الخبر:
يتوجه المصريون يوم 4 أغسطس 2025م إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الشيوخ، لاختيار 200 عضو من أصل 300 في المجلس، الذي يشهد منافسة شبه محصورة بين مرشحين موالين للنظام الحاكم برئاسة عبد الفتاح السيسي، بعد أن تمَّ إسكات معظم أصوات المعارضة داخل المجلس التشريعي وخارجه منذ انقلاب 2013م وتولِّي السيسي السلطة رسميًّا عام 2014م.
ورغم أن المجلس لا يتمتع بصلاحيات فعلية، وأن قراراته وتوصياته غير ملزمة، إلا أن الاستعدادات للانتخابات – وهي الثانية منذ تغيير اسمه من “الشورى” إلى “الشيوخ” – تشهد حراكًا ملحوظًا وحماسة شديدة، خاصَّة من قبل رجال الأعمال، إلى جانب الأحزاب الموالية للسلطة، والتي تسعى للهيمنة على كامل مقاعده في ظِل غياب فعلي للمعارضة.
وقد فُتح باب الترشح يوم 5 يوليو ولمدة خمسة أيام، على أن يُعلن عن القائمة الأولية للمرشحين في 11 يوليو، ثم تُقبل الطعون من 14 إلى 16 يوليو، وتُعلن القائمة النهائية في 18 يوليو 2025م.
تُجرى الانتخابات يومي 4 و5 أغسطس، وتُعلن نتائجها الأولية في 12 أغسطس، على أن تُعلن النتائج النهائية بعد البتّ في الطعون يوم 4 سبتمبر 2025م. وتليها انتخابات مجلس النواب المقررة في 22 نوفمبر 2025م.
أُجريت أول انتخابات لمجلس الشيوخ عام 2019م، وعقد المجلس أولى جلساته عام 2020م، وقد انتهت مدته في يونيو 2025م.
ويتألف مجلس الشيوخ من 300 عضو، يُنتخَب 100 منهم عبر نظام القائمة المغلقة (أي فوز القائمة بالكامل في حال تفوّقها)، و100 آخرون بالنظام الفردي، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كلا النظامين، بينما يُعيَّن المئة الباقون من قبل رئيس الجمهورية.
في حين كان دستور 1971م يُلزم بعرض القوانين المكملة للدستور على مجلس الشورى، أصبحت المادة 249 من دستور 2014م تجعل عرض القوانين على مجلس الشيوخ أمرًا اختياريًّا لا إلزاميًّا.
التعقيب:
وفقًا لتعديلات دستور 2014م، التي أُقرت في سبتمبر 2019م، تمَّ تغيير اسم مجلس الشورى إلى “مجلس الشيوخ” مع سحب ما تبقى له من اختصاصات، ليُصبح بلا أي قيمة تشريعية فعلية.
فالمجلس لا ينظر في القوانين أو القرارات إلا إذا أحالها إليه رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ومع ذلك فإن رأيه غير ملزم، ولا يُشترط أصلًا عرض القوانين عليه.
وكما جرت العادة في الانتخابات النيابية السابقة، تتولى أجهزة الأمن والاستخبارات “هندسة” تشكيل المجلس، أي اختيار المرشحين الفائزين بما يضمن غياب المعارضة الحقيقية، باستثناء بعض الوجوه المنتمية إلى أحزاب السلطة أو المعارضة “المستأنسة” من التيارات اليسارية أو الليبرالية.
وقد كشف موقع “القاهرة 24” – القريب من الأجهزة الأمنية – هذه الآلية في تقرير نُشِر بتاريخ 25 يوليو 2020م، تحت عنوان: “كيف هندس الأمن غرفة البرلمان الثانية (مجلس الشيوخ)؟ كواليس المفاوضات”، لكن التقرير حُذِف بعد نشره بساعات.
ورغم ضعف صلاحيات المجلس، يتنافس عليه عدد كبير من رجال الأعمال والسياسيين والصحفيين وأصحاب المصالح، نظرًا لما يمنحه المنصب من وجاهة سياسية ونفوذ، تحت مسمى “نائب برلماني”. في هذا السياق، تستغل أحزاب السلطة هذا التنافس لابتزاز رجال الأعمال، حيث يُشاع أن “ثمن المقعد” يتراوح بين 5 و10 و25 مليون جنيه، حسب أهمية المقعد وقوة المرشح ونفوذه.
ونظرًا لعبثية هذه الانتخابات، وعدم جدواها الفعلية سوى لأصحاب المصالح، تلجأ الحملات الانتخابية إلى توزيع رشى مالية وعينية لجذب الناخبين، خاصة من الموظفين والعمال والفئات الفقيرة. وقد أظهرت التجارب السابقة تقديم كراتين سلع غذائية أو مبالغ مالية لناخبين شاركوا في التصويت.
وكما فعل حزب “مستقبل وطن” – حزب السلطة – في انتخابات 2020م، عندما شكّل تحالف “القائمة الوطنية من أجل مصر” مع 12 حزبًا، بينها أحزاب معارضة “مُستأنسة”، وهيمن على نتائج الانتخابات، تكرر السيناريو نفسه هذه المرة مع إضافة حزب “الجبهة الوطنية” التابع لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، ليُصبح التحالف مكوَّنًا من 13 حزبًا يتوقع أن تفوز بما لا يقل عن 98% من المقاعد.
وفي انتخابات 2020م، حصل حزب “مستقبل وطن” على 149 مقعدًا من أصل 174، بينما فازت “القائمة الوطنية” بكامل مقاعد القائمة (100 مقعد).
وتضم الأحزاب المعارضة المستأنسة المشاركة في التحالف الحالي: حزب الوفد (ليبرالي)، وحزب التجمع (يساري)، وحزب الجيل، وهي أحزاب دخلت البرلمان بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.
وفي المجلس السابق، كافأ السيسي شخصيات إعلامية وسياسية موالية له بتعيين قرابة 20 منهم ضمن المئة المعينين، لتصبح تركيبة المجلس بالكامل خاضعة للسلطة، كما كافأ أيضًا الأقباط المؤيدين له منذ الانقلاب بمنحهم 24 مقعدًا، في سابقة هي الأولى من نوعها في مجلس الشيوخ.
ويتوقع أن تسفر الانتخابات الحالية عن تغييرات طفيفة في توازنات أحزاب السلطة، حيث يُتوقع أن يهيمن حزب “الجبهة الوطنية” مع “مستقبل وطن” على الأغلبية، مع منح باقي الأحزاب الأخرى بعض المقاعد الشرفية.
أما حزب “النور” السلفي، فقد تخلّى عنه السيسي بعد أن استغله في بدايات حكمه لإضفاء شرعية دينية على قراراته القمعية ضد الإخوان، إذ خسر الحزب جميع مقاعده في انتخابات الشيوخ الأولى، ولم يُدرَج ضمن تحالف أحزاب السلطة في انتخابات 2025م، ويُتوقع ألا يفوز بأي مقعد في هذه الدورة أيضًا، رغم أنه كان الحزب الثاني بعد حزب الحرية والعدالة عام 2012م.