الخبر:
غرقت مناطق في أراضي طرح النهر بمصر، في محافظتي المنوفية والبحيرة، منذ مطلع أكتوبر الجاري 2025م، بسبب “تصرفات أحادية متهورة”، وفق وزارة الري المصرية، من جانب إثيوبيا في إدارة سد النهضة.
إثيوبيا فرغت وأطلقت بشكل مفاجئ 750 مليون متر مكعب من المياه من سد النهضة بسبب عدم عمل توربينات السد، ووصول كميات كبيرة أخرى من مياه الأمطار تضر السد، فأصبح السد يَخرج منه حاليًا 750 مليون متر مكعب يوميًّا بدل الكمية الطبيعية وهي 300 مليون.
وبوصول المياه إلى مصر، دخلت محافظتا المنوفية والبحيرة في دائرة الخطر، بعد ارتفاع ملحوظ في منسوب المياه، حيث غرق عدد من المنازل، وغمرت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتلفت المحاصيل.
وتركز الضرر في مصر في الأراضي المعروفة بـ “طرح النهر”، وهي أراضٍ منخفضة تقع ضمن الحرم الطبيعي للمجرى، وتُعد مناطق محمية مائيًّا، ويمنع البناء أو الزراعة الدائمة فيها، لكن الحكومة تسمح بها وتقوم بتحصيل ضرائب من السكان.
التعقيب:
حملت وزارة الموارد المائية والري المصرية إثيوبيا في بيان مسؤولية تدهور الأوضاع، متهمة إيَّاها باتباع “تصرفات أحادية متهورة” في إدارة سد النهضة، واصفة هذه التصرفات بأنها مخالفة للقانون الدولي وتمثل “تهديدًا مباشرًا لأمن شعوب دول المصب”.
أشارت الوزارة إلى أن أديس أبابا كان يفترض بها تخزين المياه تدريجيًّا من يوليو إلى أكتوبر ثم تصريفها بشكل منظم، بدلاً من عمليات التفريغ المفاجئ التي تتسبب في فيضانات مفاجئة.
وقالت إن ما حدث على النيل الأزرق من إسراع في الملء غير القانوني للسد الإثيوبي، ثم تصريف كميات هائلة من المياه مباشرة بعد ما سُمّي باحتفال افتتاح السد، “لم يكن إجراءً اضطراريًّا، وإنما يعكس إدارة غير منضبطة وغير مسؤولة لسد بهذا الحجم”.
إثيوبيا ردت في بيان يوم 4 أكتوبر 2025م، نافية اتهامات مصر والسودان، وقالت إن ما يقال من اتهامات لها بالمسئولية عن الفيضانات “أكاذيب وتضليلات متعمدة من مصر”، و”محاولة يائسة لإدامة روايات قديمة تقوم على أوهام الهيمنة المائية”.
وقالت إن الفيضانات قبل بناء سد النهضة كانت تبلغ ذروتها بأكثر من 800 مليون متر مكعب يوميًّا في أغسطس، وأكثر من 750 مليون متر مكعب يوميًّا في سبتمبر، بينما بلغ متوسط الإطلاق اليومي من السد في عام 2025م حوالي 154.7 مليون متر مكعب يوميًّا في أغسطس و472 مليون متر مكعب يوميًّا في سبتمبر، أي أن سدها خفض شدة الفيضانات، وحمى الأرواح والممتلكات والبنى التحتية في السودان ومصر.
وأضافت أن سبب زيادة تدفق المياه – بخلاف ما أطلقه سد النهضة، هو زيادة تدفق مياه النيل الأبيض — وهو رافد لا علاقة له بإثيوبيا — إضافة إلى تقلبات أنماط الأمطار الناجمة عن التغير المناخي، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية السودانية جراء النزاع، لكن القاهرة تجاهلت هذه الحقائق وحاولت إلصاق المسؤولية بإثيوبيا.
واقعة إطلاق إثيوبيا كميات ضخمة من المياه من سد النهضة الإثيوبي أكبر بكثير من المعتاد (750 مليار متر مكعب بدلًا من 300) كشفت عن مخاطر أخرى للسد الذي ترفض أديس أبابا إشراك مصر والسودان في إدارته كي لا يتضررا منه.
كشفت الواقعة أن هناك مخاطر أخرى أكبر من مجرد حبس المياه عن مصر خاصة في مواسم الجفاف وتعطيش أهلها، كما كان متوقعًا، وهي أن السد يتيح لإثيوبيا إحداث فيضان مفتعل يُغرِق مصر والسودان بدرجات متفاوتة كما حدث في أكتوبر 2025م.
السبب الرئيس لأزمة الفيضانات وتداعياتها هو غياب التنسيق بين دول المصب في إدارة مياه نهر النيل، ورفض إثيوبيا توقيع اتفاق مع مصر والسودان للتنسيق بشأن السد، وهو ما يعني حدوث مشكلات في كل موسم، سواء كان موسم شح وجفاف يدفع إثيوبيا لحجب المياه وتعطيش مصر، أو موسم زيادة في المياه بكميات كبيرة (كما حدث هذا العام)، تطلقها بدون تنسيق مع مصر والسودان، فتؤدي لفيضانات تُغرِق البلدين.
غياب اتفاق قانوني شامل وملزم بشأن إدارة وتشغيل سد النهضة يترك دول المصب عرضة لسيطرة إثيوبيا على المياه ولمخاطر متكررة، سواء في مواسم الفيضان أو فترات الجفاف.
حتى ولو لم يكن السد يهدد بمياهه الغزيرة المتدفقة مصر، فإن إغراق السودان بالمياه يُعد تهديدًا خطيرًا للأمن القومي المصري إذ سيدفع السودانيّين للهجرة إلى مصر.
رغم غرق السودان وأجزاء من محافظتي البحيرة والمنوفية، فإن مصر لم تتلق من مياه الفيضان هذا العام سوى نحو 25 في المئة من حصتها المتوقعة (55 مليار متر مكعب)، بحسب الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية، ولولا إطلاق إثيوبيا المياه لحماية السد، والهطول المفاجئ للأمطار وزيادة إيراد النيل الأبيض (بخلاف الأزرق الذي يمر في إثيوبيا) ووجود مياه مخزنة في السد العالي لأثر هذا على مصر.
بحسب الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية، فإن إثيوبيا خزنت كل مياه فيضان هذا العام ولم تطلق مياه إلا ابتداء من 10 سبتمبر ثم أطلقت كميات كبيرة في 26 سبتمبر ولمدة ستة أيام بنحو ثلاثة أرباع مليار متر مكعب كل يوم بإجمالي 5.6 مليار متر مكعب ثم خفضتها الي 450 مليون لمده ستة أيام أخرى بعد ذلك بإجمالي نحو 7.5 مليار حتى بداية الفيضان في مصر وبعد فيضان السودان بخمسة أيام.
رغم عدم تسلم مصر والسودان مياه الفيضان منذ يوليو الماضي إلا أنه يبدو أن بحيرة ناصر كانت عند كامل سعتها التخزينية ولذلك تم فتح مفيض توشكي ثم تشغيل توربينات الكهرباء بكامل سعتها لتفريغ مساحات في البحيرة للفيضان القادم من السودان.
التصرف الأحادي الإثيوبي ألحق خسائر فادحة بالسودان وفقًا لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وهدد حياة ومقدرات شعبي دولتي المصب، ومصر كانت قد حذرت مرارًا من أن وجود سد يخزن 74 مليار م³ بشكل مخالف للقانون الدولي ودون اتفاق قانوني ملزم، وفي ظل هذه العشوائية والعبث في الإدارة، يمثل خطرًا دائمًا ومستمرًا على دولتي المصب خلال فترات الجفاف وفترات الفيضان.
كشف ناصر أبو طالب، وكيل وزارة الزراعة في محافظة المنوفية، لشبكة “بي بي سي” أن نحو 1084 فدانًا من الأراضي الزراعية في مصر تأثرت بارتفاع منسوب المياه القادمة من السودان بعد فتح إثيوبيا بوابات السد بلا تنسيق أو نظام، مشيرًا إلى أن “هذه الأراضي غير صالحة للبناء أو الزراعة الدائمة، لطبيعتها المنخفضة والمعرضة سنويًّا للغمر”.
إثيوبيا كانت تضخ 150 مليون متر مكعب يوميًّا فقط طبقًا للرسم البياني الصادر في بيان وزارة الري المصرية، وكانت تكفي السودان بالكاد، لذا يفسر امتلاء السد العالي بتضاعف كميات مياه النيل الأبيض القادم من أوغندا من ثلاثة الي أربعة أضعاف، ولولا هذا لما حدث فيضان ولا اكتفت مصر من المياه هذا العام ونقص نصيبها.