الخبر:
رغم محاولات الإيحاء بوجود انتخابات حقيقية، عبر تسيير سيارات في الشوارع ورفع لافتات ضخمة للمرشحين في الشوارع والميادين، وتأكيد رئيس محكمة الاستئناف المشرف على الانتخابات وجود “كثافات تصويتية”، رصد مصريون وصحف عربية غيابًا شبه تام للناخبين في الداخل والخارج.
فقد تحدثت صحف عربية، مثل العربي الجديد، ونشطاء عن عزوف واسع عن انتخابات مجلس الشيوخ المصري بين المغتربين، ونشرت البعثات الدبلوماسية المصرية صورًا لأعضائها بجوار صناديق اقتراع بدت شبه فارغة، لا تحتوي سوى على بطاقة واحدة أو اثنتين، حتى في دول تشهد وجودًا كثيفًا للجاليات المصرية، مثل السعودية والكويت والأردن والولايات المتحدة وإيطاليا.
وقالت صحيفة الشرق الأوسط السعودية مبكرًا إن “زخم انتخابات الشيوخ غائب عن الشارع المصري”، ونقلت عن محللين سياسيين أن أسباب تراجع الاهتمام تعود إلى طبيعة المجلس نفسه (عديم القيمة)، وآليَّة إجراء الانتخابات، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية للمواطنين، التي أسهمت في تراجع الحماسة والمشاركة.
وللتغطية على هذا الغياب شبه الكامل للناخبين، جرى تطويق المدارس التي تُجرَى فيها الانتخابات بأغطية قماش من محال “الفِراشة”، وتزيينها بعلم مصر، لتنبيه المارة إلى وجود فعالية انتخابية في المكان.
التعقيب:
يعود العزوف الشعبي عن المشاركة في هذه الانتخابات إلى عدة أسباب، منها:
- طبيعة مجلس الشيوخ نفسه، الذي أنشئ عام 2019 بديلًا عن مجلس الشورى السابق، بوصفه مجلسًا “استشاريًا” بلا صلاحيات تشريعية أو رقابية، ما يجعل مشاركته في العملية السياسية شكلية، ورأيه غير مُلزم، كما أن عرض القوانين عليه ليس إلزاميًا أيضًا.
- طبيعة الانتخابات نفسها، إذ حُسِم ما يقرب من 200 مقعد من أصل 300 لصالح أحزاب شكلتها الأجهزة الأمنية بعد انقلاب 2013م، في ظِل غياب الأحزاب الإسلامية المؤثرة، أما المقاعد المئة المتبقية، فتُنافِس عليها قائمة واحدة تحت اسم “القائمة الوطنية من أجل مصر”، تجمع بين أحزاب السلطة وبعض قوى الموالاة أو المعارضة الشكلية، ما أفقد الانتخابات التنافسية والمصداقية.
- النفور الشعبي المتراكم من أي عملية انتخابية منذ الانقلاب في عام 2013م، نتيجة تأميم المجال السياسي، وتهميش أو قمع المعارضين، و”هندسة” انتخابات المجالس النيابية عبر تدخل الأجهزة الأمنية.
كثيرون ممن يتفاعلون مع الانتخابات من الباحثين عن مكاسب مادية أو عينية، مثل صناديق السلع الغذائية أو مبلغ 200 جنيه، بينما لا يشعر غالبية المصريين بوجود انتخابات حقيقية، ولا يرون فيها أي قيمة أو تأثير، بحسب آراء العديد من المحللين.
يثير هذا التنافس المحموم على مقاعد مجلس بلا صلاحيات، من قِبل أحزاب السلطة والموالين، في ظِل تغييب كامل للمعارضة الحقيقية، تساؤلات مشروعة:
- هل الهدف هو تمهيد الطريق لحزب السلطة الجديد (“الجبهة الوطنية”) للهيمنة على الأغلبية، بديلًا عن “مستقبل وطن”؟
- أم أنها ساحة لاستعراض القوة التنظيمية بين أحزاب النظام في غياب المنافسين؟
- أم أننا أمام منافسة مالية بين رجال الأعمال والسياسيين النافذين، بعدما سيطر الأثرياء المقربون من السلطة على معظم قوائم الترشح، ووَصَل سعر المقعد، وفق مصادر موقع “زاوية ثالثة”، إلى 50 مليون جنيه لمجلس الشيوخ، و70 مليونًا للنواب؟
وربما يكون الهدف الأكبر هو ترتيب المشهد البرلماني القادم، استعدادًا لدور محتمل في تعديل الدستور مجددًا لتمديد ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، خصوصًا مع بدء وسائل الإعلام الموالية التمهيد لهذا الطرح بشكل لافت، رغم أن رئاسته الحالية تنتهي في 2030م، بعد تعديل دستوري عام 2019م مدد الولاية إلى 6 سنوات، ومدد رئاسته حتى ذلك العام.
وفي تقريره عن مرحلة الدعاية الانتخابية التي استمرت 14 يومًا، رصد “الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية” غياب الرقابة على سقف الإنفاق، وانتشار لافتات وإعلانات تتجاوز الحد القانوني، وطالب بإعادة النظر في آليات ضبط الدعاية وتنظيم الإعلانات الرقمية بما يتسق مع حدود الإنفاق القانونية.
أما موقع “صحيح مصر”، فكشف في 31 يوليو الماضي، استنادًا إلى أداة تتبع لشركة “ميتا”، أن الإنفاق على الحملات الإعلانية على فيسبوك خلال 3 أشهر (من 25 أبريل حتى 23 يوليو) بلغ نحو 3.36 مليون جنيه، وهو رقم لا يشمل الإنفاق في الشوارع ولا الأموال المدفوعة للأحزاب لترشيح أعضائها.
الواقع أن مجلس الشيوخ الأول، الذي بدأ عمله في 2020م وانتهت ولايته في يونيو 2025م، لم يمارس أي دور تشريعي أو سياسي حقيقي، وكان مجرد واجهة لصياغة مشهد نيابي صوري، تخضع أحزابه لهيمنة الأجهزة السيادية.
وقد كانت آخر انتخابات حقيقية شهدتها مصر في عام 2012م، حين فاز الرئيس الراحل محمد مرسي على منافسه أحمد شفيق، وأُجريت انتخابات نزيهة للبرلمان بغرفتيه، قبل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه ما قبل 2011م، حيث يفوز مرشح النظام بأغلبية ساحقة، بغض النظر عن نسبة المشاركة في التصويت.