الخبر:
في أغسطس 2025م، تحدثت وسائل إعلام تركية وأجنبية عن اقتراب مصر من الانضمام إلى المشروع الإستراتيجي التركي لتطوير المقاتلة الشبحية (قآن)، باعتبارها صفقة تعاون عسكري مهمة، ولكن مصر لم تعلن ذلك رسميًّا.
التلفزيون الألماني (DW) قال إن مصر انضمت إلى برنامج تصنيع المقاتلة التركية من الجيل الخامس قآن لتصبح شريكًا في تطوير وإنتاج الطائرة في خطوة هي الأولى من نوعها، تتجاوز فيها العلاقات العسكرية بين القاهرة وأنقرة نطاق التدريب لمستوى الإنتاج المشترك.
التعقيب:
قصة التعاون العسكري، بدأت في فبراير 2024م، حين كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن مصر طلبت بشكل رسمي شراء طائرات مُسيَّرة من تركيا.
وفي 2 مايو 2024م، زار رئيس أركان الجيش المصري السابق الفريق أسامة عسكر مصنع “بايكار” للصناعات الدفاعية، “شركة مدنية قطاع خاص”، والتقطت له صور مع الطائرة المسيرة “قزل إلما” أو التفاحة الحمراء، ومع مدير الشركة المهندس “المدني” الشاب “سلجوق بيرقدرا”.
وتردد أن مصر طلبت من تركيا تزويدها بالطائرة الشبحية، التي تعتبر طائرة من الجيل السادس، المتفوق على إف 16 الأمريكية، ورافال الفرنسية، ويمكنها خوض اشتباك جوي أو قصف لمواقع أرضية وخداع الرادار والطيران المستمر لمدة 5 ساعات بسرعة 1224 كم/ساعة، بأحمال تصل إلى 1.5 طن صواريخ وذخائر.
وفي 6 سبتمبر 2024م، وضمن نتائج زيارة السيسي الأخيرة إلى تركيا، أعلن محمد دمير أوغلو، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الجوية التركية TUSAS، عن رغبة شركته في انضمام مصر إلى مشروع الطائرة الشبحية TFX/MMU المعروف أيضًا باسم KAAN.
هذا التصريح عكس رغبة تركيا في توسيع التعاون مع مصر في مجال الطيران العسكري، خاصةً في مشروع الطائرة المقاتلة المتطورة وتعزيز التعاون العسكري في تطوير التكنولوجيا المتقدمة.
ويُعد اقترب مصر من الانضمام إلى مشروع تطوير المقاتلة الشبحية التركية من الجيل الخامس “قآن”، أحد أبرز المشاريع الإستراتيجية الدفاعية لتركيا، بمثابة تعويض لها عن منعها من امتلاك طائرة “إف-35” بقرار أمريكي، عقب شرائها منظومة الدفاع الجوي “إس-400” من روسيا.
وقد رصد موقع تاكتيكال ريبورت (Tactical Report) -المتخصص في التقارير الاستخباراتية للصناعات الدفاعية والطاقة والقضايا الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بداية الرغبة المصرية، خلال زيارة السيسي إلى تركيا حيث أبدى اهتمامًا بالطائرة المقاتلة التي تطورها شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI)، وبعد أن عاين فريق عسكري مصري النموذج الأوّلي للطائرة المتوقع دخولها الخدمة عام 2030م.
وبحسب “موقع الدفاع العربي” العسكري المتخصص، فإنه من المرجح أن يتم توقيع مذكرة تفاهم نهاية 2025م، تؤسس للشراكة وانضمام مصر إلى برنامج تطوير “قآن” ودورها فيه، إضافة للجهات المصرية التي ستشارك في البرنامج.
ويتردد أن مصر ستنضم بصفتها “منتجًا مشتركًا” في البرنامج، مما يعني تبادل تكنولوجي وإنتاج مشترك لمكونات الطائرة في إطار تعاون صناعي عسكري مشترك.
اعتزام مصر الانضمام لمشروع الطائرة التركية الشبحية له أبعاد أمنية وسياسية وله دلالات على علاقة مصر بتركيا والمنطقة العربية أو الشرق الأوسط وعلاقات مصر بالولايات المتحدة، حيث ترفض الأخيرة وتضغط على مصر لتظل داخل دائرة التسليح الأمريكي، مستخدمة المعونة العسكرية السنوية التي تُقدر بـ 1.3 مليار دولار.
سبق لأمريكا أن أجبرت مصر على إلغاء صفقة مع روسيا لشراء طائرات “سوخوي 35” التي تعادل إف 35 الأمريكية التي أرسلتها واشنطن لإسرائيل، وهددت بفرض عقوبات على مصر في حال إقدامها على إبرام الصفقة.
كما أجبرتها على إلغاء صفقة طائرات J-10C الصينية بسبب ضغوط أمريكية لضمان تفوق إسرائيل الجوي، وفق الباحث في العلاقات المدنية العسكرية محمود جمال.
أكد موقع “أخبار روسيا” أنباء الضغوط الأمريكية مؤكدًا أنه “بعد إلغاء صفقة المقاتلات الروسية Su-35 والادعاء أنها تحتوي على مشاكل تقنية، أوقفت مصر مجددًا صفقة طائرات (J-10) الصينية بعد اكتشاف ثغرة أمنية، والحقيقة أنه بسبب الضغوط الأمريكية. “لا خلل تقني ولا ثغرة أمنية”.
ربما يفسر هذا عدم إعلان مصر رسميًّا تصنيع أو شراء الطائرة التركية وترك الأمر للجانب التركي، إذ لا يُستبعد أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على مصر أيضًا لمنعها من المشاركة في برنامج هذه الطائرة التركية سواء تصنيعًا أو شراءً.
الصفقة المصرية التركية تنطوي على ما هو أبعد من كونها صفقة عسكرية بين بلدين، كانا حتى وقت قريب في صراع، ولديهما الكثير من الخلافات السياسية، وتشير إلى أن هناك “مخاطر مشتركة” أكبر اضطرتهما للتعاون العسكري، ربما تتعلق بالأوضاع في الشرق الأوسط بعد العلو الصهيوني، ومحاولة بناء تحالف مضاد.
أشار لهذا ضمنا موقع “ProNews” اليوناني والذي أكد يوم 8 أغسطس 2025م أن مصر، التي كانت يومًا ولاية عثمانية، بدأت تشعر بالحاجة للانضمام إلى المحور الإسلامي في شرق البحر المتوسط، وأن “عملية إعادة بناء المحور التركي-المصري مستمرة”.
وذكر أن “انضمام مصر إلى برنامج الطائرة الحربية التركية من الجيل الخامس “KAAN” يجب أن يثير قلق أثينا”.
اقتراب مصر من الانضمام لمشروع الطائرة التركية قآن يبدو كأنه “تحالف المضطرين”، إذ تسعى القاهرة للاستفادة من التكنولوجيا التركية في صناعة الطائرات الشبحية والمُسيَّرات المتقدمة في غياب البدائل، وتريد تركيا ضم مصر لتحالفها في الشرق الأوسط الذي يستهدف في النهاية حصار نفوذ إسرائيل.
هذا الاقتراب المصري من الانضمام لمشروع تطوير المقاتلة الشبحية التركية قآن يمثل شراكة دفاعية تحمل أبعادًا إستراتيجية واقتصادية وعسكرية، ويحمل ورائه أسباب عديدة تتعلق بمصالح البلدين بعيدًا عن الخلافات السابقة.
يتشارك البلدان رؤية الاستقلال التكنولوجي في مجال الصناعات الدفاعية، كما يتشاركان مخاوفهما من التفوق الجوي الإسرائيلي خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وإيران واليمن، وقد حذرت أكاديمية الاستخبارات التركية من هذا التفوق، وأوصت بتطوير القدرات الجوية.
الصفقة تأتي في إطار تحول إستراتيجي للبلدين نحو تعزيز “السيادة الدفاعية” والتقليل من الاعتماد على السلاح الغربي، خاصة بعد تجارب مصر مع تأخر أو توقف التسليمات العسكرية بسبب الضغوط الدولية.
ستؤدي الصفقة إلى توسيع قدرات مصر على الوصول إلى تقنيات متقدمة وتقليل الاعتماد على موردين خارجيين، فضلًا عن تعزيز القطاع الدفاعي داخل مصر وظهورها كقطب صناعي عسكري في إفريقيا والعالم العربي.
يأتي هذا التعاون في وقت يعتزم البلدان، مع قوى كبرى، التعاون من أجل عدم تمكين الولايات المتحدة وإسرائيل من رسم خرائطهما الجغرافية في منطقة الشرق الأوسط، وتعيين حدودها بالطريقة التي تحقق أهدافهما وحدهما.
تُدرك القاهرة وأنقرة أن ما يجري في المنطقة يتعارض مع مصالحهما تمامًا، ويحتاج إلى نبذ الخلافات السياسية التي سادت طوال السنوات الماضية وتجاوز العقبات، والتركيز على بناء علاقة إستراتيجية متينة، وليكون التعاون في المجال العسكري نقطة بداية وليس نهاية، لما يحويه من أهمية مشتركة، وما ينطوي عليه من رسائل تؤكد عدم الرضوخ لإرادة قوى بعينها، وأن هناك قوى إقليمية تستطيع تطوير صناعاتها العسكرية، كي لا تكون رهينة لإرادة الولايات المتحدة أو غيرها.
التعاون في الصناعات العسكرية بين مصر وتركيا سيكون له مزايا سياسية أيضًا، حيث يطوي صفحة الخلاف بينهما، ويفتح المجال للتنسيق في تسوية بعض القضايا الإقليمية بالطريقة التي تحقق هدف كل طرف.