أوراق بحثيةغير مصنف

الصراع التاريخي المستمر بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية: “السيسي وإستراتيجيات السيطرة على الجيش”

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

مع سقوط النظام الملكي في مصر وسيطرة الضبّاط الأحرار على الحكم بعد يوليو 1952م، بدأت مصر مرحلة النظام الجمهوري العسكري، وبدأت تتجلَّى تشكيلات جديدة لمراكز القوى وأنماط جديدة للصراعات، كان أبرزها الصراع بين رئاسة الجمهورية – التي لم تنحرف يومًا عن العسكريّين إلَّا عامًا واحدًا، من يوليو 2012 إلى يوليو 2013م – من جهةٍ وقيادة الجيش من جهةٍ أخرى. وكانت المساحة الأبرز لذلك الصراع هى السيطرة على الجيش، خاصّة مع إدراك الأطراف أن السيطرة على الجيش هي جوهر السيطرة على النظام، وهي بوابة التحكُّم في المساحات الاقتصادية والسياسية والأمنية الأخرى في مصر.

وبناءً عليه، يمكن توصيف الصراع محل الدراسة بأنه صراع بين الرئيس العسكري ذي اللباس المدني وقيادة الجيش على السيطرة والتحكم في القوات المسلحة.

في هذه الدراسة، سوف نناقش فرضية أن الصراع بين رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش في مصر مضطرد على طول تاريخ النظام العسكرى الذى تأسس على إثر نجاح حركة الضبّاط في يوليو 1952م، كما سنجيب عن سؤال أساسي وهو: كيف استطاع عبدالفتاح السيسي السيطرة على الجيش وتحجيم هذا الصراع خلال فترة توليه الحكم على إثر الانقلاب العسكري الذي قام به فى يوليو ٢٠١٣م على أول تجربة ديمقراطية في مصر.

في المبحث الأول من الدراسة، سوف نسعى لإثبات فرضية وجود هذا الصراع تاريخيًّا مع مولد النظام الجديد بعد يوليو إلى الآن، مع تتبع تلك الصراعات خلال التحولات المركزية في نظام الحكم العسكري في مصر. لكن سيتم التركيز على أدوات الصراع التي استخدمها الأطراف تاريخيًّا لبسط النفوذ والسيطرة على الجيش، دون التعمق في أبعاد الصراع وأسبابه ونتائجه لبُعدِها عن الإشكال البحثي محل الدراسة.

وفى المبحث الثاني، سوف نناقش الطرق التي استطاع بها عبدالفتاح السيسي إحكام سيطرته على الجيش وإبقاء مظاهر هذا الصراع في الخفاء دون العلن على الأقل حتى لحظة كتابة هذه الورقة البحثية.

تنقسم هذه الدراسه إلى مبحثين أساسيّين، تندرج تحتهما مجموعة من المطالب، وهما كالتالي:

المبحث الأول: تاريخية الصراع بين الرئيس وقيادة الجيش من يوليو 1952م إلى الآن.

  • محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة
  • عبدالناصر وعبدالحكيم عامر
  • السادات ومراكز القوى
  • مبارك وعبدالحليم أبو غزالة
  • طنطاوي والعودة إلى مسار يوليو

المبحث الثاني: أساليب السيسي للسيطرة على الجيش بعد انقلاب يوليو 2013م.

  • سياسة التدوير واستبعاد كبار القادة
  • سياسة التنكيل بالقيادات
  • سياسة الاحتواء المؤقت
  • الوسائل القانونية والدستورية
  • امتيازات “السَّادة” الضباط

تتبع هذه الدراسة المنهج التحليلي في إثبات الفرضية وفي الإجابة عن السؤال البحثي السابق الإشارة إليه، ويمتد الإطار الزمني للدراسة من يوليو 1952م إلى الآن، ويقف الإطار المكاني عند حدود الإقليم الجغرافي لجمهورية مصر العربية.

ولابد من التأكيد على أن هذه الورقة، بما تقدمه من سرد تاريخي ورصد للواقع فيما بعد الانقلاب العسكري في عام 2013م، يمكن أن تكون منطلقًا لورقة أو مجموعة أوراق بحثية أخرى، حول كيفية تفكيك العلاقة بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية، للخروج من آثار هذه العلاقة التي ألقت بظلال سلبية على الشأن العام المصري، منذ عام 1952م وحتى الآن.

المبحث الأول

تاريخية الصراع بين الرئيس وقيادة الجيش من يوليو 1952م إلى الآن

على مدار 70 عامًا لم تتغير قواعد اللعبة في سيناريو الصراع بين الرئيس وقيادة الجيش بمصر، وهو صراع لا يخضع لقواعد الصداقة أو الزمالة أو قَسَم الولاء، ويصل الأمر في مرحلة من مراحله لأن يكون صراعًا صفريًّا.

طبقًا لسيناريو الصراع الآنف، شهدت كل العهود الرئاسية في مصر، صراعًا بين الرئيس وقائد الجيش، ولم ينتهِ سوى بانتصار أحدهما على الآخر، كما لو أن مصر لا تحتمل أكثر من رأس واحد. ويأخذ الاشتباك بين الرأسين منحى التصفية أو الإبعاد، وهذا أقل ما تفيد به الوقائع التاريخية للسياسة المصرية الحديثة.

1. محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة

مع التأييد الساحق الذي منحه الشعب المصري للواء محمد نجيب، استقر في نفسه أنه زعيم الثوره الفعلي، بينما كان عبدالناصر ورفاقه من مجلس قيادة الثورة يتصرفون على أن نجيب لا يعدو أن يكون واجهة للثورة. وسرعان ما أخذت تتباين وجهات النظر ويحتدم الصراع بين نجيب من جهةٍ وعبدالناصر ورفاقه من جهةٍ أخرى على السيطرة على الجيش والاستحواذ على القدر الأكبر من النفوذ. وتركيزًا منا على الإشكال البحثي محل الدراسة، سوف نشير من خلال النقاط التالية إلى ما يؤكد فرضية وجود هذا الصراع وأدواته المستخدمة.

  • اللجوء إلى الجماهير لحسم الصراع

بينما كان جمال عبدالناصر يُحرِّك الأمور من وراء الكواليس ويَربط طموحاته الشخصية بطموحات مجلس قيادة الثورة، أدرك محمد نجيب أن عبدالناصر لن يسمح له بالاحتفاظ بالسلطة في يديه، فحاول أن يبحث عن مصدر للقوة يتحصن به ضد سلطة مجلس قيادة الثورة، ولجأ إلى الجماهير، فأكثر من جولاته الجماهيرية، وتحدث إليهم بلهجه خاليه من الترفع، وهو ما أكسبه جماهيرية واسعة، كانت تثير القلق لدى عبدالناصر[1]. كما كان نجيب يمتلك نفوذًا وسط السودانيّين في فترة كانت مصر تتطلع فيها لقبول السودان لمبدأ الوحدة معها[2]. وكانت الصحف والإذاعة تبرز نشاطات نجيب وخطبه تمشيًا مع مجريات الأمور[3]. وكان نجيب على علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين، التيَّار الجماهيري الأقوى في مصر، والتي سيكون لها عظيم الأثر في عودة نجيب إلى منصبه بعد استقالته. ولكن يبدو أن ورقه الجماهير تلك كانت أضعف بكثير من أوراق مجلس قيادة الثورة.

  • استقطاب أعضاء المجلس العسكري

بينما كان جمال عبدالناصر يستقطب إلى صفه أغلبية أعضاء مجلس قيادة الثورة، واصل نجيب – ومن منطلق شخصي – التصادم مع أعضاء المجلس واحدًا تلو الآخر، فقد اصطدم بصلاح سالم وأنور السادات.

أما عبدالناصر فكان يجتمع مع أعضاء مجلس قيادة الثورة وحدهم دون محمد نجيب، ليتفقوا على القرارات، وعند الاجتماع الرسمي مع نجيب كان الأخير يفاجأ بتكتل المجلس ضد آرائه. ووَصَلت الخلافات غايتها، واتخذ المجلس المنحاز سلفًا إلى عبدالناصر قرارًا بإعطاء صلاحيات سلطة المجلس إلى جمال عبدالناصر في حاله عدم انعقاده[4] .

  • الخصم من مساحات نفوذ الخصم

بدأ جمال عبدالناصر في توثيق علاقاته برجال الصحافة والإعلام ليسد على محمد نجيب منافذ الإعلام، وطلب منهم تلميحًا ثم صراحةً ألَّا ينشروا الكثير من الأخبار عن محمد نجيب. وبدأ الحصار الإعلامي على نجيب، وكان الإعلام والخطب هو كل ما يملكه من أدوات لتوطيد نفوذه، فبدأ يشعر بحلقات الحصار تضيق حوله[5].

  • الإبعاد عن مساحة النفوذ العسكري

انتهز عبدالناصر ورفاقه فرصه إلغاء نظام الملكية وإعلان الجمهورية لإبعاد نجيب عن قياده القوات المسلحة، فعرضوا عليه منصب رئيس الجمهورية. ولم يُخفِ نجيب في مذكراته أن ذلك القرار كان بغية إبعاده عن مساحة النفوذ في القوات المسلحة، ولكنه قبل هذا المنصب تحت ضغط وإلحاح استمر ثلاثة أسابيع، بعد أن فكر كثيرًا في الاستقالة، واعترف في نهاية المطاف أن هذا كان خطأه الكبير الذي أصبح بعده في مركز أقل قوة بعد تركه قيادة الجيش[6].

ولكن نجيب رغم ذلك ظل متنفذًا في الجيش، خاصَّة في سلاح الفرسان وبين ضبّاط الجيش في الإسكندرية وبعض مراكز الجيش في القاهرة وغيرها. وسوف يظهر جليًّا مدى أهمية هذا التنفذ فى رد الفعل بعد استقالته.

  • الاستقالة وتحريك الجماهير

تعمد عبدالناصر ورفاقه إهانة محمد نجيب، حتى إن الأخير كان ينتظرهم في مكتبه أكثر من ساعه حتى يصعدوا إليه[7]. ومع استمرار إهانتهم له، اضطر نجيب إلى تقديم استقالته في 23 فبراير ١٩٥٤م إلى مجلس قيادة الثورة.

كان نجيب مايزال يتمتع بشعبية كبيرة داخل الجيش وكذلك بين جماهير الشعب. وقبل مجلس قيادة الثورة استقالة نجيب وعَيَّن عبدالناصر قائدًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا لمجلس الوزراء خلفًا له، إلَّا أن الجماهير خرجت في الشوارع تعلن تأييدها لمحمد نجيب وتطالب بعودته، كما أن سلاح الفرسان صمم ضبّاطه على عوده نجيب وعودة الحياة النيابية[8]. كذلك انحاز إلى نجيب ضبّاط الجيش في الإسكندرية، وبدأت سلسلة من ردود الفعل في مختلف المواقع داخل الجيش والشارع في القاهرة والأقاليم، وتحرك الطلاب بالجامعة لصالح نجيب أيضًا، مما اضطر مجلس قيادة الثورة في 27 فبراير إلى إعلان عوده نجيب رئيسًا للجمهورية، بعدما تمَّ الاتفاق معه بخصوص ذلك[9].

ويمكن القول إن تلك المرحله انتهت بانتصار محمد نجيب وعودته مظفرًا، إلَّا أن هزيمة عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة لم تكن كاملة، واستعدوا للجوله الأخرى في صراعهم معه.

  • المناورة بالارتداد

يمكن القول إن مجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبدالناصر ناور عدة مناورات ارتدادية بعد عودة محمد نجيب منتشيًا بعد استقالته. تمثلت المناورة الأولى على مستوى مجموعة من القرارات الديمقراطية، حيث قرر مجلس قيادة الثورة تأسيس جمعية تأسيسية بالانتخاب لمناقشة الدستور الجديد وتقوم بعمل البرلمان حتى انتخابه. كما ألغى المجلس الرقابة على الصحافة والنشر ابتداء من ٦ مارس 1954م، وتمَّ السماح بعودة الأحزاب، وإلغاء قرارات الحرمان من الحقوق السياسية[10]. كما ناور عبدالناصر مناورة أخرى بالموافقة على طلبات محمد نجيب بأن يكون له حق الاعتراض على أي قرار يصدر من مجلس الوزراء، وحق التعيين والاعتراض على قادة الكتائب، وأن يكون له كامل صلاحيات رئيس الجمهورية في الجمهوريات البرلمانية، وغير ذلك من الطلبات. فتمَّ تسمية محمد نجيب رئيسًا للجمهورية ومجلس الوزراء في ذات الوقت، وعاد عبدالناصر نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة[11].

  • الفوضى وتقليب الرأي العام

على إثر قرارات مارس 1954م، بدأت الصحف بعد رفع الحظر، وكذلك النقابات المهنية مثل نقابة المحامين ومؤتمرات الطلبة، تدين تصرفات الجيش وتطالب بعودته إلى الثكنات وتشكك في نوايا الثورة. وحينها بدأ عبدالناصر في استخدام سلاح الفوضى والتثوير الشعبي، فقام بترتيب أربع انفجارات بالقنابل في أنحاء القاهرة في 19 مارس، حتى يضطرب الموقف من جديد ولا يشعر الناس بالأمان[12].

وبتنسيق مع هيئة التحرير، وترتيب مسبق مع جمال عبدالناصر، حصل الصاوي محمد الصاوي رئيس نقابة عمال النقل بالقاهرة على مبلغ 4000 جنيه، تشجيعًا له، ليدفع عمال النقل إلى الإضراب[13]. وبدأت النقابات العمالية في القيام بمجموعه من المظاهرات العامة والاضرابات، والتي حققت أثرًا كبيرًا بتعطيل المواصلات وغيرها من الهيئات، حتى إنهم بدأوا في الإضراب عن الطعام، وطالبوا بعدة طلبات، منها عدم السماح بقيام الأحزاب، واستمرار مجلس قيادة الثورة في مباشرة سلطاته حتى جلاء المستعمر، وعدم الدخول في معارك انتخابية، وغير ذلك من المطالب، حيث إن عبدالناصر أوحى لهم من خلال القرارات السابقة بأن الثورة قد انتهت وعليهم أن يتحركوا دفاعًا عن مصالحهم كعمال، وهي المصالح التي حازوها بفعل الثورة، خاَّصة أنهم فهموا من تلك التلميحات أن نجيب يحاول تقوية الأحزاب، مما يوحي بمحاولات العودة عن قرارات الثورة إلى ما قبلها. وتحت ضغط العمال والإضرابات، انعقد مجلس قيادة الثورة في 29 مارس، وأرجأ العمل بقرارات 6 مارس[14].

وبذلك حققت المناورات الارتدادية هدفها بإعاده التشبث الشعبي بمجلس قيادة الثورة والانحراف عن المسار الديمقراطي، واعتبرت تلك الخطوة هزيمه كبيره لمحمد نجيب.

  • الالتفاف على الظهير الشعبى والعسكرى

فور إعلان قرارات مارس، تمَّ الإفراج عن المعتقلين، وكان أولهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، حسن الهضيبي. وتوجَّه إليه عبدالناصر بمنزله، في منتصف الليل، يوم 25 مارس، في زيارة رأي فيها البعض محاولة لاسترضاء الجماعة، ليؤيدوه في موقفه من إلغاء الأحزاب وتعطيل الحياة السياسية، وهو ما يمكن أن يُعَد ضربة لمحمد نجيب.

وقد ذكر الأستاذ فريد عبدالخالق، وهو من قيادات الإخوان التاريخية، في كتابه “الإخوان المسلمون في ميزان الحق”، أن الجماعة لم تطالب بحل الأحزاب، لكنها أيَّدت تنقية الحياة السياسية. وأقر بأن بعض الإخوان رأوا في الأحزاب “أداة فرقة”، لكنه نفي وجود قرار أو موقف رسمي بالمطالبة بالحل.

وبعدها، بدأ نجيب يرتكز على رجال الأحزاب السابقة، وكان محمد رياض رسوله إليهم. واستغل عبدالناصر تلك الفرصة في تشويه صورة نجيب وكأنه داعم لأنصار الملكية[15].

وقام عبدالناصر بالإضافة إلى ذلك باعتقال مجموعة كبيرة من الضبّاط بقيادة أحمد المصري، وقدم مسؤولين عن الفساد السياسي في العهد الملكي للمحاكمة، وحَلّ مجلس نقابة الصحفيّين، وغير ذلك من الالتفافات والحصارات لداعمي نجيب[16].

  • عزل نجيب وإعادة بناء الشرعية

بعد الخطوات السابقة، أحسَّ محمد نجيب بفقدان النفوذ والقوة، فاستجاب لطلب التخلي عن رئاسة الوزراء لعبدالناصر والاكتفاء برئاسة الجمهورية من غير صلاحيات حقيقية. وبدأ عبدالناصر في بناء شرعية جديدة له، للحصول على ثقة الشعب، فبدأ معركة دبلوماسية بشأن اتفاقية الجلاء، حيث أنهى تلك الاتفاقية في 19 أكتوبر 1954م، من خلال مفاوضات دبلوماسية مع بريطانيا، وكانت هذه الخطوة من أهم إنجازاته المبكرة لتعزيز شرعيته بعد أزمة مارس 1954م.

وأثناء خطاب له في الإسكندرية، في احتفاله بتلك الاتفاقية، وبحسب رواية السلطة، تعرض عبدالناصر لحادث اغتيال، واتهم محمود عبداللطيف، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بإطلاق الرصاص عليه. ذلك الحادث الذي وصفه كثيرون بأنه المشهد الأخير من مسرحية ألفها عبدالناصر لحسم صراعه على النفوذ والسلطة، إذ قام بعده بإشاعة ضلوع نجيب نفسه في محاولة الاغتيال[17]، وقام بإعفائه من جميع المناصب، وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة 10 سنوات، وتحديد إقامته بمنزل خارج القاهرة[18].

وانتهت تلك الجولة من الصراع بين الرئيس وقيادة الجيش بانتصار جمال عبدالناصر، الذي بدوره تحول إلى رئيس للجمهوريه بزي مدني، لتبدأ جولة جديدة من الصراع بين الرئيس الجديد والمشير عبدالحكيم عامر.

2. عبدالناصر وعبدالحكيم عامر

بدأت الشراكة حميمية بين عبدالناصر رئيس مجلس قياده الثوره ومجلس الوزراء وعبدالحكيم عامر قائد الجيش، وتحالف الاثنان معًا للقضاء على مراكز القوى في مجلس قياده الثوره والضبّاط الأحرار الذين يخالفون توجهاتهما ويقفون عائقًا في سبيل سيطرتهما المطلقه على القوات المسلحة.

ففي شهادته على العصر، قال اللواء جمال حمّاد، أحد الضبّاط الأحرار، وكاتب البيان الأول لثورة يوليو 1952م: “إذا عملنا إحصائية لقائمة الضبّاط الأحرار، وهي موجودة في المتحف الحربي وغيره، وعددهم بالعشرات، ستجد أن معظمهم سجنه عبدالناصر أو طرده أو شرَّده، وأن مَن وصلوا إلى المناصب العليا بجوار عبدالناصر كانوا من الذين نافقوا أو المنتفعين أو من الذين لم يكن لهم دور في ليلة 23 يوليو وجاءوا من الهامش”.

وضرب حمَّاد أمثلة عديدة على ذلك، منها مجموعة كمال الدين حسين، وكانوا 6 رجال، تمَّ تعيينهم في أعلى المناصب، وكانوا من الهاربين في ليلة الانقلاب العسكري[19].

وسرعان ما طُلِب من أعضاء مجلس قيادة الثورة الآخرين ألَّا يترددوا على وحداتهم العسكرية، وألَّا يشجعوا أصدقاءهم أو أتباعهم من الضبّاط على التردد عليهم، حرصًا على وحدة الجيش، وضمانًا لتأمينه. وبعدها بقليل، تقرر أن يتم تدبير مناصب مدنية لأعضاء تنظيم الضبّاط الأحرار، ليغادروا الجيش، بعد أن تورطوا في العمل بالسياسة.

وما كادت السنوات الثلاثة المحددة لفترة الانتقال تنتهى حتى اكتشف أعضاء مجلس قيادة الثورة أنهم بلا حول ولا قوة، وأن الجيش قد نقل ولاءه من مجلس القيادة إلى عبدالناصر وعامر، وبهذا أصبح طبيعيًّا أن تنتقل السلطة دستوريًّا إلى عبدالناصر[20].

ولكن مع تولي عبدالناصر رئاسه الجمهورية وخلعه اللباس العسكري، بدأت الجدليه الثابتة في النظام العسكري المصري في الظهور، وبدأت ملامح الصراع بينه وبين عبدالحكيم عامر تظهر، وكان لعامر القوة والنفوذ حتى هزيمة ١٩٦٧م، والتى كانت فرصة بالنسبة لعبدالناصر للتخلص منه. ويمكن الاشاره إلى ملامح الصراع بين عبدالناصر وعامر في النقاط التاليه:

  • عبدالحكيم عامر.. الرجل الأقوى في الدولة

صار لعبدالحكيم عامر في الجيش قاعدة شعبية كبيرة، فكان “دولة داخل الدولة”، بل وصلت قوته إلى حد منع عبدالناصر نفسه من التحكم في الجيش. فكان لعبدالناصر الشارع، ولعبدالحكيم الجيش.

وصار لكل من الرئيس وقائد الجيش أجهزة أمنية واستخباراتية خاصّة به؛ فالمخابرات الحربية تابعة لعامر وتتجسس على عبدالناصر، فيقوم عبدالناصر بتأسيس مكتب الرئيس للمعلومات والتنظيم الطليعي في الاتحاد الاشتراكي حتي يتجسس على عامر[21].

  • عجز عبدالناصر عن تعيين القادة العسكريّين

عقب هزيمة حرب 1956م، أراد عبدالناصر تعيين فؤاد مرسي وعزل قائد البحرية وقائد الطيران، ولكن عبدالحكيم عامر رفض. كذلك أراد عبدالناصر تعيين الفريق محمد فوزي رئيسًا للأركان، ليكون هو في الجيش وعلي صبري فى التنظيم، من أجل تقوية قبضته على الدولة، لكنه لم يستطع أن يواجه عامر لمدة ثلاث سنوات! بل قام عامر بنقل اختصاصات فوزي إلى عبدالمحسن مرتجى[22]. وتمَّ تعيين عبدالحكيم عامر بعد عامين من هزيمة 1956م نائبًا لرئيس الجمهورية، في 6 مارس 1958م.

  • وضع خاص في الدستور

انفرد دستور 1964م بإضافة مهمة للقوات المسلحة، لم تكن موجودة من قبل، وهي “حماية مكاسب النضال الشعبي الاشتراكية”، وقد ترتب على هذا النص الجديد تعزيز النفوذ السياسي لعبدالحكيم عامر[23].

  • التجسُّس وإحكام القبضة الأمنية

حرص عبدالناصر على إحكام قبضته الأمنية والمراقبة الدائمة لعبدالحكيم عامر ورجاله، حتى وصل الأمر إلى مراقبة غرف نومهم الشخصية، وهو ما ذكرته برلنتي عبدالحميد، زوجة عبدالحكيم عامر. وحينما ذهب عامر إلى عبدالناصر معترضًا على وصول شريط فيديو مع زوجته برلنتي، صُوِّر لهما في غرفة نومهما دون علمه، وسُلِّم إلى عبدالناصر الذي احتفظ به في خزانته الشخصية، اعترف له عبدالناصر بذلك ولم يسلمه إيَّاه[24].

  • نكسة 67 ونجاح محاولات التحجيم

في ديسمبر 1962م، حدثت أول مواجهة بين عبدالناصر وعامر عقب الانفصال عن سوريا، وقام عبدالناصر باقتراح تشكيل مجلس رئاسي، فى محاولة منه لتحجيم نفوذ عبدالحكيم عامر المتنامي داخل الجيش، وذلك باستصدار قانون ينصُّ على أن ترقية القيادات العليا في الجيش لا تخضع لسلطة عامر وحده وإنما لمجلس الرئاسة الذي كوّنه عبدالناصر في تلك السنة، الأمر الذي رفضه عامر، وانسحب من مناقشات ذلك القانون، واعتصم في بيته أيامًا، وتضامن معه عدد من كبار قادة الجيش، فحاصر علي شفيق (مدير مكتب عبدالحكيم عامر) بيت عبدالناصر بالمدفعية عندما تردد أن ولاء الطيران لعبدالناصر، وقال: إذا أقلعت طائرة واحدة من المطارات سنضرب بيت عبدالناصر[25]، مما أجبر الأخير على التراجع عن رغبته في مواجهة عامر[26].

وبعد هزيمة 1967م، حدث انهيار تام وعام للقوات المسلحة، الحصن الحصين لعبدالحكيم عامر، فسنحت لعبدالناصر الفرصة للتخلص من غريمه الذى نازعه السلطة طوال السنوات الماضية، وكانت الخطة أن يتنحى كلٌّ من عبدالناصر وعبدالحكيم عامر عن منصبيهما.. فتنحى عبدالحكيم عامر باستقالة كتبها لعبدالناصر، وتنحى عبدالناصر في خطاب أمام الشعب.. وهنا كانت المؤامرة كما خطط لها محمد حسنين هيكل. فلم يكد عبدالناصر ينطق عبارة “التنحى” إلَّا وتحركت سيارات النقل التي تقل الآلاف من عمال المصانع، ممن حشدهم الاتحاد الاشتراكي، بقيادة علي صبري، متجهة إلى منشية البكري، حيث منزل الرئيس، وإلى مناطق التجمعات بالقاهرة وهم يهتفون: لا تتنحى”.

وفى اليوم التالى، كان أنور السادات رئيس مجلس الأمة يُعلِن على أعضاء المجلس بأن جمال عبدالناصر قرر تأجيل قراره بالتنحي، ثم قال وهو يقرأ خطاب عبدالناصر: “إن صوت جماهير الشعب بالنسبة لي هو أمر لا يُرَد”!

فوجىء عبدالحكيم عامر كما فوجىء رجاله أن جمال عبدالناصر عاد إلى السلطة سريعًا، بعد مسرحية (لا تتنحى)! وكان أول قرار له بعد عودته كرئيس للجمهورية هو قبول استقالة المشير عبدالحكيم عامر وكل رجاله، وتعيين الفريق محمد فوزي قائدًا عامًّا للقوات المسلحة، والفريق عبدالمنعم رياض رئيسًا لهيئة أركان حرب القوات المسلحة[27].

  • التخلُّص من عامر وأسراره

بعد ظهر 26 أغسطس 1967م، اتصل جمال عبدالناصر بعبدالحكيم عامر، ودعاه إلى مقابلته فى بيته، فى لقاء ودى، فذهب عامر إلى بيت عبدالناصر ومعه أربعة من ضبّاط الصاعقة السابقين يتولون حراسته.

وفى نفس الوقت، ذهب إلى بيت عبدالحكيم عامر الفريق أول محمد فوزي والفريق عبدالمنعم رياض ومعهما عدد من السيارات المصفحة والدبابات والمدرعات الحربية، وتمَّ القبض على كل من في البيت، ومن بينهم شمس بدران وصلاح نصر.

وفى 15 سبتمبر 1967م، مات الرجل الثانى المشير عبدالحكيم عامر، وماتت معه أسرار كثيرة أراد لها عبدالناصر أن تموت معه. وصدرت الأوامر بوضع الحراسة حول قبره لمدة ثلاثة شهور، حتى يتحلل الجثمان، وهى إحدى وسائل تأمين الجريمة التى برع فيها جمال عبدالناصر. وصدرت الصحف يتصدرها عنوان عريض، هو: “انتحر المشير عامر”[28] .

ورغم أن تلك الجولة انتهت بانتصار الرئيس على المشير، إلَّا أنه سرعان ما رحل عبدالناصر وتولى الحكم من بعده أنور السادات، وبدأت جولة جديدة من جولات الصراع بين السادات ومراكز القوى في الجيش.

3. السادات ومراكز القوى

بعيدًا عن توصيف الصراع بأنه ثورة للتصحيح أو تصفية للحسابات، وتوصيف الأطراف بمراكز القوى أو عملاء موسكو أو الحرس القديم، وكذلك بعيدًا عن الأسباب الكامنة وراء هذا الصراع، فإن كل ذلك بعيد عن الإشكال البحثي في هذه الورقة.

فالخلاصة أن الحقيقة التاريخية تقر بأن السادات خاض صراعًا مع مجموعه كبيره من قيادات الجيش، ومنهم نائبه وقتها علي صبري، ووزير الدفاع محمد فوزي، وسامي شرف سكرتير الرئيس الراحل عبدالناصر ووزير شؤون الدولة فى بداية عهد السادات، وشعراوي جمعة نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية وقتها، ومحمد فائق مدير مكتب الرئيس عبدالناصر للشؤون الإفريقية ووزير الإعلام فى عهده، ومحمد لبيب شقير وزير التعليم العالي، ومحمد حلمي السعيد وزير الكهرباء. ويمكن الاقتراب من الأدوات التي استخدمت في هذا الصراع من خلال النقاط التالية:

  • التصفية غير المتوقعة من الخصم

على خلفيه شرائط التسجيل التي حصل عليها السادات، عن طريق أحد ضبّاط الشرطة، وحوت تسجيل مكالمات بين اثنين من مراكز القوى يخططان للانقلاب – على حد زعمه فى خطاب 15 مايو 1971م – طلب السادات من شعراوي جمعة وزير الداخلية تقديم استقالته، وفوجئ السادات بسيل استقالات من جميع أركان الحرس القديم، رأى أنها كانت محاوله لخلق فراغ دستوري يقوض حكمه. ولكن ما لم يتوقعه “رجال عبدالناصر” يكمن في رد السادات السريع، بعد أقل من 48 ساعة، من خلال خطاب أعلن خلاله اعتقال “مراكز القوى”، وتشكيل أول وزارة تخلو من رجال عبدالناصر منذ ثورة يوليو 1952م. وبدأت حملة تحقيقات واسعة انتهت بسلسلة من الاتهامات لأقطاب مراكز القوى بالسعى للانقلاب على الرئيس، ومهدت للمحاكمات والأحكام التى زجت بهم في السجون لسنوات طويلة[29]. استعان السادات حينها بقائد الحرس الجمهوري، اللواء الليثي ناصف.

  • الاطمئنان لتوفر البديل قبل إعلان العداوة

ما كان أكثر مأساوية ليس تصفية السادات خصومة فقط، وإنما ضرب هؤلاء الخصوم عن طريق معاونيهم وأوثق رجالهم. فقد تولَّى ممدوح سالم، أقرب رجال أمين عام التنظيم الطليعي ووزير الداخلية شعراوي جمعة، السيطرة على الملف الأمني دون أي مقاومة. وتولَّى الفريق محمد صادق، رئيس هيئة الأركان، حسم الموقف العسكرى فى مواجهة القائد العام الفريق أول محمد فوزى بلا أي ممانعة. وبادر محمد عبدالسلام الزيات للسيطرة على وزارة الإعلام، بعد أن غادرها الوزير المستقيل محمد فائق، دون أن يكون معه أحد يسنده. وتقدم اللواء الليثي ناصف، قائد الحرس الجمهوري، لاعتقال المجموعة القيادية كلها، بمَن فيهم سامى شرف، الذى كان يأخذ منه تعليماته حتى أيام قليلة مضت[30].

  • الحذر من القادم بالإبعاد السريع للقيادات

كان السادات يتعمد التغيير السريع في قيادة الجيش، فقد وضع وزير الحربية محمد فوزي في السجن عام 1971م، وعَيَّن بدلًا منه الفريق محمد صادق. وبعد عام، ألقى السادات القبض على صادق بعد أن تأكد من ولاء رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي. وبمجرد أن ضمن السادات ولاء وزير الحربية أحمد إسماعيل، أبعد الشاذلي إلى المنفى. وبعد وفاة أحمد إسماعيل في ديسمبر1974م، تولى الفريق أول عبدالغني الجمسي ومعه رئيس أركانه محمد علي فهمي حتى 1978م. وعند توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، تطلب الأمر وجود قيادات عسكرية أكثر مرونة، فأصبح كمال حسن علي الذي كان رئيسًا للمخابرات في ذلك الحين وزيرًا للدفاع لفترة قصيرة، ثم أصبح وزيرًا للخارجية. ثم توفى خليفة كمال حسن علي المشير أحمد بدوي الذي كان يتمتع بالشعبية مع 12 من ضباطه إثر حادث طائرة هليكوبتر في مارس 1980م، وهو الحادث الذي يتهم البعض السادات بأنه وراءه. وحَلَّ محل بدوي الملحق العسكري في واشنطن، عبدالحليم أبوغزالة. هذا السجل يوحي بالتوتر وعدم الثقة بين السادات والقائد العام للجيش.

كما كان السادات يتعمد إبعاد العسكريّين حتى عن المناصب المدنية، ففي آخر وزارة في عهده تولَّى وزارتي الدفاع والشؤون الخارجية فقط وزيران من العسكريّين، كما أزاح السادات الكثير من العسكريّين من مناصب المحافظين[31].

4. مبارك وعبدالحليم أبو غزالة

بعد اغتيال السادات وصعود نائبه محمد حسني مبارك للسلطة وخلعه الزي العسكري، بدأت جولة جديدة من جولات تلك الجدلية الصراعية بين الرئيس وقيادة الجيش تمثلت في صراع النفوذ بين حسن مبارك من جهةٍ وقائد الجيش عبدالحليم أبوغزالة من جهةٍ أخرى.

لقد ورث مبارك جيشًا متضجرًا، وسَعَى على الفور لإعادة مكانة الجيش ونفوذه بعد تعمد السادات تحجيم نفوذ القوات المسلحة، ولكن الثمن الذي دفعه لذلك من نفوذه الشخصي أصبح أكبر مما كان يتوقع في الأصل؛ لأنه سمح بظهور عبدالحكيم عامر جديد في الجيش، وهو المشير عبدالحليم أبو غزالة[32].

فعلى عكس مبارك، فإن أبو غزالة كان طموحًا، وذا منطق واضح، وكان يتمتع بجاذبية وقوة شخصية. ففي يوم اغتيال السادات، وقف منتصبًا مشيرًا بعصا مرشالية إلى القاتل الفار، مُصدِرًا الأوامر بمطاردته، بينما وقع مبارك تحت المقاعد وخلصه رجال الحرس[33]. وكان محافظًا صريحًا شديد العداء للشيوعية تام الولاء لأمريكا، أكد مرارًا على أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي[34]. وعلى عكس علمانية مبارك الواضحة اكتسب أبو غزالة صورة التدين وتمتع بشعبية داخل العديد من الدوائر الدينية. ويمكن الإشارة إلى أدوات تلك الجولة من خلال النقاط التالية:

  • التحالف مع القوى الكبرى

مثلت علاقة أبوغزالة القوية بالولايات المتحدة الأمريكية نقطة التحول الكبرى في صراع النفوذ بينه وبين حسني مبارك. وكانت هذه العلاقة قد تعمقت إثر حادث مختطفي السفينة أكيلي لاورو[35]، بعد إذن مبارك السري لهم بالسفر على طائرة مصرية، حيث تواردت الروايات بأن أبو غزالة هو مَن أخبر الولايات المتحدة الأمريكية أن الطائرة في طريقها إلى تونس، فاعترضت طائرات الأسطول السادس الطائرة المصرية وأجبرتها على الهبوط في صقلية[36].

ويُلاحَظ أن أبوغزالة حين سافر على رأس وفد مصري إلى أمريكا لم يكن في استقباله فقط وزير الدفاع الأمريكي، ولكن كان في استقباله نائب الرئيس، ومستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية[37]. ساعدت تلك العلاقة القوية فى تثبيت وتقوية نفوذ أبوغزالة فى الجيش على حساب حسني مبارك.

  • السلطة الأبوية والامتيازات

تمامًا كما فعل عبدالحكيم عامر، بدأ أبوغزالة في بسط سلطانه الأبوي على ضبّاط الجيش، بتمكينهم من مجموعة كبيرة من الامتيازات، تمثلت في توفير السكن والأراضي والمصايف والسيارات، وكذلك تكوين مجموعة من المجمعات الاستهلاكية الخاصّة بالضبّاط. وأسس الأكاديمية العسكرية للعلوم الإدارية، والتي كانت منفذًا لتعليم أبناء ضبّاط القوات المسلحة بعيدًا عن مسار التعليم العالي للدولة[38].

  • بناء الإمبراطورية الاقتصادية للجيش

لم تقف حدود تغول القوات المسلحة على المساحة المدينة الاقتصادية عند حد التصنيع العسكري الذي سيطر عليه الجيش بشكل كبير، حتى إن أبو غزالة اختار جمال السيد إبراهيم، سنة 1986م، كوزير دولة للإنتاج الحربي، بينما ظلَّ هو محتفظًا بوزارة الإنتاج الحربي، فكان يعمل وكأنه فقط مدير مكتب أبو غزالة. ولكن الوزارة تشعبت لتصل إلى مصانع إنتاج الأبواب والنوافذ الخشبية ومنتجات البصريات وغيرها من المنتجات. كما سيطر أبوغزالة على جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، فبدأ سيطرته على قطاع الزراعة بالمزارع ومنتجات الألبان ومجمعات الدواجن والمزارع السمكية ومزارع تسمين الماشية وغيرها الكثير من المشروعات التي بدأت في إنتاج وتسويق المنتجات. وتغلغل بشكل أكبر في عملية استصلاح الأراضي، فبعد انتقال عملية استصلاح الأراضي من الجيش إلى القطاع المدني في عهد السادات، أعاد أبو غزالة الجيش إلى الواجهة، وانسحبت المشروعات التنموية للجيش فعليًّا على كل مجالات النشاط في البلاد من الإنشاءات والسياحة وغير ذلك. وتزايدت فرصة قيام طبقة مشتركة على غرار ما يحدث في أمريكا اللاتينية، على أساس التحالف بين المؤسسة العسكرية والبرجوازية، ويجسد هذا الارتباط العلاقة بين الجيش وعثمان أحمد عثمان، الذي تلقبه المعارضة المصرية بالأب الروحي للانفتاح.

وَطَّد كل ذلك من نفوذ المشير أبو غزالة، الأمر الذي جعل أعتى الوزراء المدنيّين في الحكومة يخضعون لنفوذه، وعلى رأسهم يوسف والي وحسب الله الكفراوي[39].

  • محاولات الإزاحة الناعمة

كان حسني مبارك يسمح للمعارضة والصحافة بمساحة لانتقاد السلوك العسكري، وبدأت حملة شبه ممنهجة لدعم مبارك، من خلال الحديث عن إخضاع الجيش للمراقبة. وكان مبارك قد حاول تنحية أبو غزالة، فعرض عليه منصب نائب رئيس الجمهورية، لكن أبو غزالة أصر على الاحتفاظ بوزارة الدفاع، وكادت تنشب مواجهة بينهما ولكن السفارة الأمريكية أعلنت أنها لم تستحسن إبعاد أبوغزالة عن منصبه بالجيش[40].

  • تكهنات عزل المشير

في أبريل 1989م، فاجأ مبارك المصريّين بإصدار قرار نصَّ فيه على إقالة المشير أبو غزالة من منصبه. وحتى وفاة الرجل في عام 2008م، لم يتضح السبب الحقيقي وراء هذا القرار، وسط تفسيرات وتكهنات يذهب بعضها إلى تخوف مبارك من الشعبية الكبيرة للمشير داخل صفوف الجيش، وخشيته أن يقوم بانقلاب ضده، في حين يتحدث آخرون عن دور للقائد العسكري في تطوير برنامج صواريخ “بدر” أو “كوندور 2” بعيدة المدى بالتعاون مع العراق والأرجنتين عام 1987م. هذه الخطوة أثارت حفيظة الدوائر الغربية وقلقها، رغم أن المشارك فيها نيابة عن مصر يوصف بأنه أوثق حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في بلاده.

كما أن صحف المعارضة المصرية رددت لاحقًا أن التعاون المصري مع العراق في الموضوع ذاته لم يكن الرئيس مبارك مطلعًا على تفصيلاته. وبدأت بعض الصحف الأمريكية في أكتوبر 1988م حملة على أبوغزالة عكست قلق الإدارة الأمريكية من طموحاته التسليحية[41].

5. طنطاوي والعودة إلى مسار يوليو

منذ تولي المشير حسين طنطاوي وزارة الدفاع تجلَّى السكون والتماهي بين الرئاسة وقيادة الجيش، مما أعطى الفرصه للرئاسة لتدعيم الأجهزة الأمنية غير العسكرية، كأمن الدولة والمخابرات العامة، وكذلك تقوية نفوذ رجال الأعمال تحضيرًا لعملية التوريث. وكان ذلك على حساب نفوذ القوات المسلحة، إلَّا أنه في نهاية المطاف استطاع الجيش أن يستغل حراك 25 يناير في إعادة مسار يوليو 1952م من جديد، بعد محاولات عهد السادات وأواخر عهد مبارك في تقوية الشق المدني من النظام الحاكم على حساب الجيش.

من السطور السابقة يظهر جليًّا كيف كان الصراع بين الرئاسة وقيادة الجيش مضطردًا فى النظم العسكرية المتتالية بعد ثورة 23 يوليو. ولم يختلف الحال بعد انقلاب 2013م، وإن بدت الرئاسة أكثر تسلطًا من ذى قبل، من خلال أدوات سيطر بها السيسي على القوات المسلحة، مما خفف حدة علانية هذا الصراع.

المبحث الثاني

أساليب السيسي للسيطرة على الجيش بعد انقلاب يوليو 2013م

منذ توليه السلطة عقب انقلاب 2013م، عمل عبدالفتاح السيسي على ترسيخ سيطرته على المؤسسة العسكرية المصرية، وهي أحد الأعمدة الرئيسة التي يقوم عليها النظام السياسي في مصر.

يمكن القول إن الصراعات والتسويات في عهد السيسي أقل حتى الآن من مثيلاتها في عهود عبدالناصر والسادات ومبارك، وقد يكون السبب الرئيس في ذلك هو أن السيسي استلهم تجارب سابقيه، ومِن ثمَّ اتخذ خطوات مبكرة تمنع أولئك الذين تحيط الشكوك بولائهم مِن امتلاك القوة التي تمكنهم من تهديده أو الانقلاب عليه.

استندت إستراتيجية السيسي إلى مزيج من الوسائل التي تهدف إلى تحييد أي تهديد محتمل من داخل الجيش وتفادي أي محاولة انقلابية، وهو ما يعكس إدراكه الحاد للدور المركزي الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في تحديد مسار الحكم في البلاد.

فمنذ البداية، أدرك السيسي أنه يتعامل مع مؤسسة عريقة، لها تاريخ طويل في التدخل في السياسة المصرية، وكان عليه أن يثبت نفسه كقائد وحيد وصاحب القرار النهائي. لم يكن ذلك يعني فقط السيطرة العسكرية التقليدية، بل تطلب منه إعادة تشكيل هيكل السلطة داخل الجيش لضمان الولاء المطلق. لذا لجأ إلى سياسة التدوير والإبعاد، حيث أجرى تغييرات مستمرة في صفوف القيادات العسكرية، وأطاح بكل مَن شاركوه في انقلاب 2013م، في محاولة منه لإحكام قبضته والتخلص من أيّ شخص يمكن أن يشكل تهديدًا لمركزه.

ومن الدوافع الأخرى للسيسي تجربته الشخصية مع فترة حكم مبارك، حيث لعبت القيادات العسكرية دورًا في الإطاحة به في 2011م، مما خلق داخل السيسي هاجسًا من احتمالية تكرار ذلك السيناريو معه. لذلك، فإن منهجه يركز على ضمان عدم بروز أي قيادة داخل الجيش قد تحظى بالشعبية أو الدعم الكافي للقيام بدور مماثل في المستقبل. ولم يكن الهدف فقط تحييد القيادات الكبرى، بل أيضًا الحد من بروز أي شخصية عسكرية قد تنافسه أو تهدد موقعه.

والسيسي لم يعتمد فقط على الإطاحة بالقادة العسكريّين، بل عمل أيضًا على خلق شبكة ولاءات جديدة من خلال إغداق الامتيازات الاقتصادية والمالية والاجتماعية على ضبّاط الجيش. فقد منحهم مساحة غير مسبوقة للانخراط في الاقتصاد المصري، مما جعل مصالحهم مرتبطة مباشرة ببقاء نظامه. هذا الدعم الاقتصادي عزز ولاء القيادات العسكرية التي أصبحت ترى في استمرار السيسي حماية لمصالحها الاقتصادية والاجتماعية، خاصّة في ظِل غياب الرقابة على أنشطتهم. كما استخدم السيسي كل الأساليب القانونية والدستورية لإحكام سيطرة علي المؤسسة العسكرية.

لكن في النهاية، يبدو أن سيطرة السيسي على الجيش لم تكن مجرد خطوة دفاعية، بل إستراتيجية منظمة لتأسيس نظام سياسي جديد، يعتمد على الولاء الشخصي والمكاسب الاقتصادية.

1. سياسة التدوير واستبعاد كبار القادة

المتابع لحركة تغييرات الجيش منذ انقلاب 2013 وحتى 2024م، يُلاحظ أن كل حركة تتضمن تغييرات جوهرية في صفوف كبار القادة، وفي صفوف المجلس العسكري المصري تحديدًا. وخلال عشر سنوات تمكن السيسي تدريجيًّا من استبعاد كل مَن شاركوه في الانقلاب وكل أعضاء المجلس العسكري، فلم يتبق منهم أحد إلَّا ممدوح شاهين.

في الفترة الأولى من حكم السيسي (٢٠١٤ – ٢٠١٧م)، قام باستبعاد قيادات كبرى، منها الأسماء التالية:

  • الفريق أحمد وصفي

كانت البداية مع الفريق أحمد وصفي، قائد الجيش الثاني الميداني، حيث أطاح به السيسي في مارس 2014م، بعد أن انتشرت كلماته التي حاول فيها نفي تهمة الانقلاب عن تحركات الجيش في 30 يونيو 2013م. وهو ما عَجَّل بالإطاحة به خارج القوات المسلحة، إذ قال أمام جَمْع من جنوده خلال برنامج تلفزيوني: “لو ترشّح السيسي للرئاسة… قولوا على 3 يوليو انقلاب”، لتتم الإطاحة به في 2014م من منصبه، وتعيينه رئيسًا لهيئة تدريب القوات المسلحة، ليتبع ذلك قرار آخر في مايو 2017م، أطاح به من الهيئة، قبل أن يتم تكليفه بمنصب شرفي كمساعد لوزير الدفاع.[42]

  • الفريق أسامة عسكر

في نهاية يناير 2015م، وبعد سلسلة الهجمات العنيفة التي استهدفت مقرات الجيش والشرطة المصرية في شمال سيناء، عقد السيسي اجتماعًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأعلن فيه عن إعادة هيكلة قوات الجيش في سيناء وتشكيل قيادة موحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب، وتعيين الفريق أسامة عسكر قائدًا لها، بعد أن كان قائدًا للجيش الثالث الميداني، وخرج على أثر ذلك المنصب الجديد من عضوية المجلس العسكري. وعَيَّن السيسي اللواء أركان حرب محمد عبداللاه قائدًا للجيش الثالث الميداني خلفًا لأسامة عسكر[43]. ولكن السيسي استعان به مرة أخري كرئيس لأركان الجيش بعد حراك سبتمبر ٢٠١٩م، لاحتواء بعض قيادات الجيش، وهو ما سوف نشير إليها لاحقًا، ولكنه أطاح به بعدها في عام ٢٠٢٤م.

  • اللواء محمد العصَّار

في سبتمبر 2015م، قام السيسي بإقالة اللواء محمد العصَّار الذي كان يشغل مساعد وزير الدفاع ورئيس هيئة التسليح والمسؤول عن التعاقد على صفقات الأسلحة ودخولها وخروجها من الخدمة وأحد أهم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعينه وزيرًا للإنتاج الحربي، وخرج على أثر ذلك القرار من عضوية المجلس العسكري[44].

  • الفريق أسامة الجندي

في أبريل 2015م، تمَّ تعيين اللواء بحري أسامة منير ربيع قائدًا للقوات البحرية، خلفًا للفريق أسامة الجندي، الذي عُيّن نائبًا لرئيس هيئة قناة السويس. وأصبح أسامة ربيع عضوًا بالمجلس العسكري بعد استبعاد الجندي من المجلس.

  • الفريق عبدالمنعم التراس

في ديسمبر 2016م، أصدر السيسي قرارًا بإقالة الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوات الدفاع الجوي، وتعيينه في منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون العسكرية، وتعيين اللواء على فهمي قائدًا لقوات الدفاع الجوي بدلًا من الفريق التراس.

والفريق عبدالمنعم التراس هو الشخصية الأقدم والأكبر عمرًا بعد خروج اللواء محمد سعيد العصَّار من المجلس العسكري، وهو القائد الوحيد داخل المجلس العسكري الذي خاض حرب 6 أكتوبر 1973م. ويبدو أن السيسي كان حريصًا علي خروج كل الحرس القديم من المجلس العسكري شيئًا فشيئًا.

  • الفريق أسامة ربيع

في ديسمبر 2016م، أصدر السيسي قرارًا بإقالة الفريق أسامة ربيع قائد القوات البحرية وتعيينه نائبًا لرئيس هيئة قناة السويس، وتعيين اللواء بحري أ.ح أحمد خالد حسن سعيد، قائدًا للقوات البحرية بديلًا عنه[45].

  • الفريق محمود حجازي

في أكتوبر ٢٠١٧م، حين عاد رئيس أركان القوات المسلحة المصرية محمود حجازي من مهمة عمل رسمية بالولايات المتحدة، تفاجأ بقرار إقالة في انتظاره، ليلحق بعشرين قيادة عسكرية سبقته بسيناريوهات إقالة قريبة من ذلك. وفسر بعض المراقبين عزل السيسي صهره الفريق حجازي بأنها إطاحة بشخصيات لم يعد يأمنها[46]. ومن المحتمل أن يكون حجازي قد أتى خلال زيارته لواشنطن بما أغضب السيسي عليه ودفعه لإقالته، وخوفه من تنامي قوة حجازي داخل المؤسسة العسكرية، مما قد يدفعه للقيام بالانقلاب عليه، فعاجَله بالإقالة[47].

جدول (1)

أبرز قادة الجيش الذين أطاح بهم السيسي عقب الانقلاب وحتى عام 2017م

المصير/المنصب الجديدالمنصب السابقتاريخ الإقالةالضابط المُقال
تم تعيينه محافظًا للسويس، وأُقيل من منصبه في ديسمبر 2015مقائد قوات الدفاع الشعبي والعسكري12 أغسطس 2013ماللواء العربي السروي
لم يتم تعيينه في منصب جديدقائد المنطقة الشمالية العسكريةأغسطس 2013ماللواء أركان حرب جمال شحاتة
تم تعيينه رئيسًا لهيئة التدريب ثم مساعدًا لوزير الدفاعقائد الجيش الثاني17 مارس 2014ماللواء أحمد وصفي
أُحيل للتقاعدرئيس هيئة تدريب القوات المسلحة17 مارس 2014ماللواء إبراهيم نصوحي
تم تعيينه رئيسًا لهيئة التفتيش، ثم أُقيلقائد المنطقة الجنوبية العسكرية17 مارس 2014ماللواء محمد عرفات
تم تعيينه مساعدا لوزير الدفاعرئيس الهيئة الهندسية30 يونيو 2014ماللواء طاهر عبدالله طه
تم تعيينه مديرًا لسلاح المشاة، ثم محافظًا للمنوفيةقائد المنطقة الشمالية العسكرية30 يونيو 2014ماللواء سعيد محمد عباس
تم تعيينه قائدًا لمنطقة شرق القناة، ثم مساعدًا لوزير الدفاعقائد الجيش الثالث الميداني31 يناير 2015مالفريق أسامة عسكر
تم تعيينه نائبًا لرئيس هيئة قناة السويسقائد القوات البحرية12 أبريل 2015مالفريق أسامة الجندي
تم تعيينه مساعدًا لوزير الدفاعرئيس المخابرات الحربية12 أبريل 2015ماللواء صلاح البدري
لم يتم تعيينه في منصب جديدرئيس هيئة عمليات القوات المسلحة10 يونيو 2015ماللواء محسن الشاذلي
تم تعيينه مساعدًا لوزير الدفاعرئيس هيئة التنظيم والإدارة10 يونيو 2015ماللواء أحمد أبو الدهب
تم تعيينه رئيسًا لهيئة التنظيم والإدارة ثم أُقيلقائد المنطقة الغربية العسكرية10 يونيو 2015ماللواء محمد المصري
تم تعيينه وزيرًا للإنتاج الحربيرئيس هيئة التسليح19 سبتمبر 2015ماللواء محمد العصار
تمت إقالته دون تعيين في منصب جديدرئيس الهيئة الهندسية19 ديسمبر 2015ماللواء عماد الألفي
تمت إقالته دون تعيين في منصب جديدرئيس هيئة القضاء العسكريديسمبر 2015ماللواء مدحت رضوان غزي
تمت إقالته دون تعيين في منصب جديدقائد قوات حرس الحدوديناير 2016ماللواء أحمد إبراهيم
تم تعيينه وزيرًا للتموين ثم تمت إقالته لاحقًارئيس هيئة الإمداد والتموين6 سبتمبر 2016ماللواء محمد علي الشيخ
تم تعيينه نائبًا لرئيس هيئة قناة السويسقائد القوات البحرية17 ديسمبر 2016مالفريق أسامة منير ربيع
تم تعيينه مستشارًا عسكريًّا للسيسيقائد قوات الدفاع الجوي17 ديسمبر 2016مالفريق عبدالمنعم التراس
تم تعيينه محافظًا للوادي الجديدقائد المنطقة الشمالية العسكرية17 ديسمبر 2016ماللواء محمد الزملوط
تم تعيينه نائبًا لرئيس الهيئة العربية للتصنيعرئيس هيئة عمليات القوات المسلحة19 ديسمبر 2016ماللواء توحيد توفيق
تمت إقالته دون تعيين في منصب جديدرئيس هيئة الإمداد والتموينيوليو 2017ماللواء عبدالمرضي عبدالسلام
 رئيس أركان القوات المسلحةأكتوبر 2017ماللواء محمود حجازي

وفي الفترة الثانية من حكمه (٢٠١8 – ٢٠23م)، قام السيسي باستبعاد قيادات أخرى، وشهد عام 2018م الإطاحة بـ 12 عضوًا مرة واحدة.

التغيير الأهم جاء مع بداية فترة ولاية السيسي الثانية، في 2018م، وبعد نحو شهرين من إعلان فوزه  بانتخابات الرئاسة المصرية. ففي 14 يونيو، أطاح السيسي بشريكه في الانقلاب، الفريق أول صدقي صبحي، ضمن تغيير وزاري كبير، وعينه مساعدًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، وهو منصب شرفي دون صلاحيات، وعَيَّن بدلًا منه الفريق أول محمد زكي، قائد الحرس الجمهوري، الذي كان له دور بارز في الانقلاب.

وقام السيسي بإقالة مدير المخابرات الحربية، اللواء محمد فرج الشحات، الذي كان قد عُيّن في أبريل 2015م، وعَيّن بدلًا منه قائد الجيش الثاني الميداني، اللواء أركان حرب خالد مجاور. ونُقل قائد المنطقة الغربية العسكرية اللواء شريف فهمي بشارة إلى منصب مدير أكاديمية ناصر للعلوم العسكرية.

وجاء إعلان حركة التغييرات الأخيرة بشكل غير رسمي، بالتزامن مع اجتماع السيسي بوزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، بمقر رئاسة الجمهورية.

ورغم تحصين منصب وزير الدفاع، حسب دستور 2014م، ووفقًا للمادة 234 الاستثنائية، ضمن عدد من المواد الانتقالية، التي نصت على أن تعيين وزير الدفاع يكون “بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين، اعتبارًا من تاريخ العمل بالدستور”، إلَّا أنه تمت إقالة صبحي.

وفي سياق التغييرات الوزارية، أقال السيسي قائد القوات الجوية المصرية الفريق يونس المصري، وقرر تعيينه في منصب وزير الطيران المدني. وفي مارس 2018م، أُقيل رئيس هيئة تسليح القوات المسلحة، اللواء أركان حرب عبدالمحسن موسي، وعُيّن مكانه اللواء أركان حرب طارق سعد زغلول. وتمَّت الإطاحة في يونيو 2024م باللواء أركان حرب محمد رأفت الدش من منصبه قائدًا للجيش الثالث الميداني، وتمَّ تعيين اللواء أركان حرب رفيق رأفت عرفات خلفًا له.

وتحدثت تقارير صحفية في يوليو 2018م عن استبعاد رئيس هيئة العمليات، اللواء أركان حرب وحيد عزت، وتعيين اللواء محمد المصري بدلًا منه.

وفي 30 أغسطس 2018م، أصدر السيسي قرارًا بتكليف مدير سلاح المشاة، اللواء شريف سيف الدين حسين، برئاسة هيئة الرقابة الإدارية لمدة عام، كما أُقيل قائد المنطقة المركزية العسكرية، اللواء أركان حرب أيمن عبدالحميد عامر، في أكتوبر2018م، وتمَّ تعيين لواء أركان حرب عماد أحمد الغزالي خلفًا له.

وكنتيجة مباشرة لتغييرات السيسي، لم يتبق من المجلس العسكري والقيادات العسكرية التي كانت موجودة وقت الانقلاب سوى وزير الدفاع السابق، الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان، الفريق أسامة عسكر، واللواء ممدوح شاهين.

ووفقًا للقانون رقم 20، الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور، في 24 فبراير 2014م، يتكون المجلس العسكري من 25 عضوًا، منهم وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، إلَّا أنه يحق للسيسي ووزير الدفاع تعيين أعضاء في المجلس، ويستمر وزير الدفاع في رئاسة المجلس إلَّا عند حضور السيسي لأحد الاجتماعات[48].

وفي 2019م، أطاح السيسي بـخمسة قادة عسكريّين من مناصبهمـ وأصبحوا بذلك خارج تشكيل المجلس العسكري.

ففي مارس 2019م، أقيل رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كامل الوزير، وتمَّ تعيينه وزيرًا للنقل. وأقيل اللواء أركان حرب صلاح الدين حلمي عبدالقادر، رئيس هيئة الإمداد والتموين للقوات المسلحة. وفي يونيو 2019م، أطيح برئيس هيئة الشؤون المالية للقوات المسلحة، محمد أمين إبراهيم عبدالنبي نصر، من منصبه الذي كان يشغله منذ عام 2012م، وتم تعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية للشؤون المالية، لمدة عام واحد. وفي سبتمبر 2019م، تمت الإطاحة بمساعد وزير الدفاع للعلاقات الخارجية اللواء محمد الكشكي. وفي نوفمبر 2019م، أطيح باللواء مصطفي الشريف، الذي كان يشغل منصب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية[49].

جدول (2)

أبرز قادة الجيش الذين أطاح بهم السيسي من عام 2018 إلى 2023م

المصير/المنصب الجديدالمنصب السابقتاريخ الإقالةالضابط المُقال
تمَّ تعيينه رئيسًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاءمدير إدارة شؤون الضباط بالقوات المسلحة14 فبراير 2018ماللواء خيرت بركات
لم يتم الإعلان عن منصب جديد لهرئيس هيئة تسليح القوات المسلحةمارس 2018ماللواء أركان حرب عبدالمحسن موسي
تمَّ تعيينه مساعدًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاعوزير الدفاع14 يونيو 2018مالفريق صدقي صبحي
تمَّ تعيينه وزيرا للطيران المدنيقائد القوات الجوية14 يونيو 2018مالفريق يونس المصري
تمَّت إقالتهرئيس هيئة التسليحيوليو 2018ماللواء عبدالمحسن موسى خليفة
تمَّ نقله إلى وظيفة مستشار عسكري بالمنطقة العسكرية بدمياطنائب رئيس أركان قطاع تأمين شمال سيناءيوليو 2018مالعميد شريف جودة العرايشي
تمَّ تعيينه رئيسًا لهيئة الرقابة الإدارية لمدة عاممدير سلاح المشاة30 أغسطس 2018ماللواء شريف سيف الدين حسين
تمَّت إقالتهقائد المنطقة المركزية العسكريةأكتوبر 2018ماللواء أركان حرب أيمن عبدالحميد عامر
تمَّت إقالتهمدير جهاز المخابرات الحربيةديسمبر 2018ماللواء محمد فرج الشحات
تمَّ تعيينه مديرًا لأكاديمية ناصر للعلوم العسكريةقائد المنطقة الغربية العسكريةديسمبر 2018ماللواء شريف فهمي بشارة
تمَّ نقله إلى وظيفة مساعد وزير الدفاعمدير الكلية الحربيةديسمبر 2018ماللواء جمال أبو إسماعيل
تمَّ نقله إلى وظيفة مساعد وزير الدفاعقائد قوات حرس الحدودديسمبر 2018اللواء باسم رياض
تمَّ تعيينه وزيرًا للنقلرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة10 مارس 2019ماللواء كامل الوزير
تمَّ تعيينه رئيسًا للشركة القابضة للنقل البحري والبريرئيس هيئة الإمداد والتموينمارس 2019ماللواء صلاح الدين حلمي عبدالقادر
تمَّ تعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية للشؤون الماليةرئيس هيئة الشؤون الماليةيونيو 2019ماللواء محمد أمين نصر
أُحيل إلى التقاعدمساعد وزير الدفاع للعلاقات الخارجيةسبتمبر 2019ماللواء محمد الكشكي
تمَّ تعيين اللواء أحمد علي خلفًا لهرئيس ديوان رئاسة الجمهوريةنوفمبر 2019ماللواء مصطفى الشريف
تمَّ تعيينه مستشارًا للرئيس للشؤون الإستراتيجيةرئيس أركان القوات المسلحةديسمبر 2020مالفريق محمد فريد حجازي
تمَّ نقله إلى منصب مساعد وزير الدفاعرئيس جهاز المخابرات الحربية2020ماللواء أركان حرب خالد مجاور
تمَّت إقالتهمساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية2021ماللواء أركان حرب محمود شاهين
تمَّت إقالته دون تعيين في منصب جديدرئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة2022ماللواء إيهاب الفار
تمَّ نقله ولم يتم الإعلان عن منصب جديدرئيس جهاز المخابرات الحربية2022ماللواء أحمد الشحات
تمَّت إقالتهرئيس الهيئة الهندسية2023ماللواء محمد عبدالحي
تمَّ استبدالهقائد قوات حرس الحدود2023ماللواء أيمن شحاتة

شهدت بداية الفترة الثالثة من حكم السيسي (٢٠٢٤ -…..م) القضاء على المتبقين من شركائه في الانقلاب العسكري.

تمثلت الإطاحة بأخر شركاء السيسي في انقلاب الثالث من يوليو في استبعاد وزير الدفاع محمد زكي، الذي كان يشغل منصب رئيس الحرس الجمهوري إبَّان حكم الرئيس محمد مرسي، وكان له دور محوري في اعتقاله، ورئيس الأركان أسامة عسكر، الذي كان عضوًا في المجلس العسكري في 2013م.

بالإطاحة بزكي وعسكر من منصبيهما داخل المؤسسة العسكرية، يكون السيسي قد تخلص تمامًا ونهائيًّا من كافة شركائه في الانقلاب، أولئك الذين ساعدوه في تنفيذ مخطط الإطاحة بالرئيس مرسي[50]، عدا اللواء ممدوح شاهين.

وأصدر السيسي قرارًا بتعين وزير الدفاع السابق، الفريق محمد زكي، مساعدًا لرئيس الجمهورية لشؤون الدفاع، كما قرر تعيين الفريق أسامة عسكر مستشارًا لرئيس الجمهورية للشؤون العسكرية. وقام الموقع الرسمي لوزارة الدفاع بحذف السيرة الذاتية للفريق أسامة عسكر بعد إقالته من منصب رئيس أركان الجيش المصري وتعيينه مستشارًا لرئيس الجمهورية[51].

جدول (3)

أسماء المجلس العسكري بين عامي ٢٠١٤ و٢٠٢٤م

العضو في 2024مالعضو في 2014مالمنصب
عبدالمجيد صقرعبدالفتاح السيسيوزير الدفاع
أحمد فتحي خليفةصدقي صبحيرئيس الأركان
أشرف إبراهيم عطوةأسامة الجنديقائد القوات البحرية
محمود فؤاد عبدالجواديونس السيد المصريقائد القوات الجوية
ياسر الطوديعبدالمنعم التراسقائد قوات الدفاع الجوي
شريف فكريمحمود حجازيمدير المخابرات الحربية
نبيل حسب اللهمحسن الشاذليرئيس هيئة العمليات
محمد عدليعبدالمحسن موسىرئيس هيئة التسليح
أحمد الشاذليمحمد أمينرئيس هيئة الشئون المالية
ممدوح جعفرأحمد وصفيقائد الجيش الثاني الميداني
هشام شنديأسامة عسكرقائد الجيش الثالث الميداني
هاني مسعد شبانةشريف فهمي بشارةقائد المنطقة الغربية العسكرية
محمد جحوشأحمد إبراهيمقائد قوات حرس الحدود
هشام حسنيسعيد عبّاسقائد المنطقة الشمالية العسكرية
عمرو جميليحيى الحميليقائد المنطقة الجنوبية العسكرية
حاتم الجزارمدحت غزىرئيس هيئة القضاء العسكري
أحمد رضا فرغليمصطفى الشريفمدير إدارة شؤون الضباط
طارق هلال مدير إدارة الشؤون المعنوية
محمد كمالجمال إسماعيلرئيس هيئة الإمداد والتموين
أحمد العزازيطاهر عبداللهرئيس الهيئة الهندسية
أسامة صلاح نجاأحمد وصفيرئيس هيئة التدريب
شريف العرايشيأسامة عسكرقائد قوات شرق القناة
شريف فكريمحمود حجازيرئيس هيئة الاستخبارات العسكرية
شريف سيف الدين حسين رئيس هيئة الرقابة الإدارية
ممدوح شاهينممدوح شاهينمساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية

2. سياسة التنكيل بالقيادات

السيسي لم يكتف فقط بعدم تثبيت القيادات في مناصبها لفترات طويلة، أو بإخراج مَن يختلفون معه في الرأي تجاه بعض القضايا لكي يؤمّن حكمه من أي تهديدات، بل حفاظًا على كرسيه، قام أيضًا بالتنكيل ببعض القيادات العسكرية التي رأت أن استمراره في سدة الحكم خطر على الجميع.

فمنذ اللحظة الأولى من تنصيبه “رئيسًا”، اتخذ السيسي طريق التنكيل في صفوف معارضيه، سواء كانوا عسكريّين أو مدنيّين، حتى ينفرد بالحكم، وتتحول منظومة الحكم العسكري من منظومة المؤسسة العسكرية الحاكمة، إلى منظومة الفرد العسكري “الحاكم الديكتاتور” المسيطر والمهيمن، مستغلًّا بالأساس الدعم الدولي والإقليمي الذي يحظى به منذ اللحظات الأولى لحكمه[52].

  • السيسي والفريق أحمد شفيق[53]

كانت البداية في ٢٠١٤م، حينما ظهرت تسريبات للفريق أحمد شفيق، يشن فيها هجومًا على وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، ويصفه بـ”الجهل وقلة الخبرة”. كما هاجم موقف المجلس العسكري الداعم لترشح السيسي للرئاسة، قائلًا: “لا يوجد شيء اسمه قوات مسلحة تدعم مرشح للرئاسة، هذه سابقة لا مثيل لها”، ومؤكدًا أنه لن يترشح في الانتخابات حال ترشح السيسي لأن الانتخابات ستكون “هزلية والدولة كلها ستعمل لصالحه”[54]. وفي تعليق علي التسريب الصوتي الذي هاجم فيه المشير السيسي وشكَّك في نزاهة الانتخابات الرئاسية بحال ترشحه، قال إنه كان يتوقع الكثير من “التصرفات اللاأخلاقية”، معلنًا وقوفه إلى جانب ترشيح السيسي للرئاسة[55].

وحينما عزم الفريق أحمد شفيق على الترشح للانتخابات الرئاسية في ٢٠١٨م، تمَّت ممارسة ضغوط شديدة علية، حيث كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن أن السلطات المصرية مارست ضغوطًا شديدة على الفريق شفيق، أقوى المنافسين للسيسي في الانتخابات الرئاسية، لإجباره على الانسحاب من المنافسة. ونسبت الصحيفة لأحد محامي شفيق -طلب عدم ذكر اسمه- القول إن الحكومة المصرية أكرهته على الانسحاب بتهديده بالتحقيق في اتهامات سابقة بالفساد ضده[56].

وقال الفريق شفيق إن السلطات في دولة الإمارات منعته من مغادرة البلاد، وذلك بعد ساعات من إعلان نيته الترشح في انتخابات الرئاسة المصرية المقررة بعد عام. وقال في رسالة مصورة تلقتها وكالة “فرانس برس” للأنباء: “فوجئت بمنعي من مغادرة الدولة الشقيقة الإمارات، لأسباب لا أفهمها”[57]. ثم تمَّ اقتياده بعد ذلك من منزله في أبوظبي وترحيله على طائرة خاصة إلى مصر. وقيل وقتها إنه تعرَّض لتلك المعاملة المهينة بعدما رفض وساطة محمد بن زايد لإقناعه بعدم ترشيح نفسه ضد السيسي[58].

لكن بعد فترة قصيرة من إعلانه، عاد شفيق لينسحب من السباق الرئاسي، بدعوى أنه وجد أنه ليس المرشحَ المناسب للمنصب.

وقد عُرِف شفيق بانتقاداته لسياسة السيسي سواء من حيث تخليه عن تيران وصنافير أو من حيث مشاريعه الاقتصادية الفاشلة في قناة السويس وغيرها. وفي فيديو إعلان ترشحه دعا إلى تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وأوضح أن “الديمقراطية الحقَّة والحقوق الإنسانية الطبيعية ليست منحة من أحدٍ، كما أنها لا تمنح أو تطبق تدريجيًّا إطلاقا”، في إشارة منه لتصريحات السيسي التي لا تعتبر الديموقراطية أولوية[59]. ولكن بعد الضغوطات التي مورست علية أعلن حزب “الحركة الوطنية المصرية” الذي يرأسه شفيق دعمه لعبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، ثم هنأ شفيق السيسي بالفوز في انتخابات ٢٠١٨م.

و المثير أن شفيق تمَّ اتهامه بـ3 قضايا في عام 2013م، وحصل علىالبراءة في قضيَّتين منها بشكل نهائي، بينما قررت المحكمة حفظ طعن النيابة على براءته في القضية الثالثة التي تُعرَف باسم “فساد وزارة الطيران”، لمدة 7 سنوات كاملة، قبل أن تقرر قبول الطعن وإعادة محاكمته مع اثنين من قيادات وزارة الطيران السابقين بتهمة تسهيل الاستيلاء على المال العام، في سبتمبر من العام الماضي، وتأجلت القضية، ويُرجَّح تأجيلها لتكون ورقة النظام المصري التي يضمن بها التزام شفيق بتجنب الظهور العلني أو مجرد التفكير في الترشح للرئاسة مجددًا[60].

ويقضي شفيق وقته في منزله فيما يشبه الإقامة الجبرية، ويتجنب الظهور العام إلَّا في مناسبات استثنائية، حين ظهر في عزاء الرئيس الأسبق مبارك في فبراير 2020م[61].

  • السيسي والفريق سامي عنان

في فبراير ٢٠١٤م، أعلن رئيس الأركان السابق للجيش المصري، الفريق سامي عنان، ترشحه في انتخابات الرئاسة المقبلة[62]، ولكنه قرر بعدها عدم الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية. وكان عنان قد أعلن بعد عزل الجيش الرئيس المنتخب محمد مرسي أنه يعتزم الترشح للرئاسة، وعقب ذلك تعرض لانتقادات من صحف ومحطات تلفزيون محلية تؤيد السيسي[63].

ثم في يناير من عام ٢٠١٨م، أعلن سامي عنان، ترشحه لانتخابات الرئاسة المقررة في مارس 2018م[64]، عن حزب “مصر العروبة الديمقراطي”، مبررًا ترشُّحه برغبته في تعديل ما اعتبره “سياسات خاطئة” للسيسي، وأنه يرغب في “إنقاذ الدولة المصرية”.

لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تعرَّض عنان للاعتقال، في 23 يناير 2018م، وتمَّت إحالته لمحاكمة عسكرية وأدين بعدة تهم، من بينها الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة، إضافة إلى التحريض الصريح على الجيش، وتزوير بطاقة الرقم القومي، التي ورد فيها أنه فريق سابق بالقوات المسلحة ولم يذكر أنه تحت الاستدعاء.

قبل ذلك أصدرت قيادة القوات المسلحة بيانًا تتهم فيه رئيس الأركان الأسبق بارتكاب مخالفات، معلنةً فتح تحقيق بشأنه، كما جاء في البيان أنه “في ضوء ما أعلنه الفريق (مستدعى) سامي حافظ عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، من ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، فإن القوات المسلحة لم تكن لتتغاضى عما ارتكبه المذكور من مخالفات قانونية صريحة مثلت إخلالًا جسيمًا بقواعد ولوائح الخدمة”.

لم يفلح انسحاب عنان من السباق الرئاسي في تجنيبه المحاكمة، التي أمر المدعي العام العسكري بحظر النشر فيها، ليقضي في السجن نحو عامين، قضى منهما عدة أشهر بالسجن الحربي قبل أن يُنقَل في يوليو 2018م إلى المجمع الطبي للقوات المسلحة بالمعادي في جنوب القاهرة، إثر وعكة صحية شديدة، حيث بقي فيه إلى أن أُفرِج عنه في ديسمبر من عام 2019م، دون توضيح السبب في قرار الإفراج.

ومنذ الإفراج عنه يلزم رئيس الأركان الأسبق منزله، دون أن يمارس أي نشاط سياسي، كما يتجنب الظهور العلني نهائيًّا[65].

  • السيسي والفريق صدقي صبحي

كان الفريق صدقي صبحي شريكًا للسيسي في انقلاب الثالث من يوليو 2013م على الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث كان يشغل منصب رئيس الأركان حينما كان السيسي وزيرًا للدفاع. وتولى صبحي منصب وزير الدفاع بعد إعلان السيسي نفسه فائزًا بانتخابات الرئاسة في 2014م.

تمَّ عزل صبحي عام 2018م، في ظروف غامضة لم يُفصَح عنها حتى الآن، في تجاوز واضح للمادة الدستورية التي تحصن منصب وزير الدفاع من الإقالة، والتي أضيفت إلى دستور 2014م، بإيعاز من السيسي الذي كان يشغل المنصب وقتها[66]. ولذلك اخترنا أن نضعه ضمن أولئك الذين نكل بهم السيسي، نظرًا لطريقة إقالته. وينظر مراقبون إلى صبحي باعتباره ثاني أقوى رجل في نظام السيسي، إذ ظل هناك اعتقاد على نطاق واسع بأنه كان محصنًا دستوريًّا من العزل، فضلًا عن ظهور السيسي وصبحي في مختلف المناسبات كشريكين في السلطة.

ولكن نظرة ذات مغزى ألقاها السيسي على صبحي – وكان جالسًا إلى جواره في إحدى المناسبات قبل أشهر من عزلة – كشفت عن عدم ارتياحه لصبحي الذي سعى إلى طمأنته بالتصفيق والتصديق على كلامه الذي كان يقوله بلهجة تحذير وهو ينظر لصبحي: “ناس لا تعرف معنى للدولة، وعايزة تتصدى وتتكلم، أنا بقالي خمسين سنة باتعلم يعني إيه دولة”. وفسر مراقبون حينها كلام السيسي بأنه موجه إلى صبحي بألا يهدد وجود الأول على رأس السلطة[67].

لكن مراقبين ذكروا لاحقًا أن صبحي فقد منصبه بسبب مواقفه غير المتماهية مع السيسي، حيث نُقِل عنه عدم ترحيبه بتعديل الدستور لتمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، وهي المادة التي أقرها البرلمان المصري السابق، وتتيح للسيسي البقاء في الرئاسة حتى عام 2030م، بينما أرجع آخرون سبب الإقالة إلى أن صبحي “بدأ في التوهج”، وبدا أن هناك تيارًا أصبح يستمع إليه، لأن “لديه نبرة من صوت العقل”[68].

  • العقيد أحمد قنصوة

هناك أيضًا ضباط في المستويات الوسطى ومن صغار الضباط طالهم تنكيل السيسي، ومنهم العقيد أحمد قنصوة، الذي حاول الترشح في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٨م. وما حدث مع العقيد أحمد قنصوة دليل على ذلك؛ فقنصوه ليس فردًا، بل كان صوتًا عبّر عن أمثاله من الضباط في الصفوف الوسطى داخل الجيش، من أولئك الذين كانوا يرون أن النظام يسير في الطريق الخطأ.

حاول العقيد قنصوة التصحيح عن طريق المسار القانوني والدستوري، ولكن قوبل بأشد درجات التنكيل من السيسي والدائرة القليلة التي تحيط به، وزج به في السجن الحربي. ومن حين إلى آخر تخرج زوجة قنصوة الدكتورة رشا صفوت وتكتب عن التضييقيات التي تمارس ضد زوجها داخل السجن الحربي حتى يكون عبرة لغيره من الضباط الذين يريدون التصحيح. ليس قنصوة وحده الذي يقبع في السجن الحربي، فهناك العديد من الضباط بسبب اختلافهم السياسي مع النظام الحالي[69].

وقد أصدرت محكمة شمال القاهرة العسكرية حكمًا على المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية حينها، العقيد أحمد قنصوة، بالسجن سِت سنوات مع الشغل والنفاذ، وذلك بعد ظهوره في تسجيل مصور على وسائل التواصل ببزته العسكرية وهو يعلن قرار ترشحه للرئاسة. وجاء في بيان قنصوة المنشور على صفحته في فيسبوك أنه ترشح إنقاذًا للبلاد من الواقع المتردي، ملمحًا إلى أنه لن يخون القسم العسكري ويفرط في تراب البلاد، وأنه ليس فيلسوفًا ولا نبيًّا، في إشارة إلى الصفات التي أسبغها مؤيدو السيسي عليه[70].

3. سياسة الاحتواء المؤقت

كانت المظاهرات التي اندلعت في 20 سبتمبر ٢٠١٩م، بناءً على دعوة المقاول والفنان المصري محمد عليّ، هي الأشد وطأة على نظام السيسي منذ سنوات، وجاءت بمثابة الصدمة لأركان حكمه، بعد وصول المتظاهرين إلى ميدان التحرير، واشتعال عدة محافظات بالمظاهرات الغاضبة، المنددة بسياسته، أو المطالبة برحيله[71].

وضمن ملامح حراك 20 سبتمبر، ما أشار إليه مقال نشرته صحيفة “الاستقلال” بعنوان “ماذا خسر السيسي في حراك 20 سبتمبر؟”، عندما ذكر أنه “من المشاهد التي كانت غائبة، ودفع حراك سبتمبر إلى كشفها وتوضيحها، هو إظهار حقيقة الدور المؤثر الذي يقوم به محمود السيسي نجل رأس النظام، فعلى غرار جمال مبارك -ولربما أكثر فجاجة- أصبح محمود السيسي فعليًّا بمثابة الرجل الثاني في الدولة، وامتلك صلاحية إدارة الملفات الحساسة، فالفتى الذي تمَّت ترقيته بشكل استثنائي، لا شك أن دوره هذا يستفز قطاعات من القيادات العسكرية والشرطية، التي تؤمن بفكرة المركزية في الحياة العسكرية، وهي أولوية التراتبية في الصلاحيات بناءً على الرتب العسكرية والسِّن”.

وبعد حراك 20 سبتمبر أيقن السيسي أن هناك خطرًا يهدده داخل المؤسسات العسكرية، لذلك عمل على احتواء الأطراف المناوئة له، واجتمع بهذه الأطراف بعد رجوعه من الولايات المتحدة الأمريكية، آخر سبتمبر 2019م، بوساطة من المشير حسين طنطاوي وبإيعاز من محمد بن زايد[72]، واتخذ عدة إجراءات لبناء توافقات معها، منها ما يلي:

  • الإفراج عن سامي عنان

في 22 ديسمبر 2019م، أفرج النظام المصري بشكل مفاجئ، عن الفريق سامي عنان، وذلك بعد اعتقاله لنحو عامين بسبب اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية.

ويمكن اعتبار إفراج السيسي عن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، بعد اعتقاله في ظروف سيئة، خطوة من خطوات التفاهم التي تمَّت بين السيسي والأطراف المعارضة له داخل المؤسسة العسكرية تحديدًا؛ لأن ملف اعتقال سامي عنان كان من أهم الملفات التي تسببت في زيادة غضب الطرف المناوئ له.

  • عودة الفريق أسامة عسكر

اعتمد السيسي بشكل غير معلن حركة التنقلات المتعلقة بالقوات المسلحة، والخاصة بشهر يناير 2020م، وتضمنت ما وصفه العديد من المراقبين بالمفاجآت والدلالات المثيرة، بعودة وجوه من الحرس القديم، كان قد تمَّ استبعادها خلال الفترات الماضية، إلى المشهد مرة أخرى.

وأبرز ما تضمنته حركة التغييرات المشار إليها، عودة الفريق أسامة عسكر الذي كان يشغل منصب مساعد القائد العام للقوات المسلحة لشؤون تنمية سيناء، ليتولى منصب رئاسة هيئة العمليات[73]. ووفقًا لما أشارت إليه بعض التقارير فإن الفريق أسامة عسكر كان من ضمن المؤيدين لترشح الفريق سامي عنان في الانتخابات الرئاسية التي تمَّت في الربع الأول من عام 2018م.

  • إبعاد محمود السيسي

خلال شهر نوفمبر 2019م، صار نائب مدير المخابرات العامة المصرية، اللواء ناصر فهمي، يتولى الملفات التي كان يديرها محمود السيسي داخل الجهاز، والذي تمَّ استبعاده موقتًا وإرساله لبعثة خارجية إلى دولة روسيا الاتحادية[74].

جدول (4)

القيادات التي تمَّ استبدالها في إطار حراك سبتمبر 2019م لترضية الطرف الآخر

اللواء محمد عبداللاهأقيل من منصبه كأمين عام وزارة الدفاع، واستُبدل به اللواء عماد الغزالي، الذي عارض نزول الجيش للميادين في تظاهرات 20 سبتمبر 2019م.
اللواء أيمن عبدالحميد عامرأقيل من منصبه كمدير لإدارة المشاة واستُبدل به اللواء خالد بيومي.
اللواء محمد أمين نصرتمَّ تعيينه مستشارًا ماليًّا للسيسي في يونيو 2019م، وتمَّ استبداله باللواء أحمد بهجت الدمرداش، المعروف بحياديته.
اللواء مصطفى شوكتتمَّ تعيينه قائدًا للحرس الجمهوري بدلًا من اللواء أحمد علي، الذي تمَّ نقله ليصبح رئيسًا لديوان رئيس الجمهورية.
اللواء ناصر فهميأصبح نائب مدير المخابرات العامة، متوليًا ملفات محمود السيسي الذي أُرسل إلى روسيا للتدريب.
الضابط أحمد شعبانتمَّ استبعاده من جهاز المخابرات، وأُرسِل في بعثة دبلوماسية. وكان مدير مكتب اللواء عبَّاس كامل ويعرف بولائة للسيسي.
اللواء محمد رأفت الدشأعيد للمجلس العسكري، وتولى قيادة قوات شرق القناة، بعد استبعاد اللواء يحيى طه الحميلي.
الفريق يونس المصريأُقيل من منصب وزير الطيران المدني، وتمَّ تعيين الطيار محمد منار عنبة بدلًا منه.

هذه التعديلات استهدفت تهدئة الأطراف العسكرية المعارضة وتقليص نفوذ الشخصيات القريبة من السيسي.

والإجراءات التي اتخذها السيسي في ديسمبر 2019م، تشير إلى أنه قام بعملية “خداع إستراتيجي”، نتج عنها تغيير شكلي فقط. وربما أيقن الطرف المناوئ للسيسي أنه تمَّ احتواؤه فقط بعد 20 سبتمبر 2019م، ولم يحصل على أشياء حقيقة إلى الآن، ولم يتم الوفاء بالكامل بما تمَّ التوافق عليه. واتضح له أنه لن يتحصل على شيء مستقبلًا، إلَّا المشاركة الصورية التي عمل عليها السيسي في ديسمبر 2019م[75].

4. الوسائل القانونية والدستورية

واصل السيسي إحكام قبضته على المؤسسة العسكرية من خلال حزمة من التشريعات البرلمانية والتعديلات الدستورية، امتدت من منتصف عام 2013م، أي بعد الانقلاب العسكري، وحتى اليوم، متجاوزا بذلك صلاحيات جميع الرؤساء السابقين[76].

وكان من أهم القوانين التي أقرها السيسي ما يلي:

  • في 16 يوليو ٢٠١٨م، أقرّ مجلس النواب المصري قانون معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، وهو استمرار لسلسلة من المناورات التشريعية الهادفة إلى ترسيخ سلطة الرئاسة على الجيش وتأمين الحصانة لكبار العسكريّين الذين قد يُتَّهمون بتنفيذ حملات قمع واسعة أو بالتورّط في الفساد المالي. يشتمل القانون الجديد، على الرغم من طابعه الموجَز، على عدد من الأحكام المهمة. تنص المادة الأولى على أنه بإمكان الرئيس أن يستدعي الضبّاط من كبار قادة القوات المسلحة إلى الخدمة العسكرية مدى حياتهم، حتى لو كانوا قد استقالوا من مناصبهم العسكرية وانضموا إلى القوة العاملة المدنية. لا يُحدّد القانون رتبة عسكرية دنيا، ما يُتيح للرئيس أن يختار، كما يحلو له، الضباط الذين ستُطبَّق عليهم مندرجات القانون. وهذا يحول فعليًّا دون تمكُّن المنافسين المحتملين في صفوف كبار الضباط العسكريّين من الترشح للرئاسة وتحدّي عبدالفتاح السيسي. فالقانون المصري يمنع العسكريّين في الخدمة الفعلية من تسلم مناصب سياسية، وقد استخدمت الدولة هذا الحظر لمنع سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية سابقًا، من الترشح ضد السيسي في الانتخابات الرئاسية في مارس 2018م. فبعدما أعلن عنان عن نيّته الترشح، جرى توقيفه في يناير ٢٠١٨م، ووُجِّهت إليه تهمة زرع الشقاق بين الجيش والشعب. اللافت أن القانون الجديد يزيد من خضوع كبار الضباط للرئيس الذي يمتلك القدرة على سحق التطلعات السياسية لكبار الجنرالات بمجرد استدعائهم للخدمة مدى الحياة. وهذا يؤدّي إلى تثبيت قبضة الرئيس على المؤسسة العسكرية، ويدفع بأفراد القوات المسلحة إلى الرضوخ له سعيًا وراء تحقيق منافع شخصية[77].
  • جاءت التعديلات على بعض القوانين العسكرية التي أقرها البرلمان في 6 يوليو 2020م، لتكبيل جميع قيادات الجيش المصري. بل وعُمِّمت على كافة الضباط حتى لا يستطيعوا أن يأخذوا قرارات منفردة وينتهجوا نهج الفريق عنان والفريق شفيق والعقيد قنصوه، حيث أقرت تلك التعديلات عدم جواز ترشح جميع قيادات الجيش وجميع الضباط بمختلف مستوياتهم سواء كانوا بالخدمة أو المعاش للانتخابات “الرئاسية، والبرلمانية، والمحليات… إلخ” إلَّا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية وقائده الأعلى[78].
  • صدق السيسي، على قانون جديد برقم 134 لسنة 2021م، يتضمن إدخال تعديلات في ثلاثة قوانين تتعلق بالقوات المسلحة. كان أبرز تلك التعديلات تقليص مدة بقاء رئيس أركان حرب وقادة الأفرع ومساعدي وزير الدفاع في مناصبهم إلى سنتين بدلًا من أربع سنوات ما لم يقرر الرئيس مد خدمتهم بها[79].
  • ثمَّة محطة مهمة وفارقة في علاقة السيسي بالقوات المسلحة، وهي التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2019م، والتي تضمنت صفقة متبادلة ومتكافئة بين الطرفين. فقد حصل السيسي على تعديلات تسمح له بتمديد مدته الرئاسة، لتزيد بمعدل سنتين، مع تعديل الفترات الرئاسية لتصبح سِت سنوات لكل فترة. في المقابل، حصل الجيش على تعديل المادة 200، التي تمنحه حق التدخل في الحياة السياسية، من خلال النص على كونه المسؤول عن صيانة الدستور والديمقراطية، وهو ما يمكن الاستناد إليه في الانقلاب على أي حاكم وعزله بحجة حماية الدستور والديمقراطية.

5. امتيازات “السَّادة” الضباط

 سيطرة السيسي على ضباط الجيش المصري تتم بشكل كبير من خلال الامتيازات الاقتصادية، والمالية، والاجتماعية، والمناصب العليا التي يمنحها لهم. هذه الامتيازات تمثل وسيلة قوية لضمان ولائهم وإبقائهم ملتزمين بحكمه. فيما يلي بعض تفاصيل هذه الامتيازات:

  • الامتيازات الاقتصادية

لم يكن الجيش جديدًا على الساحة الاقتصادية، لكن السيسي أعطى للمؤسسة العسكرية مساحة كبيرة للتغلغل في الاقتصاد المصري بشكل غير مسبوق منذ توليه السلطة في عام 2014م. هذا التوسُّع الاقتصادي للمؤسسة العسكرية جاء في إطار سياسة السيسي لضمان ولاء الجيش واستقراره في ظِل الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية.

وفقًا للتقديرات، يسيطر الجيش الآن على حوالي 40 إلى 60 بالمئة من الاقتصاد المصري، عبر عدة قطاعات إستراتيجية، مثل البنية التحتية، والنقل، والعقارات، والصناعات الغذائية. هذا التوسُّع يضع الجيش في قلب الاقتصاد المصري، مما يعزز من نفوذه، ليس فقط في المجال العسكري ولكن أيضًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية[80].

يُعتبَر الجيش بمثابة “دولة داخل الدولة”، حيث يتمتع بحرية اقتصادية كاملة وتفوق تنافسي واضح في كثير من القطاعات، كالبنية التحتية. فمشروع العاصمة الإدارية على سبيل المثال، والذي تتولاه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، يقدر بحوالي 45 مليار دولار[81]، وتوسعة قناة السويس حوالي 8.2 مليار دولار[82]. وهناك مشاريع الإسكان الاجتماعي، وقطاع البتروكيماويات، مثل شركة النصر، وشركات وطنية للبترول والشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات.

وهذا الدور الموسع في عهد السيسي الذي تضطلع المؤسسة العسكرية، عبر هيئاتها وشركاتها، يمنحها نفوذًا ماليًّا وهيكليًّا، دون شفافية رقابية مدنية كافية. ومع هذه الامتيازات المؤسسية تخلق بيئة ربحية واسعة لصالح الجيش.

وأطلق السيسي يد الجيش في تأسيس وإدارة شركات ضخمة دون رقابة مالية أو ضريبية. وكانت الحكومة قد أصدرت “قانون التعاقد” رقم 182 لعام 2018م، الذي يسمح للجيش والشركات العسكرية بالإعفاء من الرقابة والمحاسبة. وينص هذا القانون على أن تنفيذ العقود، دون اتباع المناقصة العامة، بهدف “حماية الأمن القومي”، ما يسمح لهذه الجهات بالسرية المطلقة في عقود البيع أو الشراء أو الأرباح. وهذه الشركات تحصل على إعفاءات من الضرائب والجمارك، ما يزيد من أرباحها ويمنحها قدرة تنافسية في مقابل القطاع الخاص، وهو ما يُعزِّز مكانة الضباط العاملين بها[83].

هذا بالإضافة إلى الاستفادة من المجندين كقوة عاملة رخيصة، نظرًا لأن المجندين يتقاضون رواتب منخفضة مقارنة بالقطاع الخاص، مما يقلل من تكاليف الإنتاج ويزيد من أرباح الشركات التابعة للجيش.

وعلي الرغم من الضغوط الخارجية لتحجيم دور الجيش في الاقتصاد، كنوع من إصلاح الاقتصاد المصري المتهالك، مما أدَّي إلي تعهد السيسي بذلك الإصلاح وطرح بعض الشركات التابعة للقوات المسلحة في البورصة المصرية، للحصول على القروض من صندوق النقد، إلَّا أن السيسي تراجع بعد رفض الجيش لتلك الخطوات، مما يُبيّن أهمية رضا الجيش، وأن رضاه مقدم وأهم من رضا الشعب بالنسبة للسيسي[84].

  • الامتيازات المالية

الرواتب والمكافئات: أحد أبرز أشكال الامتيازات التي مُنِحت لضباط الجيش المصري هي الرواتب والمكافآت السخية. وفقًا للقوانين التي تمَّ إقرارها في السنوات الأخيرة، يتمتع كبار ضباط الجيش، خاصة من الرتب العليا، مثل اللواء والعقيد، برواتب مرتفعة للغاية مقارنة بنظرائهم في المؤسسات المدنية. هذه الرواتب تأتي بالإضافة إلى المكافآت التي يحصلون عليها بشكل دوري، مثل علاوات الخدمة وعلاوات الترقية، وهو ما يضمن لهم دخلًا ثابتًا وكبيرًا حتى بعد التقاعد.

على سبيل المثال: الضباط الذين يُستدعون للخدمة مدى الحياة يحصلون على جميع الامتيازات المقررة للوزراء في الحكومة، بما في ذلك الرواتب العالية والمخصصات الخاصة بالسفر والحرس الشخصي والمكافآت الأخرى. كما ينص القانون على أن أي ضابط يتم استدعاؤه للخدمة بعد تقاعده يحتفظ بجميع الامتيازات التي كان يحصل عليها أثناء الخدمة.

تمَّ إقرار زيادات كبيرة في الرواتب، في 19 نوفمبر 2013م، حيث أقرت زيادة 2000 جنيه لأجور ضباط الحرس الجمهوري، وبعدها تمَّ إقرار زيادة 50 بالمئة للجميع، وهكذا توالت الزيادات[85].

ويتم منح الضباط الكبار في الجيش المصري أوسمة ومكافآت تقديرًا لجهودهم، وهذه الأوسمة لا تكون شرفية فقط، بل تترافق مع زيادات مالية كبيرة في الرواتب والمعاشات التقاعدية. كما أن هذه الأوسمة تعزز مكانتهم الاجتماعية، مما يمنحهم مزيدًا من النفوذ والاحترام.

المعاشات والتقاعد: المعاشات العسكرية تشهد زيادات مماثلة للرواتب الشهرية، حيث يحصل الضباط المتقاعدون على تحسينات كبيرة في معاشاتهم. فمثلًا تمَّ إصدار قرار رئاسي عام 2014م بزيادة المعاشات العسكرية بنسبة 15 بالمئة من أول يوليو، وآخر في 2015م تضمن زيادة المعاشات بنسبة 10 بالمئة ورفع الحد الأقصى لبدل طبيعة العمل في القوات المسلحة من 15 بالمئة إلي 250 بالمئة دفعة واحدة مما يرفع المعاشات أيضًا. وفي 2016م، صدر قرار جمهوري بصرف معاشات استثنائية، وصدر أيضًا قانون من مجلس النواب بزيادة 10 بالمئة. وفي يوليو 2017م، صدر قانون يتضمن زيادة 15 بالمئة، وفي 15 أبريل 2020م صدر قرار بزيادة 15 بالمئة لمدة سبع سنين قادمة مراعاة للغلاء[86]. وفي ديسمبر 2017م، تمَّ إصدار قانون لرفع سِن التقاعد لبعض الرتب العسكرية، مما يسمح للضباط بالبقاء في الخدمة لفترة أطول وبالتالي الاستفادة من الرواتب والمكافآت لفترة أطول. فمثلا تمَّ رفع سن التقاعد للضباط برتبة فريق من 62 إلى 64 عامًا[87].

بعد التقاعد، يتم تعيين العديد من الضباط في مناصب عليا في القطاعين العام والخاص، مما يمنحهم مصادر دخل إضافية إلى جانب معاشاتهم، مما يضمن استمرار تدفق الدخل لفترة طويلة بعد ترك الخدمة.

الامتيازات الاجتماعية: أعطى السيسي للضباط بمختلف الرتب الكثير من المزايا الاجتماعية إلى جانب الامتيازات المالية، حيث يتمتع ضباط الجيش المصري بمجموعة واسعة من المزايا الاجتماعية التي تشملهم وأفراد أسرهم، مما يضمن لهم معاملة خاصة، تجعلهم فوق بقية المواطنين. هذا يشمل الحق في الحصول على خدمات طبية مجانية، أو بأسعار مخفضة، في المستشفيات العسكرية، فضلًا عن الأولوية في الحصول على الخدمات العامة، مثل التعليم، والإسكان.

على سبيل المثال، أصدر السيسي قرارًا في يوليو 2022م، وتمَّ تعميمه علي جميع مؤسسات الدولة. ويتضمن هذا القرار عدة أمور:

  • شدّد القرار على أن “وزارة الدفاع هي الوزارة السيادية رقم (1) في البلاد، ويتمتع “السادة” الضباط والأفراد فيها بحصانة تمنع أي جهة مدنية من مساءلتهم، ومَن يمس بهذه الحصانة يخضع للتحقيق الفوري والمساءلة أيًّا مَن كان من المؤسسات المدنية.
  • لا يخضع “السادة” الضباط والأفراد (بالجيش) لقانون الطوارئ نصًّا صريحًا، ولا يحق لأي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني تفتيش ممتلكات “السادة” الضباط والأفراد.
  • إذا تواجد أحد الضباط أو أحد أفراد أسرته في مؤسسة حكومية أو قسم شرطة لأي سبب كان، يتم التعامل معهم مباشرة من قبل أعلى رتبة في المكان، ويتم تسهيل جميع أمورهم بسرعة وبأولوية، مما يضمن لهم امتيازات في التعامل اليومي لا يحصل عليها المواطنون العاديون[88].

كذلك أصدر السيسي قرارًا، نشر في الجريدة الرسمية، في 6 يوليو 2022م، يمنح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية مثل الليسانس والبكالوريوس في تخصصات متنوعة، بما في ذلك العلوم السياسية والاقتصاد وإدارة الطيران وإدارة الأعمال لخريجي الكليات الحربية، مما يمنحهم الحق في تولي كثير من المناصب المدنية[89].

المناصب العليا: أصدر النظام قانون الخدمة المدنية رقم 81 في سنة 2017م، وتعطي المادة 21 منه الرئيس سلطة تعيين المسئولين في المناصب القيادية، مما يسمح للسيسي بتعيين مزيد من الضباط السابقين في مناصب مدنية رفيعة في الحكومة والقطاع العام حال إحالتهم على المعاش، حيث سيحظون براتب مدني جديد إضافة إلى راتبهم التقاعدي العالي.

استحوذ مزيد من اللواءات المتقاعدين على مناصب حكومية مهمة مسؤولة عن إدارة ميزانية الدولة واقتصادها الوطني. واستأثر هؤلاء بالمناصب البيروقراطية بدءًا من منصب مدير قناة السويس وشركاتها المملوكة للدولة وحتى منصب وزير التموين ووزير النقل ومحافظ القاهرة ورئيس الهيئة العامة للتنمية الزراعية ووكيل وزارة الإسكان ومناصب أخرى، على سبيل المثال لا الحصر.

علاوةً على ذلك، يحتل لواءات سابقون منصب المحافظ في معظم محافظات البلاد. مثلًا تمَّ تعيين ١٦ لواءً وفريقًا من أصل ٢٤ محافظ عام ٢٠٢٤م[90]، بالإضافة إلى توليهم مناصب القيادة في عدد كبير من المحليات أو إدارة أقسام كبيرة من المدن[91].

خاتمة

الصراع بين الرئاسة وقيادة الجيش في مصر يُعد أحد الركائز الأساسية التي تشكلت حولها السياسة المصرية منذ ثورة يوليو 1952م.

هذا الصراع المستمر يعكس بشكل مباشر تعقيدات العلاقة بين السلطة التنفيذية والمؤسسة العسكرية، حيث يسعى كل طرف إلى تأكيد سيطرته على الآخر.

من خلال هذا الصراع، تشكلت ملامح النظام السياسي في مصر، وتمَّ تحديد أدوار السلطة المركزية والجيش، مما أثر على جميع جوانب الحياة في البلاد.

يُظهِر التاريخ أن هذا الصراع لا يقتصر فقط على خلافات شخصية بين قادة، بل يعكس تنافسًا عميقًا على النفوذ السياسي، الاقتصادي، والأمني. ويتسم هذا الصراع بعدة سمات رئيسة، ساهمت في تشكيل ملامحه وحدوده، وهى كالتالي:

1. استمرارية الصراع: منذ تأسيس النظام الجمهوري في مصر، ظلت العلاقة بين الرئاسة والجيش مضطربة، ولم تهدأ أبدًا بشكل كامل. على مدار سبعة عقود، كان كل رئيس يأتي إلى السلطة مجبرًا على مواجهة هذا الصراع، بحثًا عن سلطته ونفوذه ضد أطماع قادة الجيش وتطلعاتهم السياسية والاقتصادية، إما بتعزيز نفوذه داخل المؤسسة العسكرية، أو بتحقيق نوع من التوازن بينها وبين سلطته. هذه الاستمرارية تظهر أن الصراع بين الرئاسة والجيش ليس مجرد حالة عابرة ترتبط بفترات معينة، بل هو جزء لا يتجزأ من بنية النظام السياسي في مصر. ومنذ عهد الرئيس محمد نجيب وحتى عبدالفتاح السيسي، لم يختفِ هذا الصراع، بل تغيرت أدواته وأشكاله حسب الظروف السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد.

2. تعدد الأدوات المستخدمة: لم يدخر أي طرف أية وسيلة لتعزيز نفوذه ومصالحه، ما جعل الصراع يتسم بالتعقيد والتشعب. ولهذا تعددت الأدوات التي استخدمها كل من الرئاسة وقيادة الجيش في على مر العصور، وتنوعت أيضًا، فهي ما بين رسمية وغير رسمية، وما بين الترهيب والترغيب، مثل:

  • الاعتماد على المناورات السياسية والعسكرية، حيث يستخدم كلا الطرفين أدوات سياسية وعسكرية لإضعاف الآخر. هذه المناورات تتراوح بين استقطاب قادة الجيش وتشكيل تحالفات داخلية، واتخاذ قرارات سياسية تحد من نفوذ الجيش أو القيادة الرئاسية.
  • التصفية والإقصاء، حيث تضمن تاريخ الصراع بين الرئيس وقيادة الجيش الكثير من عمليات التصفية والإقصاء، فتم إبعاد القادة العسكريّين الذين يمثلون تهديدًا للرئاسة أو العكس. وغالبًا ما تكون هذه التصفيات في السر، أو باستخدام وسائل تبدو قانونية أو إدارية للتنكيل بهم.
  • السيطرة على المناصب الحساسة، من خلال التعيينات العسكرية الهامة، مثل تعيين قادة الجيش ورؤساء المخابرات، وهي التعيينات التي تكون دائمًا موضع صراع. فالرئاسة تسعى إلى ضمان ولاء القادة، بينما تحاول القيادة العسكرية حماية مصالحها عبر دعم بعض الشخصيات التي ترى أنها مؤتمنة على حماية نفوذ الجيش.
  • استخدام وسائل إعلامية ودعائية، وغالبًا ما يتم توظيف هذه الوسائل لإبراز ولاء الجيش للرئيس أو الترويج للرئيس باعتباره القائد الأعلى للجيش. في مراحل الصراع الحادة، يتم استبعاد القادة الذين يمثلون تهديدًا أو تقليص دورهم إعلاميًّا.
  • استخدام التشريعات القانونية والدستورية، أو حتى القرارات الرئاسية والجمهورية، للحد من نفوذ الجيش.
  • الأدوات الاقتصادية والمالية، كالامتيازات، وزيادة الرواتب والمعاشات.
  •  الأدوات الأمنية، كاستخدام أجهزة الأمن والاستخبارات للمراقبة والتجسس، وهو ما ظهر جليًّا في تسريبات السيسي.

3. استغلال الأوراق الاقتصادية. الاقتصاد كان دائمًا في قلب الصراع، حيث سعت القيادة السياسية دائمًا للحفاظ على ولاء الجيش من خلال توجيه الاستثمارات والمشروعات الاقتصادية الكبرى لتكون تحت إشراف المؤسسة العسكرية. وهكذا أصبح الجيش لاعبًا رئيسًا في الاقتصاد المصري، حيث يمتلك شركات ومؤسسات اقتصادية تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد، بما في ذلك الصناعات الثقيلة، والزراعة، والبنية التحتية، وحتى السياحة. هذه السيطرة الاقتصادية عززت من نفوذ الجيش السياسي، وجعلت منه شريكًا لا يمكن تجاوزه في إدارة الدولة. لكنها في الوقت ذاته جعلت الاقتصاد المصري أسيرًا للجيش، مما أثر على دور القطاع الخاص وأعاق التنمية الاقتصادية بشكل عام.

4. التأثير طويل الأمد: أحد الجوانب المهمة لهذا الصراع هو التأثير طويل الأمد الذي تركه على بنية الجيش نفسه. عبر عقود، تغيرت تركيبة القيادة العسكرية، حيث أصبح الرؤساء يعتمدون على التغييرات المستمرة في القيادة لضمان ولاء الجيش ومنع تركز السلطة بيد قائد واحد. هذه السياسة أضعفت الجيش في بعض الأحيان، حيث كانت التعيينات تتم بناءً على الولاء الشخصي بدلًا من الكفاءة المهنية، مما أثر على فعالية الجيش وقدرته على التعامل مع التحديات الأمنية الخارجية.

الصراع بين الرئاسة وقيادة الجيش في مصر خلف العديد من العواقب التي أثرت بشكل كبير على الدولة والمجتمع المصري عبر عقود. يمكن تقسيم هذه العواقب إلى عدة أقسام:

أ. العواقب السياسية:

  • استمرار الحكم العسكري: نتيجة لهذا الصراع، حافظ الجيش على دوره المركزي في الحياة السياسية، مما منع نشوء نظام ديمقراطي مستقر. هيمنة الجيش على الحكم تعني أن القرارات السياسية تتأثر بمصالح المؤسسة العسكرية، وهو ما أدَّى إلى تأخر التحول الديمقراطي في مصر.
  • إضعاف المؤسسات المدنية: بسبب هذا الصراع، تهمشت المؤسسات المدنية، بما في ذلك الأحزاب السياسية، البرلمان، والسلطة القضائية، حيث كانت الأولوية دومًا للسيطرة على الجيش بدلًا من تعزيز هذه المؤسسات.
  • عدم الاستقرار السياسي: هذا الصراع خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي الدائم، مما يؤدي إلى قلق سياسي وأحيانًا إلى اضطرابات داخلية وتمردات كما حدث في محاولات انقلابات عبدالحكيم عامر على عبدالناصر، أو اغتيال السادات، وأحداث 25 يناير وغيرها.
  • إعاقة المسار الديمقراطي: بسبب هذا الصراع، لم تتمكن مصر من تحقيق انتقال سلمي للسلطة، فالانتخابات غالبًا ما كانت تتعرض للتلاعب، والنظام السياسي كان يعتمد بشكل أساسي على القوة العسكرية للحفاظ على استقراره، مما أدى إلى إعاقة أي محاولات لإقامة نظام ديمقراطي حقيقي.
  • تآكل الدولة لصالح الجيش: نتيجة لهذا الصراع، تآكلت مؤسسات الدولة المدنية لصالح مؤسسات الجيش. فقد تمَّ تركيز السلطة بيد الرئيس والجيش، حيث أصبح الجيش القوة الفاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية، بينما تراجع دور المؤسسات الحكومية الأخرى، مما أدى إلى ضعف الدولة المصرية بشكل عام.

ب. العواقب الاجتماعية:

  • تشويه العلاقة بين المجتمع والجيش الذي كان يُنظر إليه تقليديًّا على أنه حامي الدولة والمجتمع، وذلك بعد أن تدخل بشكل أكبر في الحياة السياسية والاقتصادية، مما خلق فجوة بينه وبين قطاعات واسعة من الشعب. ففي بعض الفترات، استخدم الجيش كأداة لقمع المعارضين السياسيين أو السيطرة على الحركات الشعبية، وهو ما أدَّى إلى تآكل الثقة بينه وبين المواطنين.
  • ازدياد الفوارق الاجتماعية نتيجة لسيطرة الجيش على قطاعات واسعة من الاقتصاد، وحصول رجاله على الامتيازات المالية. فقد حصل الضباط وعائلاتهم على امتيازات كبيرة في التعليم، والرعاية الصحية، والسكن، بينما بقي باقي المواطنين يعانون من ضعف الخدمات وانعدام الفرص الاقتصادية. وكذا التمييز في المعاملة من قبل الدولة. هذا الأمر خلق شعورًا بالاحتقان بين المواطنين الذين يشعرون بأنهم يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية.

ج. العواقب الأمنية والعسكرية:

  • تضخم دور الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، حيث اعتمدت الرئاسة بشكل كبير على أجهزة الأمن للتجسس على الجيش ومراقبة تحركاته. وبدورها، استخدمت قيادة الجيش هذه الأجهزة للتأكد من ولاء ضباطها والتخلص من أي تهديدات محتملة من داخل الجيش نفسه. هذه السيطرة الأمنية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من النظام السياسي المصري، حيث تحولت الدولة إلى دولة أمنية تعتمد بشكل أساسي على القمع والرقابة للحفاظ على استقرارها. وفي فترات مختلفة، شهدت مصر تصاعدًا في القمع السياسي ضد المعارضين أو من يُشتبَه في ولائهم، مما أثر على حالة الحريات العامة وأدى إلى تراجع كبير في حقوق الإنسان.
  • ضعف الجيش نتيجة الصراعات الداخلية. فالصراع الداخلي بين القادة العسكريّين والرئاسة أدَّى إلى إضعاف الجيش في بعض الفترات. وبدلًا من التركيز على تطوير القدرات العسكرية وحماية البلاد من التهديدات الخارجية، انشغل الجيش بالصراعات الداخلية، مما أضعف قدرته على مواجهة التحديات الأمنية، خاصة بعدما أصبحت الترقيات للمناصب العليا تعتمد علي الولاء والثقة وليس الكفاءة.

د. العواقب الاقتصادية:

  • من الناحية الاقتصادية، كان للسيطرة المتبادلة بين الرئاسة والجيش تأثير كبير على الاقتصاد المصري، فالجيش المصري لا يقتصر دوره على الحماية والدفاع عن البلاد، بل أصبح لاعبًا اقتصاديًّا رئيسًا يمتلك الشركات والمشروعات الصناعية، ويتحكم في قطاعات واسعة من الاقتصاد. هذه السيطرة الاقتصادية لم تكن مجرد وسيلة لزيادة أرباح الجيش، بل كانت أداة للرئاسة لضمان ولاء القيادات العسكرية، حيث يتم تقديم الامتيازات والفرص الاقتصادية كجزء من الصفقات السياسية.
  • الهيمنة الاقتصادية العسكرية لم تكن بلا ثمن، فقد تسببت في تقليص دور القطاع الخاص، حيث بات الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على المؤسسات العسكرية التي لا تخضع للرقابة أو المحاسبة مثل باقي القطاعات الاقتصادية. وهذا الوضع أسهم في إضعاف الاقتصاد المصري بشكل عام، حيث أن الشركات والمشروعات الخاصة واجهت صعوبات في التنافس مع الشركات المملوكة للجيش التي تتمتع بامتيازات استثنائية، مثل الإعفاءات الضريبية وعدم الخضوع للرقابة والمحاسبة واستخدام الأيدي العاملة المجانية من المجندين.

أخيرًا، يمكن القول إن الصراع بين الرئاسة وقيادة الجيش في مصر قد شكّل بنية النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد على مدى العقود الماضية. واستمرارية هذا الصراع، وتعدد الأدوات المستخدمة فيه، والتركيز الكبير على الاقتصاد والدعاية، كلها عوامل جعلت من هذا الصراع جزءًا لا يتجزأ من النظام المصري. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة لتجاوز هذا الصراع أو السيطرة عليه، إلَّا أنه لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا أمام استقرار الدولة المصرية وتطورها. ومع استمرار هذا الصراع، يبقى السؤال الأهم هو: هل تشهد مصر في المستقبل نظامًا سياسيًّا جديدًا يسمح بتداول السلطة وبناء دولة مدنية حقيقية، أم أن نمط الحكم العسكري سوف يظل هو السائد لعقود قادمة؟


[1] محمد عبدالفتاح أبوالفضل، تأملات في ثورات مصر على ضوء قراءات تاريخية: ثوره 23 يوليو 1952، الجزء الأول، القاهرة: الهيئة المصرية العامه للكتاب، ص 155.

[2] خالد محي الدين، والآن أتكلم، الطبعه الأولى، القاهرة، مركز الأهرام للترجمة، 1992، ص 225.

[3] محمد عبدالفتاح أبوالفضل، مصدر سابق، ص 155.

[4] عبداللطيف البغدادي، مذكرات عبداللطيف البغدادي، ج١، القاهرة، المركز المصري الحديث، ص 87 -88.

[5] المصدر السابق، ص 87-86.

[6] محمد نجيب، كلمتي للتاريخ، القاهرة: دار الطباعه الحديثة، 1981، ص96 -97.

[7] عبداللطيف البغدادي، مصدر سابق، ص95.

[8] عبدالعظيم رمضان، عبدالناصر وأزمة مارس، القاهرة، مكتبة روزاليوسف، 1976، ص 174-175.

[9] أحمد حمروش، قصه ثوره 23 يوليو مصر والعسكريون،ج١، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992، ص 334.

[10] عبدالمحسن أبو النور، يروي الحقيقه عن ثوره يوليو، الهيئه المصريه العامه للكتاب، 2003،  ص 58.

[11] كرم شلبي،20 عامًا هزت مصر.. دراسه ووثائق في أزمه مارس، دار اسامه للطباعه والنشر، 1976، ص 21-22.

[12] عبداللطيف البغدادي، مصدر سابق، ص148.

[13] عبدالعظيم رمضان، مصدر سابق، ص212.

[14] عبدالرحمن الرافعي، ثوره 23 يوليو 1952 تاريخنا القومي في سبع سنوات، القاهرة، مكتبة النهضة، 1959، ص 124.

[15] محمد صابر عرب، أزمه مارس 1954 في الوثائق البريطانيه، القاهرة، دار الكتب والوثائق القوميه، ص468.

[16] عاصم الدسوقي، مقامات ناصريه لكشف أكاذيب خصوم ناصر، القاهرة، دار الجمهوريه للصحافة، ص65.

[17] نبيل السيد الطوخي، الصراع على السلطه بين عبدالناصر ومحمد نجيب 1953- 1954، مجلة مركز البحوث التاريخية، جامعة القاهرة، عدد 2، 2019، ص357.

[18] طارق حبيب، صفحات من ملفات الثوره، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003، ص 60.

[19] عز الدين عمر، خرافة باسم الشعب.. الوجه الآخر للزعيم جمال عبدالناصر، ميدان – الجزيرة، 12 أكتوبر 2018،https://is.gd/I0rCSU

[20] صلاح عيسى، سلاح الديمقراطية في معركة الصراع بين “ناصر” و”عامر” (2 من 2)،٢٤ الخبر بين لحظة وضحاها، 3 أغسطس 2014،https://is.gd/oC9rbE

[21] خالد فهمى، هدف التعديلات حسم صراع الرئاسة والجيش القائم منذ عبدالناصر، علامات أون لاين، 20 أبريل 2019،https://is.gd/mQTCcG

[22] شهادة محمد فوزى، مع عماد الدين أديب،https://bit.ly/2EYhnzI

[23] بهى الدين حسن، المؤسسة العسكرية المصرية نحو صراع سياسي جديد، صدى، كارنييجى،https://carnegieendowment.org/sada/79097

[24] عز الدين عمر، مصدر سابق.

[25] مراد غالب (سفير مصر في موسكو 1956)، برنامج شاهد على العصر، مع أحمد منصور، الجزيرةhttps://bit.ly/2EYhnzI

[26] حسين الشافعى (نائب رئيس الجمهورية)، برنامج شاهد على العصر، مع أحمد منصور،https://is.gd/EIQcNa

[27] الصراع بين الجيش والرئاسة.. عبدالناصر والرهان الخاسر، إخوان ويكى،https://is.gd/CjYIwA

[28] مدحت عبدالرازق، القناع يسقط عن الذئاب فى قفص الهزيمة، 2 أبريل 2010،https://is.gd/IzoTFb

[29] يسرا الشرقاوى، 50 عامًا على «ثورة التصحيح» فى مايو 1971.. السادات يرد على «مراكز القوى»: «أرادوا انهيارًا دستوريًا.. فلم يصنعوا إلا زوبعة فى فنجان»، الأهرام، 21 مايو 2021،https://is.gd/6U6wo1

[30] عبدالله السناوي، هيكل والسادات وعاصفة مايو!، الشروق، 9 مايو 2021،https://is.gd/giFQjX

[31] Robert Springborg, the president and the field marshal …civil military relations in Egypt today, middle east report, august 1987.

[32] Ibid.

[33] Ibid.

[34] أحمد عبدالله رزة، الجيش والديمقراطية فى مصر، سينا للنشر، 1990، ص69.

[35] نجم الهاشم، عملية خطف الباخرة “أكيلي لاورو” بدأت في البحر وانتهت في الجو، إندبندنت عربية، 6 يناير 2023م.

[36] Robert Springborg, the president and the field.

[37] حمدى فؤاد، تقرير زيارة أبوغزالة إلى أمريكا، الأهرام، 25 يونيو 1986.

[38] أحمد عبدالله رزة، مصدر سابق، ص 74.

[39] Robert Springborg, the president and the field.

[40] Ibid.

[41] محمد العلي، رحيل أبو غزالة وزير الدفاع المصري الطموح، الجزيرة نت، 7 سبتمبر 2008،https://is.gd/xaTTmc ، وانظر أيضًا: علاء عبدالرازق، في ذكرى وفاة المشير أبو غزالة.. لماذا أقاله الرئيس مبارك من منصب وزير الدفاع؟، الجزيرة نت، 8 سبتمبر 2021،https://is.gd/VqO6uW  

[42] السيسي يطيح بشركاء الانقلاب.. من تبقى من أعضاء المجلس العسكري؟، عربي ٢١، يوليو 2024، https://is.gd/E4jqtv

[43] محمود جمال، المجلس العسكري.. أبعاد التفكيك والتركيب، شبكة رصد، ديسمبر ٢٠١٦،https://rassd.news/198472.htm

[44] المصدر السابق.

[45] نفس المصدر.

[46] ماذا وراء إزاحة السيسي شركاء الانقلاب؟، الجزيرة نت، نوفمبر 2017،https://is.gd/300Q7g

[47] السيسي وحجازي.. لعبة الكراسي العسكرية، ترك برس، أكتوبر 2017،https://www.turkpress.co/node/41218

[48] مصدر سابق: السيسي يطيح بشركاء الانقلاب.. من تبقى من أعضاء المجلس العسكري؟

[49] السيسي يطيح بخمسة قادة عسكريين من مناصبهم خلال 2019، قسماوى نت، ديسمبر 2019،https://kasmawi.net/?mod=articles&ID=134690&c=14

[50] السيسي يطيح بشركائه في التعديل الوزاري: عسكرة الدولة وتأصيل الفساد، نون بوست، يوليو 2024،https://www.noonpost.com/225089/amp/

[51] سياسة عربية، السيسي يطيح برئيس أركان الجيش المصري ويعين الفريق أحمد خليفة خلفا له، عربي ٢١، يوليو 2024، https://is.gd/AJ4xga

[52] محمود جمال، عسكر مصر وثورة يناير: السياسات والتحولات، يناير ٢٠٢١، https://is.gd/2yChJK

[53] الفريق أحمد شفيق، رئيس مجلس وزراء مصر خلال الفترة من يناير 2011 إلى مارس 2011، وشغل قبل رئاسة مجلس الوزراء منصب قائد القوات الجوية المصرية خلال الفترة من 1996 إلى 2002، ووزيرًا للطيران المدني خلال الفترة من 2002 إلى 2011. وكان يعتبر مرشح المؤسسة العسكرية في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٢. انظر: محمود جمال، السيسي وسياسات الهيمنة على قيادات الجيش، يونيو 2021،https://is.gd/xLbiV3

[54] يوسف حسني، تسريبات شفيق رسائل للجيش والسيسي والمصريين، الجزيرة نت، مارس 2013، https://is.gd/AWkrgb

[55] أحمد شفيق يقر بصحة تسجيل هاجم فيه السيسي.. ويعلن دعمه له للرئاسة، CNN عربية، مارس ٢٠١٤،https://arabic.cnn.com/middleeast/2014/03/13/shafik-easd-record

[56] نيويورك تايمز: شفيق انسحب مجبرًا من سباق الرئاسة بمصر، الجزيرة نت، يناير ٢٠١٨،https://is.gd/uUAOqO

[57] أحمد شفيق يقول إنه “مُنع من مغادرة الإمارات” بعد ساعات من إعلان نيته الترشح في انتخابات الرئاسة في مصر، BBC news عربي، نوفمبر 2017،https://www.bbc.com/arabic/middleeast-42175912

[58] صدقي صبحي اختفى من المشهد وعنان وشفيق تحت الإقامة الجبرية.. أين اختفى خصوم السيسي؟، عربي بوست، مارس 2021،https://is.gd/1T0Dac

[59] حسن زنيند، ترشح شفيق “استفزاز” للسيسي و”إرباك” للحسابات الإقليمية، DW عربي،https://is.gd/YYVe7q

[60] مصدر سابق، صدقي صبحي اختفى من المشهد وعنان وشفيق تحت الإقامة الجبرية.

[61] المصدر السابق.

[62] عنان يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة، Sky news، فبراير 2014،https://is.gd/wQX1e4

[63] عنان يعلن عدم ترشحه لرئاسيات مصر، الجزيرة نت، مارس 2014،https://is.gd/Q04iLe

[64] مصر: رئيس الأركان الأسبق سامي عنان يعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة 2018، France 24، يناير 2018،https://is.gd/NhHr3I

[65] مصدر سابق: صدقي صبحي اختفى من المشهد وعنان وشفيق تحت الإقامة الجبرية.

[66] المصدر السابق.

[67] لماذا عزل السيسي شريكه في الانقلاب؟، الجزيرة نت، يونيو 2018،https://is.gd/pRQzKR

[68] مصدر سابق: صدقي صبحي اختفى من المشهد وعنان وشفيق تحت الإقامة الجبرية.

[69] مصدر سابق: السيسي وسياسات الهيمنة على الجيش.

[70] عبدالرحمن محمد، الحكم بسجن مرشح رئاسي محتمل في مصر، الجزيرة نت، ديسمبر ٢٠١٧، https://is.gd/WOvwbr

[71] وسط ترقب حذر وتشديدات أمنية: تواصل المظاهرات في مصر ودعوات تتعالى للتغيير،https://bit.ly/2vWeria

[72] مرجع سابق: عسكر مصر وثورة يناير: السياسات والتحولات.

[73] المؤسسة العسكرية المصرية وحراك 20 سبتمبر.. سياقات الأزمة ومؤشرات التسوية، الاستقلال،https://www.alestiklal.net/ar/article/dep-news-1581780555

[74] مرجع سابق: عسكر مصر وثورة يناير: السياسات والتحولات.

[75] نفس المرجع.

[76] ما دلالات تصديق السيسي على تقليص مدة خدمة قادة الجيش؟، عربي ٢١، يوليو ٢٠٢١، https://is.gd/NGKJqp

[77] ماجد مندور، حصانة للقوات المسلحة في مصر، يوليو ٢٠١٨، معهد كارنيجي للسلام، https://carnegieendowment.org/

[78] محمود جمال، السيسي وسياسات الهيمنة على قيادات الجيش، أضواء للبحوث والدراسات، يونيو ٢٠٢١، https://is.gd/xLbiV3

[79] مصدر سابق: ما دلالات تصديق السيسي على تقليص مدة خدمة قادة الجيش؟

[80] بومدين عربي، العلاقات المدنية العسكرية وتحدي دمقرطة النظم العربية مصر دراسة حاله بعد ٢٠١١، جامعة الجزائر٣، المجلد العاشر، عدد يونيو ٢٠١٩، ص٣٦،https://dspace.univ-alger3.dz/jspui/handle/123456789/3949

[81] من الجيش وإلى الجيش.. السيسي يموّل العاصمة الجديدة من ميزانية الدولة، لكن الأرباح تذهب للمؤسسة العسكرية، عربي بوست، ١٧ أكتوبر ٢٠١٩،https://vurl.com/jLVlR

[82] قناة السويس بين الواقع والطموح، حلول للسياسات البديلة، ٦ أغسطس ٢٠٢٣،https://vurl.com/kDVm5

[83] محمود خالد، توسيع الاقتصاد العسكري في مصر، ٢٦ مارس 2020https://is.gd/dV698T ،

[84] السيسي يخشى غضب الجنرالات.. خروج الجيش من الاقتصاد المصري مهمة مستحيلة، مركز إنسان للدراسات، ٢٥ يناير٢٠٢٣م،https://is.gd/FK9sdl

[85] رامى ربيع، شاهد| 7 زيادات لرواتب الجيش والشرطة في عهد السيسي، بوابة الحرية والعدالة، ٦ مايو ٢٠١٧،http://tny.im/4PguU

[86] محمد أحمد، للمرة العاشرة.. زيادة في رواتب ومعاشات العسكر بمصر، عربي ٢١، ١٢ مايو ٢٠١٩،https://is.gd/ocOsEq

[87] نورا فخري، محمود حسين، البرلمان يوافق نهائيًا على تعديل قانون التقاعد والمعاشات للقوات المسلحة، اليوم السابع، ١٩ ديسمبر ٢٠١٧،https://is.gd/uPGMSs

[88] خاص.. السيسي يمنح ضباط الجيش حصانة غير مسبوقة، عربي ٢١، ٢ يوليو ٢٠٢٢،https://is.gd/PFXvfB

[89] السيسي يمنح العسكريين شهادات علمية.. ما توابع القرار؟ عربي ٢١، ١٦ يوليو ٢٠٢٢،https://is.gd/N724Iw

[90] غادة عبدالحافظ، رحيل 21 وبقاء 6.. ننشر القائمة الكاملة لحركة المحافظين الجديدة 2024، المصري اليوم، ٣ يوليو ٢٠٢٤،https://vurl.com/lDVn5

[91] منى إبراهيم، ورقة مؤتمر: الجيش والاقتصاد في مصر بين الاحتكارات والفساد والاضطرابات الاجتماعية، رواق عربي، ١٦ أكتوبر ٢٠٢٠،https://is.gd/2qK4KH

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى