خبر وتعقيبغير مصنف

ترامب يَعرض الوساطة في أزمة سد النهضة: مناورة سياسية أم صفقة مشروطة؟

الخبر:

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحديث عن مخاطر سد النهضة الإثيوبي على مصر، وقال إنه سوف يتدخل لحل الأزمة، مؤكدًا أن بلاده سوف تعمل على تسوية هذا الملف بسرعة.

فقد قال، خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مارك روته، إن الولايات المتحدة تسعى لحل أزمة السد بين مصر وإثيوبيا. وتحدث عن السد قائلًا: “لقد بنوا (الإثيوبيون) أحد أكبر السدود في العالم، على مسافة قريبة من مصر. أعتقد أنه لو كنت مكان المصريين، فسأرغب في وجود المياه في نهر النيل”.

ورغم أنه لا يوجد ما يؤكد أن الولايات المتحدة شاركت في تمويل بناء السد، فقد زعم ترامب أن بلاده هي من موَّلت المشروع. جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي هذه بالتزامن مع إعلان إثيوبيا الانتهاء من بناء السد وملئه، وقرارها افتتاحه رسميًّا في أغسطس 2025م، في خطوة اعتبرتها مصر والسودان تحديًا سافرًا ومقدمة لفرض الهيمنة الإثيوبية عبر ورقة المياه.

التعقيب:

لا توجد مناسبة مباشرة دفعت ترامب لإثارة ملف سد النهضة، لكن تصريحاته، لا سيما بحضور الأمين العام لحلف الناتو، وتلميحه بأنه لو كان مكان مصر لحارب هذا السد، تشير إلى أنه يَعرض “خدماته” على مصر لحل الأزمة، سواء بالوساطة أو بوسائل أكثر حدة. وبما أنه رجل صفقات، يثور التساؤل: ما المقابل الذي يريده؟

نقل موقع «مدى مصر» عن مصدر دبلوماسي أوروبي، في 15 يوليو 2025م، أن التحرك الأمريكي بشأن السد “لا يبدو منفصلًا عن مطالب أوسع موجَّهة للقاهرة، خصوصًا في ظِل التطورات الجارية في غزة”، وهو ما يشير إلى إمكانية وجود صفقة غير معلنة: التدخل في السد مقابل التهجير إلى سيناء.

وأوضح المصدر أن واشنطن تطلب من القاهرة إظهار “تفهُّم” لمتطلبات ما بعد الحرب في غزة، بما يشمل التنسيق الأمني مع إسرائيل، وقبول وجود فلسطيني مؤقت في سيناء إلى حين ترتيب وجهة المغادرين النهائية، فضلًا عن تقبُّل بقاء إسرائيل في محور فيلادلفيا لفترة طويلة.

ويبدو أن السيسي تجاوب مع مقترح ترامب، إذ رَحَّب بوساطته رغم تجاهل ترامب له سابقًا بعد رفض القاهرة مشروع “ريفيرا الشرق الأوسط” في قطاع غزة، ورفضها منح السفن الأمريكية مرورًا مجانيًّا في قناة السويس.

وقد أصدرت الرئاسة المصرية بيانًا رَحَّبت فيه بتصريحات ترامب، معربة عن “تقديرها لحرص الرئيس ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع”، مؤكدة أن “نهر النيل يمثل مصدر حياة بالنسبة لمصر”، وهو ما يُفهَم منه إشارات إلى القبول بمبدأ المقايضة.

ووفقًا لبيان لاحق، تحدث السيسي عن “قدرة ترامب على حل المشكلات المعقدة”، واصفًا تصريحاته بأنها “تبرهن على جدية الولايات المتحدة في تسوية النزاعات ووقف الحروب”، في لهجة تُفهَم على أنها محاولة لمغازلته وفتح الباب أمام التفاوض على ”المقايضة“.

غير أن قبول مصر بوساطة ترامب، التي تطرح ضمنيًّا صفقة ذات ثمن، يُعَد تعبيرًا عن ضعف موقفها وعجزها عن الدفاع عن أمنها القومي دون وساطة أجنبية، بل واستجداء تدخل ترامب بعد أن أصبح السد أمرًا واقعًا.

كذلك فإن قبول هذه الوساطة يعكس قناعة مصرية بعدم القدرة على تحريك الملف عسكريًّا أو سياسيًّا إلَّا عبر واشنطن، ما يَعني الاستعداد لدفع الثمن الذي قد يتضمن تنفيذ أجندة إسرائيلية على حساب قطاع غزة ومصر معًا.

وتوجد شكوك جدية بشأن قدرة ترامب على التأثير في الملف، خاصَّة أن السد اكتمل فعليًّا وتمَّ ملؤه، ما يجعل من غير المرجح أن تستجيب إثيوبيا إلَّا لترتيبات هامشية، كضمانات في أوقات الجفاف. فقد سبق أن حاول ترامب فرض اتفاق نهائي دون جدوى، إذ رفض رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، التوقيع، مستندًا إلى دعم إفريقي وإقليمي واسع.

الخطورة الحقيقية تكمن في أن إثيوبيا باتت ترتب لبناء أربعة سدود إضافية على النيل الأزرق، الذي يمثل المصدر الأساسي لحصة مصر المائية، ما ينذر بكارثة أكبر في حال استمرار الصمت المصري.

كما أن هذا التطور يمثل تمهيدًا لفرض الهيمنة الإثيوبية على المنطقة من خلال سلاح المياه، ما يُعيد تشكيل معادلات القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في حوض النيل لصالح أديس أبابا.

تعاني مصر بالفعل من ضغوط مائية خانقة، إذ تعتمد على 55.5 مليار متر مكعب سنويًّا من مياه النيل، بينما تبلغ احتياجاتها 114 مليار متر مكعب. وقد تراجع نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًّا في 2024م، ما يضعها رسميًّا تحت خط “الندرة المطلقة” للمياه بحسب معايير الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى