ترجماتغير مصنف

ذي إيكونوميست: الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد

نشرت مجلة “ذي إيكونوميست“، وهي مجلة بريطانية أسبوعية تهتم بنشر الأخبار والشؤون الدولية، في التاسع والعشرين من مايو 2025، مقالًا بعنوان: “الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد”. وبحسب المجلة البريطانية العريقة، فقد انقلبت الطاولة على دول كانت قوية في السابق، وعلى رأسها مصر، بينما برزت دول أخرى غيرها، خاصة دول الخليج، لتحتل موقع الصدارة في السياسة الإقليمية.

ترى “ذي إيكونوميست” أن عبد الفتاح السيسي كان من بين أكبر الخاسرين في المنطقة، حيث قارنت المجلة البريطانية بين المستوى العالي من الاهتمام بالسيسي والاحتفاء به قبل ثماني سنوات من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إبان فترته الرئاسية الأولى وكذلك حلفاء السيسي الإقليميين، وبين التجاهل التام له مؤخرًا عندما زار ترامب السعودية من جديد خلال فترته الرئاسية الحالية.

تقول المجلة البريطانية إنه في المرة السابقة، كان ترامب قد احتفى بـ “ديكتاتوره المفضل”، كما يحلو له أن يطلق عليه، ورحب به ترحيبًا حارًّا في البيت الأبيض في شهر إبريل من عام 2017م. وعندما زار السيد ترامب الرياض للمرة الأولى، بعد بضعة أسابيع من استقبال عبد الفتاح السيسي بحفاوة بالغة في البيت الأبيض، كان حكام السعودية قد دعوا السيسي آنذاك للانضمام للحدث العظيم وحضور اللقاءات التي عُقدت مع الرئيس ترامب. حيث كان الجنرال المصري عندئذٍ يقف في موضع الصدارة إلى جانب الرئيس الأمريكي والملك السعودي في حفل تدشين ما أُطلق عليه “مركز مكافحة الإرهاب”.

وفي المقابل، فلم يكلف أحدٌ نفسه مؤخرًا عناء دعوة السيسي عندما عاد السيد ترامب من جديد إلى المنطقة في شهر مايو لزيارة الرياض! حيث تقول المجلة البريطانية إن العديد من حلفاء السيسي من الدول العربية كان لديهم آمالٌ عريضةٌ فيه قبل عقدٍ من الزمان، لكن تلك الآمال تبددت مع مرور الوقت.

وفيما يلي، يقدم منتدى الدراسات المستقبلية ترجمة كاملة لمقال “ّذي إيكونوميست”، وذلك على النحو التالي:

قبل ثماني سنوات فقط، كان عبد الفتاح السيسي محط الأنظار (لدى الإدارة الأمريكية إبّان الفترة الرئاسية الأولى لترامب، وكذلك على المستوى الإقليمي). فقد استقبله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحفاوة بالغة في البيت الأبيض في شهر إبريل من عام 2017م.

وبعد أسابيع قليلة من هذا الاستقبال، وتحديدًا عندما زار الرئيس ترامب الرياض، المملكة العربية السعودية، دعا السعوديون السيسي للانضمام إليهم هناك.

وحينئذٍ حظي الجنرال السابق، الذي استولى على السلطة في مصر في انقلاب عسكري قاده عام 2013م، بمكانة مرموقة، حيث وقف جنبًا إلى جنب مع الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) والملك السعودي (سلمان بن عبد العزيز) في الحفل الذي أُقيم هناك لافتتاح “مركز مكافحة الإرهاب”.

ومع ذلك، فلم يُكلف أحدٌ نفسَه أي عناء بدعوته للحضور عندما عاد السيد ترامب من جديد في زيارة له إلى الرياض في شهر مايو الماضي.

وكان حكام الخليج حريصين على التحدث مع الرئيس الأمريكي (خلال الزيارة) حول رؤيتهم لمنطقة لشرق الأوسط، ولم يكن السيد السيسي من بين هؤلاء القادة.

ولكن بدلًا من ذلك، سافر السيسي إلى بغداد، العراق، لحضور القمة العابرة لجامعة الدول العربية، حيث كان واحدًا من خمسة رؤساء دول فقط حضروا هذه القمة (حيث أرسل معظم أعضاء جامعة الدول العربية الـ 22، وزراء فقط ليحضروا القمة نيابة عن قادتهم).

وتُعد هذه اللحظة هي لحظة تحول في منطقة الشرق الأوسط. حيث تمَّ إضعاف إيران، بينما تريد الحكومتان الجديدتان في سوريا ولبنان إبقاء الوضع في بلديهما على هذا النحو. أما ملوك وأمراء الخليج فهم حريصون على البقاء في وفاق مع كل من إيران وتركيا، منافسيهم الإقليميين. بينما يتحدث السيد ترامب بأمل وتفاؤل عن بزوغ “يوم جديد مشرق”، يركز فيه الشرق الأوسط على التجارة بدلًا من الصراع.

الوضع في المنطقة يبدو حرجًا للغاية حتى للمتفائلين: وقد لا تدوم هذه اللحظة (لحظة التحول في المنطقة). وعلى كلٍ، فسواءً دام هذا الوضع أم لا، فإنه يُظهر بوضوح إلى أي مدى تغيّرت منطقة الشرق الأوسط بالفعل.

فقد أصبحت دول الخليج، الغنية والمستقرة ولو ظاهريًّا، هي محور الأحداث حاليًّا، بينما أصبحت بعض الدول التي كانت هي المؤثرة في الأزمنة السابقة تقف فقط موقف المتفرج تجاه ما يجري في المنطقة.

وتأتي مصر على رأس هذه القائمة، حيث يُعتبر عبد الفتاح السيسي نفسه هو المسؤول عما آل إليه الوضع في البلاد. لقد دمّر الاقتصاد المصري، وتراكمت عليه ديون عامة لا يمكن تحمّلها (حيث تبلغ حوالي 90% من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد) لتمويل مشاريع لا طائل من ورائها، أُقيمت فقط من أجل الزهو والافتخار، ورفض الإصلاحات المنطقية التي قد تُعزز القطاع الخاص الذي يعاني من الركود.

وقد دفع هذا الوضع مصر إلى الاعتماد على الاقتراض والسعي لعمليات الإنقاذ (من المؤسسات المالية الدولية). وتلقت البلاد ما لا يقل عن 45 مليار دولار أمريكي على شكل مساعدات من دول الخليج منذ عام 2013م (عقب الانقلاب على الحكومة المنتخبة)، وذلك وفقًا للبيانات التي أعلنها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث دولي بريطاني رائد في مجال الأمن العالمي والمخاطر السياسية والصراعات العسكرية.

كما أن مصر هي ثالث أكبر دولة مدينة لصندوق النقد الدولي. لكنها الآن تواجه منافسة على هذا المركز من الجمهورية اللبنانية. حيث سيحتاج لبنان ما قد يصل إلى سبع مليارات دولار أمريكي على الأقل للإنفاق على إعادة الإعمار بعد الدمار الذي سبّبته الحرب مع إسرائيل خلال العام الماضي. أما سوريا، فستحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ من صندوق النقد.

ويبدو أن كلا البلدين (سوريا ولبنان)، على الأقل في الوقت الحالي، بيئة استثمارية أفضل من الاستثمار في مصر. حيث تَعِد حكومتاهما بالقيام بإصلاحات اقتصادية وسياسية جادة. فالحكومة السورية المؤقتة تسعى إلى خصخصة الشركات الحكومية وجذب المستثمرين الأجانب. بينما يريد الرئيس اللبناني جوزيف عون نزع سلاح حزب الله، الميليشيا القوية المدعومة من إيران. وقد تساعد المعونات المقدمة إلى هذين البلدين حكومتيهما على تحقيق هذه الأهداف؛ أما المساعدات المقدمة إلى مصر، فهي مجرد توفير فرصة لتأخير انفجار أزمتها المالية القادمة بعض الوقت.

أما العراق فهو يجد نفسه مُهمّشًا كذلك. فبعد أن فقدت إيران أقرب حليف لها في المنطقة (وهو نظام بشار الأسد في سوريا) وأقوى الميليشيات التابعة لها (ميليشيا حزب الله اللبناني)، يجعلها هذا الوضع في أمسّ الحاجة إلى الحفاظ على نفوذها في الجمهورية العراقية، حيث تقدم الدعم لمجموعة من الجماعات المسلحة هناك.

ويَِصف بعض المسؤولين في دول الخليج الوضع في العراق بأنه قضية خاسرة: فالميليشيات هناك قوية للغاية ومتشابكة بشكل كبير مع الدولة للحد الذي يصعب معه اقتلاعها. حتى إن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، لم يتمكن حتى من حضور قمة جامعة الدول العربية التي عُقدت مؤخرًا في بغداد بسبب التهديدات التي أطلقتها الميليشيات الموالية لإيران هناك.

وعلى كلٍ، فقد سافر الشرع بدلًا من ذلك إلى الرياض، المملكة العربية السعودية، حيث التقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحصل على وعدٍ برفع الولايات المتحدة عقوباتها عن سوريا. ويحرص السعوديون بشكل خاص على دعم السيد أحمد الشرع جزئيًا لحقيقة أن سوريا القوية ستشكل حصنًا منيعًا ضد النفوذ الإيراني في المنطقة.

وفي إشارة إلى الفترة التي كان فيها نظام الأسد خصمًا للديكتاتورية التي كان يمثلها صدام حسين في العراق، يقول مسؤول سعودي: “كانت سوريا آنذاك تُسهم في تحقيق التوازن في العراق. وربما تستطيع القيام بهذا الدور مجددًا”، ولكن هذه المرة مع إيران.

ولطالما كان الفلسطينيون الذين لا دولة لهم الآن محور الاهتمام العربي منذ عام 1948 (عقب إنهاء الانتداب البريطاني على دولة فلسطين وإعلان قيام “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية).

ولكن ثمَّة ما يدعو الآن للاعتقاد بأن القضية الفلسطينية تفقد هي أيضًا محوريتها. فالسيد محمود عبَّاس، رئيس السلطة الفلسطينية مدى الحياة، لم يفعل شيئًا من أجل تطهير إدارته الفاسدة في الضفة الغربية المحتلة.

وأما حركة حماس، فيَرى البعض أنها تقدم نموذجًا قد يكون أكثر قتامة في قطاع غزة: حيث قامت إسرائيل بتدمير القطاع الفلسطيني بذريعة تمسك حركة المقاومة الفلسطينية بمواقفها وعدم التنازل عن سلطتها (وبالطبع سلاحها) هناك.

وعلى الرغم من أنه لا يزال القادة العرب يقدمون دعمًا شكليًا للقضية الفلسطينية، إلا أنهم يسعون عمليًّا إلى تقليص تأثيرها ومكانتها. بينما يُريد السيد جوزيف عون نزع سلاح الميليشيات الفلسطينية المتواجدة في مخيمات اللاجئين في لبنان (وفي هذا الصدد، أبدى بعض أعضاء حزب الله موافقتهم على القيام بذلك).

وفي نفس الوقت، تعهدت الحكومة السورية الجديدة بالقيام بالمثل مع الفلسطينيّين المتواجدين على الأراضي السورية. بل إن هناك حديث جدي في كلا البلدين (سوريا ولبنان) عن إقامة سلام مع إسرائيل: قد لا يكون تطبيعًا كاملًا، بل على الأقل يتم من خلاله إنهاء عقود من الصراع.

قد تؤدي كل هذه التطورات إلى إحداث تحول ملحوظ في المنطقة. فقبل عام فقط من الآن، كانت دولتا لبنان وسوريا تمثلان قضيتين خاسرتين أيضًا.

حيث كان لبنان خاضعًا لسيطرة حزب الله، وكان في حالة حرب مع “إسرائيل”؛ وكان الاقتصاد اللبناني لا يزال يعاني من أزمة مالية أدت إلى تقليص ناتجه المحلي الإجمالي بنسبة 40%.

أما في سوريا فقد أصبحت الدولة – التي كانت لا تزال في قبضة نظام بشار الأسد الذي كان يبدو صامدًا في السلطة – هي دولة “مخدرات” بامتياز.

أما الآن، فتعتبرهما دول الخليج العربي والولايات المتحدة قلب الشرق الأوسط الأكثر ازدهارًا. وللحفاظ على هذا الوضع، فسوف يتعين بالتالي على حكومتيهما تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وفي نهاية المطاف، فيمكن القول إنه كان لدى العديد من حلفاء السيسي من الدول العربية أيضًا آمالٌ عريضةٌ فيه قبل عقدٍ من الزمان. لكن تلك الآمال قد تبددت تمامًا بعد ذلك.

لقد كانت منطقة الشرق الأوسط على مدى عقودٍ من الزمن منقسمة على أسسٍ أيديولوجية. أما الآن، فالانقسام في المنطقة أصبح بين حكوماتٍ قادرةٍ على الوفاء بوعودها، وأخرى عاجزة عن فعل أي شيء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى