابان تمثل ما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي؛ والآن أصبحت حصتها ثلاثة في المائة فقط. وفي الوقت نفسه، ارتفعت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد الولايات المتحدة فقط، ويقترب اقتصاد الهند الآن من اقتصاد ألمانيا واليابان. كما استخدمت الصين وروسيا الفساد والإكراه والدعاية للتأثير على المجتمعات المفتوحة وتقويضها، وألقت جيوشهما بظلال طويلة ومثيرة للقلق في أحيائهما. باختصار، بينما تحاول بكين وموسكو (وطهران) إعادة تشكيل السياسة العالمية، فإن الديمقراطيات المتقدمة، التي تعاني من تراجع مكانتها الاقتصادية والجيوسياسية، أصبحت في موقف ضعيف، وهي تلعب اللعبة بحذر[12].

الاقتصادي الأمريكي أنغاس ماديسون (1926-2010) درس النمو الاقتصادي خلال 2000 سنة، ورغم أنها معلومات قد تكون غير دقيقة لكن في عالم المعطيات الضخمة يمكن تجاوز تلك الدقة لصالح أنماط تفسيرية، مثل وضوح فكرة أن تقدم الغرب لم يقترب من الاستمرارية التي عرفتها المنطقة في الحزام الجنوبي من القوة والسبق عبر التاريخ، حتى لما كانت روما قوة كبرى لم تكن سوى الترتيب الثالث في القوة العالمية، وهكذا من خلال دراسات المسار يمكن رؤية الواقع بشمول وعمق أكبر من التحليل الآني الوقتي للأحداث. في سياق الديمغرافيا (الزيادة الكبرى في الطبقة الوسطى خلال عشرين سنة ستأتي من مائة مليون من الصين والهند)[13]، وهذا المسار المتعلق بالتغيرات الديمغرافية يؤثر في الاتحاد الأوروبي أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية، إلَّا أن انتعاش العلاقات التجارية في الجنوب يجعل العلاقات بين دول حزام الجنوب تزداد بنسبة كبيرة خلال العقود السابقة[14].

ربما يَتبيَّن مما سبق أن دراسة المسار قد تكون أكثر وضوحًا في فهم التحولات العلمية، لذا سنبين بشيء من التفصيل مسار الطاقة الدولي وكيف يمكن لدراسة المسار أن تبين هذا التحول الكبير من الشمال إلى الجنوب.

جون نيسبت بعد ذلك بدأ يكتب عن التحولات الكبرى في آسيا وإفريقيا ومن خلال زيارات وحوارات طويلة تأكد هذا المسار نحو الجنوب، وخرج بنتيجة مفادها: “هذا ليس مجرد مسارات كبرى، ما نشهده هو طريق كامل نحو تغير اللعبة الدولية”.

في الجانب التقني، سنجد هذا التحول أكثر وضوحًا. يقول جون كاو في كتابه “أمة الابتكار”: كيف تفقد أمريكا تفوقها في الابتكار، ما أهمية ذلك، وما الذي يمكن فعله لاستعادته )الاكتشاف بات العملة الجديدة في التنافس العالمي، كل دولة تسابق الأخرى في السابق حيث يبدو الاختراع علامة على النجاح الوطني).

يقدم الكتاب تحليلًا مفصلًا للعوامل التي تسهم في هذا التراجع، مثل تآكل النظام التعليمي، وعدم كفاية الدعم الحكومي للبحث والتطوير، والفشل في خلق بيئة مناسبة للأنشطة الريادية. كما يسلط الضوء على استراتيجيات الابتكار الناجحة من دول أخرى مثل سنغافورة وفنلندا، ويقترح أن الولايات المتحدة يمكنها استعادة قيادتها باتباع نهج مشابه.

تشمل توصيات كاو إنشاء مراكز ابتكار إقليمية، وتحسين التعليم، وتعزيز ثقافة تُقدِّر وتدعم الابتكار. الكتاب دعوة للعمل للأمريكيّين للاعتراف بأهمية الابتكار واتخاذ خطوات ملموسة لاستعادة مكانتهم كقادة عالميّين. يدرس الكتاب مؤشرات كشهادات الماجيتسير والدكتوراة، وجودة التعليم، والاكتشافات وبراءات الاختراع وغيرها، ويُبيّن كيف لهذا المسار أن يؤثر في المسار الكلي للتحول العالمي[15].

تحولات الطاقة

يمكن وضع سياق أشمل للتحول من الشمال للجنوب بفهم مستقبل الطاقة، فالتحولات التي شهدها العالم شهدت ذلك التحول في مجال الطاقة من استخدام طاقة البشر العضلية، ثم استخدام الخشب والفحم للطهي والتدفئة، إلى أن تطور الأمر في القرن التاسع عشر فأصبح الفخم يستكشف بكميات كبيرة، وهذا خلق حاجة لمكامن وعمال بأعداد غفيرة، وهكذا تشكلت طرق للتجارة واقتصادات كبيرة تقوم على التصنيع. في كل هذه التحولات كانت آثارها الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية تحث مسار الأحداث نحو صورة مغايرة للمستقبل. هذا يعني أن تفهم أن مستقبل الطاقة قد يعطينا صورة أكبر حول التحولات التي نشهدها في هذا المجال، لذا سنتحدث هنا في نقاط محددة عن مسار الطاقة عبر التاريخ، ثم نتحدث عن السيناريوهات و الفرص والتحديات التي تواجه دول الجنوب للسير في مسار التحول نحو التعددية الاقتصادية الذي تحدث عنه تقرير البنك الدولي عام 2011، إلى أن نفهم أهم المؤشرات على ذلك التحول وتأثيراته الجيواستراتيجية.

التحول الكبير

مناقشة مستقبل الطاقة عادة ما تؤخذ في معزل عن التحولات الأخرى التي يشهدها العالم، لذا فالنظرة تكون ضيقة، قصيرة المدى، غير قادرة على الربط بين مختلف المسارات وتراكب بعضها فوق بعض. فهناك مَن يرى أن التحول نحو الطاقة النظيفة غير الأحفورية هو مجرد وهم، وأنه لا يمكن التحول عن الطاقة الأحفورية، بينما يغرق آخرون في الحديث عن المستقبل قبل حتى أن نراه واقعًا، فيتعاملون وكأن الطاقة الأحفورية قد انتهت أو في طريقها للزوال. هذا يأتي من عدم دراسة المسارات بشكل واضح، فالتحولات التي شهدها العالم عبر التاريخ كان لها تأثر واضح بمصادر الطاقة. فقد مكن تسخير طاقة الرياح للسفن الشراعية من التجارة البحرية والهجرة لمسافات شاسعة، وأدَّى تسخير قوة الخيول إلى ظهور الإمبراطوريات.

ولا شك أن محرك البخار الذي يعمل بالفحم الذي اخترعه جيمس وات (بناءً على أسلاف سافري ونيوكومين) كان هو الذي أدى إلى ظهور التصنيع، ومعه الهيمنة العالمية المذهلة لبريطانيا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. لقد أدى اختراع وات، الذي تمَّ تسويقه تجاريًا حوالي عام 1776، إلى ظهور عصر الوقود الأحفوري، وهي فترة دامت أكثر من قرنين من الزمان حيث كان النمو الاقتصادي العالمي مدعومًا بالطاقة الشمسية التي تعود إلى عشرات الملايين من السنين والمخزنة في بقايا متحجرة من الحياة النباتية والحيوانية. ومن خلال اكتساب القدرة على تسخير الوقود الأحفوري – الفحم والنفط والغاز الطبيعي – استغلت البشرية احتياطيًّا لا حدود له من الطاقة على ما يبدو. وتبع محرك البخار الذي يعمل بالفحم الذي اخترعه وات محرك الاحتراق الداخلي للسيارات الذي ابتكرته شركتا دايملر وبنز، ثم توربينات الغاز التي ابتكرها بارسونز وكيرتس لاستخدامها في النقل والطاقة الميكانيكية.

كل تلك التحولات الكبرى تبعتها تحولات اقتصادية واجتماعية، وتحولت الحضارة من حالة لأخرى. يمكن وضع تلك التحولات في نموذج يتعلق بالآتي:

  • المسارات الكبرى المتعلقة بالطاقة والتقنية والديمغرافيا.
  • المسارات المتعلقة بالتصورات والأفكار والرؤى المستقبلية وهذه تتأثر بقراءة الواقع وتحولاته.
  • المسارات المتعلقة بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية.
  • المسارات الدافعة نحو التحول كالحروب والتحالفات والسياسات الدولية.

شهدت تحولات الطاقة نحو الجنوب العديد من الدراسات والنظريات، أولى هذه المقاربات هي المقاربة الواقعية، في هذه المقاربة سنجد أن القوى الكبرى هي نفسها التي ستدير هذا التحول نحو الطاقة النظيفة فليس من المهم الحديث عن طاقة الشمس أو الرياح، المهم هو البنية التجارية والقانونية والسياسية والتي ستمنح الفرصة دائمًا لتلك القوى العظمى، فلا يهم الثرثرة عن البيئة مادامت تلك القوى قادرة على إدارة التحول العالمي. من الممكن طبعًا أن يحدث تحول في مجال الطاقة غير الأحفورية لكنه بطيء ويستغرق وقتًا يسمح باستمرار سيطرة القوى العظمى.

المقاربة الثانية وهي المقاربة النقدية، وترى أن التحول في الوعي والدراسات الكبيرة عن التأثيرات البيئية للطاقة الأحفورية، تتحول رويدًا رويدًا إلى قضايا عالمية كما يحدث في اتفاق باريس لتخفيض مستوى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، قد يبدو في البداية وكأن القوى العظمى قادرة على تجاوز هذه الاتفاقات لكن مع الوقت وتحول الوعي العالمي لرفض هذه الممارسات من الشركات الكبرى سيبدأ الضغط السياسي من أجل تغيير حقيقي في مصادر الطاقة، هنا المقاربة التاريخية تأخذ دورها مثل مرحلة تحرير العبيد أو مرحلة الاستعمار، كلها مراحل انتهت بانتشار سرديات ووعي جديد في ضلوع المجتمعات والبشرية. هذه النظرة النقدية يمكن أن تفهم في إطار فلسفة جرامشي حين تصبح القوى الرأسمالية التي تحافظ على مصالحها على حساب البيئة هي مجموعة مهيمنة ثقافية، مما يقتضي بداية تحول في دول الجنوب في مقاومة هذه الهيمنة الثقافية، حينها تصبح الطاقة البديلة أداة لمقاومة هذه الهيمنة، وهذا ما يحدثنا عنه جون نيسبت عند حديثه مع قيادات الدول في جنوب الكرة الأرضية، وهذا ظاهر في التحدي السافر للسيطرة الأمريكية والتوجه نحو الطاقة البديلة في حزام الجنوب.

في هذه المقاربتين، يبدو مستقبل الطاقة جزءًا من التحولات الكبرى، لذا ما يحكم هذا التحول ليس فقط استمرار وجود فائض من النفط الأحفوري، بل هو التحولات السياسية والثقافية نفسها، أي أن الطاقة وسيلة وليست غاية للتخلص من الأحادية القطبية والهيمنة الرأسمالية.

النظرية الثالثة هنا هي نظرية التبعية، وهي جزء من نظرية النظام العالمي لإيمانويل ويلليتسرون. فكل هذه التحولات هي تحول في نظام واحد هو النظام العالمي، لذا فإن تبدل الطاقة سيكون جزءًا من نظام عالمي جديد آخذ في التشكل، وهكذا يصبح المستقبل جوادًا يجري ليس عليك سوى أن تمتطيه وتقلل من سرعته حتى لا تقع.

إذا وضعنا تحولات الطاقة في سياق تاريخي يمكننا الآن الحديث عن بعض المعطيات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة مستصحبين دائمًا أننا نتحدث عن مسار عالمي وعن مستقبل فيه الكثير من المفاجآت بما في ذلك الإبداع البشري.

مسارات الطاقة

يمكن تقسيم مصادر الطاقة لطاقة أحفورية وطاقة نظيفة (انظر الجدول 1)، الطاقة الأحفورية تسهم في انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى تضر بالبيئة، بينما تسهم الطاقة النظيفة في تقليل الآثار المترتبة عن الطاقة الأحفورية وأهمها يتعلق بانحباس حرارة الشمس داخل الأرض ومنع تسربها للفضاء، مما يشكل عازلًا حول الأرض يزيد من درجة حرارتها. هذا سيتبعه تغييرات في البيئة والتنوع البيئي، وكذلك تبدل في البكتيريا والكائنات الدقيقة التي سوف تنتشر مع زيادة عدد السكان وتنشر مخاطر صحية كبيرة كما حدث في أحداث كورونا. هذا يسميه البعض بالعولمة البيولوجية، وهي نتيجة طبيعية للمسارات الكبرى في البيئة حيث يشكل استمرار انبعاث ثاني أكسيد الكربون تحديًا حقيقيًّا للبشرية، هذا الارتفاع لا تتسبب فيه الطبيعة من خلال البراكين ونحوه، وإنما هو من فعل البشر. لذا فإن هذه المرحلة التاريخية غير مسبوقة من حيث حجم الضرر الذي يلحقه البشر بالكون من حولنا، هذه التي يسميها العلماء بالأنثروبوسينن. ورغم وجود آلاف الدراسات حول هذه الحقيقة، والتي بإمكانها أن تصيب النظام الرأسمالي في مقتل، أي أنها قد تغير كل شيء كما كتبت نعومي كلاين في كتابها تحت عنوان “هذا قد يغير كل شيء”، إلَّا أن محاولات الشركات الكبرى لم تنته في سبيل توجيه الرأي العام نحو أسباب أخرى[16].

لكن الرأي العام في المجتمعات الغربية يحسب له أنه لم يقف صامتًا أمام هذه التغيرات الخطيرة، لذا بدأ الاتحاد الأوروبي في عقد مجموعة مؤتمرات للحد من الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية. وفي أغسطس عام 2022، أقر الكونجرس الأمريكي قانونًا بتخفيض التضخم، وأقر حزمة دعم لإنتاج الطاقة النظيفة بقيمة تريليون دولار. ولنجاح القانون كانت هناك حزمة من القوانين تتعلق بالوظائف والبحث العلمي والبنية التحتية لصناعة الطاقة النظيفة. الأمر تكرر في دول أخرى كالصين واليابان وكوريا والتي أعلنت عن أهدافها بصفر انبعاث لثاني أكسيد الكربون. الاتحاد الأوروبي كان هو قطب الرحى في هذه التوجهات الكبرى للاقتصاد العالمي، فكان قانون المناخ في يوليو عام 2021، الذي استهدف إعادة نسبة انبعاث الغازات للوضعية المتعادلة بين الانبعاث وطرد الغازات من البيئة. أمام هذه التوجهات كان هناك سيناريوهان وضعا لتصور مستقبل الطاقة في العالم. (انظر الجدول 2)

هذه التصورات تُبيّن الصراع حول المستقبل حين يحاول النظام العالمي تنظيم هذا التحول بينما تسعى قوى أخرى للاستفادة من هذه التحولات، لكن المسار العام يمكن تبيانه من الرسم البياني في موقع World in data، حيث يُبيّن الرسم التفاعلي كيف أن هذا المسار مستمر في التحول نحو الطاقة النظيفة. (انظر الرسم البياني 1،2)[17]

الطاقة المتجددة سوف تشكل 13 بالمئة من استخدامات الطاقة العالمية، وفي العام 2030 فإنها سوف تنتج كهرباء تكفي لاحتياجات كل من الصين والولايات المتحدة الأمريكية. الزيادة في الاستخدام تقدر ب 2.7 بالمئة للعام 2030، وكما يمكن قراءة ذلك من البيانات المصاحبة فإن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هي الرائدة في التحول نحو الطاقة البديلة (أمريكا تولد 21 بالمئة من الكهرباء عام 2020، أما أوروبا فتشكل 23 بالمئة).

هذه البيانات تُبيّن كيف أن الطاقة الأحفورية لاتزال هي المسيطرة، لكن كما ذكرنا سيعتمد الأمر على فهمنا للمسارات الأخرى،  فكما ذكرنا في نموذج 3T فإن هذا كله سيتأثر بالاكتشافات والمفاجآت. فعلى سبيل المثال، كان اكتشاف الغاز المسال في الولايات المتحدة الأمريكية من شركات مغمورة ومن حالة إبداع لدى شاب بخبرة بسيطة، حين قرر استخدام الماء لاستخراج الغاز من الصخر، ما قلب الوضع الاستراتيجي رأسًا على عقب، حين تحولت لدولة مصدرة للطاقة بدلا من اعتمادها على دول الشرق الأوسط. كما أن ظهور الغاز المسال جعل قطر في قلب المعادلة الدولية وأعطاها قوة استراتيجية ونفوذًا أكبر من حجمها بالمعنى الاستراتيجي الكلاسيكي، لذا فإن تحليلنا للمسار يجب أن لا يهمل هذه المفاجآت أو الاكتشافات[18].

جدول (1)

أنواع الطاقة الأحفورية والطاقة النظيفة

الطاقة الأحفوريةالطاقة النظيفة
النفط: يستخدم بشكل رئيس في البنزين والوقود.الطاقة الشمسية: تحول ضوء الشمس إلى كهرباء باستخدام الألواح الشمسية.
الفحم: يستخدم في توليد الكهرباء وصناعة الصلب.الطاقة الرياحية: تحول طاقة الرياح إلى كهرباء باستخدام التوربينات.
الغاز الطبيعي: يستخدم في توليد الكهرباء والتدفئة والصناعات المختلفة.الطاقة المائية: تحول الطاقة الناتجة من المياه إلى كهرباء.
الغاز المسال: وهو الغاز المكثف، والذي يمكن نقله كالنفط الخام، وأهمه ثورة شيل التي جعلت الغاز يغير من المعادلات الاستراتيجية كما حدث مع الولايات المتحدة الأمريكية وقطر.الطاقة الجيوحرارية: تستخدم الحرارة الطبيعية للأرض في توليد الكهرباء والتدفئة.
 الطاقة الهيدروجينية: تحول الهيدروجين إلى طاقة نظيفة.

جدول (2)

سيناريوهات التحول في الطاقة

هذا السيناريو يعتمد على السياسات والخطط الحالية التي وضعتها الحكومات والشركات. وهو يمثل مسارًا أكثر تدريجيًا للتحول، حيث يتم الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري مع زيادة تدريجية في الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
هو عبارة عن خطة عالمية تهدف إلى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. هذا الهدف تم تحديده في اتفاقية باريس للمناخ، ويهدف إلى تجنب الآثار الأكثر خطورة لتغير المناخ.

شكل (4)

استخدام الطاقة الكهربائية من المصادر المختلفة، بمراجعة دول الجنوب مستمرة في استدام الطاقة البديلة

شكل (5)

تزايد استخدام الطاقة البديلة من الرياح والشمس في مختلف دول العالم

الجغرافيا السياسية للطاقة

علينا الآن أن نضع كل المعطيات السابقة في مسار واضح يمكننا من تصور كيف سيؤثر التحول في الطاقة في موازين القوة الدولية، لكن علينا أن نذكر أن التحول لا يتعلق بالطاقة، بل هو تحول تاريخي يمكن أن يكون من الشمال للجنوب، كما أنه لن يحدث في مجال الطاقة والاعتماد عليها وحسب، بل هو سلسلة من التحولات تعطي الفرصة لبعض الدول على حساب غيرها، خاصة إذا كان المسار مسارًا مفتوحًا (السيناريو 1.5)؛ لأنه يمثل مساحات مفتوحة من التحول نحو المستقبل يسمح بالإبداع والانفتاح نحو الطاقة البديلة. في المقابل سيكون هناك محاولة للسيطرة من القوى الكبرى لقيادة أيّ تحول في الطاقة.

هناك قوى صاعدة ستجد فرصة في امتلاكها الكثير من المواد النادرة التي تعطيها القوة للظهور في المسرح العالمي. وفقًا لمنظمة الطاقة الدولية فإن العالم سيحتاج لأربعة أضعاف المواد الحيوية المستخدمة في الطاقة البديلة، بالتحديد سيحتاج المستثمرون من 7 إلى 28 مليون طن من النحاس، و60-70 بالمئة من النيكل والكوبلت، و90 بالمئة من الليثيوم. كل هذه العناصر خارج الولايات المتحدة الأمريكية. أندونيسيا تنتج 30 بالمئة من الإنتاج العالمي من النيكل، والكونغو تنتج 70 بالمئة من الكوبلت. تصنيع هذه المواد الحيوية يتركز بشكل كبير في الصين فهي التي تصفي 59 بالمئة من الليثيوم و80 بالمئة من باقي المواد الحيوية. ما يحدث للولايات المتحدة الأمريكية في هذا السياق يشبه اعتمادها على النفط من الشرق الأوسط في السبعينات[19].

لذا فإن التحول لا يعتمد على الإنتاج وحسب، إنما على منظومة متكاملة من الإنتاج والمواد الخام وسلاسل التوريد وطبيعة الاقتصاد والبنية التحتية للدول والطبقة الوسطى والنظام التعليمي الذي يشجع على الابداع والاكتشاف. هذه العناصر هي التي تجعل دول الجنوب من الممكن أن تكون هي التي ستكون الرائدة في هذا المجال في المدى البعيد، وتحديدًا في منتصف القرن الحادي والعشرين. بالطبع سيكون للمفاجآت التي يغص بها العالم العمل كعوامل محفزة لهذا التغيير. دعنا نضع هذا التحول الاستراتيجيظ ضمن التحولات في البنية التحتية للمجتمعات وما ينشأ عن ذلك من تحولات في العلاقات الدولية، هذه يمكن توقعها كالتالي:

  • التحول في مجال الطاقة سينشئ عديد الأنماط والتوازنات السياسية الجديدة.
  • النظام الجديد سيعتمد على الكهرباء، مرقمن Digital، يعتمد على الطلب والتوزيع، وهذا سيحتاج لبنية تحتية متطورة وفقًا لسياق كل دولة.
  • النظم في المستقبل ستعتمد على الخدمات المقدمة والتي لا تعتمد على استمرار توريد الطاقة من خلال عقود آجلة، إنما على توفير الخدمات في السيارات الكهربائية والتكييف الذي يعتمد على إنتاج طاقة نظيفة خالية من الكربون.
  • شبكات الإنترنت والكهرباء في المستقبل سوف ترتبط مع بعضها البعض، وسيكون هناك علاقات متشابكة بين الدول المتقارب والمتجاورة، وهنا تتغير طرق الطاقة تمامًا[20].

يبقى سؤال أخر: هل هناك تفكير من هذه الدول في كيفية تحول البنية التحتية وتصميم طرق جديدة للطاقة؟ الإجابة: في إحدى الدراسات المهمة في هذا السياق، تَبيّن أنه رغم أن طريق الحرير، المشروع الصيني الذي يهدف لبناء شبكة من البنية التحتية الممتدة ضمن إطار طريق الحرير التاريخي، لم يذكر الطاقة في المشروع الأساسي الذي انطلق عام 2015، فقد خلا تمامًا من ذكر الطاقة، لكن في عام 2019 بدأ الحديث عن التكامل في مجال الطاقة عبر مشروع طريق الحرير، وسُمِّي ذلك بالشراكة في الطاقة في حزام وطريق الحرير (Belt Energy and Road partnership BERP) ولهذا وضع تصور لطريق الطاقة الجديد، فمن خلاله يمكن تجاوز الطرق التقليدية للطاقة، تحديدًا بحر الجنوب وخليج ملقا، وكذلك الاستثمار في الطاقة البديلة وتوريدها المرتبط بالطلب والمبني على التجاور بين الدول المنخرطة في مبادرة الحرير، والاستفادة والتفوق الاستراتيجي في مجال المواد الحيوية وتغير البنية التحتية في مجال الطاقة. لذا فالولايات المتحدة كما في أكثر من دراسة لاتزال تعتمد على القوة والنفوذ العسكري لحماية الطرق القديمة للطاقة، وفي حال نجاح هذا التحول في منتصف القرن العشرين فإن التحول سيكون له نتائج جيواستراتيجية ضخمة ويحدث التحول من الشمال إلى الجنوب بشكل أكثر وضوحًا.

الدول النفطية، مثل روسيا والمملكة العربية السعودية والعراق وغيرها، إذا واجهت انخفاض عائدات النفط، فإن نموذجها الاجتماعي الاقتصادي وأنظمتها السياسية تتعرض لضغوط شديدة. ولا تواجه الدول المصدرة للوقود الأحفوري انخفاض قيمة مواردها الطبيعية فحسب، بل تواجه أيضًا تحديات جوهرية متزايدة لأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية؛ لأن قيمة هذه  الموارد تشكل جزءًا من العقد الاجتماعي لهذه الدول. وهذا بدوره يؤثر على الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي في هذه البلدان. ​​التحول في مجال الطاقة سوف يخلق حالة من التحولات العميقة في الدول العربية والنظام الإقليمي في المنطقة، وفي غياب التخطيط الاستراتيجي الذي يخضع للأمن القومي وليس لمصالح الطبقة الحاكمة، فإن هذه الدول مهددة بالتخلف وغياب الرؤية الواضحة لتغيير البنية التحتية لهذه الدول بما في ذلك طبيعة النظم السياسية. هذا ما سماه الكاتب تيموثي مايكل بديمقراطية الكربون، حينما درس العلاقة بين التحول في الطاقة والنظم السياسية، ففي حين كان وجود الفحم يدفع نحو وجود طبقة وسطى يمكنها أن توازي سلطة الحُكَّام، مما دفع الديمقراطية الغربية في القرن التاسع عشر، فإن الوقود الأحفوري ونشأة ما يعرف بالدول الريعية التي تخضع المجتمع مقابل مستوى معيشي محدد، أعاق التحول الديمقراطي وأضعف مؤسساتها وأنشأ دولًا أكثر مركزية. يجادل تيموثي بأن هذه العلاقات المتشابكة بين النظام الدولي والشركات الكبرى والنظم المتسلطة في العالم الثالث قد تتغير بوجود تغيرات جذرية في مجال الطاقة[21].

هذا التحول خلال هذه العقود لن يطال الدول النفطية وحسب، بل إن المنطقة ككل تعاني من نظام إقليمي. وفي وجود هذه التحولات التاريخية فإن المنطقة مهددة بمزيد من التوتر، وما يحدث في فلسطين الآن ما هو إلَّا أحد أسئلة المستقبل التي لم نحسن التعامل معها في أمتنا العربية والإسلامية.

خاتمة

عادة ما تدرس قضية التحول الطاقي كقضية كميَّة، تعتمد على وجود مخزونات كبيرة من الاحتياطيات في العالم، وننسى أننا لم نستغن عن طاقة الإنسان أو الماء أو الفحم الحجري لأنها قد نضبت، بل لأن سياقات أخرى أوسع جعلت التحول الطاقي فرصة لتقدم مسارات كبرى، بعضها فرضتها الديمغرافيا، وبعضها يتعلق بالتقنية السائدة، وأخرى تتعلق بالتحولات الجيواسترايتجية. والوعي بالمستقبل الذي يختلف من أمة لأخرى، هذا ما يحدث الآن. والمعركة الأكبر اﻵن لا تتعلق بهل سيحدث هذا التحول الطاقي أم لا، أم متى سيكون ذلك، بل هل هناك إرادة سياسية للتعامل مع هذه التحولات أم لا؟

فكما حدث في بداية القرن، كانت الدولة العثمانية أكثر الدول في المنطقة معرفة بهذه التحولات، لكن البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لم تعي هذه المؤشرات التي يُنذِر بها المستقبل، فوقعت في عجز إستراتيجي عن مواكبة التطورات من حولها، أو حتى وضعها في سياق سياسات حكومية ومجتمعية تدرك التحول التاريخي وتميزه عن المعارك السياسية في الأوضاع العادية.

وما يحدث في منطقتنا اﻵن قريب من ذلك، فنحن إما أن تجبرنا التحديات على التصدي لهذه التحولات أو أن نختار أن ننزل درجات أخرى للأسفل في سلم الحضارة.


[1] Nisbet John, Megatrends: The new directions transforming our lives, Warner Books,2981.

[2] Naisbitt, D., & Naisbitt, J. (2019). Mastering Megatrends: Understanding and Leveraging the Evolving New World. In Mastering Megatrends.

[3] Naughtin, Claire and Schleiger, Emma and Baranova, Alexandra and Terhorst, Andrew and Hajkowicz, Stefan, Forty Years in the Making: A Systematic Review of the Megatrends Literature. Available at SSRN: https://ssrn.com/abstract=4659678 or http://dx.doi.org/10.2139/ssrn.4659678

[4] https://www.futuresplatform.com/blog/s-curve-analysis-foresight.

[5] Sardar, Ziauddin, editor. The Post normal Times Reader. International Institute of Islamic Thought (IIIT), 2019.

[6] Inayatullah, Sohail. There’s a Future: Visions for a Better World. BBVA, 2013.

[7] Naisbitt, John, and Doris Naisbitt. Global Game Change. Heart Space Publications, 2016.

[8] Ferguson, Niall. The Great Degeneration: How Institutions Decay and Economies Die. Penguin, 2013.

[9] Polanyi, Karl. The Great Transformation: Economic and Political Origins of Our Time. Farrar & Rinehart, 1944.

[10] مرجع سابق.

[11] أجتم، أنتوني. قرن الأسواق الناشئة، مكتبة جرير، 2008.

[12] Daiamond Larry,How to end the Democratic recession, Foreign Affair, 2024.

[13] مرجع سابق.

[14] هذا يأتي رغم الحديث عن نقص عام في الخصوبة عبر العالم، لكن ذلك كان طارئًا بعد أحداث كورونا، فمعدل الخصوبة الذي يسمح بزيادة نسبة المواليد على الوفاة هو 2.1 بالمئة. والعالم الآن يدخل في طور قلة الخصوبة، وهذا لم يحدث منذ القرن الخامس عشر مع انتشار الطاعون. ومع ذلك سنجد فوارق في النمو السكاني تعطي فرصًا لبعض القوى على حساب الأخرى. الولايات المتحدة لاتزال في قوة ديمغرافيًّا رغم أن أوروبا تعاني من الشيخوخة ونقص الطبقة الوسطى العاملة.  

[15] Kao, John. Innovation Nation: How America Is Losing Its Innovation Edge, Why It Matters, and What We Can Do to Get It Back. Free Press, 2007.

[16] Klein, Naomi. This Changes Everything: Capitalism vs. The Climate. Simon & Schuster, 2014.

[17] انظر:  https://ourworldindata.org/renewable-energy، يمكن في هذا الموقع تتبع إنتاج كافة الدول من خلال الرسم التفاعلي، ويبين هذا طبيعة التحول وتعقيداته.

[18] ذكرت تفصيل هذه القصة في اكتشاف الغاز المسال في كتابي النهايات، مكتبة العقاد، 2019.

[19] Bazilian DÇ Morgan,Brew Gregory, The missing Minerals, Foreign Affair;2024.

[20] Hamfer Manfred,Simon Tagliapietra, The Geopolitics of the Global Energy Transition,Springer,2020.

[21] Mitchell, Timothy. Carbon Democracy: Political Power in the Age of Oil. Verso Books, 2013.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى