في التاسع من أكتوبر م2025، نشر موقع “بينسنت ماسونز“، وهي شركة محاماة دولية مقرها لندن، وتُعَد من أبرز العلامات التجارية القانونية في المملكة المتحدة وتُصنَّف ضمن أفضل مائة شركة محاماة في العالم من حيث حجم أعمالها، مقالًا بعنوان: “طفرة البناء في مصر.. المخاطر والفرص القانونية”.
هذا المقال كتبه “مارك رايمونت”، وهو أحد الشركاء في “بينسنت ماسونز”، والذي يتمتع بسمعة رائدة في السوق في تقديم المشورة بشأن النزاعات الفنية والتجارية والقانونية المعقدة وواسعة النطاق للعملاء في قطاعات البنية التحتية والطاقة والنفط والغاز والعمليات.
يقول رايمونت في مقاله، نقلًا عن تقرير نشرته مجلة “أرابيان بيزنس” الإماراتية الأسبوعية، إن أموال الخليج تغذي سوق العقارات في مصر، وأن كلًّا من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية تقودان تدفقات مالية إلى مصر في مجال الاستثمار العقاري بقيمة 1.4 مليار دولار.
ويؤكد المقال أنه في حين يُتيح قطاع الإنشاءات المتنامي في مصر فرصًا كبيرة، إلا أنه ينطوي أيضًا على مخاطر مُعقدة قد تؤثر على نجاحه على المدى الطويل.
وتقترح “بينسنت ماسونز” أنه لمواجهة هذا المشهد المُتنامي في نشاط الإنشاءات، فإنه ينبغي على شركات المقاولات الأجنبية التفكير في التوجُّه إلى الدخول في شراكات مع شركات مصرية محلية لتلبية متطلبات التسجيل والامتثال.
وتؤكد شركة المحاماة الدولية بأن اعتماد عقود FIDIC المُصمَّمة وفقًا للقانون المصري على سبيل المثال يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية في هذا الشأن؛ وأنه ينبغي أن تتضمن هذه العقود بنودًا فعّالة لتسوية النزاعات للحد من المخاطر القانونية.
وأشار المقال أيضًا إلى أنه في ظل تمويل القطاع العام في مصر لما يُقدر بحوالي 70% من السوق المصري، فإن العمل على فهم أولويات الحكومة ومعايير الامتثال سيكون أمرًا أساسيًّا لضمان استمرارية المشاريع الكبرى.
وفيما يلي، يقدم “منتدى الدراسات المستقبلية“ ترجمة كاملة للتقرير الذي نشره موقع بينسنت ماسونز البريطاني، على النحو التالي:
قطاع البناء في مصر لا يشهد ازدهارًا فحسب، بل إنه يشهد أيضًا نموًّا متزايدًا بفضل موجة من الاستثمارات القادمة من دول الخليج العربي:
فبحسب تقرير صدر مؤخرًا – عن مجلة “أرابيان بيزنس” الأسبوعية بعنوان، “أموال الخليج تغذي سوق العقارات في مصر، والإمارات والسعودية تقودان تدفقات مالية بقيمة 1.4 مليار دولار” – فإن “تحول مصر إلى قوة إقليمية في مجال التطوير العقاري يَجري على قدم وساق”، وذلك بفضل ما يُقدر بـ 1.4 مليار دولار من رأس المال الخاص، والتي تمَّ ضخها إلى البلاد من كلٍّ من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حسبما ذكرت شركة نايت فرانك في تقريرها “الوجهة مصر 2025م”.
وتجذب المشاريع العملاقة في مصر، مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تبلغ تكلفته حوالي 58 مليار دولار، ومشروع رأس الحكمة، ومشروع مراسي البحر الأحمر، ومدينة العلمين الجديدة، اهتمامًا كبيرًا. حيث يشير هذا إلى بزوغ عصر جديد من الفرص الواعدة لشركات المقاولات في مشاريع البنية التحتية والمشاريع السكنية والتجارية، ولكنه يطرح في نفس الوقت أيضًا تحديات قانونية جَمَّة.
ويَعني هذا، بالنسبة لشركات المقاولات الدولية، زيادة الطلب على تسليم المشاريع، والامتثال للقوانين واللوائح التي تتطوَّر باستمرار، والشراكات الإستراتيجية مع المطورين المدعومين من دول الخليج في مجال العقارات.
ومن المتوقع أن تشهد الأسواق نموًّا من 50.9 مليار دولار أمريكي هذا العام إلى 68.7 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030م، مدفوعةً ببرنامج التحديث الوطني المصري في إطار مبادرة رؤية مصر 2030م. ورغم تقلبات العملة، إلَّا أنه من المتوقع أن يحافظ تزايد التوطين فيما يخص سلاسل التوريد وكذلك اعتماد أساليب البناء الحديثة (MMC) على معدل نمو متوقع قدره 10.1% خلال السنوات القليلة المقبلة.
النمو وإصلاح السوق
يُعزِّز هذا التوسُّع في الاستثمار العقاري في مصر معدل نمو سنوي مركب (CAGR)، يبلغ ما يُقدر بـ 7.8%.
كما تُسرِّع الحكومة المصرية من وتيرة انتقال البلاد إلى الطاقة الخضراء، وذلك من خلال مبادرات رئيسة تشمل محطة الطاقة النووية في الضبعة ومشاريع مزارع الرياح في السويس.
وقد شهد القطاع العقاري طفرةً في شركات البناء الجديدة، حيث تمَّ تأسيس ما يقرب من 3,000 شركة حتى عام 2024م، بزيادة قدرها الخُمس عن العام السابق له. وقد أدَّى هذا النمو إلى زيادة التوطين في سلاسل التوريد، مما فتح الباب أمام الدخول في شراكات جديدة.
وفي حين شكَّل قطاع التطوير السكني ما يُقدَّر بثلث سوق الإنشاءات في مصر العام الماضي، تشهد قطاعات أخرى توسعًا ملحوظًا أيضًا. ومن المتوقع أن تصل نسبة مشاريع البنية التحتية للنقل إلى 9.2% من إجمالي المشاريع بنهاية العقد. وتهيمن مشاريع البناء الجديدة على السوق، حيث شكلت ما يُقدَّر بـ 91% من النشاط في عام 2024م.
وقد تمَّ تنفيذ ما يقرب من النصف من هذه الأعمال في منطقة القاهرة الكبرى، حيث سُجِّلت 47% من مشاريع البناء هناك. ومن المتوقع أن ينمو هذا الرقم بنسبة تصل إلى 8.7% بحلول عام 2030م.
ويُمثِّل التمويل العام نسبة 70% من استثمارات سوق البناء، على الرغم من استمرار نمو رأس المال الخاص، والذي من المتوقع أن يصل إلى معدل نمو سنوي مركب 9.2% بحلول عام 2030م.
الامتثال القانوني والفرص الإستراتيجية
إن إلغاء ضريبة الجدول التي كانت تُقدَّر بـ 5% في مصر ودمجها في نظام ضريبة القيمة المضافة القياسي بنسبة 14% في يونيو 2025م يجعل النظام الضريبي في البلاد متوائمًا مع المعايير العالمية في ذلك. (يُذكَر أن ضريبة الجدول كانت تُفرَض بنسب خاصَّة أو بقِيَم محددة على بيع أو استيراد السلع والخدمات المحلية أو المستوردة المنصوص عليها في الجدول المرافق للقانون رقم 67 لعام 2016م).
كما أن هذا الإصلاح يُحسِّن فرص التدفق النقدي لشركات المقاولات ويُسهِّل التمويل الدولي. لكن هذه التغييرات تأتي أيضًا في وقتٍ تمَّ فيه تشديد لوائح البناء، حيث يواجه المخالفون عقوبات أكثر صرامة بموجب إجراءات تخطيطية جديدة تهدف إلى تحديث التخطيط والتطوير في المناطق الحضرية.
ويُعدّ فهم هذه التغييرات أمرًا بالغ الأهمية للالتزام بالجداول الزمنية للمشاريع وتجنب النزاعات القانونية. كما يشهد هذا الشهر أيضًا سِنّّ قوانين جديدة تُلزِم الشركات بزيادات سنوية في الرواتب، وتتيح المزيد من فرص العمل عن بُعد، وتُبسِّط إجراءات حلِّ النزاعات في مصر.
ويدخل التشريع الجديد حيز التنفيذ اعتبارًا من الأول من أكتوبر، ويمنح العمال الحق في زيادة سنوية بنسبة 3%، ويُلزِم أصحاب العمل بدفع 0.25% من الحد الأدنى للأجر المؤمن عليه اجتماعيًّا الخاص بكل موظف لصندوق خاص بالتدريب. كما يُدخِل التشريع النصَّ على إجازة الأبوة لأول مرة، ويزيد من مدة إجازة الأمومة إلى أربعة أشهر بدلًا من ثلاثة.
وقد سلطت قضايا التحكيم الأخيرة المتعلقة بمشاريع البنية التحتية في البلاد، مثل الحكم الخاص بميناء دمياط، الضوء أيضًا على المخاطر المرتبطة بالمشاريع المشتركة الدولية، مما يؤكد الحاجة إلى إدارة قوية للعقود وعمليات التسوية.
ويُذكَر أن محكمة النقض المصرية كانت قد قضت بإلغاء حكم قضائي صادر عن غرفة التجارة الدولية بقيمة 490 مليون دولار بعد معركة طويلة الأمد بشأن إدارة ميناء دمياط، مما أثار مخاوف بشأن قابلية العقود الحكومية للتحكيم.
وكان النزاع قد نشأ نتيجة إنهاء عقد امتياز لبناء محطة حاويات في ميناء دمياط. ورغم صدور قرار عام 2021م، إلا أن هذا الحكم قد يكون له تداعيات واسعة النطاق على النزاعات المتعلقة بعقود الامتياز الحكومية في مصر.
لذلك، فإنه يتعين على المقاولين المقيمين في مصر التأكد من أنهم على دراية تامة بإجراءات التحكيم، وتنظيم مشاريعهم المشتركة من أجل إدارة احتمالات التعرض للمخاطر – مع التوصية بإنشاء عقود تعتمد على الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريّين (FIDIC) ومصمَّمة وفقًا للمتطلبات القانونية المحلية.
اعتبارات إستراتيجية
وفي حين أن قطاع الإنشاءات المتنامي في مصر يُتيح فرصًا واعدة، إلَّا أنه ينطوي أيضًا على مخاطر معقدة قد تؤثر على نجاحه على المدى الطويل. ولمواكبة هذا التطور، ينبغي على المقاولين الأجانب النظر في الدخول في شراكات مع شركات محلية لتلبية متطلبات التسجيل والامتثال.
فعلى سبيل المثال، يُعدّ اعتماد عقود مبنية على معايير الاتحاد الدولي للمهندسين الاستشاريين (FIDIC) ومُصمَّمة وفقًا للقانون المصري أمرًا بالغ الأهمية. كما ينبغي أن تتضمن هذه العقود بنودًا فعّالة لتسوية النزاعات للحد من المخاطر القانونية.
ويُعتبر الإحاطة بجميع التغييرات التي تطرأ على قوانين العمل والمشتريات في مصر أمرًا بالغ الأهمية في هذا الحصوص.
وفي ظل قيام القطاع العام بتمويل ما يُقدر بـ 70% من السوق، يُعدّ فهم أولويات الحكومة ومعايير الامتثال أمرًا أساسيًّا لضمان استمرارية المشاريع الكبرى.
ملحوظة: شارك في كتابة المقال “فيصل عطية”، وهو شريك في شركة المحاماة الدولية، والذي يتولى رئاسة قسم حل النزاعات المدنية في منطقة الشرق الأوسط ويتمتع بخبرة واسعة في التقاضي والتحكيم في النزاعات المتعلقة بالبناء والتجارة في جميع أنحاء هذه المنطقة؛ وكذلك “شهرزاد دباش” من ” بينسنت ماسونز” التي شاركت في كتابته.




