خبر وتعقيب

رأس الحكمة.. هل اشترت الإمارات “السيادة” على المنطقة؟

الخبر:

يوم 4 أكتوبر 2024، أُعلِن عن تدشين ما يُسمى مشروع تطوير “رأس الحكمة” الاستثماري على البحر المتوسط، البالغة قيمته نحو 35 مليار دولار، بحضور عبد الفتاح السيسي، ورئيس الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان.

ونشرت وكالة الأنباء الإماراتية صورًا مهينة، تُظهِر السيسي وهو يقف مُطأطأ الرأس أمام بن زايد، تارة، وينحني أمامه ويشبيك يديه خجلًا تارةً أخري، وهو يتابع تسليم مدينة رأس الحكمة المصرية لرئيس الإمارات.

مع تسليم أراضي المرحلة الأولى من مدينة رأس الحكمة، بعد إخلائها من سكانها، بدأت تظهر مؤشرات أن الأمر ليس مجرد تطوير أو حتى بيع.

ولكنه أشبه بنقل “السيادة” على المنطقة من مصر للإمارات، وتنازل عن الأرض، يشبه تنازل السيسي عن جزر تيران وصنافير للسعودية أيضًا مقابل صفقات مالية.

كانت الإمارات قد وقعت في 23 فبراير 2024 أكبر صفقة مع مصر، قيل إنها لتطوير مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي لمصر، والتي تمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التي تبعد عنها 85 كيلومترًا، وفقًا لخريطة مشروعات مصر.

التعقيب:

كشف موقع “جوجل مابس أوروبا”، أن رأس الحكمة أصبحت إماراتية، حيث تشير الخرائط إلى أنها تابعة لدولة الإمارات، ومدون تحتها عبارة “state of UAE”.

بالبحث في موقع “جوجل للخرائط” بالعربي بعبارة “رأس الحكمة”، لن يظهر أنها تابعة للإمارات، ولكن لو تمَّ البحث بالإنجليزية “Ras El Hekma”، سوف يظهر المكان مكتوبًا عليه “state of UAE”، أي أن المدينة باتت إماراتية لا مصرية.

الممثل والناشط المصري، عمرو واكد، أكد أنه بحث عبر “جوجل مابس أوروبا” فوجد أنه مكتوب ملكية رأس الحكمة للإمارات.

والسياسي والحقوقي أسامة رشدي، أكد أنه بحث عبر “جوجل مابس أمريكا” فوجد أيضًا أن رأس الحكمة مشار بأنها تابعة للإمارات في الخرائط، مؤكدًا أنها اقتطعت من مصر، وأصبحت الإمارة الثامنة للإمارات، وتابعة سياسيًّا وجغرافيًّا لدولة بن زايد.

قال: يوما ما سوف تذكر “رأس الحكمة” في التاريخ كولاية ألاسكا الأميركية التي اشترتها أميركا من روسيا عام 1867 بـ 7.5 ملايين دولار فقط، رغم أنها ولاية شاسعة وتبين أنها مليئة بالثروات.

مصريون تساءلوا عن أسباب كتابة جوجل مابس علي رأس الحكمة أنها تابعة لدولة الإمارات، وطالبوا بالكشف عن بنود العقود السرية التي وقعها السيسي ولم تنشر.

في غياب العقود الرسمية المصرية، كشفت بيانات شركة ADQ الاماراتية المالية، الرسمية المسجلة في بورصة لندن، والمنشورة على موقعها الرسمي، أن اتفاق الاستثمار في رأس الحكمة يتضمن “شراء الأرض وامتلاك تام لحقوق التطوير”.

البيانات أظهرت أن قيمة الاستثمار 24 مليار دولار، ولكن تمَّ تسجيل جزء منه “ملكية” وجزء “حقوق تطوير”، لأن هذا يتيح للشركة المالكة للأرض مميزات عديدة، مثل التصرف بحرية أكبر في تقسيم المشاريع بين المطورين العقاريّين وبيع حقوق تطويرها بدون التخلي عن الملكية للأرض.

أوضحت البيانات أن تمويل الصفقة تمَّ على مرحلتين: الأولى 10 مليار لشراء الارض في مارس 2024، والثانية 14 مليار دولار لتسجيل الصفقة كعقار استثماري تملكه ADQ وتنشره في بياناتها الرسمية بداية من يونيو 2024.

الدكتور عصام حجي، عالم الفضاء المصري، كتب يقول إن الإمارات “اشترت” رأس الحكمة المصرية لتحولها لميناء استراتيجي لها على غرار “جبل علي” أو “جبل طارق” لتنفيذ مشاريعها الاستثمارية.

أوضح حجي عبر تويتر أن رأس الحكمة ليست مجرد منطقة ساحلية لا قيمة استراتيجية لها، ولكنها ميناء استراتيجي، وستكون منطقة بحرية تنافس ميناء الإسكندرية وتصبح نقطة محورية في طريق الملاحة من وإلى قناة السويس، مؤكدًا أن “بيع هذه البقعة لم يكن أمرًا عرضيًّا”، أي أن الإمارات تضع عينها على هذه المنطقة لأهميتها.

يري محللون وخبراء أمن أن بيع مصر أهم منطقة استراتيجية ذات بُعد أمن قومي علي البحر المتوسط للإمارات لبناء مشروع سياحي هو تفريط في الأمن القومي وأنه كان يمكن استغلال هذه المنطقة في مشاريع صناعية واقتصادية تدر عائدًا أكبر.

انتقد هؤلاء المحللون والخبراء بيع مصر رأس الحكمة للإمارات لتبني فيها منتجعات سياحية ستنافس منتجعات العلمين التي تبنيها حكومة السيسي وقد تعرضها للكساد، ما يشير للتخبط في القرارات.

الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، قال إن الإمارات اشترطت اختيار مكان متميز، له علاقة بالأمن القومي المصري، لتشتريه وتبني فوقه “مشروعًا سياحيًّا” لا تساوي قيمته شيئًا للاقتصاد المصري، ولا يساعد مصر – مثل المشاريع الصناعية الجادة – على التحرر من التبعية للخارج.

الإعلامي حافظ المرازي انتقد بناء مفاعل نووي بتكلفة 30 مليار دولار (ديون) ليوفر 20 بالمائة فقط من احتياجات مصر الكهربائية، وعلى بعد 80 كيلو متر فقط من “رأس الحكمة” التي يروجون بأنها ستكون أفضل استثمار سياحي ومالي!

قال المرازي: “لماذا ما نكسبه ببيع أصول وأراض مصرية بيد، مازلنا نبذرها ونهدد حتى استثماراتها باليد الأخرى، لصانع القرار نفسه، الذي يحتفل بالمشروعين المتناقضين في شهر واحد؟!”.

رغم بيع السيسي أراضي وأصول مصر، توعد مصريون باستعادة هذه الأملاك، خاصة تلك التي تم التنازل عنها أو بيعها للإمارات والسعودية، واعتبروا البيع غير شرعي ولا يُعترف به، وسوف يتم استعادتها فور زوال نظام السيسي لأنها تضمنت تفريطًا.

دفع هذا دول مثل ألمانيا والسعودية لمطالبة نظام عبد الفتاح السيسي بتوقيع اتفاقية لحماية وضمان استثماراتهما في مصر، خشية عدم الاستقرار وربما خلع أو سقوط عبد الفتاح السيسي، وضياع أموالهم.

وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، حسن الخطيب، كشف لموقع “الشرق بلومبيرغ”، في 9 سبتمبر 2024، أن هذه الاتفاقية نصَّت على “ضمان الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى