خبر وتعقيب

سقوط مدينة الفاشر في يد ميليشيات الدعم السريع وأثره على الأمن القومي المصري

الخبر:

أعلنت ميليشيات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، يوم 27 أكتوبر 2025م، وهو ما يعني سيطرة الميليشيا على ولاية دارفور بأقاليمها الخمسة، ما أثار مخاوف من تأثير ذلك على مصر وأمنها القومي، خاصَّة لو انفصلت دارفور مثل جنوب السودان وزاد تفتت السودان الأم.

برر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، انسحاب الجيش السوداني من آخر معاقله في مدينة الفاشر بأن القرار اتخذ لحماية المدنيّين وتجنيب المدينة مزيدًا من الخسائر البشرية والمادية، رغم وقوع مجازر عقب الانسحاب.

القلق المصري انعكس في مطالبة القاهرة والولايات المتحدة بضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في السودان، في ظل تصاعد الأزمة وتفاقم الأوضاع الميدانية.

وزارة الخارجية أكدت أن الوزير المصري بدر عبدالعاطي شدد خلال اتصال هاتفي مع مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية، على “ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية”.

التعقيب:

انهيار الوضع في دارفور وسقوط الفاشر لا يؤثر فقط على السودان، بل يمتد أثره المباشر إلى الأمن القومي المصري عبر أبعاد إستراتيجية وجيوسياسية واقتصادية معقدة، بحسب مراكز أبحاث عربية ودولية مثل مجموعة الأزمات الدولية ومؤسسة كارنيجي ومعهد تشاتام هاوس البريطاني.

القلق المصري ينبع من احتمالات تكرار سيناريو جنوب السودان، في ولاية دارفور، بعدما أصبح حميدتي يسيطر على غرب وجنوب السودان والجيش والمقاومة يسيطرون على الشرق والشمال، ما يخلق أزمة أمنية لمصر.

سقوط الفاشر يجعل من دارفور منطقة شبه مستقلة فعليًّا، ويسهل تواصلها مع دول الجوار الإفريقي التي تعد وسيط بينها وبين داعمي هذه القوات في الخارج، خاصَّة الإمارات وتشاد وجنوب السودان، ما يعزز من انفصالها فعليًّا أو بإعلان رسمي، خاصَّة أن هناك مشاريع لإعلان “إدارة مدنية” أو كيان ذاتي الحكم، ما قد يعيد سيناريو انفصال جنوب السودان عام 2011م.

مؤشرات الانفصال المحتملة، هي أن “حميدتي” شكل حكومة ومجلس رئاسي منفصل في دارفور، وأدى اليمين الدستورية في أغسطس 2025م، رئيسًا للمجلس الرئاسي لحكومة “تأسيس” الموازية في فبراير 2025م، ثم وضع دستور مؤقت في مارس 2025م، ينص على “علمانية الدولة”. وفي مايو 2025م، قرر تأسيس برلمان وحكومة.

وقبل سقوط الفاشر، وصفت الحكومة السودانية في الخرطوم، في بيان أغسطس 2025م، أداء حميدتي اليمين الدستورية رئيسًا لحكومة موازية بأنه “يدفع البلاد خطوة أقرب نحو تقسيم فعلي”.

التأثيرات المحتملة لسقوط الفاشر وكل دارفور في يدي المتمردين الموالين للإمارات، على الأمن القومي المصري عديدة، لأنه يشكل تهديدًا مباشرًا للحدود الجنوبية المصرية.

دارفور تقع في الجنوب الغربي للسودان، وإذا انفصلت أو انهارت السلطة المركزية في الخرطوم، فسوف يصبح الطريق مفتوحًا أمام ممرات تهريب السلاح والمهاجرين والمقاتلين عبر السودان نحو حلايب وشلاتين، وأسوان والبحر الأحمر.

تقارير سابقة لمجموعة الأزمات الدولية ومعهد تشاتام هاوس البريطاني حذرت من أن تفكك السودان يعني نشوء حزام فوضى يمتد من ليبيا حتى البحر الأحمر، ما يجعل مصر تواجه “حدودًا ملتهبة” بطول 1200 كلم تقريبًا.

في حال انفصال دارفور، سوف تنشأ مناطق خارجة عن السيطرة المركزية، وستكون مصر من أكثر الدول المتأثرة بوجود كيان مسلح قرب حدودها الجنوبية، وقد يجعل هذا دارفور مأوى لمليشيات، ومرتزقة، وتنظيمات متطرفة مثل داعش في الساحل والصحراء، وهذا التطور يُعيد سيناريو ما بعد سقوط ليبيا عام 2011م، حين تحولت إلى مصدر سلاح وتمويل لمجموعات عبر الحدود، وهو ما يهدد الأمن في صعيد مصر والبحر الأحمر.

رغم أن دارفور ليست ضمن حوض النيل مباشرة، فإن انفصالها يؤثر على مياه نهر النيل والسيادة على منابعه؛ إذ أن تفكك السودان إلى كيانات ضعيفة (ربما ثلاث أو أربع مناطق: الشمال، دارفور، الشرق، وربما النيل الأزرق)، يُضعِف قدرة مصر على التفاوض مع كيان موحد بشأن مياه النيل في ظل تعنت إثيوبيا.

تعتمد مصر على التنسيق مع الخرطوم في ملفات مثل سد النهضة الإثيوبي، وأي تفكك داخلي سوداني يجعل التنسيق شبه مستحيل، كما أن جنوب السودان – بعد انفصاله – أصبح أقرب إلى التحالف مع إثيوبيا في ملف المياه، وقد يتكرر هذا النمط مع دارفور إذا استقلت وأقامت علاقات جديدة مع قوى إفريقية متنافسة مع القاهرة.

وفق تقارير لصحيفة “الجارديان” البريطانية، و”ميدل إيست آي”، سوف يعني سقوط دارفور تعزيز النفوذ الإماراتي والإسرائيلي في العمق الإفريقي؛ لأن الإمارات تُعتبر الداعم الأكبر لميليشات الدعم السريع في دارفور، ولها مصالح في ذهب ومعادن وممرات التجارة السودانية نحو البحر الأحمر.

وسيطرة حميدتي على دارفور قد تتيح للإمارات إقامة مناطق نفوذ جديدة على الحدود مع تشاد وإفريقيا الوسطى، مما يقلص المجال الحيوي المصري في القارة الإفريقية ويضع القاهرة في مواجهة نفوذ خليجي منافس، وربما يزيد هذا من الخلافات الصامتة بين القاهرة وأبو ظبي.

فقد أشارت تقارير سابقة لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، و”جيروزاليم بوست”، إلى تعاون استخباراتي غير مباشر بين إسرائيل وبعض فصائل الدعم السريع لتأمين مصالحها في البحر الأحمر.

سقوط الفاشر وكل دارفور بالتبعية، يعني ضربة لمشروع “العمق الإستراتيجي المصري” في السودان، فلعقود طويلة اعتبرت القاهرة أن استقرار السودان امتداد مباشر لأمنها القومي، لذا فتفكك السودان، وفقدان الخرطوم السيطرة على دارفور، سوف يعني انهيار كامل لمفهوم الدولة العازلة جنوب مصر، ما يُجبر القاهرة على التعامل مع دويلات أو ميليشيات متصارعة بدلًا من التعامل مع شريك مركزي واحد.

خيارات مصر الإستراتيجية للحد من الخطر هي دعم وحدة السودان دبلوماسيًّا عبر الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، ودعم الجيس السوداني والحكومة المركزية في الخرطوم، لتفادي انفصال دارفور، وتعزيز الوجود العسكري والاستخباراتي في الجنوب والبحر الأحمر لاحتواء التهديدات الحدودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى