الخبر:
نشر الصحفي الإسرائيلي الأمريكي “باراك ريفيد” تقريرًا في موقع “أكسيوس” الأمريكي يوم 7 ديسمبر 2025م، أشار فيه إلى محاولة الولايات المتحدة التوسط بين إسرائيل ومصر لعقد لقاء يجمع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعبدالفتاح السيسي بعد طول قطيعة منذ العدوان على قطاع غزة واحتلال جيش الاحتلال منطقة الحدود المصرية الإسرائيلية وخرقه اتفاقية كامب ديفيد.
الموقع الأمريكي كشف أن “واشنطن تبحث عقد قمة محتملة بين السيسي ونتنياهو”، وأن البيت الأبيض مستعد للتوسط لعقد هذه القمة لأنهما “لم يتواصلا منذ ما قبل حرب غزة.”
بحسب أكسيوس، تحاول الولايات المتحدة إعادة الدفء إلى العلاقات بين إسرائيل والدول العربية عبر الدبلوماسية الاقتصادية، وذلك من خلال مبادرات تركز على الحوافز الاقتصادية في مجالات التكنولوجيا والطاقة بين إسرائيل ودول عربية بهدف إعادة إدماج إسرائيل دبلوماسيًا في المنطقة، ووضع نموذج جديد لانخراطها في العالم العربي، وإعادة مسار اتفاقيات “أبراهام” إلى الواجهة.
وبحسب مصدر إسرائيلي ومسؤول أمريكي، أبلغ نتنياهو الأمريكيّين أنه يريد لقاء السيسي، لكنه لم ينخرط بجدية في هذا المسار، كما لم يُبدِ الرئيس المصري حماسة للفكرة. وقال المصدر الإسرائيلي: “لم يجرِ أي اتصال إستراتيجي ذي أهمية بين البلدين خلال العامين الماضيين”.
التعقيب:
هذا الخبر نشره صحفي إسرائيلي أمريكي، لذا يجب النظر إليه في سياق أنه محاولة لإنقاذ إسرائيل من عزلتها بسبب حرب الإبادة في غزة، وإجراء لقاءات مع قادة مصر والدول العربية بهدف تلميع صورتها وإنهاء القطيعة التي حدثت بعد حرب غزة، وربما كان رسالة للقاهرة من أجل تخفيف الاحتقان مع تل أبيب بعدما توقفت حرب غزة.
سياق الخبر لا يشير إلى رغبة أمريكية في لقاء خاص فقط بين السيسي ونتنياهو فقط، ولكن في سياق التطبيع بشكل عام بين إسرائيل والدول العربية وفق خطة ترامب واتفاقات “أبراهام”، لذا ركز كبير مستشاري ترامب وصهره، جاريد كوشنر، خلال لقائه مع نتنياهو على أفكار “استثمار إسرائيل خبراتها في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وموارد الغاز الطبيعي، وخبرتها في مجالات الطاقة المتجددة والمياه في دبلوماسيتها الإقليمية” من أجل إغراء الدول العربية كلها بالتطبيع.
في هذا السياق، ذكر الخبر أن المسؤولين الأمريكيين قالوا إن على نتنياهو أن يوافق على صفقة الغاز الإستراتيجية مع مصر أولًا، والتي تمَّ إبرامها بـ 35 مليار دولار في أغسطس الماضي، وجمدتها إسرائيل بحجة احتياجاتها الداخلية واتهام مصر بخرق اتفاق كامب ديفيد بنشر قوات في سيناء.
مسؤول أمريكي قال للموقع: “هذه فرصة هائلة لإسرائيل. بيع الغاز لمصر سيخلق علاقة اعتماد متبادل، ويقرب البلدين من بعضهما، ويعزز السلام الدافئ، ويمنع الحرب.”
الحديث الأمريكي عن أن على إسرائيل إغراء السيسي بلقاء نتنياهو يرتكز على قضية تمَّ حسمها في إسرائيل وهي تمرير تل أبيب صفقة الغاز المُجمَّدة، بحيث يوافق نتنياهو على التصديق عليها، لكن القضايا الأهم التي عكرت العلاقات وهددت أمن مصر، وهي احتلال معبر رفح ومحور صلاح الدين (فيلادلفيا) لم تُطرَح في سياق الوساطة الأمريكية للقاء نتنياهو والسيسي، برغم أنها تشكل خرقًا إسرائيليًّا لاتفاقية السلام.
فقد أكدت تقارير إسرائيلية لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوم 4 ديسمبر 2025م، أن وزير الطاقة الإسرائيلي يستعد للمصادقة على صفقة الغاز الأكبر من نوعها إلى مصر بسبب الضغوط الأمريكية.
وقالت صحيفة “جلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية إن هناك تقدمًا ملحوظًا في المحادثات المتعلقة بصفقة الغاز الضخمة مع مصر، والتي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار، ووفقًا للمخطط، ستلتزم شركات الغاز بتزويد الاقتصاد المحلي بالغاز بسعر أقل، يليه تصديق تل أبيب على الصفقة مع مصر.
الوساطة الأمريكية لعقد لقاء بين السيسي ونتنياهو لا تعني بالضرورة أن الأمور سوف تُحَل بسهولة؛ لأن العلاقات تعرضت لهزة قوية بعد الحرب، بعد اتهام مصر لإسرائيل بتهديد أمنها القومي بمحاولة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتصريحات مصرية تحذيرية من جهة، واتهام إسرائيل لمصر بنشر تعزيزات عسكرية في سيناء تخالف اتفاقية كامب ديفيد وتهديد أبواق مصرية بالحرب، من جهة أخري.
لذا ركزت دوافع الوساطة الأمريكية على “جوانب اقتصادية” لتبتعد عن القضايا العسكرية والسياسية التي سببت الاحتقان، خاصة التهجير واحتلال الحدود.
بمعنى آخر، تحاول واشنطن استبدال “السلام السياسي/العسكري” في المنطقة بـ “السلام الاقتصادي والتعاون” حيث يمكن للمصالح الاقتصادية أن تزيل التوتر.
أحد أسرار الوساطة الأمريكية هي السعي لإعادة إدماج إسرائيل ضمن المحيط العربي، والحد من عزلة دبلوماسية تواجهها، ومن أجل إعادة بناء شبكة تحالفات عربية إسرائيلية بعد الحرب على غزة التي ضربت العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
واشنطن تستهدف أيضا ضمان النفوذ الأمريكي وضبط التوازن الإقليمي، حيث ترى أن استقرار مصر وإسرائيل مهم لتأمين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وضمان أن منطقة الشرق الأوسط لن تنزلق نحو صراعات واسعة.
بعض الأمريكيين يرون أن النهج القديم (حروب، تهديد، ضغط) لم يحقق سلامًا دائمًا، لذا يرون أن التحول نحو “السلام الاقتصادي”، بجانب “مكافآت خدمية”، (غاز لمصر، طاقة، تجارة) سوف يعطي شكلًا جديدًا للعلاقات، ويجعلها أقل توترًا وأكثر استقرارًا.
خلاصة القول هي أن الوساطة الأميركية ليست عملية عفوية مجانية بل لعبة مصالح دقيقة ضمن الخدمات المقدمة لإسرائيل، وهي ليست بحثًا عن صداقة فقط، بل محاولة مدروسة لإعادة رسم خريطة تحالفات في الشرق الأوسط على أساس مصالح اقتصادية وأمنية واقعية بعد انهيار بعض الثوابت القديمة.




