تقدير موقف

اختيار يحيى السِّنوار.. دلالاته، وأثره على الصراع في قطاع غزة

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

فاجأت حركة حماس العالم باختيار يحيى السِّنوار رئيسًا للمكتب السياسي بالحركة، بعد اغتيال إسماعيل هنيَّة، وهو أكبر منصب في المستوى القيادي، الأمر الذي أثارَ جدلًا حول اختياره، وفتحَ باب التكهنات حول توجهات الحركة في المرحلة القادمة، ومستقبل الصراع في قطاع غزة، على المستويين العسكري والسياسي.

يسلط تقدير الموقف هذا الضوء على ملابسات اختيار السنوار، ودلالاته، ومحاولات تشويه هذا الاختيار، من خلال الزَّج باسم الإخوان المسلمين وإيران، وموقف إسرائيل والولايات المتحدة من قيادة السِّنوار للمقاومة، وأثر هذه القيادة على مستقبل الصراع في قطاع غزة، وصولًا إلى السيناريوهات المحتملة لتعامل حركة حماس بقيادة السِّنوار مع تطورات الصراع مع إسرائيل.

اختيار السِّنوار

أعلنت حركة حماس، في 6 أغسطس 2024م، تعيين قائدها في قطاع غزة، يحيى السِّنوار، رئسًا جديدًا للمكتب السياسي بالحركة، خلفًا لإسماعيل هنيَّة، الذي اغتيل في طهران.

وقالت الحركة إن اختيار السِّنوار تمَّ بناءً على إجماع في الأطر القيادية ومجلس شورى الحركة في الخارج، وبعد مشاورات ومداولات معمّقة وموسعة في مؤسسات الحركة القيادية[1]، وذلك ردًّا على ما أثير عن وجود خلافات بين قادة حماس بالداخل والخارج بشأن اختيار رئيس المكتب السياسي للحركة.

جاء الاختيار مفاجئًا للمتابعين، الذين كانوا يَرون أن الترشيحات تدور في فلك عدد من قادة الحركة، على رأسهم خالد مشعل، الذي سبق أن شغل المنصب، وخليل الحيَّة نائب رئيس الحركة في غزة، وموسى أبو مرزوق، الرئيس السابق للمكتب السياسي، وزاهر جبارين الذي يتولى منذ فترة طويلة إدارة الشؤون المالية للحركة.

ويُعرَف السِّنوار بأنه واحد من أكثر أعضاء حركة حماس قوة وصلابة، وحلقة الوصل بين القيادة السياسية والجناح العسكري، ورمز من رموز المواجهة والتحدي للكيان الصهيوني.

ولهذا، يمكن قراءة اختيار السِّنوار لقيادة حركة حماس على أنه تأكيد على خيار المقاومة، والوقوف خلف المقاتلين الذي صمدوا منذ ما يقرب من 10 أشهر في حرب الإبادة التي يواجهونها. وذلك بعد أن أدركت الحركة أن الخيار العسكري هو المحرك الأساس، في هذه المرحلة على الأقل، وربما في الأمد المتوسط، بعد ما أظهرته إسرائيل من تطرف واضح في ممارساتها ضد قطاع غزة وعدم وضوح الخيارات السياسية في الوقت الراهن[2].   

انقسمت آراء المحللين والمتابعين حول مستقبل حركة حماس بعد اختيار السِّنوار، فقد رأى البعض أن هذا الاختيار سوف يؤثر على أداء الحركة؛ لأن السِّنوار مُقيَّد الحركة، ومُستهدَف من جانب إسرائيل، ولا يستطيع الخروج من قطاع غزة لممارسة دوره السياسي والدبلوماسي. هذا بالإضافة إلى أن اختفاءه سوف يُعطِّل عملية التواصل معه لاتخاذ قرارات خاصّضة بالمفاوضات الجارية من أجل إيقاف الحرب وتبادل الأسرى.

هذا في الوقت الذي يَرى فيه آخرون أن اختياره يمكن أن يفيد الحركة في المدى القريب، حيث تواجه حرب إبادة، لا يفيد معها إلَّا قيادة ميدانية صلبة، لا تخضع للضغوط التي يمكن أن يتعرض لها المفاوض الموجود بالخارج، وتدرك في الوقت نفسه حقيقة الوضع على الأرض.

دلالات اختيار السِّنوار

جاء اختيار السِّنوار ليؤكد على أمر مهم، عبَّر عنه القيادي بحركة حماس، أسامة حمدان، الذي قال إن اختياره يؤكد وحدة الحركة وإدراكها للمخاطر التي تواجهها، وأن سياسة الاغتيالات التي يمارسها العدو ضد قيادات المقاومة لن تنجح في كسر شوكة المقاومة ولا في إضعافها.

أما الرسائل التي وجهتها حماس من خلال اختيار السِّنوار، فهي رسائل تحدٍّ للكيان الصهيوني، وطمأنة للصف المقاوم والحاضنة الشعبية، هي عديدة، ولها دلالات مختلفة، منها:

  • قوة الرَّد على ممارسات إسرائيل؛ لأن السِّنوار من أكثر عناصر الحركة حِدة وعنادًا تجاه الاحتلال، وهو ما يَعني أن الحركة لن تخضع لأي ضغوط.
  • إجماع الحركة على اختيار السِّنوار، وهو ما يَدل على فشل إسرائيل في إحداث شرخ بين قيادات الحركة العسكرية والسياسية، بالداخل والخارج.
  • استمرار رمزية “طوفان الأقصى”، حيث يَرتبط اسم السِّنوار بالعملية، ويُذكِّر الإسرائيليّين بإخفاقهم، ما يعني أن حماس اختارت السير قدمًا في خيار المواجهة العسكرية.
  • إبراز دور القيادة الميدانية، وهو ما يؤكد أن الأولوية الحالية لميدان المعركة ومواجهة العدو، بالتزامن مع مسار المفاوضات الذي يمكن أن يَصِل إلى طريق مسدود[3].
  • تأكيد الحركة على دعم السِّنوار، في ظِل التحريض الإسرائيلي الكبير ضده، باعتباره مهندس عملية “طوفان الأقصى” واقتحام الحدود بين القطاع والأراضي المحتلة.
  • إفشال مفعول سياسة الاغتيالات، من خلال سرعة شغل المناصب الشاغرة في القيادة، واستكمال هيكلها، وهو ما يُحبِط مساعي إسرائيل لشل حركة المقاومة بقتل قادتها.
  • إظهار قوة التواصل والاتصال بين قيادة حماس في الخارج وكوادرها وقادتها في الداخل، ما يدحض مزاعم إسرائيل بانهيار منظومة القيادة لدى المقاومة وانقطاع تواصلها.

الزَّج باسم الإخوان وإيران

حاولت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الدول المعادية لجماعة الإخوان المسلمين الزَّج باسم الجماعة وإيران في الترتيبات التي جَرت لاختيار خليفة لإسماعيل هنيَّة، من خلال الحديث عن تدخل الطرفين في اختيارات حركة حماس، ووَضع الإخوان في مقابل إيران، للإيحاء بوجود تنازع بين تيَّارين في الحركة، يميل أحدهما إلى إيران، ويَميل الآخر إلى جماعة الإخوان، وكأنَّ الحركة أداة في يد آخرين.

فقد نسبت وسائل إعلام إلى مصادر وصفتها بالمطلعة، أن قادة الجماعة والتنظيم الدولي في العاصمة البريطانية لندن، استقروا على تنصيب خالد مشعل على رأس حركة حماس، لفترة مؤقتة لحين إجراء انتخابات جديدة[4]، لقربه إلى الجماعة منه إلى إيران.

وحاول البعض استغلال بيان الإخوان لنعي هنيَّة، في وضع الإخوان في مقابل إيران من ناحيةٍ، من خلال تصوير عملية اختيار خليفة لهنيَّة وكأنها معركة نفوذ داخل الحركة، وتصدير صورة مفادها أنَّ قرار الحركة رهين امتدادت خارجية من ناحيةٍ أخرى.

فقد رأى البعض في البيان 3 رسائل: الأولى هي دعوة إخوانية صريحة لحركة حماس كي تعود لحضن التنظيم الدولي بدلًا من الارتماء في حضن إيران، والثانية إشارة إلى وجود غدر حسب وصف البيان الأول، وخذلان في حماية هنيَّة ومسؤولي الحركة، وهو اتهام غير مباشر لإيران بتقصيرها في حمايته، والثالثة هي تأكيد ارتباط الحركة بالتنظيم الدولي رغم إعلان هنيَّة نفسه في العام 2015م عدم ارتباط الحركة بجماعة الإخوان في مصر أو التنظيم الدولي[5].

كذلك، زعم البعض أن اختيار السِّنوار تمَّ بناءً على حسابات قادت إلى اختياره، وأن العلاقة مع إيران كانت في صلب الحسابات التي قادت إلى هذا الاختيار. بل زعم البعض أن السنوار طالب بأن يكون الزعيم الجديد للحركة رجلًا مقربًا من إيران، بحسب ما نقلته صحيفة “وول استريت جورنال” عن مسؤولين عرب وفلسطينيّين[6].

ولا يَخفى أن الربط بين حماس وإيران والإخوان في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة بالنسبة لحركة حماس – التي تخوض حربًا غير مسبوقة في قطاع غزة – هو محاولة لإخراج المقاومة من صورتها كحركة تحرير وطني، تمتلك قرارها وخياراتها، وتتواصل مع الآخرين وفق محددات تضمن مصلحة الشعب الفلسطيني، إلى حركة تابعة لجهات أخرى تحركها لمصالح خاصَّة لا علاقة لها بالمقاومة والقضية الفلسطينية، وتحميلها كل أوزار الصراع بين الدول العربية وإيران من ناحيةٍ، وبينها وبين تيَّار الإسلام السياسي من ناحيةٍ أخرى.

موقف إسرائيل والولايات المتحدة

اتبعت حركة حماس، باختيارها يحيى السِّنوار قائدًا جديدًا بعد إسماعيل هنيَّة، استراتيجية الصدمة والرعب في علم النفس القتالي، لإصابة العدو بالذعر والخوف والهلع، بحسب خبراء[7]، وأرسلت بهذا الاختيار رسالة تحدٍّ واضحة وقوية للاحتلال وأقرب حلفائه، الولايات المتحدة، مفادها أن الاغتيالات لن تؤثر على قيادة الحركة، ولن ترهبها أو تدفعها إلى الاستسلام لما تريد إسرائيل فرضه عليها وعلى قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

ولهذا كان موقف إسرائيل شديد الحدة من اختيار يحيى السِّنوار، حيث دعا وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، إلى اغتياله في أسرع وقت. وتوعد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هاليفي، بالعثور عليه وتصفيته[8].

وعلى المستوى الشعبي، تلقى الإسرائيليون خبر اختيار السِّنوار باستياء وانزعاج، وعبّر بعضهم عن أمله في أن يلقى مصير سلفه إسماعيل هنيَّة.

ولكن دعوات الاغتيال، لا يمكن أن تغطي على حقيقة أن إسرائيل مجبرة الآن على التفاوض مع السِّنوار، وأنه في حالة الوصول إلى اتفاق بخروج القوات الإسرائيلية من غزة فسوف تجد تل‌أبيب نفسها أمام قطاع غزة برئاسة السِّنوار.

أما الولايات المتحدة، فقد علقت على اختيار السِّنوار، على لسان المتحدث باسم خارجيتها، ماثيو ميلر، فقالت إنه “إرهابي وحشي وهناك دماء على يديه، ويجب أن يتم تقديمه إلى العدالة”[9].

ومع ذلك فإن واشنطن تدرك أن السِّنوار “كان ولا يزال هو صاحب القرار الرئيس عندما يتعلق الأمر بإبرام اتفاق وقف إطلاق النار”[10]، وهو ما صرح  به وزير الخارجية، أنتوني بلينكين.

السِّنوار ومستقبل الصراع في غزة

أثار اختيار يحيى رئيسًا للمكتب السياسي لحركة حماس كثيرًا من التكهنات حول مستقبل الصراع في قطاع غزة، سواء كانت سلبية أو إيجابية، في ظِل قيادة جديدة للحركة، تقاتل على الأرض، ومعروفة بقوتها وصلابتها في التعامل مع العدو.

1 – مسار الحرب

يَرى البعض أن اغتيال إسماعيل هنيَّة جعل مصيرَ المنطقة في أيدي المتشددين: السِّنوار ونصر الله، وخامنئي، ونتنياهو، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى استمرار الحرب، ويَزيد من احتمالية اتساع رقعتها وتحولها إلى حرب إقليمية شاملة ومفتوحة.

وبحسب محللين فإن فرص وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن تبدو أكثر بُعدًا بعد وصول السِّنوار إلى قيادة حركة حماس[11]، لِمَا عُرِف عنه من قوة وصلابة في المواقف وتغليب للعمليات العسكرية ضد إسرائيل على المفاوضات.

ويَستدل القائلون باستمرار الحرب بعد اختيار السِّنوار، بأن قيادته للمستويين السياسي والعسكري، سوف تؤثر في خيارات حماس، بحيث يصبح خيار استمرار المقاومة، حتى رضوخ إسرائيل، ممكنًا، رغم صعوبة تحقيق هذا الاحتمال بالنظر لاختلاف موازين القوى، إلَّا أن رهانات السِّنوار تنطوي على شيءٍ من المنطق في ظِل الانقسام الحاصل في النخبة الإسرائيلية، وتعب المجتمع الإسرائيلي، ومساعي واشنطن لإيجاد مخرج للحرب في غزة[12].

بل ذهب البعض إلى أن اختيار السِّنوار رسالة واضحة بأنه بإمكان كتائب القسَّام أن تقاتل لأربع سنوات قادمة، هي فترة ولاية الرئيس الجديد للمكتب السياسي.

ولكن ثمَّة فريق آخر، يَرى أن اختيار السِّنوار يمكن أن يساعد في إنهاء الحرب؛ لسببين: أولهما أنه صانع القرار الحقيقي في حماس، وثانيهما أن لديه من الصلاحيات ما لم يتوافر لسلفه في هذا المنصب، وهي الصلاحيات التي يتمتع بها لجمعه بين منصبي رئيس المكتب السياسي لحماس وزعيم الحركة في غزة، وقد يتمكن من إحراز تقدم كبير في اتجاه وقف الحرب[13].

هذا بالإضافة إلى أن نتنياهو قد يُضطر إلى قبول خيار وقف إطلاق النار، بضغطٍ من الإدارة الأمريكية التي ترغب في وقف التصعيد، وبضغطٍ من قادة جيش الاحتلال ورؤساء الأجهزة الأمنية الذين يرغبون في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق نار[14].

وقد يقوي هذا الطرح، تراجع نتنياهو عن المراهنة على سياسة الضغط العسكري على المقاومة والتفاوض تحت النار، وإدراكه أن هذه السياسة لن تؤدي إلى تحقيق هدفه، وهو دفع الحركة إلى التنازل عن شروطها على طاولة المفاوضات، في ظِل وجود قائد معروف بالقوة والصلابة في مواجهة الاحتلال ومؤمن بخيار العمل العسكري والصمود في المعركة.

وموقف السِّنوار من الصمود في الحرب معروف لإسرائيل وحلفائها، وهو ما ذكره وسطاء عرب، نقلوا عنه أن “حماس لن تسلم أسلحتها، ولن توقع على أيّ اقتراح يدعو إلى ذلك”[15].

2 – مسار المفاوضات

جاء اختيار السِّنوار في الوقت الذي تراوح فيه مفاوضات وقف إطلاق النار مكانها، بسبب العراقيل التي يختلقها نتنياهو، وتَمسُّك حركة حماس بمطالبها التي تحاول من خلالها وقف الحرب للتخفيف عن سكان القطاع من المدنيّين، والمحافظة على ما حققته من إنجاز استراتيجي في عملية “طوفان الأقصى”، ومَنع إسرائيل من خلق واقع جديد في القطاع بعد انتهاء الحرب، أو العودة إلى الحرب مرة أخرى متى شاءت في ظِل اتفاق يتيح لها ذلك.

وبعد اختيار السِّنوار، يَرى بعض المحللين أن اختياره سوف يُعطِّل المفاوضات، وأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى بين حماس وإسرائيل أمر مستبعد للغاية. وأن استئناف المفاوضات أمر ممكن، ولكن حماس ستتخذ موقفًا متشددًا[16].

في المقابل، هناك من المحللين مَن يرى أن وجود السِّنوار على رأس حماس قد يُعجِّل بالوصول إلى اتفاق، حتى إن محللين إسرائيليّين ذهبوا إلى القول بأن “اختيار السِّنوار خليفة لإسماعيل هنيَّة قد يساعد في دفع مفاوضات الرهائن وإنهاء الحرب، معتبرين أن هنيَّة كان عقبة أمام المفاوضات، لأنه كان أكثر صرامة، لكونه خارج قطاع غزة، فيما سيتعامل السِّنوار مع المفاوضات بشكل أكثر واقعية؛ كونه ما زال داخل القطاع”[17].

والواقع أن الحديث عن إمكانية تغيير موقف حركة حماس في المفاوضات، نحو التشدد أو التساهل، بعد اختيار السِّنوار، يتجاوز جملة من الحقائق التي لا ينبغي إغفالها، وهي:

  • أن حركة حماس تدير المعركة وفق عمل مؤسسي لا يَرتبط بطبيعة الأشخاص، مع الإقرار بأن الطبيعة الشخصية للقيادات تفرض نفسها، ويمكن أن تؤثر في توجيه الرأي العام داخل دائرة صنع القرار.
  • أن السِّنوار كان حاضرًا في مشهد المفاوضات بقوة، قبل اختياره لقيادة الحركة، وأن مطالب المفاوض الفلسطيني هي المطالب التي توافقت عليها قيادة الحركة، بما فيها السِّنوار، ولا مجال للحديث عن تغييرها، نحو التشدد أو التساهل.
  • أن الحركة واقعية في اتخاذ قراراتها، وتسعى إلى الحصول على كل ما يمكنها الحصول عليه في ميادين القتال وعلى مائدة المفاوضات، في ظِل هدف رئيس، هو وقف إطلاق النار، مع خروج جيش الاحتلال من قطاع غزة بالكامل وضمان عدم عودة الاحتلال إلى الحرب.
  • أن الفريق الفلسطيني الذي يفاوض الآن عبر الوسطاء، هو ذاته الفريق الذي فاوض تحت قيادة هنيَّة، وفق القواعد المستقرة لدى طرفي الصراع، في محاولة من كليهما للوصول إلى اتفاق يضمن لهما الخروج في صورة المنتصر، عبر تحقيق المطالب، وهو ما يرتبط بمسار العمليات العسكرية على الجبهة في قطاع غزة.
  • أن التشدد في المفاوضات جزء لا يتجزأ من آلياتها، لأنه ورقة ضغط يستخدمها كل طرف لإجبار الطرف الآخر على القبول بطلباته، أو الالتقاء في نقطة وسط، ولا يعني اللجوء إلى التشدد من جانب السِّنوار وجود رغبة لديه في عرقلة المفاوضات واستمرار الحرب.  

ومن ثم، سوف تستمر المفاوضات وفق القواعد التي سارت عليها في الفترة الماضية، وهو ما أكد عليه القيادي بحماس، أسامة حمدان، الذي قال إنه “فريق التفاوض ذاته الذي كان في عهد هنيَّة سيواصل العمل مع السِّنوار، ولن نقوم بأي تغيير في شخصيات التفاوض، كما أن التعليمات التي بحوزتهم هي ذاتها التي كانت قبل عملية اغتيال زعيم الحركة”[18].

وفيما يؤكد تمسُّك السِّنوار بالثوابت التي تتمسَّك بها حركة حماس في المفاوضات، ذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” أن السِّنوار استهل رئاسته لحركة حماس بإرسال رسالة إلى الوسطاء المصريّين، تمسَّك فيها بانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من قطاع غزة، إلى جانب إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيّين البارزين وأصحاب المحكوميات العالية[19].

3 – اليوم التالي للحرب

ترفض حركة حماس أي خطط لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، تحت مُسمَّى خطط اليوم التالي، والتي تفترض استبعاد الحركة بعد هزيمتها في الحرب وإنهاء سيطرتها على القطاع، ودون الرجوع إلى الشعب الفلسطيني، صاحب الحق في تحديد مصيره. وقد جاء هذا الرفض على لسان قادة الحركة المتواجدين بالخارج، ومن خلال بياناتها الرسمية.

وبعد اختيار السِّنوار، تحدثت وسائل إعلام عن موقفه من خطط اليوم التالي لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، من خلال ما نُسِب إليه في رسالة قيل إنه أرسلها إلى الوسطاء في مصر، وُصِفت بـ”الحاسمة”، عارض فيها إدارة السلطة الفلسطينية لقطاع غزة بعد الحرب، وهي الخطة التي تلقى قبولًا من الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، وتعمل السلطة الفلسطينية لتحقيقها، للقفز على أي توافقات بشأن تحديد شكل السلطة في الضفة وغزة، ودون الرجوع إلى الشعب الفلسطيني من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية تحاول السلطة تجنب إجرائها.

كذلك، رفض السنوار في الرسالة المنسوبة إليه نشر قوات متعددة الجنسيات في غزة بعد الحرب للحفاظ على الأمن حتى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية[20]، وهي الخطة التي تقف وراءها دولة الإمارات وبعض الدول العربية بالتوافق مع إسرائيل.

وسواء كانت هناك رسالة من السنوار بالفعل أم لا، فإن مضمون الرسالة التي تحدثت عنها وسائل الإعلام هو الموقف الرسمي لحركة حماس من خطط اليوم التالي، والذي اتفق عليه قادتها وورد في بيانتها الرسمية، الأمر الذي يؤكد أنه لا جديد في هذا الموقف بعد اختيار السِّنوار.

السيناريوهات المحتملة

في ظِل المعطيات الحالية، ثمَّة سيناريوهات ثلاثة محتملة لتعامل حركة حماس مع تطورات الصراع في قطاع غزة، بعد اختيار السِّنوار رئيسًا للمكتب السياسي للحركة:

سيناريو (1): التشدد والتصعيد

التوصيفعوامل التحققمظاهر التحقق
التشدد والتصعيد ضد إسرائيل.يأس قيادة حماس من إمكانية وقف الحرب عبر المفاوضات.قرار  حماس باستمرار الحرب رغم أي خسائر مادية أو بشرية.استمرار عرقلة إسرائيل لمفاوضات وقف إطلاق النار. رغبة إسرائيل في مواصلة الحرب.وجود دعم قوي لحماس من محور المقاومة.اطمئنان حماس إلى استمرار دعم الحاضنة الشعبية.امتلاك إمكانيات الصمود في المعركة.وجود قائد الحركة بالداخل، وعدم تعرضه لضغوط من جانب الوسطاء.تشدد حماس في المفاوضات وتصعيدها في الحرب.عدم رضوخ إسرائيل لمطالب حماس.انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار.استمرار الحرب في قطاع غزة.

هذا السيناريو بعيد التحقق؛ من جانب حركة حماس على الأقل، لأنه يتعارض مع هدف الحركة، وهو وقف الحرب. وإذا كان هناك مجال للتشدد والتصعيد ضد إسرائيل فسوف يكون من أجل دفع إسرائيل إلى اتفاق يوقف العدوان.

سيناريو (2): الاستسلام والرضوخ

التوصيفعوامل التحققمظاهر التحقق
استسلام المقاومة لإسرائيل، والرضوخ لشروطها.تعقد الوضع على جبهات القتال في قطاع غزة.وصول المقاومة إلى مرحلة عدم القدرة على توفير احتياجاتها في ظِل الحصار. وصول الحركة إلى قناعة بأنها غير قادرة على الصمود.تشدد إسرائيل في المفاوضات، وتيقن المفاوض الإسرائيلي أنه لن يحصل على أي شيء من مطالبه.قرار حماس بالتوقف عن القتال والرضا بشروط إسرائيل لوقف الحرب.تراجع دعم محور المقاومة.وجود شك في استمرار صمود الحاضنة الشعبية.استسلام حركة حماس في الحرب.قبول الحركة بشروط إسرائيل في المفاوشات.توقف الحرب.نهاية سيطرة حماس على قطاع غزة.

هذا السيناريو بعيد التحقق مثل سابقه، لأن خيار المقاومة هو الصمود على المستوى العسكري، والتمسُّك بالثوابت على المستوى السياسي، وهو ما تتوافق عليه قيادة الحركة السياسية والعسكرية، بالداخل والخارج. ويزيد من استبعاد تحقق هذا السيناريو وصول السِّنوار إلى قيادة الحركة، بما عُرِف عنه من قوة في وجه الاحتلال، وإيمان بضرورة المواجهة والصمود.

سيناريو (3): مراعاة الواقعية

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
مراعاة الواقعية في اتخاذ القرارات الخاصَّة بالحرب والمفاوضات.مؤسسية الحركة، وانعدام الفردية في اتخاذ القرار.عدم لجوء حماس إلى المغامرة في اتخاذ قراراتها. ارتباط القرار لدى حماس بمعطيات الصراع وتطوراته، وبإمكانيات الحركة.أن التشدد ليس في مصلحة المقاومة، والاستسلام ليس من منهجها.عدم التعويل على قدر أكبر من الدعم الحالي لإيران ومحور المقاومة.وجود الحركة تحت الحصار.طول أمد الحرب وهو ما لا يصب في مصلحة المقاومة على المدى البعيد.رغبة الحركة في التوصل لاتفاق يوقف الحرب ويحافظ على إنجاز طوفان الأقصى.إظهار مزيد من الصمود في المعركة.استمرار السعي لتحقيق مطالب المقاومة في المفاوضات.استمرار السعي من أجل الوصول لاتفاق ينهي الحرب.

هذا السيناريو هو الأقرب للتحقق؛ لأن حركة حماس تتخذ قراراتها وفق آلية مؤسسية، تراعي الواقع والإمكانيات المتاحة، وتقدر الظروف المحيطة، والتطورات الداخلية والإقليمية والدولية. ولذلك سوف تسعى الحركة إلى رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء الضغط العسكري الإسرائيلي على المقاومة، وضمان بقائها.

التقدير

يمكن القول إنه لن يكون هناك تغير جذري في مواقف حركة حماس الاستراتيجية من الصراع في قطاع غزة، على المستويين السياسي والعسكري، بعد اختيار السِّنوار لقيادة الحركة؛ لأن موقف الحركة من الصراع ثابت في مبادئه العامة وقضاياه الأساسية منذ بداية الحرب ورغم كل الخسائر، ومُتفَق عليه بين قيادات الداخل والخارج، ولا يوجد ما يدفع إلى تغييره بعد اختيار السِّنوار.

وأقصى ما يمكن حدوثه هو استغلال الصورة الذهنية المرسومة للسِّنوار في تصدير حالة من القلق إلى الولايات المتحدة والداخل الإسرائيلي بأن هناك قيادة قوية وصلبة خيارها الوحيد هو الصمود ضد أيّ محاولة لخروج إسرائيل منتصرة في الحرب، على الجبهة أو في مفاوضات وقف إطلاق النار، الأمر الذي يمكن أن يُطيل أمد الحرب، ويمكن أن يتسبب في توسيع رقعتها إقليميًّا، وهو ما لا ترغبه الولايات المتحدة، ولا يتمناه الداخل الإسرائيلي، على مستوى الجيش المُنهَك في حرب غزة، وأُسَر الأسرى التي ترى أن طول أمد الحرب لن يُعيد إليهم أبناءهم. ولعل هذا الوضع يؤدي إلى مزيد من الضغوط على نتنياهو من أجل الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار وتبادل للأسرى.

خاتمة

لا شك أن اختيار يحيى السِّنوار لقيادة حركة حماس كان مفاجأة للجميع، وصدمة لإسرائيل التي وجدت نفسها مطالبة بالتفاوض مع الرجل الذي وقف خلف عملية “طوفان الأقصى”، ويقود المقاومة في أكثر حروبها شراسة ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي يُعاني داخليًّا وخارجيًّا بسبب خسائره وجرائمه في هذه الحرب.

ولهذا أثار هذا الاختيار جدلًا كبيرًا بين المحللين والمتابعين للشأن الفلسطيني، وأحدث تضاربًا في التوقعات حول ما يمكن أن يؤول إليه مستقبل الصراع بين المقاومة والاحتلال في قطاع غزة، على مستوى الحرب والمفاوضات ووضع القطاع فيما بعد، حتى إننا وجدنا أنفسنا أمام شخصيتين متناقضتين للسَّنوار، ولسلفه إسماعيل هنيَّة أيضًا.

فهناك مَن يَرى أن السِّنوار شخصية متشددة، وسوف يُعرقل المفاوضات، ويُطيل أمد الحرب، ويُقرِّب المنطقة من حرب إقليمية شاملة ومفتوحة، بعد أن حل محل رجل سياسي ودبلوماسي، يتميز بالبراغماتية، ويسعى إلى إنجاح مفاوضات الهدنة ووقف الحرب.

وهناك مَن يَرى أن السِّنوار شخصية واقعية، يُدرك حقيقة الوضع الكارثي في قطاع غزة، ويمكن أن يُعجّل بنجاح المفاوضات وإيقاف الحرب بما له من سلطات واسعة، بعد أن وَصَل إلى قمة السلطة في الحركة، وصار صاحب القرار العسكري والسياسي فيها، وأن الذي عرقل المفاوضات هو سلفه هنيَّة الذي كان يتخذ موقفًا صارمًا تجاه إسرائيل.

والواقع هو أن حركة حماس، مجمعة على الرغبة في إنهاء حالة الحرب، لوقف العدوان والتخفيف عن المدنيّين، ولكن ليس بما يُفرِّغ إنجاز “طوفان الأقصى” من مضمونه، وهو ما يحاول نتنياهو الوصول إليه من خلال الضغط العسكري والتشدد في مفاوضات وقف إطلاق النار، وتواجهه الحركة بصمود عسكري في الميدان، وصمود مماثل على طاولة المفاوضات.

وهذا الموقف من حركة حماس، لن يتغير برحيل هنيَّة ومجيء السِّنوار؛ لأن السِّنوار حاضر وبقوة في اتخاذ هذا الموقف، قبل اغتيال هنيَّة، ولا يوجد ما يدفعنا إلى القول باحتمالية تراجعه عنه بعد توليه قيادة الحركة التي يتسم عملها بالمؤسسية.


[1] – وكالة الأناضول، القسام تبايع السنوار وتؤكد جهوزيتها الكاملة لتنفيذ قراراته، 9 أغسطس 2024، الرابط

[2] – عربي 21، ماذا يعني اختيار يحيى السنوار رئيسا لحركة حماس؟، 7 أغسطس 2024، الرابط

[3] – الجزيرة، السنوار خلفا لهنية.. 5 دلالات ورسائل، 6 أغسطس 2024، الرابط

[4] – العربية، اتصال وفيديو من الإخوان قد ينصب خالد مشعل لخلافة إسماعيل هنية، 4 أغسطس 2024، الرابط

[5] – المصدر السابق، الرابط.

[6] – The Wall Street Journal, Sinwar Power Grab Cements Hamas-Iran Ties, 07-08-2024, Link

[7] – الجزيرة، حماس تعتمد إستراتيجية “الصدمة والرعب” في اختيارها للسنوار، 7 أغسطس 2024، الرابط

[8] – الشرق الأوسط، الجيش الإسرائيلي يتوعّد بالعثور على السنوار وتصفيته، 7 أغسط 2024، الرابط

[9] – الحرة، الخارجية الأميركية تعلق على اختيار السنوار خلفا لهنية، 7 أغسطس 2024، الرابط

[10] – RT عربي، بلينكن: السنوار كان ولا يزال صاحب القرار الأساسي بشأن اتفاق وقف إطلاق النار، 6 أغسطس 2024، الرابط

[11] – The Economist, Hamas’s pick of Sinwar as leader makes a ceasefire less likely, 06-08-2024, Link

[12] – العربي الجديد، غزّة في عهد السنوار…، 9 أغسطس 2024، الرابط

[13] – BBC عربي، “خلافة السنوار لهنية قد تساعد في إنهاء الحرب” – جيروزاليم بوست، 8 أغسطس 2024، الرابط

[14] – Financial Times, How to end a spiraling Middle East crisis, 07-08-2024, Link

[15] – The Wall Street Journal, Sinwar Holds Firm on Demands for Gaza Cease-Fire, 06-06-2024, Link

[16] – i24 News، تقرير: السنوار يظهر موقف متشدد جدا في المفاوضات، 9 أغسطس 2024، الرابط

[17] – سكاي نيوز عربية، إعلام إسرائيلي: طموح السنوار لعام 2025 قد ينهي الحرب، 8 أغسطس 2024، الرابط

[18] – إندبندنت عربية، هل يؤثر تعيين السنوار على مسار المفاوضات لإيقاف الحرب؟ 8 أغسطس 2024، الرابط

[19] – The National, Yahya Sinwar outlines uncompromising stance on Gaza, 08-08-2024, Link

[20] – The National, Yahya Sinwar outlines uncompromising stance on Gaza, 08-08-2024, Link

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى