خبر وتعقيبغير مصنف

ترشيح مصر لقيادة القوة الدولية في غزة.. استعادة للدور أم تورط في خطة ترامب؟

الخبر:

أكدت صحيفة “الغارديان” البريطانية، في 18 أكتوبر 2025م، أن هناك توقعات قوية بأن تقود مصر “قوة الاستقرار الدولية”، (Temporary International Stabilization Force) التي سوف تسيطر على قطاع غزة، وفق خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

في هذا السياق، يستعد مجلس الأمن الدولي لبحث مقترح مدعوم من الولايات المتحدة وأوروبا يهدف إلى تشكيل هذه القوة في قطاع غزة، وسط ترجيحات واسعة أن تقودها مصر، بحسب “الغارديان”.

الصحيفة ذكرت أن “مصر لا تزال مترددة بشأن ما إذا كان ينبغي أن تقود هذه القوة”، رغم عرض تركيا وإندونيسيا وأذربيجان، المشاركة فيها.

أوضحت الصحيفة أن “مصر تسعى للحصول على موافقة مجلس الأمن على نشر هذه القوة، وأن تكون قوة حفظ سلام كاملة مثل التي تعمل بصلاحيات مُمنوحة لقوات دولية أخرى حول العالم.

التعقيب:

يوم 11 أكتوبر 2025م، أكد رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي “ضرورة نشر قوات دولية في قطاع غزة لتحقيق الاستقرار، وأهمية إضفاء الشرعية الدولية على اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل عبر مجلس الأمن الدولي”.

وشدد السيسي، بحسب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، على أهمية نشر قوات دولية في قطاع لتنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك خلال اتصالات أجراها مع مسؤولين دوليين، منهم المستشار الألماني والأمين العام للأمم المتحدة.

وفي اليوم التالي، 12 أكتوبر 2025م، أكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي دعم مصر لنشر قوات دولية في قطاع غزة ضمن ترتيبات المرحلة الأولى من الخطة الأمريكية لإنهاء الحرب، مع ضرورة وجود تفويض من مجلس الأمن.

وفي مقابلة مع برنامج Face the Nation على شبكة CBS NEWS الأمريكية، قال إن أي انتشار عسكري يجب أن يتم بتفويض رسمي من مجلس الأمن الدولي يحدد مهام القوات، وولايتها على الأرض.

وأوضح أن “مسألة نشر قوات دولية مطروح على الطاولة، ونحن ندعم هذه الفكرة، وهناك دول أبدت استعدادها لإرسال قوات للمساهمة على الأرض، وعلينا الآن العمل للذهاب إلى مجلس الأمن الدولي للحصول على تفويض رسمي وتحديد مهام هذه القوات”.

وقال إن “جزءًا من الاتفاق يتعلق بالترتيبات الأمنية، ونحن نعمل على مستويات مختلفة”، موضحًا أن هناك “فلسطينيين في غزة سيتم تدريبهم ونشرهم داخل القطاع”، وأن مصر “بالتنسيق مع الأردن تعمل حاليًا على تدريب نحو 5 آلاف فلسطيني ليكونوا ضمن القوة التي ستنتشر في غزة”.

وحول مشاركة مصر بقوات في غزة، قال عبد العاطي: “سندعم وسنلتزم بإرسال قوات ضمن معايير محددة، بتفويض من مجلس الأمن لتحديد المهمة التي ستكون لحفظ السلام”.

وسبق للوزير المصري أن أعلن أيضًا، في 18 أغسطس 2025م، أن مصر “مستعدة بالطبع للمساعدة والمساهمة في أي قوة دولية تُنشأ في غزة وفق بعض المعايير المحددة”.

وكانت خطة ترامب لإنهاء الحرب في قطاع غزة، والتي تتضمن 20 بندًا، قد نصَّت على أن “الولايات المتحدة ستعمل مع الشركاء العرب والدوليين لتطوير قوة استقرار دولية مؤقتة (Temporary International Stabilization Force)  تُنشر فورًا في غزة”.

“وستقوم هذه القوة بتدريب ودعم قوات الشرطة الفلسطينية التي جرى التحقق من أهليتها، بالتشاور مع الأردن ومصر لما لهما من خبرة واسعة في هذا المجال”.

ووفقاً للخطة “ستكون هذه القوات هي الحل الأمني الداخلي طويل الأمد، وسوف تعمل الـ(ISF) مع إسرائيل ومصر للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، إلى جانب الشرطة الفلسطينية المدربة حديثًا”.

ورغم أن الهدف من مشاركة مصر في قوة دولية بقطاع غزة هو حفظ السلام، إلا أن هذه المهمة قد تكون فرصة سياسية كبرى لإبراز الدور الإقليمي القوي لها في غزة وفلسطين، وعودة القاهرة للعب دور في القطاع، أو يكون فخًّا إستراتيجيًّا. والفارق بينهما يعتمد على شكل التفويض، ومدة الانتشار، وطبيعة المهام (حفظ سلام أم فرضه؟).

ونظرًا لأن خطة ترامب غامضة، وتتضمن شروطًا صعبة التحقق، مثل نزع سلاح حماس، فإن دور مصر (لو أدخلت قوات وتولت قيادة القوة الدولية) سوف يصبح حساسًا، وقد ينتهي بها الأمر إلى التورط في مواجهة مع المقاومة، ومن ثم تنفيذ أهداف ترامب ونتنياهو التي لم يقدروا عليها، وهي نزع سلاح المقاومة بأيدي عربية.

مشاركة مصر في قوة دولية بغزة يمكن أن تتحول إلى تورط سياسي أو عسكري، إذا لم تُحدَّد الشروط بدقة لهذه القوة ودورها، لكن يمكن لمصر تجنّب هذا التورط عبر إدارة دقيقة وتفويض دولي واضح.

إذا انزلقت القوة (التي ستقودها مصر) إلى مهام قتالية ضد جماعات فلسطينية مسلحة (حماس أو الجهاد الإسلامي)، ستجد مصر نفسها تقاتل داخل غزة وهي أرض عربية، وهو أمر محظور سياسيًّا وشعبيًّا، ويتوقع أن يؤدي إلى غضب شعبي في الداخل المصري والعالم العربي، ويُستخدَم ضد نظام السيسي سياسيًّا.

تحديد مخاطر التدخل أو التورط المصري في غزة يرتبط بالهدف من هذه القوة (وفق مراكز أبحاث):

1-هل هي قوة حفظ سلام بقرار من مجلس الأمن وبموافقة حماس وإسرائيل؟

2- أم قوة فرض سلام بتفويض قوي، تحت الفصل السابع من الأمم المتحدة، والذي يعني تدخل عسكري لفرض الأمن بالقوة، (مثل غزو أميكيا للعراق وأفغانستان)، وحينها سوف يُتهَم النظام المصري بأنه جزء من “ترتيبات ما بعد الحرب” وخدمة مصالح إسرائيل وأمريكا.

3- أم قوة مراقبة ومساندة (دعم الشرطة المحلية وبتفويض محدود ووقت محدد)؟ وهذه الأخيرة هي ما تؤكد مصر إنها هدفها لو تدخلت في غزة.

بحسب تقديرات غربية، السيناريو الأقرب هو زيادة الدور المصري في إدارة غزة بعد الحرب، سواء عبر قوة دولية أو إشراف أمني، لكن القاهرة سوف تحرص على أن تكون هذه المشاركة بغطاء فلسطيني ودولي حتى لا تُتهَم بالوصاية أو الاحتلال وتتورط في مستنقع غزة وتُتهَم بحماية أمن إسرائيل وقمع المقاومة.

تبحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن آلية استقرار في غزة بعد انسحاب إسرائيل، وتُطرح مصر كـ “قائد محتمل” لقوة حفظ أو فرض السلام، بسبب حكمها سابقًا للقطاع، وموقعها الجغرافي (حدود 14 كم مع غزة)، وعلاقاتها مع جميع الأطراف (إسرائيل، السلطة، حماس، واشنطن).

مشاركة مصر في مهمة أمنية دولية في غزة تنطوي على مخاطرة سياسية داخلية، وقد يفسره مصريون وعرب باعتباره تدخلًا أجنبيًّا في الشأن الفلسطيني، وهو ما دفع النظام لاشتراط أن يكون دور هذه القوة واضحًا ومحددًا، وأن تكون هذه القوة الدولية مصحوبة بتفويض دولي واضح (قرار من مجلس أمن).

مصر لم توافق نهائيًّا حتى الآن، بل تضع شروطًا واضحة: لا تدخل عسكري مباشر، ولا إدارة مصرية لغزة، ولا مسؤولية أمنية دون تفويض أممي وأفق سياسي فلسطيني، حسب تصريحات المسؤولين المصريين، وخاصة وزير الخارجية.

جدير بالذكر أن تاريخ علاقة مصر بقطاع غزة ينقسم إلى ثماني مراحل متعاقبة، بدأت قبل عام 1948م، حين كانت غزة جزءًا من فلسطين تحت الانتداب البريطاني دون حدود مع سيناء، ثم دخلت القوات المصرية القطاع بعد قرار تقسيم فلسطين وحرب 1948م، لتبدأ مرحلة الإدارة المصرية لغزة (1948–1967) دون ضمها رسميًّا، حيث أدارها حاكم عام مصري. وبعد هزيمة يونيو 1967م، احتلت إسرائيل القطاع وسيناء معًا وانتهى الوجود المصري المباشر، لتنتقل مصر إلى مرحلة جديدة ركّزت فيها على استعادة سيناء بعد حرب 1973م، فيما بقيت غزة خارج مفاوضات كامب ديفيد. وبعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982م، اقتصرت علاقة مصر بغزة على الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، خصوصًا خلال اتفاق أوسلو 1993م، بينما بقيت غزة تحت الاحتلال حتى انسحاب إسرائيل الأحادي عام 2005م. ومع هذا الانسحاب، تولت السلطة الفلسطينية إدارة القطاع حتى سيطرة حركة حماس عليه عام 2007، ما أدى إلى توتر العلاقة مع القاهرة، خاصة في ظل حساسية الملف الأمني والحدودي. وبين 2007 و2023م تميزت العلاقة بالتذبذب بين الحصار والوساطة، باستثناء فترة حكم الرئيس محمد مرسي التي شهدت انفتاحًا نسبيًّا. أما بعد عملية “طوفان الأقصى” عام 2023م، فقد دخلت العلاقة مرحلة جديدة مع محاولات إسرائيلية وأمريكية لفرض تهجير جماعي لسكان غزة نحو سيناء، واجهتها مصر برفض قاطع، مؤكدة دورها المحوري في الوساطة، ومع ربط أي تدخل محتمل بتفويض أممي ومشاركة عربية وضمانات لحل الدولتين، ورفض الوجود الإسرائيلي في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى