الخبر:
احتفت الحكومة المصرية بأدائها في العام المالي الماضي 2024/2025م، معلنة تحقيق “أعلى فائض أولي” بلغت قيمته نحو 629 مليار جنيه، بحسب البيانات التي أعلنها وزير المالية خلال لقائه برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
خلال الاجتماع الذي عُقد يوم 17 أغسطس 2025م، أعلن وزير المالية أحمد كجوك أنه، ولأول مرة، سجلت موازنة مصر فائضًا أوليًّا يقدر بـ 629 مليار جنيه، أي 3.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في العام المالي 2024-2025م، بزيادة قدرها 80% على أساس سنوي.
وأكد بيان مجلس الوزراء أن الموازنة حققت هذا الفائض “رغم تعرضها لصدمات خارجية مؤثرة، أبرزها الانخفاض الحاد في إيرادات قناة السويس بنسبة 60% عن المستهدف، مما تسبب في خسائر تُقدَّر بنحو 145 مليار جنيه”.
وأكدت الحكومة أن من أسباب زيادة الفائض نمو الإيرادات الضريبية بأسرع وتيرة لها منذ سنوات، إذ ارتفعت بنسبة 35.3% على أساس سنوي لتصل إلى 2.2 تريليون جنيه، بسبب الإجراءات الضريبية التي جرى إدخالها لتوسيع القاعدة الضريبية وإنشاء نظام ضريبي أكثر كفاءة.
ونتج عن هذا ارتفاع إجمالي الإيرادات بنسبة 29% على أساس سنوي خلال العام المالي، بينما زادت المصروفات بوتيرة أبطأ، بلغت 16.3% على أساس سنوي.
وتتوقع الحكومة أن يحقق الاقتصاد المصري نموًّا في العام المالي 2024-2025م يتجاوز مستهدفها البالغ 4.0%، مع انتعاش الاستثمار الخاص ونشاط الصناعات التحويلية غير النفطية.
التعقيب:
لأن إعلان أن هناك فائض في الموازنة بعد عجز عدة سنوات يثير الاستغراب، شكَّك اقتصاديون ومنظمات مجتمع مدني فيما أعلنته الحكومة وتساءلوا: هل الديون، التي هي جزء من المصروفات مضافة في الحساب أم لا؟
“المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” أصدرت بيانًا، في 17 أغسطس 2025م، أكدت فيه أن الصورة الحقيقية للأداء الاقتصادي للموازنة العامة خلال العام المالي الماضي 2024-2025م، لم يتم حساب “بند الديون” فيها.
أوضحت المبادرة أن أقساط الديون وحدها، تستحوذ أقساطها على ما يقرب من ثلثي النفقات الحكومية الإجمالية، فضلًا عن وصول مدفوعات فوائد الديون خلال العام المالي نفسه إلى قرابة ثلاثة أمثال الفائض الذي تحتفي الحكومة بتحقيقه.
وذكرت أن قيمة هذا “الفائض” الذي يُخرِج الديون من حساباته بالدولار حسب سعر الصرف الحالي يعادل 13 مليار دولار، وهي لا تكفي لسداد التزامات الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال النصف الأول فقط من 2025م.
بيان المبادرة المصرية تزامن مع إصدار البنك المركزي المصري بيانًا يؤكد فيه زيادة أرقام خدمة الدين الخارجي (الفوائد + أصل القرض) التي ستدفعها مصر في عام 2026م إلى 27.87 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بنحو 1.9 مليار دولار عن تقديراته السابقة البالغة 25.97 مليار دولار.
البنك أوضح أن أقساط القروض المستحقة خلال عام 2026م ستبلغ نحو 22.72 مليار دولار، بعدما كانت 21.1 مليار دولار سابقًا، كما أوضح أن الفوائد لهذه الديون سوف تبلغ عام 2026م نحو 5.15 مليار دولار، بعدما كانت 4.87 مليار دولار في تقديرات سابقة بسبب استمرار النظام المصري في الاستدانة بلا حدود.
لأن الفائض الذي أعلنته الحكومة (13 مليار دولار) لم يتم حساب الديون وفوائدها فيه، يعني هذا أن الصورة الحالية للفائض غير حقيقية لأنها تجاهلت الديون، والتي تستحوذ أقساطها وفوائدها على ما يقرب من ثلثي النفقات الحكومية الإجمالية بل وتصل مدفوعات الفوائد وحدها في العام المذكور إلى ما يقرب من ثلاثة أمثال “الفائض” الذي تحتفي الحكومة بتحقيقه.
وهو ما يعني أن فائض الموازنة المعلن غير حقيقي، وأن إضافة الديون إلى الموازنة تعني تراجع الفائض الفعلي لا زيادته، أي أن هناك “عجز” لا “فائض” ولو كان الفائض المعلن 13 مليار دولار والديون 27 مليارًا فهذا يعني أن هناك عجزًا في موازنة 2026 يقدر بـ 14 مليار دولار!!
وعدل البنك أيضا تقديراته لأقساط القروض المستحقة خلال العام إلى نحو 22.72 مليار دولار، صعودًا من 21.1 مليار دولار سابقًا.
وفي الوقت ذاته، رفع “المركزي” تقديراته لمدفوعات الفوائد للعام المقبل إلى نحو 5.15 مليار دولار، من 4.87 مليار دولار في تقديرات سابقة.
وخلال موازنة العام الماضي، استحوذ بند فوائد الاقتراض وحده على 47% من المصروفات العامة بالموازنة، والتي لا تشمل أقساط الديون، فيما لم يخصص مشروع الموازنة للسنة الماضية إلا أقل من نصف الاستحقاق الدستوري لقطاعي الصحة والتعليم، بنسبة 1.16%، و1.7% من الناتج المحلي الإجمالي على الترتيب.
ويقول خبراء اقتصاد أن الموازنة الحالية التي بدأ العمل بها في مطلع يوليو 2024م، بها توسع في الاستدانة المستمرة أيضًا على مدار عدة سنوات وأن هذا أدى إلى نزح موارد الميزانية وتحويلها بعيدًا عن خدمة المواطنين.
وتزامن إقرار الموازنة مع سلسلة من القرارات الحكومية التي تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين في الغذاء والدواء والطاقة والحصول على الخدمات الطبية، بداية من قرارات رفع سعر الخبز المدعم وزيادة أسعار الدواء وخصخصة الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية، وزيادة أسعار تذاكر القطارات والمترو، وحتى رفع أسعار الوقود بكل ما يترتب عليها من آثار تضخمية تؤدي للمزيد من الارتفاع في أسعار السلع والخدمات.