خبر وتعقيب

حزب الدستور وتهديدات الحل بقرار من لجنة شؤون الأحزاب

الخبر:

برغم أنها أحزاب مستأنسة وموالية، ومعارضتها محدودة، إلَّا أن نظام عبد الفتاح السيسي استأنف لعبة سياسية قديمة، هي التلاعب بالأحزاب التي يعلو صوتها أو تحاول إبداء أراء معارضة لنظامه.

وذلك، عبر تفجيرها داخليًّا بين فريقين متناحرين، بدفع عناصر موالية للسلطة لإثارة خلافات داخلية، لإيصالها لمرحلة تجميد نشاطها، أو بإقصاء قادتها المناوئين بشكل مباشر، كما جري في حزب الدستور، بحجج قانونية فاسدة.

فبعد أكثر من 12 عامًا على تأسيسه، على يد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الدكتور محمد البرادعي، في سبتمبر 2012، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، قررت لجنة الأحزاب السياسية يوم 10 سبتمبر 2024 خلو منصب رئيس الحزب، مستندة للائحة تأسيسه لعام 2012، التي تمَّ إلغاؤها ووضعت غيرها عام 2018.

وصفت جميلة إسماعيل، رئيسة الحزب، قرار لجنة الأحزاب السياسية، بإعلان خلو منصبها في رئاسة حزب الدستور، بأنه “بمثابة حل ضمني” للحزب، وقررت الطعن في مجلس الدولة الذي سوف يُصدِر حكمه في 6 أكتوبر 2024.

تكرر الأمر مع “الحزب المصري الديمقراطي” الذي يقوده اليساري فريد زهران المتحالف مع نظام السيسي، والذي شارك كأحد الكومبارسات في انتخابات الرئاسة المصرية الصورية، في ديسمبر 2023، أمام عبد الفتاح السيسي، وحصل على 4 بالمئة من الأصوات.

حيث قامت قوات الأمن (بطلب من زهران) باعتقال ثلاثة أعضاء بالحزب يوم 13 سبتمبر، لأنهم عقدوا مؤتمرًا غير عادي للحزب، للمطالبة بإجراء انتخابات داخلية بعدما انتهت فترة زهران منذ مايو 2024، واتهموه بتخريب الحزب وجعله مواليًا للسلطة. جاء اقتحام قوات الأمن لمقر انعقاد المؤتمر ليطرح تساؤلات، خاصة أن الجهات الأمنية زعمت أنه وصلها بلاغ من فريد زهران يتهم معارضيه في الحزب بأنهم خربوا ممتلكات الحزب لأنهم عقدوا مؤتمرًا بغير رغبته لطلب تنحيته.

التعقيب:

  • عادة ما تدخل الأحزاب المصرية بوابات التجميد عبر نزاعات داخلية، تنصر فيها الجهات الأمنية فريقًا على آخر، لتفتح الطريق أمام تدخلات لجنة الأحزاب السياسية لتجميد الحزب، ويبدو أن حزب الدستور يخطو نحو هذا المصير، خاصة عقب إعلان لجنة الأحزاب خلو مقعد رئيس الحزب لحين انعقاد المؤتمر العام.
  • رغم أن حزب البرادعي تحول لداعم للسلطة بعد تعاقب رؤساء من الموالاة عليه، دفع إطلاق بعض هذه القيادات، وآخرهم جميلة إسماعيل، تصريحات تتصادم مع السلطة في قضايا مثل الحريات وتهجير أهالي الوراق، النظامَ لتحريك عناصر موالية له داخل الحزب لخلق سيناريو “انقسام وصراع داخلي” لتجميد أو حل الحزب.
  • جميلة اسماعيل بدأت تظهر كمعارضة للنظام، بالتزامن مع رئاستها “الحركة المدنية”، فتمَّ العبث بحزبها وإقالتها منه بقرار حكومي من لجنة الأحزاب بعدما تدخلت الجهات الأمنية لخلق انقسام داخلي، ما يعني أن حزب الدستور في طريقه إلى التجميد وتوقف النشاط.
  • حركت السلطة شخصيات داخل الحزب للانقلاب عليها، فأصدروا بيانًا منسوبًا للهيئة العليا يعلن إسقاط عضوية جميلة إسماعيل، والأمين العام محمد خليل قاسم، وأمين الصندوق إسلام أبو ليلة، دفعة واحدة، من الهيئة العليا للحزب.
  • قررت لجنة الأحزاب اعتبار ذلك “انقسامًا”، واستندت للائحة الحزب عام 2012، التي تمَّ إلغاؤها عام 2028، لتقرر خلو منصب رئيس الحزب، مع أن هذه اللجنة هي ذاتها التي اعتمدت في أكتوبر 2022 انتخاب جميلة إسماعيل رئيسة لحزب الدستور!
  • قرار لجنة الأحزاب تدخل سافر، ويتعدى اختصاصها؛ لأن ما جاء في دستور 2014 يمنع اللجنة من اتخاذ قرارات بشأن الأحزاب السياسية، أو التدخل في اختيار لوائحها أو إلغاء جمعياتها العمومية، وهو ما فعلته، ما يَعني أنه “تدخل سياسي” لإبعاد جميلة إسماعيل.
  • هذا القرار معناه دخول حزب الدستور، الذي أسسه محمد البرادعي في ذروة الزخم الثوري، بوابة التجميد بحجة الانقسام، والتي سبق وطالت عدة أحزاب قبل ثورة يناير، منها “العمل” و”الأحرار” و”الغد” و”المصريين الأحرار” لاحقًا.
  • يبدو أن جميلة إسماعيل أدركت أن السلطة تعاقبها بسبب مواقفها المعارضة ورئاستها الحركة المدنية فأعلنت استقالتها من الحركة 22 سبتمبر 2024، بحجة استكمال معركتها للاحتفاظ برئاسة حزب الدستور.
  • لكن استمرارها في إطلاق تصريحات ضد السلطة، مثل رفض تهجير أهالي الوراق وانتقاد تعامل الشرطة معهم، ربما يكلفها منصب رئيس الحزب في ظِل احتمالات رفض المحكمة الإدارية إعادتها لرئاسة الحزب بعدما أصبح السيسي يعين قضاتها.
  • سبق أن ضربت الخلافات حزب الدستور عقب مشاركته في تأسيس “التيار الليبرالي الحر”، ثم الانسحاب منه، وتكررت على خلفية الانتخابات الرئاسية، حين بدأت إسماعيل جمع توكيلات شعبية لمنافسة السيسي فأصدر منافسوها قرارًا بعدم مشاركة الحزب في الانتخابات الرئاسية.
  • تدخل الجهات الأمنية تكرر مع “الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي” ولكن بصورة مختلفة، فحين أتهم بعض أعضاء الحزب رئيسة فريد زهران (يساري) بالفساد والديكتاتورية وسَعوا للتخلص منه ساندته الشرطة وقبضت على مَن عقدوا اجتماعًا في الحزب ضده، بتهمة “تخريب الممتلكات العامة”، مكافأة له على مشاركته في تمثيلية انتخابات الرئاسة عام 2023 كـ “كومبارس” للسيسي.
  • ما فعلته السلطة مع حزب الدستور وحزب زهران يؤكد أن ما قيل عن تغيير في نظام السيسي وانفتاح سياسي بعد ما سُمي “الحوار الوطني” محض “وهم”، والأمر لا يعدو أن يكون “حراكًا في نفس المكان” لتلميع النظام وإظهار أنه يحاور المعارضة الموالية له أصلًا.
  • لا يمكن فصل ما يجري في حزب الدستور وغيره من الأحزاب القليلة التي تحاول طرح أراء مختلفة عن السلطة عن قيام السلطة بعملية “إعادة هندسة” مبكرة للمشهد السياسي والحزبي في مصر قبل انتخابات البرلمان المقبل (2025)، بهدف شل الأحزاب واللعب بورقة تهديد شرعيتها، لمزيد من إحكام قبضة نظام السيسي على المجال السياسي، حسبما قالت جميلة إسماعيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى