في الثالث والعشرين من يوليو 2025م، نشر المركز العربي واشنطن دي سي (ACW) – وهو مؤسسة بحثية مستقلة غير حزبية وغير ربحية تكرس الجهود لتقديم رؤى ودراسات نقدية حول السياسات والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وتهدف لتعزيز الفهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي للعالم العربي في الولايات المتحدة – مقالًا بعنوان: “سياسة السيسي الخارجية تفشل في إخفاء المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في مصر”، حيث يرى كاتب المقال أن توجُّه الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى التركيز على السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي قد يفيد في تبرير بقائه في السلطة، لكنه لن يستطيع إخفاء المشاكل الاقتصادية المتفاقمة في مصر، والتي قد تفجر غضبًا شعبيًّا لا يمكن لأحد التنبؤ بموعده أو بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه.
كاتب المقال هو البروفيسور “جريجوري أفتانديليان”، وهو زميل غير مقيم في “المركز العربي واشنطن دي سي”؛ كما أنه أستاذ مشارك في الجامعة الأمريكية، حيث يُدرّس دورات في السياسة الخارجية الأمريكية. يقول البروفيسور أفتانديليان إن تركيز السيسي على السياسة الخارجية ومسائل الأمن القومي مهما كان له أثر في تبرير بقائه في السلطة، إلا أن ذلك في نهاية الأمر له حدود لا يمكن أن يتعداها.
ويضيف: “وباعتبار أن المؤسسة العسكرية هي حاميته الرئيسية في حال خرج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على سياساته الاقتصادية الفاشلة، فإن السيسي سيستمر في التباطؤ في خصخصة الشركات المملوكة للجيش، على الأقل لضمان وقوف الجيش خلفه حال اندلاع انتفاضة شعبية جديدة في مصر.
ويصل البروفيسور أفتانديليان إلى نتيجة مفادها أنه “من المرجح أن يستمر الاقتصاد المصري في التدهور دون أن يشهد أي نمو إيجابي أو سلبي كبير على المدى القصير، في حين سيستمر الشعب المصري في معاناته من ارتفاع تكاليف المعيشة التي لا يمكنهم أبدًا التغلب عليها”، مشيرًا إلى أن الضغوط السياسية والاقتصادية عادة ما تتفجر في غير موعدها المتوقع وأنها قد تأتي بشكل غريب ومحيّر.
ويرى أفتانديليان أنه لمواجهة مثل هذه الاحتمالات، فلن يُقْدم السيسي على المساس باقتصاد الجيش وأنه سيواصل المماطلة في خصخصة الشركات العسكرية، مدركًا أن المؤسسة العسكرية هي حاميته الرئيسية إذا ما خرج الناس إلى الشوارع احتجاجًا على حكمه.
وفيما يلي يقدم منتدى الدراسات المستقبلية ترجمة كاملة لمقال جريجوري أفتانديليان الذي نشره المركز العربي واشنطن دي سي (ACW) في 23 يوليو 2025م، وذلك على النحو التالي:
على الرغم من أن الاقتصاد المصري قد شهد مظاهر تحسّن عديدة خلال العام الماضي، لا سيما فيما يخص انخفاض معدل التضخم وتدفق التمويلات الخارجية، إلا أنه لا يزال يواجه صعوبات وتحديات حقيقية:
فارتفاع مدفوعات سداد الديون، والانخفاض الحاد في رسوم المرور عبر قناة السويس، وتراجع إنتاج الغاز الطبيعي، وواردات القمح الضخمة من أجل تلبية احتياجات السكان المتزايدة من الخبز، والدور الكبير للجيش في الاقتصاد، لا تزال تُثقل كاهل البلاد.
وحيال ذلك، سعى الجنرال عبد الفتاح السيسي إلى تهدئة غضب الرأي العام من آثار الأزمة الاقتصادية بالتركيز على قضايا السياسة الخارجية التي يرى أنه يتمتع فيها بموقف أقوى. إلا أن نهجه هذا قد لا يُجدي نفعًا؛ إذ لا يزال المصريون يشعرون بالغضب من ارتفاع تكاليف المعيشة، في الوقت الذي يحاول فيه السيسي الحفاظ على رضا المؤسسة العسكرية بتأجيل الشروع في خصخصة الشركات المملوكة للجيش والتي طالما وعد بهًا.
أخبار تبدو ظاهريًّا سارة
حيث أفادت التقارير أن معدل التضخم في مصر قد انخفض إلى 14.9% في يونيو 2025م بعد أن كان قد وصل إلى أعلى مستوى له عند 38% في سبتمبر من عام 2023م. أما بالنسبة للمصريين الذين يواجهون أزمة معيشية كبيرة، فمن الأخبار الجيدة أن أسعار السلع الاستهلاكية في الحضر قد سجلت انخفاضًا بنسبة 0.1% في شهر يونيو 2025م مقارنة بزيادة قدرها 1.9% في شهر مايو 2025م. وبالإضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي 4.2% للسنة المالية 2025م في مصر، كما استقر سعر صرف الجنيه المصري بعد أن كان قد فقد أكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار خلال السنوات القليلة الماضية.
واستفادت مصر أيضًا من قرض بقيمة 8 مليارات دولار قدمه لها صندوق النقد الدولي في شهر مارس من عام 2024م، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة من بعض دول الخليج العربية. وعلى سبيل المثال، فقد تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم 35 مليار دولار أمريكي، معظمها تمَّ تخصيصه لمشروع سياحي كبير في منطقة رأس الحكمة على ساحل مصر على البحر المتوسط.
كما شهدت السياحة و تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتفاعًا طفيفًا خلال العام الماضي. وقد أدى كل هذا، بالإضافة إلى تشديد السياسة المالية، إلى إحراز تحسّن طفيف في موقف السيولة النقدية في البنوك التجارية المصرية، مما سمح بزيادة القروض المقدمة للقطاع الخاص، وخاصةً في قطاعي الصناعة والخدمات.
لكن المشاكل مستمرة
وفي خضم هذه الأخبار التي تبدو إيجابية، تواجه مصر على الأقل ثلاث تحديات اقتصادية رئيسية:
- فالتحدي الاقتصادي الأول هو الانخفاض الكبير في إيرادات قناة السويس منذ أن قامت إسرائيل بشن حربها الحالية على غزة في أكتوبر 2023م. وطالما شكّلت إيرادات رسوم الشحن (على السفن والناقلات التي تمر من قناة السويس) تاريخيًّا حوالي 15 في المائة من عوائد مصر من النقد الأجنبي، والتي كانت قد بلغت ذروتها عند 9.4 مليار دولار في عام 2023م.
ولكن بعد أن بدأ الحوثيون في اليمن بمهاجمة سفن الشحن التجارية المرتبط بإسرائيل في البحر الأحمر لإظهار التضامن مع غزة، بدأت تلك السفن التجارية في تجنب مسار البحر الأحمر – قناة السويس الخطير مؤخرًا – مما تسبب في انخفاض إيرادات قناة مصر من النقد الأجنبي بنسبة 60 في المائة، وذلك وفقًا لما صرَّح به الجنرال السيسي.
حيث تواصل هجمات الحوثيين المستمرة في البحر الأحمر تحويل الشحن الدولي من هذا الطريق (عبر قناة السويس مرورًا بالبجر الأحمر) إلى طريق أطول و أكثر ُكلفة، ولكنه أكثر أمانًا، حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا.
وإلى أن يوقف الحوثيون حملتهم، ستستمر العديد من شركات الشحن الدولية في تجاوز الممر المائي للسويس، مما يحرم مصر من مصدر رئيسي للعملة الصعبة. وتسعى مصر إلى تنويع دخل قناتها من خلال التوسع في أعمال صيانة الأحواض الجافة للسفن التجارية من خلال هيئة قناة السويس، ولكن من غير المرجح أن تعوِّض مثل هذه الإجراءات الانخفاض في رسوم القناة.
بحسب السيسي، فقد تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 60% بسبب هجمات الحوثيين على الملاحة التجارية في البحر الأحمر (للضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة)
- أما التحدي الاقتصادي الثاني الذي تواجهه مصر فهو أزمة إمدادات الغاز الطبيعي، الناجمة عن مزيج من ارتفاع الطلب المحلي على الغاز، وعدم كفاية الإنتاج المحلي منه، ونقص الواردات. وكان المأمول أن يؤدي اكتشاف حقل ظهر الكبير قبالة سواحل مصر على البحر المتوسط، والذي بدأ إنتاجه عام 2017م، إلى إنتاج ما يكفي لتلبية احتياجات سوقها المحلية الضخمة وتعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي، إلا أنه شهد انخفاضًا في الإنتاج ومشاكل فنية منذ عام 2022م.
ومما زاد من تفاقم هذه المشكلة، أن الصراع الإقليمي الأخير قد حدَّ من اعتماد مصر على الواردات الآتية من حقل ليفياثان “الإسرائيلي” للغاز، والذي كان يُغطي جزءًا من الاستهلاك المحلي لمصر. ففي 13 يونيو 2025م، وخلال الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل وإيران، قامت إسرائيل بإغلاق حقل ليفياثان (وحقل غاز ثانٍ أيضًا) وأوقفت تصدير الغاز للخارج تمامًا، بما في ذلك إلى مصر.
وعلى الرغم من أن إسرائيل استأنفت منذ ذلك الحين إنتاج الغاز وتصديره جزئيًّا، إلا أن الإغلاق المفاجئ للغاز الإسرائيلي الحيوي كان له تأثير سلبي كبير على مصر، التي اضطرت إلى فرض ترشيد للكهرباء.
وتستخدم مصر وقود الديزل بدلًا من الغاز لتوليد الكهرباء، وتسعى جاهدة لتأمين شحنات الغاز الطبيعي المسال لتعويض آثار التوقف. ولكن كما قال علي متولي، الخبير المصري في مجال الطاقة، فإن “هذا الحل مكلف، وتحتاج مصر إلى الاستثمار أكثر في إنتاج الغاز محليًّا” لتجنب المزيد من نقص الكهرباء للشركات والأسر.
- وأما التحدي الرئيسي الثالث فهو استمرار اعتماد مصر على استيراد القمح بأسعار باهظة لإطعام سكانها البالغ عددهم حوالي 110 مليون نسمة. حيث لا تزال مصر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح على مستوى العالم. حيث يتوقع المحللون الدوليون المتخصصون في الحبوب أن تستورد البلاد 13 مليون طن في السنة المالية 2025/2026م (التي بدأت في 1 يوليو 2025م)، وهي نفس الكمية التي استوردتها في السنة المالية 2024/2025م.
ورغم مواصلة مصر مساعيها لتعزيز إنتاجها المحلي من القمح في أراضيها الصالحة للزراعة المحدودة، إلا أن محللي الحبوب يتوقعون أن ينمو إنتاج البلاد المحلي من القمح بنسبة 1% فقط في هذه السنة المالية، ليصل إلى 9.3 مليون طن، وهو ما لا يكفي لإحداث أي تأثير ملموس في احتياجات البلاد من الواردات من تلك السلعة الرئيسية.
ويشكل استمرار اعتماد مصر على واردات القمح استنزافًا كبيرًا لاحتياطياتها من العملات الأجنبية. حيث يعتمد أكثر من 70% من سكان مصر على الخبز المدعوم من الدولة كجزء من استهلاكهم الغذائي اليومي، وهو وضع يفرض ضغوطًا شديدة على الميزانية المحلية للبلاد. لكن السيسي قام في السنوات الأخيرة بتخفيض دعم الخبز، تحت الضغط المتواصل من صندوق النقد الدولي، إلا أنه لم يقم بإلغائه بالكامل، تجنّبًا لإثارة اضطرابات داخلية لا تُحمَد عقباها.
مدفوعات مرتفعة لسداد الديون ومشاريع باهظة التكلفة
وعلى الرغم من أن مصر قد حسّنت من وضعها المالي العام إلى حد ما، إلا أن ديونها الخارجية بلغت حوالي 153 مليار دولار أمريكي في منتصف عام 2024م، أي ما يعادل 40% من ناتجها المحلي الإجمالي.
ولا تزال خدمة الدين تستهلك جزءًا أكبر من ميزانية البلاد سنويًّا: و من المتوقع أن تنفق الحكومة المصرية، في السنة المالية 2025/2026م، 65% من نفقاتها السنوية على سداد الديون.
وقد لجأ السيسي إلى الاقتراض وخفض الإنفاق على البرامج الاجتماعية من أجل تمويل أولوياته باهظة الكُلفة – من شراء الأسلحة والمشاريع الضخمة – مع فشله الكبير في تحقيق نمو اقتصادي كافٍ. فعلى سبيل المثال، تُقدر كُلفة إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة عالية الفخار التي يقوم السيسي بتشييدها شرق القاهرة، وهي مشروع ضخم يراه كثير من المصريين إهدارًا للموارد العامة الشحيحة أصلًا، بـ 58 مليار دولار أمريكي، في حين يُقدَّر أن ثلث المصريين يعيشون في براثن الفقر.
مخاوف صندوق النقد الدولي حيال دور الجيش في الاقتصاد
وكجزء من سلسلة القروض التي قدمها صندوق النقد الدولي لمصر منذ عام 2016م، يراجع صندوق النقد الدولي بشكل دوري مدى تقدم الإصلاح الاقتصادي الكلي في البلاد. وفي مراجعته الأخيرة، التي صدرت في منتصف يوليو 2025م، انتقد صندوق النقد الدولي (بلهجة لطيفة) الدور المتزايد للجيش في الاقتصاد المصري. ونظرًا للطبيعة الغامضة المتعمدة لنظام الحكم المدعوم من الجيش في مصر، فإنه ليس من المعروف علنًا على وجه التحديد قدر الاقتصاد الذي يسيطر عليه الجيش في البلاد، ولكن تلك الحصة على أي حال ليست ضئيلة، والتي تنامت كثيرًا في عهد السيسي.
وفي تقرير نشره صندوق النقد الدولي مؤخرًا، ذكر الصندوق بشكل محدد أن هناك 97 شركة مملوكة للجيش، 73 منها في القطاع الصناعي. ووفقًا لصندوق النقد الدولي، تمثّل هذه الشركات حوالي 36 في المائة من حصة السوق من المنتجات مثل الرخام والجرانيت والأسمنت والصلب.
وذكر تقرير صندوق النقد الدولي أن الحكومة لم تبذل أي جهود لبيع أسهم في بعض هذه الشركات، على الرغم من التعهدات التي قدمتها مصر في هذا الخصوص. وحذر صندوق النقد الدولي من أن الوجود الكبير لمثل هذه الشركات المملوكة للجيش في العديد من قطاعات الاقتصاد قد “يُثني المستثمرين من القطاع الخاص، نظرًا للامتيازات التي تتمتع بها الشركات العسكرية”، مؤكدًا بشكل صريح أن هذه المسألة “بحاجة إلى تصحيح”.
على الرغم من أنه ليس من المعروف لعامة الشعب المصري على وجه الدقة ما هي النسبة التي تسيطر عليها المؤسسة العسكرية من اقتصاد البلاد، إلا أن حصتها من الاقتصاد المصري ليست ضئيلة، والتي تنامت كثيرًا في عهد السيسي
كما خلُص صندوق النقد الدولي، بحسب التقارير المتداولة، إلى أنه على الرغم من إحراز بعض التقدم في بيع شركات حكومية أخرى في عام 2023م، إلا أن العملية توقفت في عام 2024م. وأشار تقرير يوليو 2025م تحديدًا إلى الهيئة المصرية العامة للبترول، التي يُقدَّر عجزها المستحق بما يتراوح بين 3 و 4 مليارات دولار، والتي حافظت على استقرارها المالي بفضل القروض الحكومية.
ولم يقتصر تأثير عدم إحراز تقدم في الخصخصة على تقليص تراكم الإيرادات الحكومية اللازمة لخفض الدين العام، بل إن استمرار الحكومة في دعم الشركات الحكومية غير المربحة يُحوِّل الموارد عن احتياجات أخرى.
الاعتبارات والحسابات السياسية
ومن المرجح أن السيسي كان مترددًا في خصخصة الشركات المملوكة للجيش خشية أن يُهدِّد إجراء مثل هذه التغييرات بقاء نظامه في سدة الحكم. وبصفته حاكمًا ينحدر مباشرةً من الجيش ويعتمد على المؤسسة كركيزة لنظامه الاستبدادي، فلا شك أن السيسي يُدرك أهمية الحفاظ على رضا الضبّاط والقيادات المصرية حتى لا يُظهِروا غضبهم تجاه قيادته. وإحدى الطرق لتحقيق ذلك هي منح المؤسسة حصة كبيرة في اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى امتيازات أخرى، كالتعيينات في إدارة الدولة.
ومن التبعات السياسية الأخرى لسوء الإدارة الاقتصادية في مصر الضغط على الطبقة الوسطى. فقد أدى التضخم إلى تآكل رواتب الموظفين، وأدى الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار (يبلغ سعر الصرف الآن 49 جنيهًا للدولار مقارنةً بـ 16 جنيهًا في أوائل عام 2022م) إلى ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية المستوردة الأخرى على الأسرة المصرية المتوسطة.
ورغم أن السيسي كان قد وعد الشعب المصري في بداية توليه مقاليد الأمور في البلاد بتحسن الوضع الاقتصادي لمصر في ظِل رئاسته، إلا أن معظم الأسر المصرية شهدت تآكلًا كبيرًا في قوتها الشرائية خلال العقد الماضي. وكما ذكر أحد البنوك الأجنبية في تقرير صدر في فبراير 2025م، فإنه “لا يزال الدخل المتاح للأسر يتأثر باستمرار بارتفاع معدلات التضخم”.
اللعب بورقة السياسة الخارجية
ومع تراجع شعبيته بشكل كبير، على ما يبدو بسبب الضغوط الاقتصادية، حاول السيسي تحويل انتباه الرأي العام عن الاقتصاد إلى قضايا السياسة الخارجية. حيث أتاحت الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة للحكومة المصرية فرصة لإظهار أنها تساعد الشعب الفلسطيني الذي عانى طويلًا من خلال محاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، في الوقت الذي تقوم فيه بتوجيه انتقادات حادة للسياسات القاسية التي يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
كما انتقدت الحكومة المصرية بحذر السياسة الأمريكية في بعض الأحيان، وخاصة اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة (حيث من المفترض أن تكون مصر إحداها) لإفساح المجال لفكرته الغريبة لتطوير العقارات في غزة من خلال ما أطلق عليه “ريفييرا” الشرق الأوسط.
ويعتقد الشعب المصري أن أي تدفق كبير للاجئين الفلسطينيين سيشكل عبئًا على اقتصادهم – خصوصًا في ظل تعامل مصر بالفعل مع اللاجئين الفارين من الصراع في السودان.
ولعل الأهم من ذلك، أن الرأي العام المصري لا يؤيد الاستسلام للمخططات الأمريكية والإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين نهائيًّا من وطنهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المشاركة الأمريكية في دعم الضربات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية أحيت فكرة المعايير المزدوجة الأمريكية، حيث تظل واشنطن في نفس الوقت صامتة بشأن الترسانة النووية الإسرائيلية.
وعمومًا، فإن تركيز السيسي على السياسة الخارجية والأمن القومي له حدوده. فإذا انتهت حرب غزة دون نزوح فلسطيني، وبدأت أموال الخليج العربي في إعادة إعمار غزة، فمِن المرجح أن يركز الشعب المصري مجددًا على إدارة السيسي الإشكالية للاقتصاد. وهذا لا يَعنِي بالطبع أن هناك انتفاضة شعبية أخرى وشيكة في مصر.
وعلى الرغم من أن بعض المحللين قد يشيرون إلى أن معظم المصريين لا يريدون تكرار سنوات الفوضى التي شهدتها مصر بين عامي 2011 و 2013م، إلا أن الضغوط السياسية والاقتصادية عادة ما تتفجر في غير موعدها المنتظر وقد تأتي بشكل غريب ومحيّر. وفي غضون ذلك، سيواصل السيسي المماطلة في خصخصة الشركات العسكرية، مدركًا أن المؤسسة العسكرية هي حاميته الرئيسية إذا ما خرج الناس إلى الشوارع احتجاجًا على حكمه.
ومن ثم، فمِن المرجح أن يستمر الاقتصاد المصري في الأمد القريب في التدهور، دون أن يشهد أي نمو إيجابي أو سلبي كبير، في حين سيستمر شعبه المسكين في المعاناة من ارتفاع تكاليف المعيشة التي لا يملك أي سيطرة عليها.