خبر وتعقيبغير مصنف

زيارة السيسي لأكاديمية الشرطة.. ما الرسائل الموجهة للداخل والخارج؟

الخبر:

خلال زيارته الروتينية لأكاديمية الشرطة لحضور حفل تخريج ضبَّاط، في 8 أكتوبر 2025م، أطلق عبد الفتاح السيسي سلسلة تصريحات بدا أنها موجهة للداخل والخارج معًا.

السيسي وجه رسالة طمأنة إلى الشعب المصري، بشأن الأوضاع الداخلية والخارجية، موضحًا أنه “رغم المرحلة الصعبة التي تمر بها منطقتنا، فإن الأمور في مصر تسير على خير بفضل الله أولًا، ثم بفضل الشعب المصري العظيم”.

وزعم السيسي أن مصر قد “واجهت منذ عام 2013م (تاريخ الانقلاب العسكري علي الرئيس محمد مرسي والديمقراطية) وحتى الآن ظروفًا قاسية وإرهابًا عنيفًا، إلا أنه تمَّ التمكُّن من هزيمة الإرهاب وتجاوز الظروف بفضل… الجيش والشرطة والأجهزة المعنية”.

كذلك أكد السيسي أنه لا مبرر للقلق من التهديدات التي قد تُثار ضد الدولة، مبينًا أن مصر أقوى مما يُتصوَّر، وأن أي جهة تحاول التأثير على استقرارها الداخلي ستواجه ردة فعل حازمة.

كما أكَّد أن أي تهديد لا ينبغي أن يثير قلق المصريّين، طالما أنهم جميعًا متحدون، مشيرًا إلى أنه يمكن تجاوز كل تحد والتصدي لكل خطر.

وبالنسبة للوضع الاقتصادي، أشار السيسي إلى أن المؤشرات تتحسن باستمرار، وموقف مصر الاقتصادي يشهد تحسنًا ملحوظًا وأنه لا توجد دولة تخلو من التحديات، وأنه يمكن التغلب على الصعاب مثل ارتفاع الأسعار. وقال إن دور الشباب هو إحداث التغيير الإيجابي في جميع المجالات.

وفيما يتعلق بالوضع الخارجي، أشار لحرب غزة وتفاعل مصر معها واستضافتها في مدينة شرم الشيخ مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب. وشكر الرئيس الأمريكي ترامب على “إرادته الحقيقية في إنهاء الحرب”، وطالبه بالاستمرار في دعمه وإرادته لإنهاء الحرب، ودعاه، للحضور إلى مصر لتوقيع اتفاق إنهاء الحرب.

التعقيب:

الزيارة التي بدت في ظاهرها نشاطًا روتينيًّا، جاءت في توقيت شديد الحساسية سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، لذا تحوَّلت إلى رسالة مركبة موجهة إلى الداخل والخارج في آن واحد، مثل أن مصر قوية، و”ضرورة بقاء مؤسسات الدولة متماسكة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية”.

يرى بعض المحللين أن تكرار “الرسائل الأمنية” على حساب الخطاب السياسي والاقتصادي يُعمِّق الانطباع بأن الدولة المصرية ما زالت تدار بعقلية أمنية أكثر من كونها دولة مؤسسات مدنية متكاملة.

كما أن التغطية الإعلامية المكثفة للزيارة، توحي بأن الأولوية القصوى لدى النظام في هذه المرحلة هي ضبط الشارع قبل الانتخابات، وليس معالجة جذور الأزمة الاقتصادية.

حملت زيارة السيسي لأكاديمية الشرطة وقبلها الأكاديمية العسكرية دلالات تتجاوز الطابع البروتوكولي، فهي بمثابة بيان سياسي موجه إلى الداخل والخارج بأن المؤسسة الأمنية تظل محور القوة وضمان الاستقرار. وليس تحقيق انفراجة اقتصادية ملموسة تخفف الضغط الشعبي، مع أن الاعتماد على الأمن وحده لم يعد كافيًا لضمان استقرار طويل الأمد في دولة بحجم وتعقيد مصر.

جاءت الزيارة قبل أسابيع قليلة من انتخابات مجلس النواب المصري (التقديم في أكتوبر والانتخابات 10 نوفمبر 2025م)، وفي ظل حالة من الضيق والغضب الشعبي بسبب أوضاع الناس الاقتصادية الصعبة، وارتفاع الأسعار والحديث عن رفع أسعار الوقود والكهرباء.

إقليميًّا، تزامنت زيارة السيسي مع تصاعد التوتر مع إثيوبيا بسبب ملف المياه وغرق أجزاء من السودان وأراضي طرح النهر في مصر، والتوتر على الحدود الجنوبية بسبب تطورات الحرب في السودان.

فضلًا عن مخاوف القاهرة من تدفقات اللاجئين الفلسطينيّين مع تصاعد الحرب في غزة (قبل توقيع اتفاق غزة ووقف الحرب)، ووسط أجواء متوترة قبل توقيع اتفاق لوقف حرب غزة، وكل هذه العوامل جعلت الزيارة تحمل دلالات تتجاوز الطابع الاحتفالي أو التفقدي.

تضمن خطاب السيسي رسائل للداخل المصري والخارج أيضًَا، منها ما يلي:

طمأنة المؤسسة الأمنية: حيث أكد السيسي خلال كلمته أن “رجال الشرطة هم خط الدفاع الأول عن الوطن”، وهي عبارة تكررت في خطاباته السابقة لكنها اكتسبت بعدًا خاصًّا هذه المرة، بعد زيارة السيسي أيضًا للأكاديمية العسكرية قبل أكاديمية الشرطة، ومع تصاعد الأحاديث الإعلامية عن وجود توتر مكتوم بين بعض الأجهزة الأمنية حول إدارة العملية الانتخابية المقبلة.

وقالت صحيفة “المصري اليوم” إن الزيارة جاءت لتؤكد أن القيادة السياسية ما زالت تعتمد على وزارة الداخلية كركيزة للاستقرار، وأن التنسيق بين الجيش والشرطة قائم وثابت.

السيسي ركز في الخطاب على إعداد جيل جديد من الضبَّاط “واعٍ للتحديات الفكرية”، في إشارة إلى الخوف من تسلل موجات الفكر الاحتجاجي أو الانتقادي داخل مؤسسات الدولة، خصوصًا بعد اتساع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي حتى في الأوساط العسكرية.

رسالة ردع موجهة للمعارضة والشعب: من أبرز الرسائل غير المعلنة أن الزيارة جاءت ردًا على دعوات احتجاج محدودة نُشِرت على الإنترنت رفضًا لغلاء المعيشة، وهو ما جعل الزيارة إلى مقر أمني رمزيًّا أشبه بـ “عرض قوة ناعم”.

وكان تحليل نشرته شبكة “بي بي سي” العربية، يوم 18 سبتمبر 2025م، عقب زيارة السيسي للأكاديمية العسكرية بيومين، اعتبر أن السيسي استخدم الأكاديمية لتذكير الشارع بأن الدولة “لن تسمح باضطرابات أو فوضى جديدة”، وأن النظام “جاهز للتعامل مع أي محاولات تهديد للاستقرار”.

وحرص السيسي على الظهور وسط ضباط الشرطة وقبلهم الجيش يهدف إلى رفع الروح المعنوية، وغرس فكرة أن “الأمن هو عمود الدولة”، خصوصًا بعد أحداث احتجاجية أو توترات اجتماعية متكررة في عدة محافظات.

الترويج لصورة الشرطة كقوة منضبطة ومتطورة: شملت الزيارة تفقد تدريبات الطلاب والطالبات، وتقديم عروض أمنية وتقنية، وهو ما رآه مراقبون جزءًا من حملة إعلامية لتحسين صورة وزارة الداخلية بعد انتقادات متكررة من منظمات حقوقية دولية. التركيز على العنصر النسائي في التدريب حمل أيضًا بعدًا دعائيًّا لإظهار تحديث العقيدة الأمنية المصرية.

ومن غرائب زيارات السيسي لأكاديمية الشرطة أنه يجلس خلف حاجز زجاجي مع أنه وسط ضبَّاطه وجنوده وفي مكان مُحصَّن عسكريَّا لا يدخله أحد، والتفسير هو أنه يتحسب من تجربة السادات حين قتل وسط ضباطه وجنوده، ويدرك أن حياته ربما في خطر من جانب بعض العسكريين.

تأكيد استقرار الوضع الداخلي أمام داعمي النظام: زيارة السيسي لأكاديمية الشرطة بعد العسكرية بعثت برسالة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والخليج بأن الوضع الأمني في مصر مستقر رغم الأزمات الاقتصادية، بحسب تقارير إعلامية منها تحليل لشبكة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية.

وقد نشرت مجلة “الأهرام العربي” تحليلًا في 17 سبتمبر 2025م، أشار إلى أن “السيسي يتعامل مع الأمن بوصفه بوابة السياسة، فكل حدث داخلي أو خارجي يبدأ من المؤسسة الأمنية وينتهي عندها”.

توقيت الزيارة تزامن مع مباحثات القاهرة مع صندوق النقد الدولي حول مراجعة قرض جديد، حيث يولي الصندوق أهمية كبرى لاستقرار الأجهزة الأمنية والسياسية قبل صرف أي دفعات إضافية من القروض خشية وقوع اضطرابات بسبب توصيات رفع الأسعار.

أيضًا أرادت القاهرة أن تؤكد لدول الخليج الممولة (خاصَّة السعودية والإمارات) أن نظام السيسي متماسك وقادر على ضبط الشارع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى