خبر وتعقيبغير مصنف

“لن نقف مكتوفي الأيدي حيال ضرر سد النهضة”.. الخيارات المصرية وإمكانية تحققها

الخبر:

اتهم رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أديس أبابا بالتسبب في إلحاق أضرار بمصر والسودان جراء عدم التنسيق في تشغيل سد النهضة، وأكد أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام النهج غير المسؤول الذي تتبعه إثيوبيا، وسوف تتخذ كافة التدابير لحماية مصالحها وأمنها المائي.

تطرق السيسي في كلمة مسجلة خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، في 12 أكتوبر 2025م، إلى تبعات تدشين السد الإثيوبي، وعدم وجود اتفاق قانوني مُلزِم، وما وصفه بــ “الإدارة غير المنضبطة للسد” التي تسببت في إحداث أضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة، والتي تم تصريفها دون أي إخطار أو تنسيق مع مصر والسودان.

وقال السيسي: قدمت مصر على مدار سنوات العديد من البدائل الفنية الرصينة التي تلبي الأهداف المعلنة لإثيوبيا، كما تحفظ مصالح دولتي المصب، إلَّا أن هذه الجهود قوبلت بتعنت لا يفسر إلَّا بغياب الإرادة السياسية، وسَعْي لفرض الأمر الواقع.

كذلك شدد السيسي على أن “اختيار مصر طريق الدبلوماسية واللجوء إلى المؤسسات الدولية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، لم يكن يومًا ضعفًا أو تراجعًا، بل تعبيرًا عن قوة الموقف ونضج الرؤية، وإيمانًا عميقًا بأن الحوار والتعاون هو السبيل الأمثل لتحقيق مصالح جميع دول حوض النيل، دون تعريض أي منها للخطر.

التعقيب:

يأتي تحذير السيسي بأن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي حيال الضرر من سد النهضة في سياق تصاعد التوتر بين القاهرة وأديس أبابا، بعد سنوات من المفاوضات غير المثمرة، ويبعث برسالة إلى إثيوبيا تشير لتصعيد مصري قادم.

الرسالة المصرية الأخيرة ليست إعلان حرب، بل إعادة تفعيل للردع السياسي والعسكري بعد فترة من الجمود.

التحذير يمثل رسالة مزدوجة: خارجيًّا إلى إثيوبيا والداعمين لها بأن مصر تحتفظ بخياراتها، وداخليًّا للتأكيد على أن نظام السيسي يتابع الملف ولا يتهاون في حقوق مصر المائية، برغم أنه هو من وقع الاتفاق مع إثيوبيا ووَرَّط المصريين.

التحذير المصري الأخير هو إعادة تفعيل لسياسة الردع بعد سنوات من الجمود، لكن الخيار الدبلوماسي سوف يظل الأساس مع الاحتفاظ بالردع العسكري، وتقوية التحالفات الإفريقية، وتدويل الملف ضمن أجندة الأمن الإنساني، وتسريع مشروعات الأمن المائي الداخلي لتقليل الاعتماد على نهر النيل.

خيارات مصر المتاحة هي الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، وفق معهد الشرق الأوسط بواشنطن (MEI) ومجموعة الأزمات الدولية (ICG)، وأراء خبراء مياه وإستراتيجية.

كان أهمها الخيار العسكري (مبكرًا) بتوجيه ضربة عسكرية أو تخريبية إلى السد قبل اكتمال بنائه وملئه بالمياه، لكن السيسي لم يفعل شيئًا حتى حين أعطاه الرئيس الأمريكي ترامب عام 2020م، خلال رئاسته الأولي، الضوءَ الأخضر لضرب السد.

وقد لوحت مصر بالخيار العسكري كجزء من الردع لا كوسيلة للهجوم، حسبما ترى دراسات عسكرية، وتشمل الخيارات الردع غير المباشر عبر المناورات والتصريحات، أو العمل الاستخباراتي المحدود، أما الضربة المباشرة فتبقى احتمالًا ضعيفًا جدًّا (أقل من 10%).

وسبق أن أصدر معهد ستراتفور الأمريكي، في 10 يونيه 2013م، تقريرًا يتحدث فيه عن خيارات مصر المحدودة عسكريًّا لتدمير سد النهضة، ذكر فيه صعوبة إمكانية استخدام الطيران لطول المسافة بين مصر وإثيوبيا، وعدم امتلاك الجيش المصري لطائرات تزوُّد بالوقود، مما يجعل عملية التحليق لفتراتٍ طويلةٍ غير ممكنة.

 لكن هذا العامل قد يمكن التغلب عليه، إما بتزويد الجيش بطائرات تزود بالوقود جوًّا، أو بتوجيه ضرباتٍ من مواقع ثابتة أقصى جنوب مصر.

الضربة العسكرية المحدودة (استهداف السد، أو منشآته المساندة) سوف يكون لها تبعات قد تؤدي إلى حرب إقليمية، ورد إثيوبي قوي، ورفض دولي واسع، ومصر لديها قدرات جوية وصاروخية قادرة نظريًّا على تنفيذ ضربة دقيقة، لكن المسافة (1500 كم تقريبًا) تجعل العملية معقدة ولها تكلفة سياسية واقتصادية ضخمة.

وإمكانية تنفيذ مصر ضربة جوية ضعيفة جدًا (أقل من 10%) إلا في حال تعرض مصر فعلًا لنقص مائي كارثي يهدد الأمن القومي مباشرة، أي أن التحرك العسكري المباشر يظل خيارًا أخيرًا جدًّا، ومشروطًا بانهيار كل المسارات السلمية وتحقق ضرر مائي ملموس.

هناك أيضًا العمل الاستخباراتي والتخريبي غير المعلن، والآليَّة المحتملة هنا، عمليات سيبرانية أو تعطيل جزئي للبنية التحتية، ومع أنها غير مؤكدة إلَّا أنها تظل ضمن أدوات الردع غير التقليدية التي لا يُعلَن عنها رسميًّا.

الخيارات الدبلوماسية تشمل المسار التفاوضي برعاية دولية موسعة، واللجوء إلى المؤسسات القانونية الدولية، واستخدام الدبلوماسية الإقليمية مع دول حوض النيل، ورغم محدودية فرص النجاح (30-50%) وفق تقديرات خبراء، إلَّا أن هذا الخيار هو الذي يسير عليه نظام السيسي لتجنب الصدام وتهديد إثيوبيا بالمقابل باستهداف السد العالي رغم صعوبة ذلك.

الخيارات السياسية والإستراتيجية المصرية تتعلق بتوسيع نفوذها في محيط القرن الإفريقي للضغط على إثيوبيا، أي بناء تحالف مصالح مع دول حوض النيل الشرقية (السودان، أوغندا، جنوب السودان، كينيا) لتشكيل كتلة ضغط على أديس أبابا، مع دعم استقرار السودان وجنوب السودان لخلق طوق ضاغط على أديس أبابا، مع تحريك الملف في المحافل الدولية كقضية أمن قومي وإنساني.

الخيارات الاقتصادية التي اتبعها النظام، تشمل سعى مصر لتقليل الأثر المائي عبر مشروعات التحلية وتبطين الترع والزراعة الذكية، إضافة إلى شراكات خليجية في مجالات الأمن الغذائي والمائي، ولكنها خيارات سلبية، خاصَّة الشراكات الخليجية، حيث تمَّ إعطاء الإمارات أراضي داخل مصر لزراعتها قمحًا ثم شراء الدولة المصرية القمح منها بالدولار!

بحسب تقديرات تحليلية مبنية على موازين القوة الإقليمية، وديناميكيات المفاوضات السابقة، ومواقف الأطراف الدولية، وخبراء تحليل الأزمات المائية، يبدو أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو استمرار الوضع الراهن دون تصعيد (50%)، يليه تسوية جزئية (30%)، ثم تصعيد محدود (15%)، وأخيرًا تسوية شاملة (5%).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى