الخبر:
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وذلك في أعقاب الرد الإيراني الذي استهدف قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر “بدون خسائر مطلقًا”.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن ترامب أعلن عن وقف إطلاق النار عقب محادثات أجراها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومسؤولين إيرانيّين، بدعم وساطة قطرية قادها أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفق ما نقلته الصحيفة عن مسؤول كبير في البيت الأبيض.
وسارعت كل من إيران وإسرائيل نحو إعلان “الانتصار”، حيث اعتبر كل فريق منهما أنه بذلك قد حقق أهدافه من الحرب بتوجيه ضربات موجعة نحو الآخر.
أما ترامب فيسعى مؤيدوه في الولايات المتحدة لترشيحه لجائزة نوبل للسلام؛ بحجَّة أنه أبرم سلامًا بين إسرائيل وإيران، ومن قبل بين باكستان والهند، كما طبَّع العلاقات بين 4 دول عربية وإسرائيل.
التعقيب:
في حرب الروايات، تداول الجميع رواية الفوز، فالولايات المتحدة أعلنت أنها نجحت في تحييد تهديد نووي دون أي خسائر بشرية أمريكية، وإبرام اتفاق سلام، وتفاخرت إسرائيل بتفوقها العسكري، وأعلنت إيران انتصارها بعد صمودها وسيادتها أمام إسرائيل وقوة عظمى.
وعلى الرغم من خطورة الحرب التي كادت تتسع لتصبح حربًا إقليمية أو نووية، استطاعت أمريكا احتواء المشهد وإقناع الطرفين بضرورة عدم تصعيد الحرب إلى ما هو أبعد من ذلك.
بحسب تقديرات إسرائيلية وأمريكية، نجحت إسرائيل في تحقيق تفوق على إيران حين أصبحت طائراتها تعربد في سمائها وقصفت مفاعلاتها النووية وقتلت 20 عالم ذرة وقائد عسكري كبير، واخترقت مخابراتها (الموساد) عمق الدولة.
لكن صمود إيران ونجاحها في التغلب على انتكاسات اليوم الأول للحرب، وتعيين قادة جدد بدل الذين قتلوا، وانتقالها لقصف تلأبيب وحيفا حتى أصبحت بعض مناطقها الهامة أشبه بشوارع قطاع غزة الذي دمره الاحتلال، يعتبر مكسبًا كبيرًا لطهران.
كان الهدف الإسرائيلي الأمريكي المشترك هو ضرب إيران وتعجيزها أو الدفع باتجاه تغيير نظامها السياسي، كما فعلت سابقًا في العراق، بما يجعل لها “اليد العليا” على منطقة الشرق الأوسط بعدما دمرت قطاع غزة وهزمت حزب الله اللبناني، وبعد انهار نظام الأسد في سوريا، ومن ثم فرض “الشرق الأوسط الأوسط الجديد”، الذي تهمين عليه وتقوده إسرائيل، لكن صمود إيران ونجاحها في توجيه ضربات عنيفة لدولة الاحتلال أفشل الخطة الإسرائيلية.
إسرائيل لم تنتصر بشكل كامل، ولم تلحق بها هزيمة كبرى أيضًا، لكنها عاشت إذلالًا سياسيًّا وعسكريًّا لم تعهده منذ تأسيس كيانها، ولأول مرة يصرخ الإسرائيليون من حجم الدمار بسبب الصواريخ الإيرانية المتطورة ويطلبون من أمريكا أن ترتب اتفاقًا لوقف إطلاق النار.
وإيران أيضًا لم تحقق نصرًا شاملًا، ولكنها أظهرت دولة الاحتلال ككيان يسهل ضربة وتحطيمه كما فعلت كتائب القسَّام في عملية “طوفان الأقصى”، ورسخت الحقيقة التاريخية التي تؤكد عدم جاهزية الداخل الإسرائيلي لحرب طويلة وأن حَصَانة دولة الاحتلال ليست عصية على الانكسار.
وزير الحرب والخارجية الإسرائيلي السابق، ليبرمان، أكد أن إسرائيل لم تتحقق الأهداف الإسرائيلية المعلنة، وهي القضاء على المشروع النووي الإيراني، ووقف تخصيب اليورانيوم، والقضاء على برنامجها الصاروخي أو تغيير النظام الإيراني.
الإعلام الأمريكي شكك في أن تكون الضربات الأمريكية أثرت على البرنامج النووي الإيراني، وأكد أن إيران سوف تعيد تخصيب اليورانيوم بعد انتهاء الحرب. وصحيفة “بوليتيكو” أكدت في 24 يونيو 2025م، أن الضربات الأمريكية ليست كافية لمنعها من استئناف برنامجها النووي وربما تدفعها لتسريع حصولها على سلاح نووي.
قناة (سي إن إن) الأمريكية نقلت عن تقييم أولي للمخابرات الأمريكية أن حرب إسرائيل وأمريكا على إيران لم تدمر المواقع النووية الإيرانية تمامًا، ولم تؤخر السعي الإيراني لاكتساب سلاح نووي لأكثر من بضعة أشهر.
تدخل أمريكا المباشر في الحرب ليس دليل قوة، بل اعتراف ضمني بالهزيمة ومحاولة انقاذ ماء وجه إسرائيل، وتدخلها مجددًا بـ “السلام” واتفاق وقف الحرب، كان لتثبيت حقيقة عجز إسرائيل عن حسم المواجهة فاضطرت واشنطن للتدخل لإنقاذها، ما يعني أن إسرائيل تخسر إستراتيجيًّا.
أهم مكسب إيراني، حتى ولو كان برنامجها ومعدات إنتاج اليوراينوم تضررت، هو أنها، بجانب المحافظة على النظام وعدم انهياره، تحتفظ بـ 400 كيلو جرام من اليورانيوم المخصب (60 بالمئة)، الذي يمكنها من استكمال برنامجها أو إنتاج قنبلة نووية لو أرادت، رغم نفي رئيسها نيتها ذلك.
مشكلة الاتفاق الذي أعلن عنه ترامب لوقف الحرب أنه ليس “اتفاقًا خطيًّا”، ولا بنود له، ما يعني احتمال استئناف الحرب لو أراد أحد الطرفين، أو الترصد لطهران والزعم أنها عادت لتطوير برنامجها النووي.
وقف الحرب المعلنة بالأسلحة لا يعني توقف الحرب الاستخبارية، وكما لعبت تلأبيب بسلاح الموساد وتجنيد عملاء وطابور خامس، يتوقع أن تستمر في نفس اللعبة والقيام بعمليات تخريب داخل إيران واستهداف علمائها ومشاريعها.