الخبر:
بعد اتهامات عدة لها بالتسبب في انهيار محور مقاومة إسرائيل، وآخره “حزب الله”، بسبب تمسكها بسياسة “الصبر الاستراتيجي”، نفذت إيران ضربة “غير مسبوقة”، هي الأقوى لعمق دولة الاحتلال من نشأتها، بـ 250 صاروخ “فتّاح”، وهي صواريخ باليستية فرط صوتية.
كالعادة، أعلنت إسرائيل صد أغلب الصواريخ، بالتعاون مع أميركا وحلفائها، مثل بريطانيا والأردن، ثم بدأت تعترف، رغم أوامر حظر النشر العسكرية المشددة، بأن القصف سبب أضرارًا في قواعد عسكرية إسرائيلية، أبرزها “تل نوف”، وعدة مباني.
فيما أكدت إيران وصول 90 بالمئة من صواريخها الفرط صوتية، التي قطعت المسافة في 12 دقيقة، لأهدافها وتدمير مراكز عسكرية إسرائيلية.
التعقيب:
أهمية الضربة الإيرانية في توقيتها وشدتها، فقد جاءت في توقيت قياسي، بعد العلو الصهيوني المفاجئ، وتهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن أيدي إسرائيل سوف تطال الجميع، وسعيه لتشكيل “شرق أوسط جديد” تقوده إسرائيل.
الضربة الإيرانية جاءت لتعيد الأمور إلى نصابها، و”المبادرة” لمحور المقاومة، وشكَّلت تحديًا لـ”الشرق الأوسط الجديد”، الذي يريد نتنياهو فرضه بالقوة، عبر تغيير توازن القوى في المنطقة.
الضربة الإيرانية، واحتمالات رد الاحتلال، تفتح الباب لتغيير في مراكز الحرب بالشرق الأوسط، لتصبح إيران هي جبهة الحرب الأساسية مع إسرائيل، بعد غزة ولبنان والضفة الغربية.
إسرائيل اعترفت بأن الضربة كانت “غير مسبوقة” وأكبر من الضربة السابقة، في 15 إبريل 2024، لأنها تمَّت بصواريخ متطورة (فتَّاح الفرط صوتية، والتي تغير اتجاهاتها)، وهذا ما يفسر الفيديوهات التي انتشرت لانهمار الصواريخ على تل أبيب وانفجارها بعد الفشل في اعتراضها.
مصدر عسكري إسرائيلي، أعترف لشبكة CNNالأمريكية أن عدة صواريخ إيرانية ضربت قواعد عسكرية إسرائيلية وسببت أضرارًا، وهو ما يؤكد رواية الحرس الثوري الإيراني، التي تقول إنه استهدف ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية حول تل أبيب بالصواريخ.
هذا يعني تفوق ودقة الصواريخ الإيرانية، وأن صاروخ “فتّاح” اخترق منظومة الردع الإسرائيلية الأمريكية وتغلب عليها، وأن هذه المنظومة فشلت في اعتراض 90 بالمئة من الصواريخ المتطورة.
المشكلة الآن أن إسرائيل أكدت أنها سترد على إيران بطريقة قاسية، وأيدتها في ذلك أميركا، وسَرَّبت أنباء عن احتمال استهداف البرنامج النووي الإيراني ومصافي نفط، وردت إيران بأنها ستدمر في المرة القادمة – لو هاجمتها إسرائيل – أهدافًا مدنية لا عسكرية فقط.
هذا يعني توالي الرد، والرد المضاد، ومن ثم توسيع الحرب لتصبح شاملة، وقد تنجر لها أميركا، حتى ولو لم يرغب أي من الأطراف الثلاثة في ذلك.
إدراك تل أبيب وطهران ذلك، ظهر في تأكيد رئيس الأركان الإيراني “عدم رغبة بلاده في توسيع الحرب”، وتأكيد مجلس الحرب الصهيوني توجيه “رد قاس” ضد إيران، “دون أن يؤدي إلى حرب إقليمية”، لكن لا يبدو أن نتنياهو يريد التراجع.
هدف نتنياهو منذ سنوات هو تدمير البرنامج النووي الإيراني، وربما يجد في الضربة الإيرانية الحافز ليفعل ذلك بحجة الرد، وتصريح الرئيس بايدن “لا أدعم هجومًا على المواقع النووية الإيرانية” قد يكون مؤشرًا أن هذا سوف يحدث، وأن بايدن يكذب.
رد إيران بضرب المفاعل الإسرائيلي وربما ضرب محطات الغاز الإسرائيلية ومخازن الأمونيا في حيفا – التي تعتبر أشبه بقنبلة نووية لو انفجرت – بالتعاون مع حزب الله والحوثيّين والميليشيات الشيعية في العراق، يشكل مصدر قلق قوي للاحتلال.
أظهرت الضربة الإيرانية أن هناك تنسيقًا ضمنيًّا بين إيران وأميركا، أو أدوات اتصال خلفية وراء الكواليس، تستهدف عدم وصول الصراع لحرب شاملة، بعدما كشفت صحف أميركية أن إيران أخطرت أميركا بالضربة قبل تنفيذها.
صحف “نيويورك تايمز” و”وول ستريت جورنال” وشبكة “سي إن إن” وموقع “أكسيوس” نشروا تفاصيل عن موعد الضربة وأهدافها، قبل القصف الإيراني بالفعل، كما أعلن البيت الأبيض وقوع الضربة الإيرانية قبل أن تحدث، ما يعني أحد احتمالين:
الأول: أن إيران، ربما أخطرت إسرائيل وأميركا للمرة الثانية (الأولي كانت في أبريل 2024) بموعد وحجم الضربة تفاديًا للدخول في حرب شاملة، رغم النفي الإيراني وتأكيد طهران أنها أخطرتها “بعد وليس قبل” الضربة لتنقل رسالة تحذير لإسرائيل ألَّا ترد.
والثاني: أن إيران مخترقة بشكل كبير، مثلها مثل حزب الله، من جانب أميركا وإسرائيل، لذا علم الطرفان بموعد وتفاصيل الهجوم الإيراني.
تسريب أخبار لغالبية صحف أميركا عن إبلاغ طهران لواشنطن بالهجوم قبل وقوعه، والذي نفته طهران وأكدت أنه أكاذيب، ربما يكون جزءًا من الحرب النفسية أكثر منه حقيقة، ومحاولة لتشوية إيران وإحداث حالة من الخلافات داخل المحور الذي تقوده.