نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالًا حول الدعم المقدم من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للكيان الصهيوني، من أجل مساعدته في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، كتبه إيشان ثارور، تحت عنوان: “مع دعم ترامب، تصبح إسرائيل القوة المهيمنة الواضحة في الشرق الأوسط“.
موقع “منتدى الدراسات المستقبلية” يقدم فيما يلي ترجمة كامله للمقال، وهي على النحو التالي.
قدَّم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه كرجل “سلام” و”صانع صفقات” يهدف إلى استقرار منطقة متوترة وإنهاء النزاعات. لكنه الآن يبدو مستعدًا للانخراط في أحد هذه النزاعات.
الاستسلام غير المشروط! كان هذا هو المطلب الذي نشره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي بعد ظهر يوم الثلاثاء، وسط سلسلة من المنشورات التي بَدَا فيها أن الرئيس الأمريكي يلمح إلى أن بلاده تستعد للدخول في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران.
وقد بدأت الهجمات المتصاعدة في نهاية الأسبوع الماضي عندما شنت إسرائيل ضربات من جانب واحد على أهداف رئيسة في إيران، مما يهدد بإغراق الشرق الأوسط في الفوضى، وزعزعة أسواق النفط العالمية، وفتح بوابة جديدة للموت والدمار في كلا البلدين.
ومنذ لحظة تنصيبه، قدَّم ترامب نفسه كرجل “سلام” و”صانع صفقات” يهدف إلى استقرار منطقة متوترة وإنهاء الحروب. لكن بحلول ظهر الثلاثاء، وبعد أن اختصر ظهوره في قمة مجموعة الدول السبع، بَدَا أن ترامب مستعد للانخراط في حرب.
وقد أعلن ترامب أن الولايات المتحدة وإسرائيل تملكان تفوقًا جويًّا في سماء إيران، وصَرَّح بأنه يمكن للقوات الأمريكية، إذا أرادت، أن تستهدف وتغتال آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للنظام الإيراني الثيوقراطي. وفي تصعيد جديد لحدة التهديدات في الليلة السابقة، قال ترامب إن على سكان طهران — وربما جميع سكان العاصمة الذين يبلغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة — أن يقوموا بإخلائها.
في وقت كتابة هذا التقرير، لم يكن من الواضح ما إذا كان ترامب سيأمر باستخدام القوة الجوية الأمريكية في الساعات القادمة لضرب أهداف معينة داخل إيران في إطار دعم الضربات الإسرائيلية، أم أنه سيكتفي باستخدام تهديداته كورقة ضغط للحصول على تنازلات من النظام الإيراني. حيث تشير هذه التطورات إلى تحول حاد في موقف ترامب مقارنة ببداياته، حيث كان قد تبنى خطابًا دبلوماسيًّا علنيًّا، ودعا إسرائيل إلى ضبط النفس في المحادثات الخاصة.
نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفاؤه في جرّ ترامب إلى الصراع، بعدما أقنعوه بالخطر الوشيك المتمثل في سعي إيران لتطوير سلاح نووي — رغم أن بعض المسؤولين الأمريكيّين لم يتفقوا مع هذا التقييم بشأن نيات إيران النووية.
وقال نتنياهو في مقابلة مع شبكة أي بي سي نيوز: “نحن نفعل شيئًا في خدمة البشرية والإنسانية، إنها معركة بين الخير والشر. أمريكا تقف -ويجب أن تقف- إلى جانب الخير.”
وبينما تصرّ إسرائيل على أن عملياتها تتركز على “التهديدات الوجودية” التي تمثلها البرامج النووية والصاروخية الإيرانية. لكن في الأيام الأخيرة منذ اندلاع الحرب، بَدَا أن أهداف نتنياهو قد تكون أوسع بكثير. فقد ألمح أيضًا إلى أن اغتيال خامنئي، أي القضاء على رأس النظام، من شأنه أن يُنهِي الصراع بشكل حاسم. وفي حديث مع وسائل إعلام إيرانية معارضة مقرها خارج البلاد، قال نتنياهو بصراحة إن الوقت قد حان لتغيير النظام. وقال لبوريا زراعتي، من قناة “إيران إنترناشيونال”: “قد أُوقد النور، فاحملوه نحو الحرية. هذا هو الوقت، ساعة حريتكم تقترب، إنها تحدث الآن.”
حتى وإن لم تكن “ساعة الحرية” الإيرانية وشيكة، ويمكن توقّع أن النظام المحاصر سيحاول التماسك بشدة والتشبث بالسلطة، إلا أن لحظة تفوّق نتنياهو قد حلت. فقد بنى على سلسلة من الانتصارات التكتيكية التي حققتها إسرائيل على مدى الأشهر العشرين الماضية. وقد أدَّى الهجوم “الإرهابي” الذي نفذته جماعة حماس في 7 أكتوبر 2023م على جنوب إسرائيل إلى موجة من الردود الإسرائيلية التي اجتاحت معظم أنحاء الشرق الأوسط. فقد تمَّ تقليص قدرة حماس القتالية بشكل كبير، وقاعدتها في قطاع غزة أصبحت أنقاضًا، وموقعًا لكارثة إنسانية واسعة النطاق.
أما حزب الله اللبناني، أحد أبرز وكلاء إيران، فقد أصبح مجرد ظِل لما كان عليه، بعد قصف إسرائيلي مكثف وحملة اغتيالات سرية استهدفت قيادات الصف الأول في الحزب. وبعد إضعاف حزب الله، تمَّت الإطاحة بالنظام السوري الموالي لإيران في العام الماضي، مما أدَّى إلى فقدان إيران منصة إستراتيجية مهمة أخرى في المنطقة.
فقد أمضى الزعيم الإسرائيلي اليميني سنوات طويلة في مهاجمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحَثَّ شركاءه في الغرب، وخاصَّة في واشنطن، على مواجهتها. قبل عشر سنوات، عارض بشدة جهود الولايات المتحدة آنذاك لعقد اتفاق مع إيران يحد من أنشطتها النووية. وقد كان إصراره أحد الأسباب الرئيسة وراء قرار ترامب في ولايته الأولى بإلغاء ذلك الاتفاق. وبعد أن انسحب ترامب من الاتفاق عام 2018م، استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم بمستويات كانت قد أُوقِفت سابقًا بموجب الاتفاق. وكانت الكراهية المشتركة تجاه طهران الأساس الذي قامت عليه اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الأنظمة الملكية العربية الغنية، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.
وفي المحافل الدولية، استمر نتنياهو في التحذير من مخاطر امتلاك إيران للسلاح النووي ومن التهديدات التي تمثلها وكلاؤها المسلحون. أما منتقدوه، سواء في الداخل أو الخارج، فكانوا يرون في ذلك محاولة لصرف الأنظار عن الصراع الإسرائيلي غير المحسوم مع الفلسطينيّين، الذين يعيش ملايين منهم تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. ومع ذلك، لم يبعد نتنياهو أنظاره عن إيران، حتى في الوقت الذي كانت فيه آلة الحرب الإسرائيلية تدمّر غزة. ولا يزال هذا التركيز يُحقِّق مكاسب سياسية؛ فبعد أن نجا بفارق ضئيل من تصويت برلماني الأسبوع الماضي كاد أن يُسقِط حكومته، يحظى نتنياهو الآن بدعم أبرز خصومه السياسيّين في الداخل، في حملته الواسعة ضد إيران.
وفي مقابلة يوم الثلاثاء، قال نتنياهو إن العمليات العسكرية الإسرائيلية تمهّد الطريق لشرق أوسط مختلف، شرق أوسط تكون فيه إسرائيل، بدعم أمريكي راسخ، قد أصبحت القوة المهيمنة الأولى. فعلى الرغم من صغر حجمها وعدد سكانها، تمكنت من فرض تفوقها على نطاق واسع من الدول والأهداف، وبتكلفة سياسية شبه معدومة، إنها تضرب إيران بسبب طموحاتها النووية، بينما تحتفظ لنفسها بالترسانة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. وما كان يأمل ترامب ومبعوثه الخاص، ستيف ويتكوف، في تحقيقه من خلال القنوات الدبلوماسية الخلفية مع طهران، تمَّ تجاهله بالكامل في ظل الوضع الجديد الذي يصنعه نتنياهو.
وقال شلومو بن عامي، وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، إن مناورات نتنياهو السياسية تُعدّ من الأسباب التي جعلت القدرات النووية الإيرانية تتقدم إلى هذا الحد. لكن التدمير الممنهج للمواقع النووية والعسكرية الإيرانية الرئيسة يشير إلى نهاية للعبة لا تهتم بالتسوية أو الحلول الوسط. وكتب بن عامي: “تماشيًا مع طموحه الكبير المستوحى من تشرشل، ومع ما أظهره من نهج مماثل في حربه ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان، يسعى نتنياهو إلى تحقيق “نصر كامل” على إيران. وهذا من شأنه أن يجعل الاتفاق النووي غير ضروري.”
وبعد ضغوط إسرائيلية، يبدو أن ترامب أيضًا مصمم على “إنهاء التخصيب الإيراني”، بحسب ما كتبه نائب الرئيس جيه دي فانس في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن في ظل المعارضة الشعبية الواسعة داخل الولايات المتحدة لأي تورط عسكري جديد في الشرق الأوسط، من غير الواضح مدى استمرار الدعم الأمريكي لحملة إسرائيل في الأيام المقبلة. وتُبرز هذه الحالة من عدم اليقين الضعف الضمني في موقف إسرائيل.
فقد كتب ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد: “لا تزال إسرائيل تعتمد بشكل حاسم على راعيها الأمريكي، الذي يزودها بمعظم الطائرات والقنابل والصواريخ التي تحتاجها لمهاجمة جيرانها، إلى جانب الحماية الدبلوماسية الدائمة. الهيمنة الإقليمية الحقيقية لا تتطلب الاعتماد على الآخرين للسيطرة على الجوار، لكن إسرائيل تفعل”.