خبر وتعقيبغير مصنف

حديث رئيس الوزراء المصري عن إدارة تداعيات التهجير.. قبول بالأمر أم استعداد لسيناريو قريب الوقوع؟

الخبر:

في ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل في قطاع غزة، أطلق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي تحذيرات واضحة ورسائل حاسمة، مؤكدًا أن ثوابت مصر واضحة برفض التهجــير وتصفـية القضـية الفلـسطينية، ولن تسمح بأي شكل من الأشكال بتهجير الفلسطينيّين إلى أراضيها.

خلال الجلسة الحوارية التي عقدها، في 16 سبتمبر 2025م، مع عدد من رؤساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية، قال مدبولي رَدًا على تساؤل حول آليَّات التعامل مع تداعيات وتطورات الأوضاع في قطاع غزة، إن “الدولة المصرية لديها العديد من الخطط والسيناريوهات للتعامل مع هذه التداعيات والتطورات في حالة الضغط على المواطنين الفلسطينيين باتجاه الحدود المصرية”.

وأكد مدبولي على “ثوابت الدولة المصرية بعدم السماح بتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وعدم تصفية القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه يتم العمل على توفير الاحتياجات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني، من خطط طوارئ تشارك بها مختلف الجهات والهيئات المصرية”.

وقال إن مصر وضعت خططًا إستراتيجية للتعامل مع مختلف السيناريوهات، أي تهجــير الفلـسطينيين، أي تُجهز خطط طوارئ لمواجهة أي محاولات للضغط على الفلسطينيين في قطاع غزة لدفعهم نحو الحدود المصرية وأنها استخذت استعدادات لتأمين الاحتياجات الإنسانية والإغاثية لهم.

وأشار مدبولي إلى أن التحدي الأبرز يتمثل في “ماذا لو اندفع الفلسطينيون نحو الحدود المصرية؟”، مشددًا على أن مصر لن تسمح بتحويل أراضيها إلى ممر لتهجير الفلسطينيين، وستعمل على منع أي محاولات لـ “إسرائيل الكبرى” التي تهدف إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية.

وأوضح أن خطط الطوارئ تشمل: تعزيز الإجراءات الأمنية على معبر رفح وضمان توفير احتياجات الفلسطينيين الأساسية عبر تعاون وزارات الصحة والتموين، والتنسيق مع المنظمات الدولية لضمان وصول المساعدات الإنسانية.

وقال الصحفي وعضو مجلس النواب، مصطفي بكري، إنه سأل رئيس الوزراء مصطفي مدبولي خلال لقائه مع رؤساء التحرير والمواقع يوم 16 سبتمبر عن “خيارات التهجير”.

وأن رئيس الوزراء رد قائلًا: “نضع خطط لكل الخيارات للتعامل مع كافة المواقف”، وقال: إن مصر لن تسمح بالتهجير ولا بتصفية القضية الفلسطينية”، وقال: “الدولة المصرية تدبر كافة الاحتياجات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين”.

أيضًا قال مدبولي: “نتابع ما يتردد عن مخطط إسرائيل الكبري حماية للأمن القومي المصري والعربي في ضوء خطاب الرئيس السيسي أمام القمة العربية والإسلامية في قطر”.

التعقيب:

يمكن فهم تصريح “مدبولي” على وجهين:

(الأول) أنه يتحدث عن رفض مصر للتهجير، ولكنها سوف تُضطَر لتقديم سبل إعاشة وخدمات لمَن يتقدمون من أهالي غزة نحو حدودها، وتمهيد الرأي العام لقبول سيناريو التهجير بوصفه «أمرًا واقعًا» ينبغي التكيف معه.

و(الثاني)، أن مصر سوف تصدهم عن دخول مصر، وتمنعهم، ولكن بالمقابل ستقوم بتوفير إمكانيات الإعاشة لهم في رفح الفلسطينية جنوب غزة.

تصريح مصطفى مدبولي يشير ضمنًا إلى أنه من الممكن أن تحدث عملية التهجير لحدود مصر، وأن تضطر البلاد لاستقبال أهالي غزة تحت شعار “الحالة الطارئة الإنسانية”، وأن هذا هو المبدأ الذي على أساسه سوف يتم قبول التهجير للفلسطينيين.

موضوع تحريك الفلسطينيين من غزة الى الجنوب تجاه الحدود المصرية تحت ضغط النيران الإسرائيلية، قال فيه إن الحكومة ترفض التهجير، ولكن لديها خطط معدة للتعامل، ومنها خطط وزارة الصحة للعلاج والتموين لتوفير الغذاء، وهذا الكلام خطير؛ لأن فحواه أننا سوف نسمح بدخول أهل غزة لسيناء ثم تقديم العلاج.

تصريح مدبولي يتنافى مع تصريحات سابقة بأننا سوف نحارب العدو إذا تجرأ وحشد الغزاويين على الحدود، وآخرها تصريح خالد مجاور محافظ شمال سيناء (قائد سابق للجيش الثاني) الذي قال “اللى هيقرب من الحدود أيًّا كان من العالم هيشوف اللى عمره ما شافه”!

مدبولي سبق أن قال هو والسيسي إن مصر أدركت أن الهدف من التصعيد في غزة هو وضع مخطط التهجير القسري باتجاه سيناء.. وتصدير الأزمة لنا “خط أحمر”.

الكاتب الدكتور محمد المختار الشنقيطي قال إنه يُفهم من كلام مدبولي أن السلطة المصرية جاهزة لتهجير أهل غزة، ومتواطئة مع العدو، ومستعدة لأداء دورها في عملية الإرسال والاستقبال المتفق عليها مع الصهاينة والأميركيّين.

تصريح مدبولي جاء بالتزامن مع زيارة مسعد بولس، مبعوث الرئيس الأمريكي ترامب للشؤون الإفريقية، إلى إثيوبيا، ولقائه مع رئيس لوزراء آبي أحمد، وسط تكهنات سابقة أن ترامب عرض التدخل لحل أزمة سد النهضة مقابل ملف التهجير.

مدبولي بالطبع ليس لديه السلطة التي تمكنه من اتخاذ مواقف والتصريح بما يراه في مثل هذه القضايا، ولكنه مطلع بحكم منصبه على خطط وإستراتيجيات، ويحاول أن ينقل المسموح له بغلاف ليس له وجه واحد وإنما يحتمل أوجه كثيرة.

كُتاب وصحفيون قالوا إن اعترافات رئيس وزراء السيسي مصطفى مدبولي بأن هناك خططًا وضعتها الدولة لتلبية الطلبات الإنسانية عندما يتجه الفلسطينيون للحدود (يقصد سيناء) تؤكد أكاذيب ادعاءات السيسي برفض التهجير وترد أيضا على أكذوبة أن “مصر تستعد للحرب”.

حديث مدبولي عن جهوزية أجهزة الدولة في مصر لإعاشة أهل غزة إذا اضطروا للنزوح ودخول الأراضي المصرية هربًا من الإبادة ربما يكون تغييرًا في سياسة مصر من رفض منطق التهجير ومنعه إلى منطق إدارة تداعياته إن وقع.

يطرح حديث مدبولي تساؤلات، لأنه يتزامن مع السردية التي بدأ ترويجها على ألسنة مقربين من الأنظمة العربية (منهم عمرو أديب وضاحي خلفان)، بأن “إسرائيل تفعل ما تشاء، وأنَّ قدرتنا على إيقافها محدودة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى