المقدمة
تُشكِّل الحرب الدائرة في السودان تحديًا كبيرًا على الصعيد الإقليمي، بما لها من تبعات تتجاوز حدود السودان، لتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على دول الجوار، وفي مقدمتها مصر، نظرًا للحدود المشتركة والتداخل الكبير بين البلدين وتوجُّه السودانيّين بأعداد كبيرة ناحية الحدود المصرية للهرب من آثار الحرب.
لقد ألقت الأزمة في السودان بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية في مصر، بسبب الملفات الثنائية والإقليمية التي ترتبط بالأمن والاستقرار في السودان، ثم بسبب حالة النزوح الكثيفة من السودانيّين إلى مصر.
فسياسيًا، يؤدي عدم الاستقرار في السودان إلى خلق بيئة إقليمية معقدة قد تؤثر على العلاقات المصرية-السودانية وعلى مصالح القاهرة في ملفات حيوية، مثل ملف مياه النيل وسد النهضة. وأمنيًا، يثير النزاع السوداني مخاوف من امتداد الفوضى إلى الحدود المصرية الجنوبية، مما يستدعي تعزيز الإجراءات الأمنية والحدودية. واقتصاديًّا، يؤثر لجوء السودانيّين إلى مصر بأعداد كبيرة على الاقتصاد المصري الذي يعاني أصلًا من أزمة اقتصادية خانقة، ما يؤدي إلى نشوء وضع غير مناسب لإقامة هؤلاء السودانيّين داخل المجتمع المصري، وظهور خطاب معادي لتواجدهم، تقف وراءه جهات تستغل هذا التواجد في تحقيق مصالحها.
المحور الأول
لمحة تاريخية عن الأزمة الحالية في السودان
الحرب الحالية في السودان ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى تعقيدات تاريخية وسياسية طويلة الأمد. فهي نتاج للتداخل بين التهميش السياسي والاقتصادي، والتنوع الديني والعرقي، بالإضافة إلى إرث السياسات الاستعمارية السابقة، والصراعات المستمرة على الموارد والنفوذ. هذه العوامل المتشابكة جعلت السودان بؤرة دائمة للصراعات منذ عقود.
ومن أبرز هذه الصراعات كان صراع دارفور في عام 2003، الذي يُعتبر أحد أكثر النزاعات دموية في تاريخ البلاد. اندلعت الأزمة عندما ثارت مجموعات متمردة من إقليم دارفور، أبرزها “حركة تحرير السودان” و”حركة العدل والمساواة”، ضد الحكومة المركزية في الخرطوم، متهمة إيَّاها بالتهميش السياسي والاقتصادي المتعمد للإقليم. سعت هذه الحركات للحصول على تمثيل سياسي أكبر وتوزيع عادل للموارد. وردًّا على هذه الحركات المتمردة، قاد الرئيس السابق عمر البشير حملة عسكرية ضدهم، مستعينًا بميليشيات “الجنجويد”. أسفرت هذه الحملة عن مقتل مئات الآلاف وتشريد ما يزيد عن مليوني شخص، ما جعل دارفور رمزًا لمعاناة السودانيّين.
خلال هذه الأزمة، شهد السودان تحولات سياسية جوهرية. ففي عام 2005، وُقعت اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، منهية الحرب الأهلية السودانية الثانية، ومهدت الطريق لانفصال جنوب السودان في عام 2011. وقد ترتب على هذا الانفصال فقدان السودان لثلث مساحته وعدد كبير من موارده النفطية. ورغم هذا التحول الكبير، استمرت النزاعات في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
وفي أبريل 2023، اندلعت حرب جديدة في السودان نتيجة تصاعد التوترات بين الجيش السوداني، بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي. كان الطرفان حليفين في الإطاحة بنظام عمر البشير عام 2019، وتعاونا في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، لكن سرعان ما تصاعدت الخلافات بينهما حول مستقبل البلاد، لا سيما فيما يتعلق بالتحول نحو حكم مدني.
يعود الصراع بين البرهان وحميدتي إلى المنافسة على السيطرة على الدولة السودانية. تسعى قوات الدعم السريع، التي نشأت من ميليشيات “الجنجويد” في دارفور، لتعزيز قوتها العسكرية والسياسية، مستفيدة من موارد مالية وتسليحية ضخمة. في المقابل، يحاول الجيش السوداني الحفاظ على سيطرته التقليدية على الدولة ومؤسساتها. أدى هذا التنافس إلى تصاعد الصراع بشكل كبير في الخرطوم ومدن أخرى، مثل دارفور، التي تعاني بالفعل من تداعيات النزاعات السابقة. تسبب القتال في دمار واسع النطاق، حيث تعرضت البنية التحتية في العاصمة لأضرار جسيمة، وانهيار النظام الصحي وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية، إلى جانب نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية. وكالعادة، كان المدنيون هم الضحية الأكبر، حيث قُتِل الآلاف، ونزح مئات الآلاف داخل البلاد أو إلى الدول المجاورة.
حاولت بعض القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، التوسط لحل الأزمة، لكن هذه الجهود لم تسفر حتى الآن عن اتفاق دائم لوقف إطلاق النار. زادت التدخلات الخارجية من تعقيد الوضع، حيث تسعى بعض الدول لدعم طرف على حساب الآخر، مما يزيد من تفاقم الأزمة.
المحور الثاني
تداعيات حرب السودان وأثرها على الداخل السوداني ومصر
أولًا: التداعيات وأثرها على الداخل السوداني
تُعد حرب السودان من الحروب غير المتماثلة. فعلى الرغم من احتراف الجيش السوداني وتفوقه الجوي، فإن هذه الميزة قد تلاشت نتيجة انتشار قوات الدعم السريع داخل الأحياء السكنية وسيطرتها على المقرات الحكومية، مما جعل الجيش عاجزًا عن استهدافها عبر الغارات الجوية حفاظًا على أرواح المدنيّين. هذا بدوره مَكّن الميليشيات من السيطرة والانتشار في كثير من المدن والولايات السودانية منذ بداية الحرب. حاول الجيش السيطرة على الوضع باستخدام قوته الجوية، بالتزامن مع نزوح المدنيّين من المدن والولايات. وقد انضم إلى الجيش بعض الحركات المسلحة في دارفور، حيث تمكنوا من تحويل دفة الصراع ووقف تقدم قوات الدعم السريع، خصوصًا مع استخدام طائرات مُسيَّرة إيرانية الصنع.
ومع ذلك، تلاشى هذا التأثير بسرعة بعد حصول قوات الدعم السريع على طائرات بدون طيار ذات مهارات قتالية عالية قادمة من الإمارات، وفقًا لاتهامات قادة الجيش السوداني بأن الإمارات تقدم الدعم العسكري لقوات الدعم السريع من خلال مطار “أم جرس” في تشاد. بالطبع، نفت وزارة خارجية الإمارات هذه التهمة في بيان صدر في 13 أغسطس 2023.
أدى الصراع العسكري إلى خسائر كبيرة على كافة المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والأمنية:
1. نزوح أكثر من 8.5 مليون شخص حسب تقارير الأمم المتحدة، نصفهم من الأطفال في جميع أنحاء البلاد. ووفقًا لما أعلنه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” خلال زيارته لإثيوبيا في أواخر يناير 2024، تمثل السودان أكبر أزمة نزوح وهجرة بدون كفالة أو رعاية إقليمية أو دولية، حيث لجأ أكثر من 1.5 مليون شخص إلى الدول المجاورة.
2. مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ بداية الحرب، وهي حصيلة هائلة في ظِل صراع دمر الدولة الشاسعة التي يعاني حوالي 25 مليون شخص فيها من نقص حاد في الغذاء، ورغم الجهود الإقليمية والدولية لوقف القتال، لا يزال النزاع مستمرًا، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
3. يعاني حوالي 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وهذا العدد يشكل أكثر من ثلث سكان السودان، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
4. تدمير نحو 10 بالمئة من المباني السكنية و60 بالمئة من المباني الحيوية في العاصمة، بما في ذلك القصر الرئاسي، وأجزاء من القيادة العامة للجيش، وعدد من المتاحف والمباني التاريخية، والوزارات، والهيئات الحكومية.
5. دُمر القطاع الصناعي بنسبة تصل إلى 95 بالمئة، خاصة في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، وهي المناطق التي تضم 90 بالمئة من الصناعات.
6. توقفت مقرات الأجهزة والسلطات الرسمية في البلاد، بالإضافة إلى مقرات البعثات الدبلوماسية، مما دفع العديد من الدول إلى إجلاء بعثاتها الدبلوماسية وتعليق عمل السفارات.
7. تحول السودان إلى معبر للهجرات والتهريب، وبيئة خصبة للجماعات الإرهابية التي قد تستفيد من انعدام الأمن وانشغال قوات الجيش على الحدود بالحرب.
ثانيا: التداعيات وأثرها على مصر
لم تتوقف تبعات الحرب التي نشبت في السودان منذ 15 أبريل 2023 عند التأثيرات على الداخل السوداني فقط، بل امتدت لتشمل دول الجوار التي تواجه مخاطر توسع الصراع في السودان وتأثيراته السياسية، والاقتصادية، والأمنية، ومنها مصر التي يمثل السودان لها مسألة أمن قومي، واستقراره يعني بالضرورة استقرار الحدود الجنوبية لمصر. استمرار الاقتتال في الخرطوم يَعني أن مصر على مشارف حالة من عدم الاستقرار الداخلي على المستوى الأمني والاقتصادي.
لقد تضررت الأوضاع الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في السودان بسبب الحرب، مما أدى إلى تحركات دولية سريعة لإجلاء الرعايا الأجانب. تقدر خسائر السودان اليومية بنحو نصف مليار دولار، وهو ما ينعكس سلبًا على اقتصادات دول الجوار، ومنها مصر. يتزايد القلق بشأن تأثر التجارة بين مصر والسودان، حيث يعتبر السودان بوابة من بوابات مصر للتجارة مع إفريقيا. ومع استمرار الأوضاع السياسية والأمنية المتدهورة، قد يتأثر حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
1. انخفاض تصنيف مصر الائتماني: هناك مخاوف كبيرة تتعلق باحتمالية خفض تصنيف مصر الائتماني لكونها دولة مجاورة للسودان، وبالتالي فإن المخاطر قد تصب في القطاع المالي المصري. ويأتي ذلك بعد إعلان وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني أن التصنيفات الائتمانية للمقرضين متعددي الأطراف، مثل المؤسسات الإقليمية الإفريقية، سوف تلحق بها أضرارًا جسيمة. وتزايدت تلك المخاوف عقب إعلان وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من “مستقر” إلى “سلبي”. وترى الوكالة أن التوقعات السلبية تعكس خطورة أن إجراءات السياسة الاقتصادية التي تنفذها مصر قد لا تكون كافية لاستقرار سعر الصرف وجذب تدفقات العملة الأجنبية اللازمة، وذلك منذ بداية الحرب الأوكرانية، أي أن الأزمة ليست وليدة حرب السودان.
2. أزمة التمويل المحتملة: مع تأزم الأوضاع نتيجة الحرب، تأثرت أعمال البنوك ومؤسسات التمويل متعددة الأطراف فيما يخص قدرتها على تمويل المشاريع في المنطقة ككل، ومنها مصر. وتزايدت المخاوف الحالية بشأن اتجاه المؤسسات الدولية نحو رفع متزايد لأسعار الفائدة على القروض للدول الإفريقية، ومنها مصر والسودان. كما أعلنت وكالة “موديز” أن الحرب في السودان تشكل خطرًا على جودة أصول البنوك التنموية الإفريقية مثل: بنك التجارة والتنمية (TDP)، وبنك التصدير والاستيراد الإفريقي (Afrexim Bank)، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، مما قد ينعكس بشكل أو بآخر على دول الجوار، ومنها مصر وإثيوبيا. خاصة أن بنك التصدير والاستيراد الإفريقي لديه نحو 930 مليون دولار قروضًا في السودان، كما وجه 31 بالمئة من تمويلاته لدول متاخمة للسودان، بينما بلغت قيمة قروض بنك التنمية والتجارة في السودان 931 مليون دولار بنهاية 2022، نحو 34 بالمئة منها توجهت للسودان والدول المجاورة فقط.
3. التبادل التجاري بين البلدين: تحتل السودان المرتبة الثانية في قائمة أكبر خمس أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار سنويًّا، وذلك طبقًا لبيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. ويستحوذ السودان على نحو 13.2 بالمئة من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فقد سجلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعًا بنسبة 18.2 بالمئة خلال عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021، حيث بلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال عام 2022، بينما وصلت صادرات السودان لمصر إلى نحو 504.5 مليون دولار.
وتعتمد مصر على السودان في استيراد عدد كبير من السلع والمنتجات، على رأسها الحيوانات، والسمسم، والفول السوداني، والقطن، والبذور الزيتية. وفي المقابل تشمل الصادرات المصرية للسودان العديد من المنتجات تامة الصنع، أهمها: الكيماويات، والمواد الغذائية، والسكر، والآلات والمعدات. ويثير الوضع في السودان تساؤلات بشأن تضرر حركة التجارة مع السودان، خاصة مع تضرر المعابر والموانئ السودانية.
تأثر قطاع الصادرات المصري بسبب تراجع وتذبذب حجم صادرات مصر إلى السودان، حيث إن الدولة المصرية في الوقت الحالي تسعى جاهدة إلى تعزيز حجم صادراتها، وجلب النقد الأجنبي. كذلك صادرات مصر إلى دول حوض النيل، حيث يُعد السودان بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، قد يتأثر حجم التبادل التجاري بينهم.
3. الاستثمارات المشتركة: تمتلك مصر العديد من الاستثمارات الكبرى في السودان، حيث وصلت قيمة الاستثمارات إلى نحو 2.7 مليار دولار، بمجموع مشروعات يُقدر بنحو 273 مشروعًا، في مجالات: الأسمنت، البلاستيك، الرخام، الأدوية، مستحضرات التجميل، الأثاث، الحديد، والصناعات الغذائية، ونحو 90 مشروعًا خدميًّا في قطاعات المقاولات، البنوك، المخازن المبردة، الري، الحفريات، خدمات الكهرباء، مختبرات التحليل، المراكز الطبية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و17 مشروعًا زراعيًّا في قطاعات المحاصيل الزراعية، الإنتاج الحيواني، الدواجن، نشاط صيد الأسماك. كما أن نحو 70 بالمئة من الاستثمارات المصرية تتركز بالعاصمة السودانية الخرطوم. ومع استمرار النزاع في السودان، سوف تتأثر الاستثمارات المصرية، وسوف يتعرض بعضها للجمود والتعطيل المؤقت لحين عودة الاستقرار، خاصة مع احتمالية إغلاق منافذ البضائع والمطارات؛ وبالتالي سوف تتوقف عمليات نقل البضائع من وإلى السودان.
4. الأمن المائي: تشهد العلاقات بين مصر وإثيوبيا تصاعدًا في التوتر بسبب أزمة سد النهضة، وجاءت الحرب الطاحنة في السودان لتلقي بظلالها على ملف مياه النيل، مما يزيد من تعقيد الأزمات الإقليمية.
لقد فاقمت الحرب في السودان تلك المشكلة الاستراتيجية الخطيرة بالنسبة لمصر، وساعدت الصراعات في السودان في إخفاق مساعي القاهرة للتأثير على أديس أبابا في مفاوضات سد النهضة الذي بنته إثيوبيا على نهر النيل. ومنع الصراع العنيف بين البرهان وحميدتي السودان من أن يكون شريكًا موثوقًا فيه للضغط على الصعيدين الإقليمي والدولي بهدف حماية مصالح مصر والسودان في مجال الأمن المائي باعتبارهما دولتي المصب.
ومع استمرار الحرب واحتمالات انهيار الدولة السودانية قد يزيد تعنت إثيوبيا ويَقوى موقفها الذي تتمسك به في الخلاف الناشب بينها وبين كلٍّ من مصر والسودان. فانهيار السودان سوف يُضعِف الجبهة المصرية في مواجهة إثيوبيا.
في هذا السياق، صرّح المهندس “كيفلي هورو”، المدير العام لمشروع سد النهضة، بأن السد اكتمل بنسبة 99.5 بالمئة، وأنه تمَّ اكتمال ملء “سد السرج” (أحد نقاط سد النهضة) بنسبة 100 بالمئة. وتم تشغيل أربع توربينات لتوليد الكهرباء، مع توقعات بأن المشروع سوف يُستكمل تمامًا خلال العام المقبل.
المحور الثالث
أحوال اللاجئين السودانيّين داخل مصر
تضاعف عدد اللاجئين السودانيّين المسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر إلى سبعة أضعاف منذ بداية الحرب، حيث أوضحت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، الدكتورة “حنان حمدان”، أن أكثر من 317 ألف لاجئ من السودان وصلوا إلى مصر خلال الأشهر الماضية. وتواصل أكثر من 100 ألف شخص منهم مع مكاتب التسجيل التابعة للمفوضية في القاهرة والإسكندرية، معظمهم من النساء والأطفال والأسر التي تعيلها نساء. ويتمركز أبناء الجالية السودانية في مناطق عدة في مصر، أشهرها محافظات القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، ودمياط، والدقهلية، وأسوان. وهم بحاجة ماسة للمساعدة والغوث.
وقالت حمدان إن المفوضية تعمل مع السلطات المصرية وشركائها المحليّين لمساعدة الوافدين الجدد من السودان، ولكن تمَّ تلبية 31 بالمئة فقط من احتياجاتها التمويلية الإجمالية لهذا العام حتى الآن. وينتظر 250 ألف سوداني آخرين التسجيل لدى المفوضية في مصر، ومن المتوقع أن يستمر العدد في الزيادة، بالإضافة إلى تزايد الاحتياجات بشكل هائل، مع تضاؤل الموارد المتاحة للحكومة المصرية ومنظمات الأمم المتحدة لتوفير مساحات تعليمية آمنة تحمي اللاجئين والمضيفين.
وبحسب بيان صدر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، في 22 أغسطس 2024، فإن “خطة الاستجابة الإقليمية للاجئين في السودان لعام 2024” تدعو إلى توفير 109 ملايين دولار لتلبية احتياجات تعليم اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة. وحتى الآن، تمَّ جمع 20 بالمئة فقط من هذا المبلغ، منها 4.3 ملايين دولار، تعادل 40 بالمئة فقط من المطلوب لمصر.
الاعتقالات الجماعية والإعادة القسرية
يتعرض اللاجئون السودانيون في مصر لعمليات التعرف والاعتقالات. في يوليو الماضي، ألقت الشرطة المصرية القبض على اللاجئ السوداني عثمان حسين يعقوب، مدير مركز الرؤية الإفريقية للتعليم السوداني، في مدينة 6 أكتوبر، لتدريسه المنهج السوداني، في استمرار لمسلسل الاحتجاز التعسفي والإعادة القسرية للاجئين السودانيّين في مصر.
حيث احتُجز يعقوب في قسم شرطة ثانٍ 6 أكتوبر ولم يُعرض على النيابة، وأنكر القسم وجوده في البداية. ثم تواصل القسم بعدها مع أسرة اللاجئ مؤكدًا ضرورة حجز تذكرة السفر إلى السودان لترحيل عثمان، وأن وجوده في مصر غير مرغوب فيه من السلطات المصرية، من دون إبداء أسباب أو تحقيق أو حتى الإحالة إلى النيابة العامة، وذلك وفق بيان صادر عن “المفوضية المصرية للحقوق والحريات”.
وصرحت منظمات حقوقية محلية ودولية في بيان مشترك أُصدر في إبريل الماضي بأن قوات الأمن استولت على كتب من المناهج الدراسية السودانية (الجغرافيا والتاريخ) وحاسوب يعقوب الشخصي. ووثقت “منصة اللاجئين في مصر” نقل عثمان من قسم شرطة ثانٍ 6 أكتوبر إلى الإدارة العامة للجوازات والهجرة، التي أصدرت خطابًا إلى السفارة السودانية تحثها فيه على استخراج وثيقة سفر اضطرارية لترحيله.
كما رصدت “منصة اللاجئين في مصر” إجراءات دخول السودانيّين وغيرهم من النازحين مع بدء النزاع المسلح. كانت السلطات المصرية مستمرة في تفعيل اتفاقية الحقوق الأربعة والسماح بعبور السودانيّين دون حدوث إجراءات مسبقة، مع بطء شديد في إجراءات حركة العبور في الأسبوعين الأولين من النزاع المسلح، ووقتها كان يستمر انتظار الأشخاص لأيام أمام المعبر، بحسب شهادات وثقتها منصة اللاجئين حينها، والذي بدوره أدى إلى إصابة العديد من النازحين بالأمراض، وبعضهم ساءت حالته وتوفي، خاصة مع عدم جاهزية منطقة الانتظار حول المعبرين لاستقبال عدد كبير من العابرين.
ومع استمرار تدفق النازحين، سرعان ما بدأت الحكومة المصرية بتشديد إجراءاتها. ففي 25 مايو 2023، أصدرت مصر قراراً بوقف التعامل بوثائق السفر المؤقتة للسودانيين على المعابر المصرية، وهي الوثائق التي كان معمولاً بها منذ بداية النزاع المسلح في السودان، وكانت السلطات المصرية تسمح بعبور حامليها من السودانيين إلى مصر بعد الإجراءات المتبعة للعبور، وهو الأمر الهام الذي كان من خلاله يمكن وصول كبار السن والأطفال والمرضى ممن لا يمتلكون جوازات سفر إلى مصر.
بعدها أصدرت السلطات المصرية، في 7 يونيو 2023، قرارًا يُلزم الفئات التي لا تحتاج إلى تأشيرة للدخول إلى البلاد – وفقًا لـ”اتفاقية الحريات الأربع” – باستصدار تأشيرة دخول إلى مصر اعتبارًا من يوم 10 من الشهر نفسه، والذي بدوره عمَّق أزمة النازحين وأغلق الحدود الشمالية أمام أغلبهم. والملاحظ أن هذا القرار صدر في نفس يوم إعلان مجلس الوزراء المصري موافقته على مشروع قانون بإصدار قانون لجوء الأجانب.
تسببت هذه القرارات في تكدس كبير على المعابر الحدودية، وزادت عملية الانتظار من تدهور الأوضاع الصحية للنازحين وزيادة الوفيات، خاصةً بين النساء والأطفال وكبار السن، بسبب الازدحام الشديد وطول مدة النزوح ونقص الطعام والدواء، والافتقار إلى مستلزمات النظافة والصحة والمياه النظيفة. ثم تحولت حركة النزوح القسري النظامية إلى غير نظامية، عبر سلوك العائلات والأفراد طرقًا أكثر خطورة يتعرضون فيها لانتهاكات مروعة ومرعبة تشمل الاعتداء والموت. وفي أفضل الظروف، يتعرضون للاحتجاز من السلطات المصرية سواء تم توقيف الأشخاص في المناطق الحدودية أو القريبة منها، أو تم توقيفهم داخل البلاد بعد عبورهم.
وخلال رحلة التوقيف والاحتجاز التي وثقتها “منصة اللاجئين في مصر” من خلال شهود وناجين، يتعرض الموقوفون لانتهاكات تشمل الاختفاء القسري، والتعرض في بعض الأحيان للمحاكمة العسكرية، بما في ذلك الأطفال والنساء، أو التحقيق والمحاكمة بدون توفر شروط المحاكمة العادلة، ثم الاحتجاز بدون وجه حق في مراكز احتجاز غير مناسبة، ولا تتوفر فيها المعايير الأدنى للكرامة الإنسانية. كما تم توثيق عمليات ترحيل سودانيّين خلال الشهور الماضية من مصر إلى السودان قسرًا عبر المعابر الحدودية، بعد فترات متفاوتة من الاحتجاز والاختفاء.
صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3326 لسنة 2023 والذي ينص على أنه يتعين على “الأجانب المتقدمين للإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية، للحصول على حق الإقامة للسياحة أو لغير السياحة، تقديم إيصال يفيد قيامهم بتحويل ما يعادل رسوم الإقامة، غرامات التخلف، تكاليف إصدار بطاقة الإقامة من الدولار أو ما يعادله من العملات الحرة”.
كما نص القرار على أن الأجانب المقيمين بالبلاد بصورة غير قانونية يتعين عليهم توفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم، شريطة وجود مستضيف مصري الجنسية، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، مقابل سداد مصروفات إدارية بما يعادل ألف دولار أمريكي تودع بالحساب المخصص لذلك وفقًا للقواعد والإجراءات والضوابط التي تحددها وزارة الداخلية. ثم صدر القرار رقم 4313 لسنة 2023، بمد فترة توفيق أوضاع وتقنين إقامة الأجانب المقيمين بالبلاد بصورة غير قانونية المنصوص عليها بالمادة الثانية من قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3326 لسنة 2023 المشار إليه، وذلك لمدة ثلاثة أشهر إضافية.
وعلى خلفية هذه القرارات، يواجه عدد كبير من السودانيّين قرارًا بالإبعاد والترحيل من قبل السلطات المصرية بعد أن تم توقيفهم بسبب مخالفات تتعلق بإجراءات الإقامة، رغم أن بعضهم لاجئون مقيدون في سجلات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبرأتهم المحكمة عن طريق إجراءات التقاضي العادية، إلَّا أن السلطات المصرية قررت ترحيلهم.
بالإضافة إلى قيود القانون المحلي، فإن اللاجئين ينتظرون لشهور طويلة لمقابلة موظفي المفوضية، والتي قد تتراوح بين 4 إلى 6 أشهر، وتمتد هذه العملية إلى إصدار رقم مرجعي للحصول على تصريح الإقامة. وتبلغ مدة هذه الإجراءات قرابة عام كامل للحصول على إقامة سارية تمتد صلاحيتها إلى ستة أشهر بحد أقصى فقط.
ومن أحد أسباب هذه المشكلة وجود ثلاثة مكاتب فقط للمفوضية (اثنان في القاهرة الكبرى والثالث في الإسكندرية)، ولا توجد مكاتب حدودية أو قريبة من الحدود مع السودان، ما تسبب في ضغط كبير على المكاتب الثلاثة، وارتفاع تكاليف الانتقال على الراغبين في التسجيل. بالإضافة إلى أنه لا يحق لهم الاستفادة من خدمات المنظمات والهيئات الحكومية والأهلية والدولية إلَّا بعد التسجيل، فضلًا عن انعدام الحماية القانونية لهم خلال تنقلاتهم، ما أدى إلى اعتقالات وترحيل واعتداءات بحق الأشخاص الذين لا يحملون أوراقًا ثبوتية.
ثم زادت تلك الصعوبات بالقرار رقم 3326، الذي أضاف عبئًا ماليًّا كبيرًا على ملتمسي اللجوء، والذي وصفته “منصة اللاجئين” في ورقة تحليل قانوني بأنه “استغلال من منظور عقابي، يخالف القانون ولا يحقق غرضه”.
كما وثقت تلك المنصة مؤخرًا اعتداءً على لاجئات وأطفال أثناء وقوفهم في الطابور المخصص للراغبين في الدخول إلى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مدينة 6 أكتوبر، والذي أظهر قيام أفراد أمن مصريّين يرتدون الزي الرسمي لوزارة الداخلية بدفع لاجئين، منهم أطفال، بشكل عنيف من أمام مكتب المفوضية، وذلك أثناء وقوفهم في المكان المخصص للراغبين في الدخول إلى المكتب لتقديم طلبات، بالإضافة إلى وصفهم بأنهم “عبيد”.
جدير بالذكر أن وزيرَي الداخلية المصري والسوداني قد التقيا في 2 مارس الماضي، وبحسب البيان السوداني، فقد وجه الوزير المصري بتشكيل “آليَّة تضم المختصين بوزارتي الداخلية السودانية والمصرية والسفارة السودانية في القاهرة، للتوافق حول إجراءات التأشيرات والإقامة”. وأرجع “وزير الداخلية المصري” بطء إجراءات استخراج التأشيرات للسودانيّين الراغبين في زيارة مصر إلى إجراءات الفحص الضرورية لاستيفاء شروط التأشيرة، متعهدًا بتسهيل الإجراءات لضمان حصول أكبر عدد من الراغبين فيها خلال وقت وجيز. ووعد الوزير المصري بتبسيط إجراءات إقامة السودانيّين في مصر، ودعاهم لإكمالها في مكاتب الجوازات في العاصمة القاهرة والمحافظات، بحسب وسائل الإعلام السودانية.
لكن الملاحظ أن البيان المصري خلا من أي إشارة إلى مشكلات اللاجئين، واكتفى بالإشارة إلى اهتمام وزير الداخلية السوداني بتبادل الخبرات مع الأجهزة الأمنية المصرية المشهود لها بالكفاءة في شتى مجالات العمل الأمني، فضلًا عن تطلعه إلى تعزيز قنوات الاتصال وآليات تبادل المعلومات بين الجانبين في ضوء التحديات الأمنية التي تفرضها الأوضاع الراهنة بالمنطقة.
لقد واجه اللاجئون السودانيون الموت نتيجة لغلق الحدود الشمالية، وهو ما عزز لديهم الهجرة غير النظامية وعمليات تهريب البشر. ويواجه النازحون في رحلة الهجرة غير النظامية حوادث مروعة، كالخطف والابتزاز والموت والترك في الصحراء. ورغم ذلك، فإن الأمل في الهروب من أهوال الحرب يدفع ملايين السودانيّين إلى المخاطرة والخروج بأي طريقة.
تفسر الهجرة غير النظامية الاختلاف الكبير في تقدير أعداد السودانيّين داخل مصر، ما بين أكثر من 400 ألف بحسب منظمة الهجرة الدولية، و4 ملايين بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
خطاب الكراهية للاجئين السودانيّين
تتصاعد حملات كراهية ممنهجة على وسائل التواصل الاجتماعي، موجهة إلى مجتمعات اللاجئين، وكان أحدثها ما كشفه تحليل لمنصة “متصدقش”، تناول الفترة من 1 أكتوبر 2023 إلى 6 يناير 2024. أشار التحليل إلى أن مَن يقف وراء الحملة ضد اللاجئين هو حسابات ومجموعات قومية التوجُّه، إلى جانب مؤيدين لرأس النظام عبد الفتاح السيسي. وما أكد ارتباط النظام المصري بالحملة هو أن هذه الحملة توجت بإعلان السلطات المصرية في التاسع من يناير بدء حصر وتدقيق أعداد اللاجئين والوافدين.
حيث نشط طيف من الهاشتاغات الرافضة لقدوم السودانيّين إلى مصر، لتجذب شرائح مؤيدة لهذه النوعية من الخطاب. ورغم الصخب المرتبط بهذه النوعية من الخطاب عبر الشبكات الاجتماعية، وما يحمله من مخاوف قد تُترجَم إلى أعمال عنف ضد اللاجئين على الأرض، إلَّا أن انعكاسات هذا الخطاب لا تزال محدودة إلى الآن. فقد نشطت هذه الوسوم في العديد من المنصات الاجتماعية، مولدة آلاف التدوينات والتغريدات وما يكافؤها من التفاعلات، في محاولة لتضخيم تيار رفض اللاجئين والإيحاء بأنه “مطلب شعبي”. وكانت الوسوم تدعو إلى إغلاق الحدود أمام السودانيّين، وإلغاء تأشيرات دخولهم، وطردهم من مصر، وإغلاق مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
وإذا دققنا النظر في مصدر التدوينات المنشورة على المنصات والتفاعلات معها، سنجد أن هناك دورًا فعالًا لمجموعات كانت منخرطة في حملات إلكترونية تدافع عن سياسات الحكومة وتهاجم منتقديها، وتجمل ما يطلقه السيسي من تصريحات، وتشوه معارضيه، مع نشاطها لخلق مناخ معادي للاجئين والأجانب عمومًا في مصر.
من بين هذه المجموعات ما يُسمَّى بـ”التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا”، وهي مجموعة على فيسبوك، تأسست في أكتوبر 2020، وتضم أكثر من 27 ألف عضو. احتوت تلك المجموعة على العديد من تدوينات أعضائها عن تدفق اللاجئين إلى مصر، والبحث في أرشيف المغردين السودانيّين في السنوات الماضية، لإظهارهم بشكل سلبي. بالإضافة إلى وجود صفحات وتكتلات أخرى تتبنى نفس الخطاب، مثل جروب “اتحاد مؤيدي الدولة” والذي يضم “94 ألف عضو” لمؤسسه إبراهيم الجارحي، الذي عُرف عنه قيادته لحملات إلكترونية مدافعة عن الحكومة ومهاجمة المعارضين طوال السنوات الماضية، قبل أن يصبح مقدماً للبرامج في قنوات تليفزيونية تملكها أجهزة سيادية مصرية.
ومن خلال التدقيق، سوف نجد أن المنضمين إلى هذا التحالف أشخاص مرتبطون بشكل ما بالدوائر الرسمية. فمؤسس الجروب، إسلام عبّاس، سبق له حضور فعاليات رسمية، حيث تمَّت دعوته وقادة التحالف إلى مائدة “إفطار الأسرة المصرية” السنوي، في شهر رمضان، و”منتدى شباب العالم”، وكلاهما حدثان يحضرهما السيسي.
هذا بالإضافة إلى صفحة “وعي مصر”، وهي واحدة من أكبر 10 صفحات قومية على الأقل، وتشكل تحالفًا فيما بينها. وهذه الصفحة من أبرز الكيانات المنشطة للوسوم الرافضة لقدوم السودانيّين إلى مصر، ويتابعها 94 ألف شخص، ولها خطاب قومي متطرف معادٍ للأجانب واللاجئين، واعتادت على إطلاق حملات مناهضة للاجئين ورفض “تسويد أصل مصر”، للتعبير عن رفض أن يكون الأفارقة أو السود جزءًا من الهوية المصرية.
وأظهرت منشورات الصفحة واهتمامها بطريقة تصميمها جهدًا منظمًا ومنسقًا مركزًا على توسيع نطاق المناخ المعادي للاجئين في البلاد، خاصةً مع تدفق السودانيّين إلى مصر. واستعانت الصفحة بتصريحات الرئيس المصري ووزير خارجيته للاستناد إليها في الدفع باتجاه رفض اللاجئين. واستخدمت الصفحة هاشتاغ “#كفاية_لاجئين”. والجدير بالذكر هو انضمام صفحة “وعي مصر” إلى “التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا”.
احتوت بعض التدوينات المنشورة على الهاشتاغات المناهضة للاجئين السودانيّين وعبارات مسيئة قد ترقى إلى خطابات الكراهية، مثل: “البلد مستنقع للاجئين، اللاجئون خطر على مصر، السودانيون أغلبهم مختلون، انتظروا الإيدز والكوليرا، طوفان من السودانيّين معهم أمراض وأوبئة ستفتك بمصر”.
كانت هذه الهاشتاغات تعقيبًا على خبر يقول إن “مصر تستعد لاحتمال انتشار الأوبئة عبر القادمين من السودان”. ورغم أن عنوان الخبر يتحدث عن “احتمال”، إلَّا أنه أثار ضجة وجدلًا، لا سيما بين الرافضين ومَن يبحثون عما يستندون إليه للترويج لفكرة رفض دخول السودانيّين إلى البلاد.
تحريض “أبناء كيميت”
تشهد شبكة الإنترنت في مصر موجة متصاعدة من الخطابات الممنهجة، خطابات عنصرية تختلط فيها الأكاذيب السياسية بالأخطاء التاريخية. ويرى من يحرك هذه الموجة أن مصر تعيش وسط مؤامرة كونية؛ فالأسطول الأمريكي يحاصرنا من الشمال، والأفارقة من الجنوب يريدون سرقة حضارتنا. ولا تتوقف ماكينة الخطابات العنصرية عن ابتكار كل ما هو جديد في هذا المجال.
وقد شهدنا تعاظم ما صار يُعرَف بجماعة “الكيميتيّين”، وهو اسم فرعوني قديم، يرمز لما يُعرَف بـ “إله النيل”. وكلمة “كيميت” في الأصل كانت تطلق على مصر، ومعناها “الأرض السوداء”. ويضع هؤلاء صورًا فرعونية، وبعضهم يستخدم صورة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، أو علم مصر، أو الجيش أو الشرطة.
كما توجد حسابات حقيقية متأثرة بالحملة، وتتبنى أيضًا فلسفة “أبناء كيميت”، حيث تدون عبارات عن الحضارة المصرية القديمة، وتتحدث باسم القومية المصرية. والتي في جوهرها ليست جديدة؛ فمصر الحديثة منذ القرن التاسع عشر استغرقت في سؤال الهوية، بين مَن يرى العروبة مكونها الأساسي وربما الوحيد، ومَن يُجزِم في الإسلام بديلًا، ومَن رفضوا ذلك كله واعتبروه أفكارًا جلبها المستعمرون لطمس هوية مصر الحقيقية؛ “الفرعونية”.
وتأتي حماسة أبناء كيميت مصحوبةً بجهل وتزييف لحقائق التاريخ، وتستند على صور أنتجها الخيال الغربي، كمبرر للاستعلاء على الشعوب المجاورة وتدوير الخطابات البيضاء الأمريكية العنصرية ضد الأفارقة، في حالة من الذهان العصبي المتقدم والخطير.
وتستجيب الدولة المصرية لأفكارهم الموغلة في الجهل، مثل أن يتدخل الأمن لمنع مؤتمر أو رحلة سياحية في مصر، لمجرد أن منظميها لديهم خطاب وأفكار لا تروق لأبناء كيميت. ويجزم البعض أن أبناء كيميت صنيعة لجهاز أمني، بينما يرى البعض الآخر الأمر تلقائيًّا نتيجة للتضييق على الخطابات الأخرى.
وتصدرت 6 وسوم رئيسة لهم في مصر، وهي “الشرطة المصرية- ادعم الشرطة المصرية ضد اللاجئين- ارجع بلدك يا لاجئ – مصر للمصريين – ترحيل اللاجئين واجب وطني – الطالب المصري أولى بجامعاته”.
وهدفهم من تلك الوسوم هو إخراج اللاجئين من مصر، خاصةً السودانيّين والسوريّين. وتمثلت طبيعة الاستهداف في تحميلهم سبب الأزمة الاقتصادية، وأزمة مياه النيل ونقص المياه، وتحميلهم أزمة انقطاع الكهرباء، وكذلك الفوضى وعدم النظافة.
انعكست تلك الحملة على اللاجئين، لا سيما مع الانتهاكات الحقوقية ضدهم، واستهدافهم على أساس اللون والعرق، والتعدي عليهم لفظيًّا وبدنيًّا.
كذلك تصويرهم بدون وجه حق في الشوارع وعلى الشواطئ، مع حرمان بعضهم من الوثائق الرسمية، ومن التعليم حتى ولو كان بمقابل مادي مرتفع.
كان مصطلح “أبناء كيميت” قد بدأ في الظهور عقب فترة قليلة من حكم رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، الذي بدأ ولايته الأولى في 3 يونيو 2014.
بعدها ظهرت النزعة الفرعونية “كيميت” من جديد، لتداعب أذهان اليمين القومي المصري، الذي يظن أن لمصر هوية ضاربة في الجذور عائدة للفرعونية.
وأضحت منصات التواصل الاجتماعي المصرية تمتلئ بين فترة وأخرى بخطاب قومي يحركه “أبناء كيميت”، هو في أساسه عنصري متطرف، إذ يتمحور بشكل أساسي حول حقيقة واحدة، هي “أن المصريّين عرق نقي متمايز عن غيره من الأعراق والبشر”.
وثمَّة مَن يرى أن الحسابات التي تتبنى هذا الخطاب هي حسابات وهمية، تحيط بها الشكوك أنها لجان إلكترونية تحركها أجهزة المخابرات والأمن الوطني، لا سيما أن كثيرًا منها يضع صورة السيسي، ويدعمون قراراته ويهاجمون خصومه بشراسة. وكذلك يضعون صورة الجيش أو الشرطة، فضلًا عن رموز من اللغة “الهيروغليفية”، أو صور لأشهر ملوك الفراعنة، كـ”توت عنخ أمون” و”رمسيس الثاني” و”مينا موحد القطرين”.
ومن المثير أيضًا أن مجموعة “أبناء كيميت” شنت حملات كثيرة سابقة ضد اللاجئين، لكن أشهرها ما كان في 11 فبراير 2022، عندما دعوا إلى إطلاق “مؤتمر العودة إلى الأصول”، وأطلقت الحملة خطابًا تحريضيًّا ضد اللاجئين واللاجئات، خاصة الأفارقة، وطالبت بطردهم خارج مصر تحت دعوى الحفاظ على العرق المصري.
المحور الرابع
أثر اللاجئين السودانيّين على الداخل المصري المعقد
تُعَد الزيادة الأخيرة في تدفقات اللاجئين إلى مصر نسيجًا معقدًا من التحديات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية. في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة مستويات غير مسبوقة من النزوح بسبب النزاعات وعدم الاستقرار الاقتصادي في البلدان المجاورة، فإن أكثر النازحين السودانيّين يتوجهون إلى مصر لأنها دولة جوار يسهل الوصول إليها، وتُعد بالنسبة لهم أكثر أمانًا واستقرارًا من بلدهم. ومع ذلك، فإن ذلك يضع أيضًا ضغطًا كبيرًا على مواردها وبنيتها التحتية. حيث تشير بيانات حكومية وردت في تقرير صادر عن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” إلى أن مصر كانت تستضيف حوالي 317 ألف لاجئ سوداني. وقبل الصراع، استضافت مصر أيضًا حوالي تسعة ملايين مهاجر، من بينهم أربعة ملايين سوداني.
العبء الاقتصادي
واضطرت مصر إلى مواجهة هذا التدفق المستمر للمهاجرين في وقت حرج تعاني فيه البلاد من صعوبة في إدارة الأزمة الاقتصادية الحادة المصحوبة بتضخم مرتفع وديون خارجية ثقيلة، مع انخفاض في سعر الصرف للجنيه المصري. وترتفع أيضًا تكلفة المساعدات الإنسانية والتعليم والخدمات الأخرى المقدمة للاجئين المسجلين لدى “المفوضية”، خاصة أن المساعدات الدولية لا تكفي إطلاقًا لتلبية الاحتياجات المحلية.
في إبريل الماضي، ذكر رئيس الوزراء المصري خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي أن مصر بها 9 ملايين لاجئ يكلفون الدولة 10 مليارات دولار سنويًّا. وأشارت التصريحات في أكثر من مناسبة إلى “العبء الاقتصادي” لوجود المهاجرين في مصر، حيث إن الدعم الذي تتلقاه مصر من المجتمع الدولي لا يتناسب مع ما تتحمله من أعباء لتوفير حياة كريمة للوافدين إليها، مضيفًا أن “هذه الظاهرة تتزامن مع وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري تبعات الأزمات العالمية؛ وهو ما يتطلب قيام المنظمة الدولية بدورها في توفير الدعم لمصر”.
وقال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إن ارتفاع عدد اللاجئين يشكل ضغطًا على الاقتصاد المحلي، بخاصة في حجم الطلب على السلع والخدمات، إضافة إلى تأثيره على سوق العمل.
لا تقتصر تداعيات تدفق المهاجرين السودانيّين على عبء مالي لا تستطيع مصر تحمله، فالبنى التحتية في القاهرة تنهار بمعظمها، والموارد المائية في البلاد تعاني بالفعل من الاستغلال المفرط، والآفاق القاتمة قد تزداد سوءًا بالنسبة لملايين المصريين العاطلين عن العمل.
كما ذكر بيان لمجلس الوزراء أن وزارة التعليم توسعت في بناء فصول جديدة لاستيعاب الزيادة من الطلاب اللاجئين، إضافة إلى إدماج المهاجرين في خطة التطعيم الوطنية، وارتفاع تكلفة دعم البنية التحتية الصحية اللازمة لتقديم الخدمات الطبية لهم، فضلًا عن توفير وزارة التموين حاجات السلع الأساسية لملايين من الضيوف.
وكثفت مصر اهتمامها بملف اللاجئين منذ اندلاع الأزمة السودانية، وطالب السيسي خلال مؤتمر دول جوار السودان في القاهرة في يوليو 2023، جميع أطراف المجتمع الدولي بالوفاء بالتعهدات لدعم دول جوار السودان التي استقبلت اللاجئين السودانيّين لتعزيز قدراتها على الصمود. حيث تشكو مصر من عدم تناسب المساعدات الدولية المقدمة إليها، بالرغم من أنه في مارس الماضي وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقات في مصر تضمنت حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو على مدى أربعة أعوام، تشمل قروضًا واستثمارات وتعاونًا في ملفي الهجرة إلى أوروبا ومكافحة الإرهاب.
وفي مايو العام الماضي، كشف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي”، عن تخصيص 114 مليون دولار لمصر؛ لدعم جهودها في استضافة الفارين من الصراع بالسودان، ضمن خطة عاجلة لحشد تمويل قدره 470 مليون دولار لمواجهة تدفق اللاجئين لدول الجوار، غير أن مصر شكت من عدم التطبيق. ودعت “الخارجية المصرية”، في منتصف أبريل الماضي، الدول المانحة إلى “تنفيذ تعهداتها التي أعلنت عنها العام الماضي”.
وبالإضافة إلى تزايد أعباء الحكومة المصرية المالية في توفير الخدمات الأساسية للأجانب على أراضيها، تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد خلال الأشهر الأخيرة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وخاصةً مع تراجع سعر الجنيه أمام الدولار، وتراجع إيرادات قناة السويس والسياحة بسبب تداعيات الحرب في قطاع غزة.
وتكمن مشكلة اللاجئين في أن موجة اللجوء تحدث في وقت يمر فيه الاقتصاد المصري بأزمة خلقتها السياسات الحكومية وغياب فقه الأولويات، وهيمنة شركات أجهزة الدولة على التعاقدات العامة، وانفرادها بميزانيات خاصة بعيدًا عن الموازنة العامة للدولة، مما أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص، في ظل تفاقم عجز الموازين الخارجية والتورط في الاقتراض قصير الأجل الذي أدى إلى اضطراب الجنيه المصري وانخفاض سعر صرفه مقابل الدولار بصورة تعقّد أي حسابات مستقبلية تبنى عليها الاستثمارات.
وتقول المتخصصة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إن أبرز التأثيرات السلبية للأحداث في السودان على مصر تتمثل في مزيد من الضغوط الاقتصادية، حيث إن آلاف السودانيّين وغيرهم من الأفارقة النازحين إلى مصر سوف يبحثون عن فرص العمل المتاحة، بخاصة في القطاعات غير الرسمية، التي تعتمد على عمالة موسمية في مجالات تشغيل المطاعم والمحال التجارية، إذ يفضل أصحاب الأعمال الصغيرة تشغيل السودانيّين عن المصريين بسبب التزامهم الشديد.
وبسبب ارتفاع الطلب على التوظيف، قد تضطر مصر في نهاية المطاف إلى “إغلاق” حدودها الجنوبية رسميًّا أمام المهاجرين الجدد، مما قد يتسبب في دخول نسبة أكبر من العائلات إلى مصر بدون تسجيل.
يُعَد قطاع العقارات المصري الأكثر حساسية في ملف اللاجئين، لأن ارتفاع الأسعار المفاجئ عقب الأزمات في الدول المجاورة مؤشر إلى الطلب المتزايد على الشراء والاستئجار من قبل النازحين من تلك الدول، وخاصةً في مناطق مصر الجديدة ومدينة نصر بشرق القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، تضاعفت أسعار تأجير الوحدات السكنية لأكثر من 100 في المئة بعد الطلبات المتزايدة من جانب اللاجئين.
ويقر المتخصص الاقتصادي، أبو بكر الديب، بالتأثير السلبي للاجئين، مؤكدًا أن حالات النزوح تتسبب في ارتفاع أسعار العقارات في مصر، كما حدث عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والأزمة السورية التي تفجرت عام 2011، إذ قفزت أسعار العقارات بشكل جنوني بسبب زيادة الطلب عليها. وأكد على ذلك رئيس لجنة التشييد والبناء بجمعية رجال الأعمال المصريّين، فتح الله فوزي، قائلًا: “إن سوق العقارات، كأي سلعة، كلما زاد الطلب عليها، ارتفع سعرها. وهذا ما حدث بالنسبة لأسعار إيجارات الوحدات السكنية خلال الفترة الحالية، في ظِل سعي العديد من اللاجئين السودانيّين للحصول على وحدات سكنية”.
العبء الأمني
تُعد حرب السودان تحديًا كبيرًا للأمن القومي المصري، نظرًا لطول الحدود بين البلدين، والتي تمتد إلى لأكثر من 1200 كيلومتر، معظمها مناطق صحراوية مفتوحة، مما يجعلها عرضة للاختراق من قبل جماعات مسلحة أو شبكات تهريب.
فانتشار الفوضى، خاصةً مع انهيار المؤسسات الأمنية في السودان، حيث يصبح من السهل استغلال الفراغ الأمني للتحرك بحرية، يخلق بيئة مواتية لنشاط الجماعات الإرهابية التي قد تسعى إلى التسلل عبر الحدود الجنوبية لمصر، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري.
يمكن أن تستغل جماعات مثل “داعش” الفوضى لتعزيز وجودها في مناطق نائية على الحدود، بما يسهل عمليات التسلل نحو الأراضي المصرية. وقد يؤدي ضعف التنسيق الأمني بين مصر والسودان بسبب الوضع الراهن من صعوبة احتواء التهديدات الأمنية المحتملة، الأمر الذي قد يفتح المجال لعمليات إرهابية داخل العمق المصري أو استهداف منشآت استراتيجية. لذا، فإن استمرار الحرب في السودان يشكل تهديدًا بالنسبة لمصر.
كما يمكن أن تصبح الحدود الجنوبية المصرية ممرًا لتهريب المخدرات، وهو ما سوف يؤدي إلى تفاقم الجرائم داخل مصر ويزيد من التحديات التي تواجهها الأجهزة الأمنية.
إلى جانب المخاطر الأمنية، يمكن أن تؤدي موجات النزوح إلى ضغط على البنية التحتية والخدمات في المناطق الحدودية، مثل التعليم والصحة والإسكان. وقد يؤدي ذلك إلى توترات اجتماعية في حال تأخر الاستجابة الحكومية أو عدم توافر الموارد الكافية لاستيعاب اللاجئين، مما يعقّد الوضع الأمني في المناطق الحدودية ويؤثر على استقرار المجتمع المصري.
الهجرة والملف الحقوقي
تُعد مصر دولة عبور رئيسة للمهاجرين غير الشرعيّين. ووفقًا لمنظمة الهجرة الدولية، تستضيف مصر نحو 9 ملايين مهاجر ولاجئ، من بينهم 4 ملايين سوداني و1.5 مليون سوري، وهو ما جعل التعاون في هذا المجال من أولويات الشراكة الجديدة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
ومع تزايد أعداد اللاجئين من السودان، الذين يضافون إلى اللاجئين من سوريا، بالإضافة إلى ما يتوقعه البعض من تدفقات محتملة من قطاع غزة بسبب الصراع بعد عملية طوفان الأقصى وتبعاتها في المستقبل، تزداد أهمية هذا الملف الذي يلقي بظلاله على ملف حقوق الإنسان في مصر بالسلب.
فلمواجهة الهجرة غير الشرعية، اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية “التوطين الخارجي” التي تهدف إلى إبقاء اللاجئين في دول الجوار بدلًا من السماح لهم بالوصول إلى أوروبا، وهو ما يجعله يقدم المساعدات لهذه الدول، ويتغاضى في الوقت نفسه عن ممارساتها في مجال حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي.
في هذا الإطار، وبعد توقيع اتفاقيات مع تونس وموريتانيا، أبرم الاتحاد الأوروبي في 17 مارس 2024 اتفاقية شاملة مع مصر، تضع في أولوياتها دعم الجهود المصرية في وقف تدفق المهاجرين غير الشرعيّين.
ولقد تمكنت أوروبا، على مدار العقد الذي حكم فيه السيسي، من تقليص تدفق المهاجرين غير النظاميين من مصر بفضل شراكات أمنية قوية مع القاهرة. ومع ذلك، لم تُبدِ اهتمامًا بطرق القمع المستخدمة لإدارة الهجرة، ولا بمعالجة الأسباب الجذرية لها. كما لم تمنع هذه الشراكات في وقف الهجرة، بل ساهمت في تحويل مساراتها نحو دول أخرى أكثر خطورة. ونتيجة لذلك، عززت الشراكة الأوروبية مع مصر انتهاكات حقوق الإنسان، دون أن تحقق الهدف الأساسي في وقف تدفق قوارب المهاجرين.
في السنوات الأخيرة، أصبح ملف الهجرة أحد الملفات التي تشهد حالة من المساومة والابتزاز بين الدول، فمصر على سبيل المثال، تستخدم تدفق اللاجئين وملف الهجرة كأداة ضغط للحصول على مساعدات مالية ودعم سياسي من أوروبا، يتزامن مع التغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل. وفي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الاوروبي إلى تعزيز التعاون مع النظام المصري، فإن النظام المصري يستغل ذلك في أخذ مساحة للمناورة بشكل أوسع، وهذا من شأنه أن يساعده في أخذ تسهيلات ومساعدات اقتصادية أوسع من الاتحاد الأوروبي.
علاوة على ذلك، فإن حاجة أوروبا لمصر من جهة، وصعود اليمين المتطرف من جهة أخرى، قد يترتب عليه انحسار الضغط الأوروبي فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، فخلال السنوات الماضية، مارست أوروبا ضغوطا سياسية ودبلوماسية محدودة على النظام المصري للإفراج عن المعتقلين السياسيين وفتح المجال العام، لكن مع تصاعد ضغط ملف الهجرة عليها، تراجع اهتمامها بالملف الحقوقي في مصر .
الخاتمة
تأثر المجتمع المصري تأثرًا مباشرًا بالحرب في السودان منذ اندلاعها، واحد أوجه هذا التأثر هو استقبال مصر لأعداد كبيرة من السودانيّين، حيث استقبلت أكثر من 317 ألف لاجئ سوداني. وقد تركت هذه الزيادة آثارًا كبيرة على المجتمع المصري، تجاوزت الحدود الجغرافية لتؤثر في تفاصيل الحياة اليومية، فعمليات النزوح فرضت تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية، تتمثل في تفاقم الضغوط على الاقتصاد والخدمات العامة، وهو ما سوف ينعكس سلبًا على الظروف المعيشية للمصريّين والسودانيّين المتواجدين على الأراضي المصرية.
ومع استمرار الأزمة وتدفق اللاجئين، سوف يؤثر ذلك على سوق العمل المصري، حيث سيتسبب في ضغط أكبر على فرص العمل المتاحة، مما يؤدي إلى منافسة متزايدة في بعض القطاعات. ومع تفاقم موجة النزوح، قد تظهر تأثيرات عميقة على النسيج الاجتماعي المصري، مثل زيادة التوترات الاجتماعية والمنافسة على الموارد المحدودة، بما في ذلك الوظائف والمساكن.
ولا يقتصر تأثير هذه الأزمة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فحسب، بل يمتد أيضًا إلى المستوى الأمني، وهو ما يمكن أن يخلق تحديات أمنية في مجال حماية الحدود ومواجهة عمليات التسلل وعصابات التهريب والاتجار في البشر.
ومن جهة أخرى، لا تقتصر تداعيات النزوح جراء الحرب السودانية على مصر فقط، بل تشمل اللاجئين أنفسهم، الذين بواجهون مخاطر عمليات التهريب عبر الحدود المصرية، ويتعرضون لانتهاكات مروعة، قد تصل إلى الموت والاعتداءات. بالإضافة إلى تحديات الحصول على المساعدات الإنسانية الكافية من المنظمات الإغاثية، نظرًا لتزايد أعدادهم بشكل يفوق القدرة على الحصر وتقديم المساعدة.
بالإضافة إلى ذلك، يتعرض اللاجئون لخطابات الكراهية الموجهة ضدهم، حيث يتم تحريض المجتمع المصري على السودانيّين عبر ادعاءات تتعلق بالتأثيرات الديموغرافية، مما يعزز مخاوف التغيرات الثقافية والديموغرافية في المجتمع المصري، وقد ينعكس ذلك على الهوية الوطنية، وقد يؤدي ذلك إلى تفشي الانتهاكات العنصرية واستهداف اللاجئين بناءً على لونهم وعرقهم، بما في ذلك التعدي عليهم جسديًّا ولفظيًّا. والمثير للدهشة أن هذه الحملات تحظى بدعم ضمني من النظام المصري.
ولم تتوقف معاناة اللاجئين عند هذا الحد، بل تعرضوا أيضًا للاعتقالات القسرية دون أسباب قانونية، وتم ترحيل بعضهم إلى السودان في ظل استمرار الحرب، بحجة عدم قانونية وجودهم.
قائمة المراجع
- الصراع في السودان أمام خطر الانزلاق إلى حرب ممتدة، موقع المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 29 مايو، 2023، https://tinyurl.com/4e2zv74n
- أسامة أبو بكر، “الميليشيات المسلحة ومعضلة التحوّل المدني الديمقراطي في السودان”، 6 يوليو 2023،https://tinyurl.com/58t5msr6
- شوقي عبد العظيم، “الميليشيات في السودان: تاريخ مديد.” مجلة المجلة”. 17 فبراير 2024، https://2u.pw/tYxx8GIp
- مخاطر اللاسيطرة: لماذا ينزلق الصراع السوداني إلى حرب ممتدة؟ 23 مايو 2023، مستقبل الإمارات، https://2u.pw/Vkc1THiL
- أمجد فريد الطيب “جذور الميليشيات في مؤسسة السودان الجديدة”، 28 يتاير 2024، مجلة المجلة، https://2u.pw/qDU6P5gQ
- إبراهيم خازم، “الحرب بالسودان تختلف عن سابقاتها وثمة أزمة صحية مقابلة”.27 فبراير 2024. الأناضول، https://2u.pw/6HGU1QHB
- ما هي خيارات السودان لمواجهة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة؟ 11أكتوبر 2024، BBC عربي،https://n9.cl/xkqvj
- ا.م. محمد مرسي: “أزمة الأسر في السودان تؤثر على مصر وتؤدي لمزيد من الضغوط.” برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،17 إبريل 2024، https://2u.pw/P6cGxS6S
- “البحث عن الدولار: أثر الأزمة الاقتصادية “. 2023 المركز الأوروبي للأبحاث، https://n9.cl/fqtnq
- أمل محمود، ” تداعيات الأزمة السودانية على مصر: السيناريوهات المحتملة”. 26 مايو 2023، مركز الفكر للدراسات، https://n9.cl/n172mm
- “كيف تؤثر الحرب في السودان على اقتصاد مصر؟”. ت 11 أكتوبر 2024، العربية، https://2u.pw/xeGmiRu1
- “التداعيات الاقتصادية للحرب في السودان على الاقتصاد المصري”. 11 أكتوبر 2024، دراية، https://n9.cl/m56inf
- “الجوار السوداني وتأثير الحرب: جنوب السودان”. 11 أكتوبر 2024، المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، https://2u.pw/YeLUfTy
- خالد محمود، “أزمة السودان: التأثير على الدول المجاورة”. 11 أكتوبر 2024، https://2u.pw/4Xx4pwA5
- نسرين الصباحي، “تداعيات التدخل السكني بين تشاد والسودان”. 22 مايو 2023. المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية. https://ecss.com.eg/34216/
- “ما تداعيات حرب السودان على دول الجوار؟ ، 4 مايو 2023، الإندبندنت عربية، https://2u.pw/2nMboxQb
- عبد القادر محمد على، ” إريتريا: مجموعات مسلحة سودانية تهاجم أراضيها”. 11 فبراير 2024، الجزيرة، https://2u.pw/jkiTrVQk
- “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. مصر تستضيف 570 ألف لاجئ سوداني. 2024 اليوم السابع. https://www.youm7.com/story/6546711.
- أحمد حافظ: “مفوضية اللاجئين: 57بالمئة من اللاجئين في العالم من النساء.” الجزيرة.13 يونيو 2024، https://2u.pw/WmKx4BZL
- ” حمدوك في القاهرة: هل تغيرت مصر مقاربتها؟” 12 مارس 2024. الجزيرة. https://2u.pw/fLbGM8Zd
- “ظروف قاسية يواجه سودانيون خطر الإبعاد في مصر”. 22 يوليو 2024. الحرة، https://2u.pw/bMJc8Zda
- “الاحتياجات الإنسانية تتزايد في السودان بسبب النزاع المستمر.” سودان تربيون، 1 يوليو 2024. https://sudantribune.net/article287670/
- بالآلاف.. كيف يعيش السودانيون في مصر الآن؟ 26 يونيو 2024. الحرة، https://2u.pw/0BLxW6AR
- عبد الفتاح فرج،” سودان بديل في مصر يمنح أبناءه ملاذاً آمناً… ويثير حساسيات”، 16 يوليو 2024، https://tinyurl.com/4nacfjzz
- دعم اللاجئين السودانيين في مصر والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين”. تاغ بريس، 25 مارس 2024، https://2u.pw/bhD1Wf7r
- “تقرير لـ”العفو الدولية” يُجدّد الجدل بشأن أوضاع السودانيين في مصر”. 26 يونيو 2024. الشرق الأوسط، https://2u.pw/GYqQF8sH.
- مصطفى هاشم،”حملات تحريضية ضد اللاجئين في مصر: من يقف وراءها وما تأثيرها؟ “،3 يوليو 2024، الحرةة، https://2u.pw/gXLG9Qpb
- يحيى وجدي، “لماذا أخاف الكيميتيين ولا أخشى الأفروسنتريك”، المنصة ، 4 مايو 2023 ، https://manassa.news/stories/10857
- مصطفى شحاتة، هل تحتاج مصر إلى تغيير سياساتها تجاه اللاجئين؟ 4 مارس 2024. المركز العربي للدراسات، https://2u.pw/GYqQF8sH
- عبدالقادر محمد علي، “الآثار الاجتماعية والاقتصادية للاجئين السودانيين في مصر”. 16 يوليو 2024 ،الجزيرة للدراسات. المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. https://studies.aljazeera.net/ar/article/5637.
- خالد الشامي، “التقارير تشير إلى تزايد عدد اللاجئين السودانيين في مصر.” المصري اليوم، 17 إبريل 2024، https://2u.pw/vUfTlz2s
- “مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني”، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 25 أبريل 2024، UNHCR المملكة العربية السعودية
- “مصر تعقد اتفاق الشراكة الكاملة مع أوروبا”،17 مارس2024، موقع الحرة، https://2u.pw/Qaycnqfe
- شولتن، لوتسيا، “مصر والاتحاد الأوروبي: اتفاقية هجرة ذات أبعاد جيوسياسية”، 19 مارس 2024 دويتشه فيله، https://p.dw.com/p/4O9mZ