تقدير موقفغير مصنف

مفهوم إسرائيل لأمنها القومي في ظِل المتغيرات الإقليمية والدولية

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

تمر منطقة الشرق الأوسط بتغيرات كبيرة، بدأت مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، وتصاعدت مع توالي الأحداث؛ بدخول مكونات محور المقاومة دائرة الصراع، وفي مقدمتها حزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، وإيران (بشكل مباشر) على فترات متباعدة ومحدودة. وتعمقت التغيرات بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، ثم التوصُّل لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. يضاف إلى ذلك كله أن حرب “طوفان الأقصى” قوَّضت أسس الأمن القومي الإسرائيلي وتسببت في تغييرات عميقة في المجتمع الصهيوني، في مقدمتها التأثير في العلاقة بين المجتمع والجيش، إضافة إلى تغيُّر نظرة أعداء إسرائيل، وخصوصًا على المستوى الشعبي، حول الصراع معها… وهذه التغيرات جميعها قد تؤدي إلى تغيير شكل المنطقة، وتدفع بالتأكيد إلى إعادة النظر في مفهوم الأمن القومي لدى شعوبها.

وفي ظِل هذه المتغيرات الكبرى، يهتم الإسرائيليون بإعادة النظر في تصورهم للأمن القومي لدولتهم، والنظر في حجم التهديدات والفرص الناتجة عن هذه المتغيرات.

تسعى هذه الورقة إلى محاولة فهم التصوُّر الإسرائيلي للأمن القومي، وكيف يمكن أن يمثل هذا التصوُّر، المقترن بالأفعال، تهديدًا لدول المنطقة وتنظيمات المقاومة، سواء المجاورة لإسرائيل (سوريا، حزب الله اللبناني)، أو التي دفعتها الأحداث إلى المشاركة في الحرب الدائرة، وإن تباعدت الجغرافيا (إيران، جماعة الحوثي).

وتركز الورقة على عدة نقاط؛ أولها المجموعات الإقليمية المؤثرة ومرتكزات الأمن القومي الإسرائيلي في ضوء التغيرات في المنطقة، ثم تنتقل لتركز على تطبيقات الأمن القومي في مواجهة محور المقاومة، ثم في مواجهة المتغيرات في سوريا، ومستجدات الساحة الفلسطينية، وأخيرًا التحديات الإسرائيلية الداخلية وتهديدات الانقسام.

1 – المجموعات الإقليمية المؤثرة، ومرتكزات الأمن القومي الإسرائيلي

قدَّم “معهد دراسات الأمن القومي” الإسرائيلي رؤية مُحدَّثة حول تصوُّره عن الأمن القومي لإسرائيل عن عامي 2025 و2026م. كانت الرؤية كاشفة عن أن حرب “طوفان الأقصى” هي الدافع الأكبر في إعادة النظر في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي وصياغته. وهذه الرؤية هي رد فعل على الفشل الذي شمل كلَّ شيءٍ لدى الإسرائيليّين؛ المؤسسات السياسية، والمؤسسات الأمنية، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث، والمجتمع كله. وحاولت الوثيقة تقديم رؤية إستراتيجية مستقرة وقادرة على الصمود أمام اختباري المتغيرات والزمن.

ووفقًا للتصوُّر، فإن هناك ثلاث مجموعات إقليمية مؤثرة في المنطقة؛ محور المقاومة بقيادة إيران، وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة تركيا وقطر، ومجموعة الدول “المعتدلة” الساعية لمستقبل مشترك وتضم دول الخليج ومصر والأردن وإسرائيل. ونتيجة لضعف محور المقاومة الذي يضم الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس؛ فإن تنظيم (وليس حل) الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يضع إسرائيل في موقع قوة واضح، عبر خلق شبكة علاقات بين إسرائيل ودول الخليج، تسهل على هذه الدول الإبقاء على إيران ضعيفة ومعزولة[1].

ويرتكز الأمن القومي الإسرائيلي على أربع ركائز يرتبط بعضها ببعض

  • القوة العسكرية؛ والتي تترجم إلى جيش قوي قادر على الدفاع عن الدولة بشكل حاسم ومن دون إنذار مسبق، في وقت واحد وفي كل الجبهات وعلى كافة الساحات الجوية والبحرية والبرية والسيبرانية، وبالاشتراك مع مكونات الأمن الأخرى؛ الموساد والشاباك والشرطة.
  • القوة الاقتصادية؛ عبر اقتصاد قوي قادر على دعم الاحتياجات الأمنية من دون أن يكون ذلك الدعم معوقًا عن النمو الاقتصادي وفتح موارد للتنمية التكنولوجية التي تؤدي للحفاظ على التفوق العسكري والبشري عبر الزمن.
  • المناعة الاجتماعية؛ والتي تتمثل في مجتمع متماسك قائم على التضامن، وقادر على الاستعداد والتعبئة في أوقات الطوارئ للدفاع عن الدولة والتعامل مع التهديدات، بما يساهم في وجود جيش شعبي يساهم فيه الجميع بشكل متساو.
  • القوة الدبلوماسية؛ عبر خلق شبكة أمان سياسية تضمن السمعة والمكانة الدولية، وتكون حاجزًا عن فرض أي عقوبات على الدولة، والحفاظ على الدعم الخارجي والعلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة كمرتكز مهم للردع، وشهادة تأمين سياسية في المؤسسات الدولية، ولتوفير احتياجات الاقتصاد عامة والجيش بشكل خاص[2].

حين نتأمل هذه الركائز الأربعة، نقف أمام عدد من الملاحظات؛ أولاها أن الرابط الأساس بينها دائمًا هو الجيش، وأن الركائز الثلاثة، المجتمع، الاقتصاد، الدبلوماسية، تبدو جميعها وكأنها تعمل من أجل خدمة الجيش.

أما الملاحظة الثانية فهي أن هذه الركائز أصابها ضرر واضح بدرجات متفاوتة نتيجة حرب “طوفان الأقصى”؛ إذ لا ينكر أحد أن المؤسسة العسكرية تلقت ضربات شككت في قدراتها على توفير الحماية لسكان الكيان الصهيوني، بداية من الفشل في بداية الحرب، وصولًا إلى عدم القدرة على تحرير الأسرى عسكريًّا، وأخيرًا وليس آخرًا، عدم القدرة على الحسم العسكري أمام مقاومة محاصرة منذ عقود، حتى بعد استئناف العدو الصهيوني حربه إثر تملصه من اتفاق وقف إطلاق النار.

وتُعد الملاحظة الثالثة انعكاسًا لسابقتها؛ إذ أن تقديم الجيش على بنى الدولة كلها أثر سلبًّا على هذه البنى؛ فتمَّ إهمال المجتمع، وهو ما كشفته الأزمات المتلاحقة، وتجلَّى ذلك في ضعف تماسكه، والشعور بعدم المساواة في تحمُّل الأعباء، علاوة على الصراعات المتزايدة بين أصحاب الأيديولوجيات المختلفة.

كما أن الدبلوماسية الإسرائيلية، وإن تمكنت من الحفاظ على علاقات متينة مع حلفائها الأساسيّين، الولايات المتحدة وأغلب الدول الأوروبية، فإن ذلك لم يمنع من تدهور/تذبذب علاقتها بدول أخرى مثل إيرلندا، واسكتلندا، وإسبانيا.. وغيرها.

وترتبط الملاحظة الرابعة بأن الركائز الأساسية المتعلقة بالقوة العسكرية، والمتمثلة في (الردع، الإنذار، الحسم) تعود جميعها إلى بن جوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، وبالتالي فهي متوارثة منذ تأسيس الكيان. وبالنسبة لمفهوم “الردع” فيقوم على أن يتجنب أعداءُ إسرائيل أيَّ تحرُّك عدائي ضدها لإدراكهم أن ميزان القوى لا يعطيهم فرصة تحقيق أهدافهم من الصراع العسكري، وخوفهم من الضرر الذي سوف يلحق بهم نتيجة الانتقام الإسرائيلي، مع ضرورة ألا يعتمد الردع على الوعي بالتفوق الإسرائيلي فحسب، بل على ذاكرة ملموسة وقريبة للدمار الذي تلحقه إسرائيل بالعدو (دولة، أو منظمات) على كافة المستويات (تدمير الجيش، تهديد النظام، الضرر الاقتصادي والدمار… إلخ). أما مفهوم “الإنذار” المسبق فهو الاستجابة لأي تحرُّك يقوم به العدو لتغيير ميزان القوى، وقد يشمل التحذير هنا نشر قوات عسكرية بطريقة تمنع من أي هجوم مفاجئ وتسمح بإحباطه، وهو شيء يشبه التحرُّك الإسرائيلي في الجنوب السوري. أما مفهوم “الحسم” فيعني بالأساس نزع قدرة العدو على الحرب، بشكل يمنعه من الرغبة فيها أو القدرة على مواصلتها، أو المواجهة العسكرية.

وقد أضيفت إلى هذه الركائز الثلاثة ركائز أخرى، إحداها مبدأ “الوقاية”، وهو مبدأ ينفذ من خلال نظام الاستخبارات والدبلوماسية العسكرية، والقدرات العملياتية الخاصَّة، يضاف إلى ذلك تضييق دائرة الصراع من أجل تحقيق استقرار عسكري وسياسي لدولة الاحتلال؛ وهنا تحديدًا تبرز أهمية ما تمَّ فعليًّا بإخراج مصر والأردن من دائرة الصراع، وما يتم من إقامة علاقات دبلوماسية مع دول الخليج ضمن مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.

وهناك مبادئ مهمة فيما يخص قضايا الدفاع، يكاد يتفق عليها الجميع في إسرائيل؛ في مقدمتها، تقصير مدة الحرب؛ حيث تتعارض الحروب الطويلة مع المصلحة الإسرائيلية وتحديدًا قدراتها العملياتية، والقدرات الاقتصادية، والشرعية الدولية، والتماسك الاجتماعي. وهنا تظهر كثير من المشكلات التي تسببت بها الحرب الطويلة الحالية؛ حيث فرضت أعباءً متزايدةً على جميع الموارد البشرية (الجنود النظاميّين، والاحتياط، وعائلات الذين يخدمون في الجيش، والمجتمع عمومًا)، والمادية من ذخائر وقطع غيار وأسلحة، والمرونة الاقتصادية، وأثرت على تماسك المجتمع، والشرعية الدولية للحرب. يضاف إلى هذا المبدأ مبادئ أخرى، كنقل الحرب إلى أرض الخصوم، والتعبئة السريعة للاحتياط، وخضوع الجيش للقيادة السياسية، وحفاظه على ثقة الجمهور به… إلخ.

وإلى جانب ذلك؛ فإنه، وعلى الرغم من وجود الجيش على رأس اهتمامات الدولة، فإن ذلك لم يُنتِج قيادات عسكرية قوية، كما أنه لم يُفرِز قيادات سياسية كاريزمية ذات تاريخ عسكري مثلما كان الحال في السابق؛ فبينما كانت غالبية القيادات القديمة ممن عملوا في الجيش لفترات طويلة مثل (بن جوريون، إسحاق رابين، أريئيل شارون، إسحاق بيرس.. وغيرهم) تؤدي أداءً سياسيًّا قويًّا، وتركت بصمتها في التاريخ القصير لدولة الاحتلال، فإن نظراء تلك الشخصيات الحاليّين؛ مثل: (بنيامين جانتس، يوآف جالانت، جادي أيزنكوت، يائير جولان “رئيس حزب الديمقراطيّين المكون من العمل وحركة ميرتس”) غير مؤهلين للعب أي دور يشابه دور تلك القيادات القديمة.

الأكثر من ذلك أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لم يَعد في وسعها، أن تقدم قيادات على نفس المستوى القديم، وأصبح أقصى ما يمكن أن تقدمه هو تلك الأسماء التي أثبتت التجربة في الأعوام الأخيرة عدم أهليتها لترك أثر مهم في تاريخ الكيان الصهيوني، أو لعب أدوار سياسية كبرى في مستقبله كالقادة العسكريّين القدامى.

2 – في مواجهة محور المقاومة

أدركت إسرائيل منذ بداية الحرب أنها لا تواجه حركات المقاومة فحسب، بل تواجه محور المقاومة كاملًا، ومن ثم فإن الهدف الإستراتيجي للحرب كان ضرورة خلق ثقل إقليمي قوي موازن لمحور المقاومة بدعم كبير من الولايات المتحدة، وإقامة بنية إقليمية مستدامة. وفي هذا السياق، يمكن فهم إرسال حاملات الطائرات الأمريكية للمنطقة، وفهم كيف لعبت دول عربية دورًا مهمًّا في الدفاع الجوي لصد الهجمات الإيرانية، وهجمات الحوثيّين، إضافة لهجمات المقاومة في سوريا والعراق. وفي هذا السياق أيضًا يمكن فهم خطوط الإمداد التجاري العربي، والتي أسهمت فيها الإمارات، والسعودية، والأردن، ومصر، والمغرب لتعويض احتياجات إسرائيل التجارية على وقع تعرُّض ميناء إيلات على البحر الأحمر للتوقف التام.. وهذا كله على الرغم مما يظهر على السطح من تضرر مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وعلى الرغم من مبالغة إعلامية مقصودة حول تسليح الجيش المصري.

وإذا كان الإسرائيليون يعتقدون أنهم تمكنوا من إيقاع ضرر عسكري كبير بقوى محور المقاومة، بدءًا من حركة حماس، وحزب الله اللبناني، وصولًا إلى إيران نفسها؛ فإن ذلك يخلق حالة من الانقسام بين فريق تغريه القوة إلى مزيدٍ من القوة، عبر استمرار العمل العسكري، بل والتفكير في ضم الضفة الغربية، وقطاع غزة (كله أو أجزاء منه)، والتوسع في سوريا، كرد فعل على الصدمة والغضب الناجمين عن السابع من أكتوبر، واستغلال حالة الضعف التي تمر بها دول المنطقة، ومواقف إدارة ترامب، وفريق يَرى أن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها، من دون تحرُّك سياسي سيؤدي إلى تآكل الإنجازات العسكرية، وظهور تهديدات جديدة متوقعة أو غير متوقعة.

في مواجهة إيران؛ يخدم إسرائيل هنا أن طهران فقدت، إلى حد كبير، نجاعة أذرعها في المنطقة (ضعف حزب الله اللبناني نتيجة الضربات التي تلقاها، وفقدان أغلب قياداته، وضعف موقفه الداخلي في الدولة اللبنانية، وصعوبة إعادة بناء قوته بعد سقوط نظام الأسد في سوريا)، إضافة لحالة الاستنزاف التي تتعرض لها المقاومة في ظِل بيئة عربية تنطلق من اعتبار المقاومة عبئًا عليها، وترغب في التخلص منها، هذا كله يجعل إيران في أضعف لحظاتها التاريخية، ويمنح إسرائيل فرصة لم تكن قائمة في الماضي. بمعنى أن هذه الحالة يمكنها أن تساعد في الضغط على إيران للتوصُّل إلى اتفاق جديد مع الإدارة الأمريكية حول برنامجها النووي، وبشروط تريدها إسرائيل، تتضمن فرض قيود تخص مستوى تخصيب اليورانيوم، وكم المواد المخصبة، وتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تمَّ تركيبها منذ عام 2018م، وتنفيذ نظام تفتيش صارم على المواد المرتبطة بالتخصيب، والحد من مدى الصواريخ الباليستية، ومنع التكنولوجيا المتقدمة كالصواريخ فرط الصوتية، أو الصواريخ المناورة، علاوة على فرض قواعد معينة تتعلق بنشر الصواريخ. يضاف إلى هذه الشروط فرض رقابة على مؤسسات الأبحاث النووية الإيرانية، وهي شروط، إن تمَّ الاتفاق عليها، تكبل إيران، وتحد أكثر من نفوذها في المنطقة. مع الانتباه إلى أن شعور إيران بأن وضعها كقوة نووية أصبح مهددًا، قد يدفعها لتسريع امتلاك القنبلة النووية، وهذا قد يغير موازين القوى في الشرق الأوسط لمصلحتها، وضد مصلحة إسرائيل بالطبع، ولذلك يعتبر الإسرائيليّون وصول مستوى تخصيب إيران اليورانيوم حاجز الـ 90 بالمئة، حال عدم التوصُّل لاتفاق، خطًّا أحمر يفرض على إسرائيل تنفيذ ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية بالمشاركة مع الولايات المتحدة أو بشكل منفرد، إذا لزم الأمر. وإلى جانب ما سبق تذهب مراكز الأبحاث الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك؛ وتطالب باستغلال فترة ولاية الرئيس ترامب من أجل تقويض أسس النظام الإيراني بالشكل الذي يُعجّل بسقوطه، والترويج لذلك بشكل سري لا يثير شكوك المواطن الإيراني بوجود خطة خارجية تهدف لإسقاط النظام[3].

إذا انتقلنا إلى حزب الله في لبنان؛ يتضح أن ما تعرَّض له الحزب من خسائر في القيادات، وقطع خطوط الإمداد بعد سقوط نظام الأسد، أدَّى لضعف مكانته داخل الدولة اللبنانية، خصوصًا في ظِل تعقيدات المشهد السياسي في الداخل، وجعله يقبل باتفاق مع إسرائيل يتيح لها الاستمرار في استهداف قياداته، ومواقعه، من دون أن يقوم بأي رد ممكن، وهذا الضعف الذي يعيشه الحزب، يتيح لإسرائيل تنظيم حدودها مع لبنان بما يخدم مصلحة الكيان الصهيوني، في ظِل قيادة لبنانية أعجز من أن تخرج باتفاق يحفظ للبنان حقوقه، علاوة على عدم امتلاك لبنان جيش يمكنه وقف التهديدات الإسرائيلية أو حتى مجرد الرد عليها.

هذا الوضع يدفع إسرائيل لاغتنام الفرصة في مسارين؛ أولهما العسكري، والذي يتمثل في إقرار واقع أمني جديد في الشمال الفلسطيني المحتل، عبر حرية العمل ضد حزب الله اللبناني، وممارسة رقابة مشددة لمنع دخول الأسلحة للحزب لمنعه من استعادة عافيته، وصولًا إلى ربط تعزيز قوة الجيش اللبناني بأن يقوم بالتنسيق مع إسرائيل لضمان ألا يخلق تهديدًا مستقبليًّا لإسرائيل، وألا تنقل أي أسلحة لعناصر معادية لدولة الاحتلال. وثانيهما السياسي، والذي يتضمَّن دفع حلفاء إسرائيل، وفي مقدمتهم دول الخليج، للمساعدة في إعادة الإعمار في لبنان لإيجاد توازن في مواجهة المساعدات المتوقعة من إيران، والدفع نحو تعديلات في النظام السياسي من أجل تقليص نفوذ حزب الله، وهو ما ظهرت آثاره فعليًّا في انتخاب رئيس للحكومة، ورئيس للدولة لا يدعمان حزب الله، إلى جانب دراسة إمكانية تحسين العلاقات بين الدولة اللبنانية وإسرائيل مستقبلًا، والاستفادة من ذلك في توفير الأمن الذي تريده إسرائيل للحدود الشمالية لفلسطين المحتلة[4].

بالانتقال إلى القوى المتحالفة/التابعة لإيران في العراق واليمن؛ يبدو الأمر في العراق، والذي يمثل منطقة نفوذ شيعية مركزية في المنطقة، أكثر سهولة لإسرائيل منه في اليمن؛ وهنا تلتقي مصلحة إسرائيل مع استمرار الوجود الأمريكي في العراق من أجل ضبط تحرك الحكومة العراقية ضد هذه المنظمات.

أما الحوثيّون في اليمن فهم الحلقة الأصعب حاليًّا؛ فبينما توقفت الهجمات من كل قوى المقاومة (العراق وسوريا، ولبنان) يبقى تهديد الصواريخ والمُسيّرات التي يمتلكها الحوثيون، فضلًا عن إضرارهم الكبير بالتجارة الإسرائيلية، هو الأخطر حاليًّا، خصوصًا وأنهم يربطون استمرار عملياتهم ضد إسرائيل باستمرار الحرب في غزة. ومصدر الصعوبة هنا هو أنهم الجهة الأكثر استقلالًا عن إيران، وهذا يَعني أن نفوذ إيران عليهم لا يمثل عامل ضغط لوقف تهديدهم؛ ومن ثم تركز إسرائيل على التنسيق مع دول الخليج لوقف هذا التهديد.

في هذا السياق، يمكن العودة لما نشره موقع “ميدل إيست مونيتور”، في أغسطس 2020م، حول إنشاء قاعدة تجسس إسرائيلية إماراتية متقدمة في جزيرة سقطرى اليمنية الخاضعة لسيطرة أبوظبي[5]. الأكثر من ذلك أن دولة الإمارات نفسها كانت هي مَن توسط لدى حكومة إقليم أرض الصومال الانفصالية من أجل إقناعها بإنشاء قاعدة عسكرية إسرائيلية في هذا الإقليم المطل على خليج عدن. ووفقًا لتقرير نشره الموقع نفسه في أكتوبر 2024م، فإن الإمارات، لم تكتف بإقناع حكومة أرض الصومال، بل وافقت أيضًا على أن تقوم هي بتمويل هذه القاعدة؛ مقابل وعود قدمت للحكومة هناك تتضمن اعتراف إسرائيل بالدولة، والاستثمار في المنطقة، على أساس أن الدولتين (الإمارات والكيان الصهيوني) يعتبران جماعة الحوثي عدوًّا لهما[6].

3 – الوضع في سوريا

فيما يخص الشأن السوري؛ يتحدث الإسرائيليّون عن ثلاثة سيناريوهات محتملة؛ أن يتم استيعاب النظام السوري، ويصبح هناك نظام موحد معتدل يقيم علاقات دبلوماسية مع الولايات المتحدة والغرب، والثاني أن يتشكل اتحاد كونفدرالي غير مستقر، وهو أقرب إلى تقسيم سوريا عبر مكوناتها الطائفية والعرقية الرئيسة (السُّنة، الأكراد، العلويّين، الدروز)، والأخير؛ وهو الأخطر بالنسبة لإسرائيل، أن ترتبط سوريا بتركيا وقطر، أو ما تسميه إسرائيل الإسلام السياسي، أو الإخوان المسلمين.

وفي حين يبدو السيناروهان الأول والثاني مقبولين لدى إسرائيل؛ فإن السيناريو الأخير يقلقها من عدة نواح؛ لأن من شأنه إضعاف النظام في الأردن وتقوية الإخوان هناك، وإنشاء منظمة قد تشبه حركة حماس في الجولان السوري، إضافة إلى إلهام الإخوان المسلمين في مصر، بما يحمله ذلك من قلق على النظام المصري.

ومصدر القلق كما يقول كبير باحثي “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي”، كوبي ميكائيل، هو أن نجاح تركيا في ترسيخ نفوذها وهيمنتها في سوريا، يَعني إمكانية توسعة نفوذها خارجها، ومن ثم قد تجد نفسها في صراع، ليس بالضرورة عسكريًّا، مع لاعبين إقليميّين آخرين؛ كإسرائيل، والسعودية، والإمارات، والأردن، وأن يفكر آخرون في الانضمام إلى رؤية الخلافة[7]. في هذا السياق تحديدًا تُفهَم تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أثناء خطابه في ذكرى الهولوكوست، والتي أكد فيها أنه “لن تكون هناك خلافة إسلامية لديها جيش إرهابي على حدودنا، لا في الجنوب، ولا في الشمال”[8]. وهي تصريحات يجب أن يُفهَم أنها موجهة بالأساس إلى تركيا.

ولذلك فإن إسرائيل ستبذل طاقتها مع حلفائها لتجنب هذا الاحتمال عبر مسارات مختلفة؛ منها: السيطرة على مناطق في سوريا، وهو ما نفذته بالفعل، وتعميق الحوار والاتصال مع العناصر التي يمكن أن تستفيد منها إسرائيل؛ كالأكراد والدروز، مع تجنب الانخراط في الصراعات المباشرة، وتجنب الاحتكاك مع الأتراك رغم أنهم أصبحوا تهديدًا محتملًا يستدعي المراقبة والاستعداد، إلى جانب الحوار مع الدول المعنية بالوضع في سوريا؛ وفي مقدمتها الأردن، ودول الخليج.

يشار هنا إلى أن موقع القناة الإسرائيلية السابعة ذكر، في 10 أبريل 2025م، أن لقاءً عُقِد في آذربيجان بين مسؤولين سياسيّين وأمنيّين إسرائيليّين، ضم رئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنجبي، وبمشاركة ممثلين كبار من وزارة الحرب الإسرائيلية، ونظرائهم من الأتراك، أعرب فيه الوفد الإسرائيلي عن أن بناء أي قواعد عسكرية تركية في سوريا، وتحديدًا في حمص وجنوبها، ستعتبره إسرائيل إخلالًا بميزان القوى في سوريا، وتجاوزًا للخط الأحمر، وتهديدًا لأمنها القومي، مع تأكيد على ضرورة استمرار الحوار بين البلدين من أجل الاستقرار[9].

غير أن نهايات أبريل 2025م شهدت أحداثًا مثيرة في الشأن السوري بالنسبة لإسرائيل؛ حيث نشر موقع القناة 12 الصهيونية الإسرائيلي نقلًا عن عضو الكونجرس الأمريكي “كوري ميلز” بعد لقائه بالرئيس الشرع، أن الرئيس السوري عبَّر له عن رغبته في تطبيع العلاقات مع إسرائيل “وفق شروط مناسبة”، دون أن يوضح ميلز ما هي هذه الشروط، مع تصريحه بحمل رسالة من الشرع إلى الرئيس ترامب، من دون الكشف عن مضمونها، مع إشارة عضو الكونجرس حول ما أبداه للرئيس السوري من ضرورة تدمير الأسلحة الكيميائية التي ترجع لنظام الأسد، وأن تقدم مبادرات للحرب ضد الإرهاب. ويربط الموقع هذه المطالبات بما قام به النظام السوري من اعتقال اثنين من كبار تنظيم حركة “الجهاد الإسلامي” الفلسطينية في سوريا[10].

لكن وطبقًا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، فإن مصدرًا أمنيًّا إسرائيليًّا، لم تسمه الصحيفة، اعتبر هذه الرغبة مجرد خدعة ينفذها الجولاني، على أساس أن النظام السوري الذي يتقارب مع تركيا التي يحكمها أردوغان هو في الواقع غير راغب في الانضمام لاتفاق أبراهام، وأن ما يريده الجولاني فقط هو رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا[11].

في السياق نفسه، أشارت صحيفة “يسرائيل هايوم” أن مسؤولًا سوريًّا كبيرًا ذكر أن الشرع أجاب ميلز، حين سأله عن استعداد سوريا للتطبيع مع إسرائيل، بقوله: “بداية على إسرائيل أن تتوقف عن التدخل في سوريا، وأن تكف عن القصف، وأن تنسحب من المواقع السورية التي دخلتها، وبعد ذلك يمكن أن نتحدث عن اتفاق، فكل الدول التي وقعت اتفاقات لا تحتل إسرائيل أجزاءً من أراضيها”[12].

ولا شك أن هذا التوضيح من المسؤول السوري وإنْ كان يحمل في طياته ربط أي تطبيع بشرطي توقف الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وانسحابها من أراضيها، فإنه يَعني عدم رفض المبدأ نفسه، من دون أن يتضح إن كان اشتراط الانسحاب من سوريا يخص المناطق الجديدة التي احتلتها إسرائيل عقب سقوط نظام الأسد، أم يَعني أيضًا هضبة الجولان السورية.

4 – مستجدات الملف الفلسطيني

يَرى الإسرائيليّون أن الحرب الحالية أضعفت التهديد الفلسطيني الذي تشكله حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة والضفة الغربية، لكن مع ذلك فإن فكرة المقاومة نفسها لم تُهزَم، وهذا يَعني أن يجدد الفلسطينيون جهدهم لتعزيز مقاومتهم من جديد للكيان الصهيوني بمجرد أن تتاح لهم الفرصة. وفي الوقت نفسه، هناك انقسام إسرائيلي حول الموقف من السلطة الفلسطينية؛ بين مَن يَرى أهمية وجودها، لكنه يدرك أنها وَصَلت لحالة من الضعف تجعلها غير قادرة على حشد القوة والشرعية لمجابهة الفصائل الفلسطينية، ومَن لم يَعد مقتنعًا بوجودها أصلًا.

وبينما يبدو الموقف الأول ممثلًا لرأي مراكز الأبحاث، وبعض قوى المعارضة، فإن الموقف الأخير هو موقف أغلب قوى الائتلاف الحكومي. وبغض النظر عن الاختلاف بينهما، فإن كلا الموقفين يؤدي في النهاية إلى الضغط على السلطة الفلسطينية لمزيدٍ من التعاون مع الاحتلال، والعمل ضد المقاومة، وتنفيذ كافة الرغبات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، بعضها بدأت السلطة بتنفيذه بالفعل، مثل وقف مخصصات عائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيّين، وانتخاب حسين الشيخ، الأقرب إلى إسرائيل، نائبًا لمحمود عبّاس، وعدم دمج حماس في السلطة، وهو أيضًا ما يظهر في الخطاب الإقصائي والعدائي لقيادات السلطة الفلسطينية وفي مقدمتهم رئيس السلطة محمود عبّاس، وبعضها الآخر، كالتنسيق الأمني، الذي تنفذه السلطة منذ عقود، وتصاعد منذ نشوب الحرب الحالية.

وفيما يتعلق بالمقاومة، يمكن القول إن أقرب الأصوات الإسرائيلية إلى العقل، ترى ضرورة أن يحتفظ الجيش الصهيوني بحرية العمل ضدها، حتى لو تمَّ التوصل إلى ترتيبات لإنهاء الحرب، مع اتفاق الجميع على عدم السماح لحركة حماس بالعودة للسيطرة على القطاع، وألا يُسمَح لها بالمشاركة في أيّ مسار رسمي فلسطيني. مع إدراك الجميع خطورة الحرب الطويلة في غزة على إسرائيل، وتفضيل أن يدار القطاع بإدارة مدنية ترتبط بالسلطة الفلسطينية، ولو تحت مسمى “حكومة تكنوقراط” من دون تمثيل حماس، وهما بديلان يتيحان إنشاء آليَّات أمنية فلسطينية تمنع استعادة حماس قوتها، ويسمحان بالتنسيق الأمني وفق الترتيبات المعمول بها في الضفة، وكلاهما أفضل من السيطرة الإسرائيلية على القطاع أو الفوضى التي من شأنها إدامة سيطرة حماس.

أما النقطة الأهم في الملف الفلسطيني لدى المتخصصين في هذا الشأن، بل وحتى لدى صانعي القرار الإسرائيلي؛ فتتمثل في التخوُّف من أن يؤدي بسط إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية، أو ضم أجزاء منها إلى خلق دولة ثنائية القومية، وهو ما يشكل تهديدًا لطبيعة الدولة الصهيونية، وتناقضا مع تعريفها دولة يهودية ديمقراطية، وهنا ينصح الأكاديميون الإسرائيليون باتخاذ خطوات عملية للفصل الديموجرافي والسياسي بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، وتوظيف الإمكانات العسكرية والسياسية والاقتصادية من أجل حماية الطابع “اليهودي والديمقراطي” للكيان الصهيوني.

اللافت هنا أن التصور الذي قدمه الرئيس الأمريكي لحل المشكلة الفلسطينية في غزة عبر تهجير الفلسطينيّين إلى الأردن ومصر لم يَعد جزءًا من الحلول المطروحة لدى الحكومة الإسرائيلية وحدها، بل لدى الأكاديميّين ومراكز الأبحاث أيضًا؛ في هذا الصدد ومن أجل تلافي فكرة الدولة ثنائية القومية، ثمَّة طروحات لحلول “إبداعية” على غرار تأسيس كونفدرالية أردنية فلسطينية، أو تأسيس حكم ذاتي فلسطيني ضمن دولة الاحتلال، أو على الأراضي الأردنية[13]. وهي حلول لا تعنى بخطورة ذلك على الأمن القومي الأردني، رغم أهمية استقرار النظام بالنسبة لإسرائيل.

5 – التحديات الداخلية

يفرض طول الحرب الحالية عبئًا ثقيلًا على إسرائيل؛ عسكريًّا، واقتصاديًّا ومجتمعيًّا؛ فالعبء الذي يتحمله مَن يَخدِم في الجيش، النظامي أو الاحتياط، غير مسبوق، وهو ما أدى لأزمة حقيقية؛ إذ يتطلب القتال المستمر أعدادًا كبيرة من القوات من أجل توزيع الأعباء، كما أن طول الحرب يضر بعملية التدريب والتأهيل، ويُحدِث أضرارًا كبيرة بنظام الاحتياط، وانخفاضًا في الكفاءة، ويؤدي إلى تآكل الروح العسكرية، وإضعاف الانضباط، إلى الحد الذي قد يؤدي إلى فقدان الثقة في القيادة العسكرية، وهو ما عكسته مؤشرات كثيرة طوال فترة الحرب، وهذا كله ينعكس على المجتمع الذي يتأثر تماسكه سلبًا نتيجة طول الحرب، وعدم استعادة الأسرى.

وتتفاقم حالة الانقسام الكبيرة الموجودة أصلًا بسبب التغييرات التي تريدها الحكومة في النظام القضائي من دون إجماع واسع، ومن ثم تتجه ثقة الجمهور في أركان المجتمع (سلطات الدولة، النظام السياسي، أجهزة الأمن، النظام القضائي، الإعلام… إلخ) نحو التراجع، وينتج عن ذلك كله رفض صامت للخدمة العسكرية الاحتياطية، وأزمة في التطوُّع للخدمة العسكرية الدائمة.

ولا شك أن حالة المجتمع الإسرائيلي نتيجة الأزمات التي كشفتها الحرب وَصَلت لمستوى خطير مما يجعل علاجها أمرًا عصيًّا، حتى لو رحلت حكومة نتنياهو؛ لأن ما فعلته حكومته، خصوصًا في العامين الأخيرين، أدى لتجذر الانقسام والأزمات، وهذا مصدر خطر كبير على الأمن القومي الإسرائيلي، قد يَعصِف بهذا الكيان. وخلال الأيام الماضية عبَّر سياسيون إسرائيليون عن هذا المعنى، وكانت الكلمات الأبرز في هذا الصدد تلك التي جاءت على لسان الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوج، في ذكرى الهولوكوست، بقوله: “نحن نعيش في أيام انقسام، والتاريخ لن يغفر لمَن يقوضون أسس الدولة، ومَن يمزقنا من الداخل”[14]. وهي كلمات تعبّر عن خطورة ما تعيشه دولة الاحتلال.

خاتمة

إن اهتمام مراكز الدراسات الإستراتيجية في إسرائيل بتقديم رؤى مُحدَّثة حول مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي يَعني أن تكون هذه الرؤى محل اعتبار لدى صانعي القرار السياسي. ورغم وجود خطوط اتفاق عريضة بين ما تقدمه هذه المراكز وما تطبقه الحكومة فعليًّا، فإن الملاحظة المهمة هي أن الحكومة، في كثير من الأحيان، تسير في اتجاه مغاير لما تضمنته هذه الرؤى رغم منطقية ما تقدمه بالنسبة لإسرائيل، وهذا يظهر أوضح في القضايا الداخلية، والموقف من طول أمد الحرب وتحويل المنجزات العسكرية إلى نتائج سياسية في الملف الفلسطيني.

ثمَّة أمثلة كثيرة على ذلك؛ فقد كانت مراكز الأبحاث، بل وحتى بعض المؤسسات الأمنية توصي باستكمال اتفاق تبادل الأسرى حتى استعادة الجميع حرصًا على تعافي المجتمع الإسرائيلي، وعدم تركهم في أيدي المقاومة حتى لا تتفاقم الأزمة الداخلية، لكن الحكومة في المقابل لم تكن تميل إلى ذلك وقررت استئناف الحرب ضد قطاع غزة مدفوعة بتشجيع الإدارة الأمريكية الحالية.

كذلك لم تكن الحكومة مستعدة في أيّ وقت من الأوقات إلى تبني سياسة المساواة في العبء وخصوصًا فيما يتعلق بتجنيد الحريديم، رغم حاجة الجيش في ظِل استمرار الحرب، وهذا عكس ما أوصت به دائمًا مراكز الأبحاث.

يضاف إلى ذلك أنه وبينما يتفق الجميع على خطورة التمزق الداخلي للمجتمع، فإن أفعال الحكومة تعمق هذا الخطر، وتزيد تمزيق المجتمع عبر مضيها قدمًا في خطة ما تسميه الإصلاح القضائي، وإقالة المستشارة القضائية للحكومة، وإقالة كافة المسؤولين العسكريّين الذين لم يتوافق نتنياهو معهم، وهي خطوات تؤكد تخوفات الرئيس الإسرائيلي وقادة المعارضة من التفكك الداخلي للكيان الصهيوني.

لكن في مقابل ذلك، فإن هناك توافقًا بين ما تقدمه هذه الدراسات، وما تقوم به الحكومة على الأرض في القضايا الخارجية؛ وهو أمر يسهل ملاحظته في التحركات الإسرائيلية في الملف الإيراني، وضد حزب الله اللبناني، وفي الملف السوري، ومع الحوثيّين.

وفي ظِل ما سبق؛ يتضح أن الجبهات الخارجية، إيران وحزب الله في لبنان لم تعد هي مصدر الخطر الأكبر على الدولة في الوقت الحالي، في ظِل اعتقاد إسرائيل أنها تمكنت من توجيه ضربات مؤلمة لهما، كما أن الوضع في سوريا لا يسمح للنظام الجديد أن يشكل خطرًا على إسرائيل، ولا أن يدفع عن نفسه التهديد الإسرائيلي، لكنها، أي إسرائيل، تخشى من أيّ توسُّع للنفوذ التركي في سوريا، وتعتبر تأسيس قواعد عسكرية تركية هناك خطًّا أحمر، ومن ثم تسعى لمنع ذلك من خلال فتح حوار مع الأتراك، والاعتماد على الجهود الغربية والخليجية من أجل استيعاب النظام السوري الجديد، ومحاولة إلحاقه بمعسكر الاعتدال العربي.

وفي مقابل ذلك فإن مصدر الخطر الأكبر في الوقت الحالي على الكيان الصهيوني ينبع أساسًا من الداخل نتيجة عدم قدرة الجيش على الحسم في غزة، وتعرُّضه لخسائر مستمرة، وفشله في استعادة أسراه، وعدم وضع الحكومة تصورًا واضحًا حول مستقبل القطاع، ونتيجة لإصرار نتنياهو على المضي قدمًا في إجراءاته ضد المؤسسات القضائية، ومحو مبدأ الفصل بين السلطات، وتهديد الديمقراطية الإسرائيلية ككل.


[1] – הביטחון הלאומי ל מדינת ישראל, תפיסת יסוד ומדיניות לשנים 2025-2026. המכון למחקרי ביטחון לאומי, מרץ 2025. https://tinyurl.com/25l55fnz

[2] – שם

[3] – שם

[4] – דורון פסקין: אחרי הפסקת האש יתחיל המאבק הפנימי על שיקום לבנון. כלכליסט 26.11.2024. https://tinyurl.com/23h4zjld

[5] – ‘UAE and Israel to establish spy base in Yemen Island’ Middle Ease Monitor, Aug 28, 2020. https://tinyurl.com/28kbmu22

[6] – ‘Israel’s quest for strategic depth in the Horn of Africa through Somaliland’. Middle East Monitor, Oct 15, 2024. https://tinyurl.com/2ckor8ur

[7] – קובי מיכאל: סוריה כמרכז הכובד המתהווה של המזרח התיכון המורחב. המרכז לביטחון לאומי ולאסטרטגיה ציונית, 16.04.2025. https://tinyurl.com/25v9c6bl

[8] – https://tinyurl.com/23uc7blb

[9] – יוני קמפינסקי: מתיחות אזורית, הקו האדום שהציבה ישראל לטורקיה. ערוץ 7, 10.04.2025. https://tinyurl.com/2ys6b7xa

[10] – אסף רוזנצוייג: נשיא סוריה אחמד א-שרע, מעוניין להצטרף להסכמי אברהם “בתנאים הנכונים”. N12 24/04/25. https://tinyurl.com/22mumcjk

[11] – מורן אזולאי – דניאל אדלסון: האיתות הסורי על שלום, ההתפארות של טראמפ – והחשדנות בישראל “זה הונאה”. ידיעות אחרונות 24.12.2025. https://tinyurl.com/2d4ymlek

[12] – דודי קוגן: נשיא סוריה “כשישראל תפסיק את ההתערבות בשטחנו – אז נוכל לדבר על הסכם” ישראל היום 25.04.2025. https://tinyurl.com/2y64e2v5

[13] – הביטחון הלאומי ל מדינת ישראל, תפיסת יסוד ומדיניות לשנים 2025-2026. המכון למחקרי ביטחון לאומי, מרץ 2025. https://tinyurl.com/25l55fnz

[14] – מירב סבר: הנשיא הרצוג “ההיסטוריה לא תסלח למי שיפרק אותנו מבפנים”, יום הזיכרון לשואה ולגבורה. ישראל היום 23/04/2025. https://tinyurl.com/28ftvtye

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى