مقدمة
بعد مرور شهرين على بداية الحرب في قطاع غزة، وتحوُّل إسرائيل إلى مرحلة جديدة في عمليتها العسكرية، تستهدف من خلالها وسط القطاع وجنوبه، انطلقت دعوات لإنهاء الحرب، بسبب الكارثة الإنسانية التي يتعرَّض لها المدنيُّون الفلسطينيُّون.
ومع الحديث عن إنهاء الحرب التي تتمسَّك إسرائيل بمواصلتها إلى أن تحقق أهدافها، ظهرت رؤى لما يمكن أن يكون مِن مساراتٍ للحل السياسي.
تستشرف هذه الورقة سيناريوهات الحل السياسي، بعد الحديث عن تطورات الصراع، واستعراض أوضاع المقاومة وإسرائيل، وتحديد نقاط القوة والضعف لدى كلا الطرفين، والفرص المتاحة لهما، والتهديدات التي يتعرضان لها، للوصول إلى البحث في إمكانية إنهاء الحرب، والانتقال إلى الحل السياسي، وفق السيناريوهات المحتملة.
تعتمد الورقة في بناء رؤيتها لمآلات الأحداث على المعلومات العلنية المتاحة من خلال إعلام المقاومة ووسائل الإعلام العامة، ولا تزعم أنها بصدد وضع تصور سياسي لكيفية إنهاء الحرب، وإنما تبحث في إمكانية إنهاء الحرب، ومِن ثمَّ الانتقال إلى مسار سياسي يحتوي العلاقة بين إسرائيل والمقاومة، على أساس الاحتمالات والترجيحات المبنية على المتوفر من المعلومات.
1 – تطورات الصراع
شهد قطاع غزة معارك ضارية بعد انتهاء الهدنة الإنسانية المؤقتة، التي امتدت 7 أيام، وانتهت صبيحة الأول من ديسمبر 2023. وتحاول القوات الإسرائيلية التوغل في وسط وجنوب القطاع، فيما تشتبك معها المقاومة في مواجهات غير مسبوقة، تسفر عن خسائر بشرية ومادية في صفوف الإسرائيليّين الذين يواصلون قصف المدنيّين.
ويَرى المراقبون أن الإسرائيليّين سوف يواجهون مشكلة في طريقة التعامل مع جنوب غزة، وذلك لأنهم لا يستطيعون إرسال وحدات مدرعة للسيطرة على هذه المنطقة، كما في الشمال؛ لأنها مكتظة بالسكان وبالمدنيّين النازحين من شمال القطاع. ولهذا فإن القتال في جنوب غزة محفوف بالمخاطر، وستكون له نتائج مروعة على المدنيّين الفلسطينيّين والقوات الإسرائيلية المهاجمة أيضًا.
ومع استمرار القتال، مازالت المقاومة الفلسطينية تخوض معارك شرسة، وتقوم بقصف العمق الإسرائيلي بين الحين والآخر، ومن المنتظر – وفقًا لمراقبين – أن تقاتل بقوة أكبر في الجنوب، خاصَّة وأن إسرائيل سوف تكثف من عملياتها العسكرية للانتهاء من الحرب التي توقع مسؤولون أمريكيون أن تستمر إلى يناير 2024، قبل أن تتحوَّل إلى عمليات ضيقة النطاق لاستهداف قادة المقاومة[1].
وَصَلت حصيلة الخسائر الفلسطينية، حتى7 ديسمبر، إلى أكثر من 17 ألف شهيد، وما يزيد عن 46 ألف جريح، وأكثر من 7 آلاف مازالوا تحت الأنقاض، وأكثر من مليون و700 ألف نازح، وتدمير أكثر من 61 بالمئة من الوحدات السكنية في قطاع غزة، بسبب القصف، الذي استخدمت فيه إسرائيل أكثر من 50 ألف طن من المتفجرات، وبما يساوي ضعفي قوة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما.
أمَّا حصيلة الخسائر في الجانب الإسرائيلي، في الاشتباكات الدائرة في قطاع غزة، فوصلت حتى 7 ديسمبر، إلى 92 قتيلًا و1950 جريحًا بحسب اعترافات الإسرائيليّين، و526 دبابة وآليَّة عسكرية بحسب الإعلام الحربي للمقاومة.
وفي ظِل عدم وجود معلومات عن حجم خسائر المقاومة في هذه الاشتباكات، فإن هذه الأرقام تدل على تقدم المقاومة في المواجهة العسكرية المباشرة، واستمرار إسرائيل في استهداف المدنيَّين بمعدلات عالية.
أدَّت مشاهد القتل والدمار التي تخرج من قطاع غزة إلى تصاعد المعارضة الشعبية الدولية للعملية العسكرية الإسرائيلية، وهو ما انعكس على مواقف مسؤولين في الغرب، اتخذوا مواقف نادرة في علاقاتهم مع إسرائيل، وَصَلت إلى حد مطالبة بعضهم بفرض عقوبات على تلأبيب، وقطع العلاقات معها، وفرض عقوبات اقتصادية عليها، وحظر الأسلحة عنها، وتقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيّين الآخرين الذين قصفوا المدنيّين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وفي هذا السياق، قام الأمين العام للأمم المتحدة، في 7 ديسمبر، بتفعيل أقوى أداة يمتلكها، وهي المادة 99 من ميثاق المنظمة، للفت انتباه مجلس الأمن الدولي إلى قضية غزة، من أجل إيقاف إطلاق النار، وتجنيب القطاع خطر انهيار النظام الإنساني[2]. وهي خطوة ضاغطة على أعضاء المجلس، لوضعهم أمام مسؤولياتهم.
2 – الحل السياسي
المقصود بالحَلّ السياسي في إطار هذه الورقة هو وقف إطلاق النار، وإنهاء حالة الحرب، والانتقال إلى حالة الهدنة الدائمة، أو طويلة الأمد، على أساس المفاوضات بين الطرفين، برعاية الوسطاء الإقليميّين والدوليّين، لتحقيق نتائج تساعد على تثبيت الهدنة، والانتقال إلى مسار سياسي يمكن من خلاله إنهاء الصراع.
وثمَّة رأيان في الحديث عن حل سياسي للحرب في غزة: يَرى أولهما أن الحرب مستمرة لتوفر أسباب استمرارها، وأن التفكير في الوصول لحل سياسي غير مجدٍ في الوقت الراهن. ويَرى الثاني أن تغيُّر الأوضاع سوف تعقبه مخارج سياسية، وأن الحرب قد تطول، ولكن لابد من انتهائها، والانتقال إلى مرحلة الحل السياسي، بغض النظر عن طبيعة هذا الحل واستفادة المقاومة أو تضررها منه، الأمر الذي يجعل المقاومة أمام مسؤولية الاستعداد لهذه اللحظة، خاصَّة وأنه من المنتظر أن تتعرَّض لضغوط شديدة لإجبارها على تنازلات لإنجاح مفاوضات إنهاء الحرب.
بدأ الحديث عن الحل السياسي بعد أن تراجع الدعم غير المحدود لإسرائيل على وقع الصدمة التي أحدثتها عملية “طوفان الأقصى” في تلأبيب والعواصم الغربية.
تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء في ردها على هجوم المقاومة، واخترقت جميع القوانين الدولية بما ارتكبته من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي دفع جهات عديدة إلى المطالبة بإيقاف الحرب والتحوُّل إلى مسار سياسي لإنهاء الصراع، بغض النظر عن انحيازات هذه الجهات ومواقفها من الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وقد أشار جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، إلى أنَّ وقف دوامة العنف في المنطقة لن يتحقق إلَّا من خلال “حل سياسي فقط”، وأن “الحرب على غزة أكدت أنه لا يمكن ترك القضية الفلسطينية دون حل”، وأن الاتحاد يدعم خيار حل الدولتين، ومستعد لانخراط سياسي يؤدي إلى إنهاء الاحتلال[3].
كذلك، تسعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى استحداث مسار سياسي يَختص بقطاع غزة فقط، من خلال إعادة السلطة الفلسطينية إليه أو إقامة إدارة جديدة تدعمها الدول المعنية بالقضية الفلسطينية والمنظمات الدولية، بعد الانتهاء من الحرب، والقضاء على حركة حماس.
أمَّا طرفا الصراع، فقد أعلن كل منهما عن رؤيته للحل السياسي، وهما على طرفي نقيض. فقد أعلنت إسرائيل عن رغبتها في القضاء على المقاومة وإقامة نظام أمني جديد في قطاع غزة، دون التطرق إلى حقوق الفلسطينيّين، ومتجاوزة اتفاقيات أوسلو (1993)، والتي تنصُّ على تسوية دائمة، تمهد لإقامة دولة فلسطينية في الضفة وقطاع غزة.
وثمَّة أصوات تنادي من داخل إسرائيل بضرورة وقف المجازر في قطاع غزة، وتبنِّي خطة تخاطب جذور الصراع، ورؤية واضحة “تمكن من المضي قُدُمًا نحو السلام المستقبلي بين الإسرائيليّين والفلسطينيين[4].
هذا في حين أعلنت حركة حماس عن رؤيتها للحل السياسي، من خلال إسماعيل هنيَة، رئيس المكتب السياسي، الذي كشف عن تقديم حركته “تصورًا شاملًا يبدأ بوقف العدوان، وفتح المعابر، مرورًا بصفقة لتبادل الأسرى، وانتهاءً بفتح المسار السياسي لقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس وحق تقرير المصير”[5].
من غير المنتظر أن تتعاطى إسرائيل مع التصور الذي قدمته حماس، ولهذا يظل هذا التصور في إطار الرسائل التي ترسل بها الحركة إلى العالم، بأنها حركة مقاومة وطنية، ولديها مسار سياسي مقبول، ويتوافق مع الشرعية الدولية، وبأن الحركة ليست عدميَّة، ولا تسعى وراء الحرب والقتل فقط.
وقد رأى بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية في تقديم هذا التصوُّر محاولة من حماس للحصول على ثمن لوقف إطلاق النار، وتقديم نفسها بديلًا عن “منظمة التحرير الفلسطينية”، عبر مشروع سياسي قدَّمته المنظمة منذ 35 سنة، وأن الفلسطينيّين لم يكونوا بحاجة إلى القتل والدمار والتشريد لطلب التفاوض[6]، ولكنهم لم يتطرقوا إلى أسباب فشل المنظمة في دفع إسرائيل إلى الالتزام باتفاقيات أوسلو، التي كان من المفترض أن تنتهي بإقامة دولة فلسطينية.
وثمَّة مساع مِن بعض القوى الإقليمية المعنية بالقضية الفلسطينية للدفع في اتجاه الحل السياسي، على أساس حل الدولتين، ومنها مصر، والأردن، والسعودية، وقطر التي ترى أن استئصال حركة حماس هدف غير واقعي، ولن يتم بمواصلة الحرب، وأن الفلسطينيّين في حاجة إلى أفق سياسي لإقامة دولة قائمة بذاتها، واختيار قياداتهم وحكومتهم.
ولكن إنهاء الحرب، ومِن ثمَّ الانتقال إلى مسار سياسي، يرتبط بوضع طرفي الصراع على الأرض، وقدرة كل منهما على حسم المعركة لمصلحته، أو الاكتفاء بتحقيق حالة من حالات النصر (وفق تعريف الحسم وتوصيف الانتصار لدى كل منهما)، وإيقاف الحرب، وتوجيه المسار السياسي في الجهة التي يريدها.
ولهذا، كان لابد من استعراض نقاط القوة والضعف، والفرص والتهديدات، لدى كل طرف، لمعرفة إمكانية إيقاف الحرب من عدمها، والسيناريوهات السياسية التي يمكن أن تترتب على توقف هذه الحرب، على ضوء قوة كل طرف وما يمتلكه من فرص.
3 – الوضع الإسرائيلي
نقاط القوة:
- التفوق العددي لجيش الاحتلال، والذي يصل إلى ما يقرب من نصف مليون جندي في مقابل آلاف من المقاومين الفلسطينيّين.
- التفوق في التجهيزات العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة والقدرة على تعويض الخسائر.
- توافق القيادتين السياسية العسكرية على مواصلة العملية العسكرية وتوسيعها لاستعادة القدرة على الردع والهروب من المحاسبة السياسية.
نقاط الضعف:
- عدم امتلاك تصور سياسيّ واضح لإنهاء الصراع وما يمكن أن تؤول إليه العملية العسكرية.
- عدم وجود تقييم صادق حول ما إذا كانت العمليات العسكرية تحقّق الأهداف المعلنة أم لا.
- الافتقار إلى خطة إستراتيجية للخروج من غزة واحتمالية البقاء في مستنقع القطاع.
- الفشل في تحقيق السقوف العالية من أهداف الهجوم على غزة بعد ما يقرب من شهرين.
- ضعف الحالة النفسية للجنود الذين يستحضرون تجارب زملائهم القتلى والمصابين.
- الحساسية الشديدة تجاه سقوط القتلى من الإسرائيليّين.
- عدم وجود قيادة متفق عليها وتحظى بالإجماع أو الكاريزما اللازمة في إسرائيل، وتراجع شعبية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
- الانقسام الداخلي، على المستوى الحزبي والشعبي والسياسي، لاسيما في كيفية التعاطي مع قضية الأسرى وخسائر الحرب.
- السقوط الأخلاقي للجيش الإسرائيلي، وتقوض “إجراءات الدفاع عن النفس” التي تبرر بها إسرائيل حروبها.
- وجود محتجزين وأسرى في يد حركة حماس، والخوف على حياتهم في ظِل القصف.
- الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي وزيادتها عن المعدلات المعتادة في المواجهات السابقة مع المقاومة.
- الخسائر الاقتصادية ووصول الوضع الاقتصادي إلى أسوأ حالاته، بتوقف قطاعات رئيسة، مثل السياحة، وتراجع حركة السفر وتضرر القطاع الزراعي.
- عنصر الوقت، لأنه يَرتبط بفقدان المزيد من المال والرجال والشرعية، وتفاقم الأزمة الداخلية، وتزايد الضغوط الخارجية.
- الضغوط التي تتعرَّض لها الحكومة من جانب أهالي المحتجزين والأسرى لمواصلة عمليات التبادل التي تحتاج إلى وقف القتال.
- وجود شكوك لدى قطاعات من الإسرائيليّين أنفسهم في قدرة إسرائيل على تفكيك قوة حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وهو ما لا يَستدعي التضحية بأعداد كبيرة من الجنود.
الفرص:
- الدعم العسكري والسياسي والإعلامي غير المسبوق من جانب الحكومات الغربية.
- تواطؤ دول عربية مع إسرائيل، ومنها مصر التي تغلق معبر رفح، والإمارات الحريصة على القضاء على حماس والمقاومة لما تشكله من تهديد استراتيجي لمشروع التطبيع الذي تتزعمه.
- وجود مصادر تمويل خارجية يمكن أن تعوّض الخسائر الاقتصادية.
- التعاون الاستخباراتي بين الموساد وأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.
التهديدات:
- تآكل المبررات التي ساقتها حكومة الحرب دوليًّا بقيادة نتنياهو لتبرير القوة الغاشمة.
- تغيُّر بوصلة الرأي العام العالمي الذي كان متأثرًا بالسرديات الإسرائيلية بعد حملة الإبادة التي يتعرض لها سكان غزة.
- الخلافات مع الولايات المتحدة بسبب الكم الكبير من الضحايا المدنيّين في غزة وعنف المستوطنين بالضفة الغربية وبعض القضايا المرتبطة بالحرب.
- صعوبة ميدان المعركة في جنوب غزة، واختلاف المعطياتها الميدانية عن الشمال، وهو ما يمهد لمزيد من الخسائر الإسرائيلية.
- الضغوط الدبلوماسية، بعد قطع بعض الدول العلاقات مع إسرائيل (كولومبيا، بوليفيا)، واستدعاء البعض الآخر سفراءه لديها (تشيلي، الأردن، البحرين، تركيا، هندوراس…).
- تزايد الضغط الشعبي العالمي على الحكومات لاتخاذ إجراءات مقاطعة، بما يُعرِّض إسرائيل إلى عزلة يمكن أن تتفاقم.
- رفض الولايات المتحدة اتساع الصراع وتحوله إلى صراع إقليمي والضغط لتقليص مدة الحرب.
4 – وضع المقاومة الفلسطينية
نقاط القوة:
- التوافق بين المكونين العسكري والسياسي، في قيادة حركة حماس.
- امتلاك خطة واضحة، تتمثل في وقف الحرب وتبادل الأسرى ورفع الحصار عن قطاع غزة.
- ممارسة حرب استنزاف ضد الجيش الإسرائيلي، وتكبيده خسائر يومية متصاعدة.
- ظهور المقاومة في مظهر المستعد لحرب طويلة الأمد، يمكن أن تتآكل فيها عناصر القوة الإسرائيلية.
- القدرة على الصمود والمواجهة والجاهزية وامتلاك مستوى قتالي عال.
- امتلاك المقاومة خبرات عسكرية كبيرة، اكتسبتها عبر المواجهات السابقة مع الاحتلال.
- التمسُّك بالمحتجزين والأسرى الإسرائيليّين والضغط بهم على إسرائيل.
- التربية العقائدية التي تشجع على التحمُّل والتضحية.
- المنطلق الأيديولوجي لحماس، والذي يحول دون القضاء على الحركة بالقوة العسكرية.
- القدرة على خوض حرب عصابات، وهو ما يناسب حروب التحرير الوطنية.
- قدرة المقاومة على التصدي للغزو، واستمرار الكمائن والتفجيرات وإطلاق الصواريخ.
- تحصن مقاتلي المقاومة في سلسلة من الأنفاق التي تمتد أسفل مدينة غزة وضواحيها، والمعرفة الجيدة بميدان القتال.
- دافعية القتال، المستندة إلى عدالة القضية الفلسطينية والشعور بالمظلومية.
- القدرة على تحمل الخسائر البشرية في إطار “الشهادة”.
- امتلاك حاضنة شعبية يغلب عليها مساندة المقاومة المسلحة وتحمُّل تبعات قرارتها ومواقفها.
نقاط الضعف:
- تعرض المقاومة للإنهاك البدني والنفسي، وعدم قدرتها على تبديل عناصرها وإراحتهم.
- مواجهة عمليات عسكرية غير مسبوقة في شدتها واتساع نطاقها.
- عدم قدرة المقاومة على تعويض خسائرها في ظِل الحصار.
- الحرب في نطاق جغرافي ضيّق، يمكن تطويقه ومراقبة كل مكان فيه.
- المسؤولية السياسية والأخلاقية عن سكان القطاع وعدم القدرة على حمايتهم وتوفير احتياجاتهم.
- ارتفاع معدلات الخسائر في أوساط المدنيّين، وتدمير البنية التحتية.
- زيادة أعداد النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه، وسوء الأوضاع المعيشية.
- إمكانية فقدان الحاضنة الشعبية بسبب خطط التهجير.
- إمكانية حدوث حالة سخط في أوساط بعض المعارضين للمقاومة في قطاع غزة.
الفرص:
- تنامي الدعم الشعبي للمقاومة في العالمين العربي والغربي.
- عمليات المساندة والإشغال التي تقوم بها جبهات محور المقاومة، خاصَّة في لبنان.
- تآكل السردية الإسرائيلية المبررة للعمليات العسكرية، بعد انتشار صورة الجرائم في غزة، وإبراز التعامل الإنساني مع المحتجزين لدى حماس.
التهديدات:
- إغلاق المعابر، ومحاصرة قطاع غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
- ضعف الموقف الإيراني، وعدم تحقق وحدة ساحات المقاومة بالشكل المؤثر.
- ضعف الموقف العربي الرسمي، وعجز الدول العربية عن وقف العدوان الإسرائيلي.
- ضعف موقف السلطة الفلسطينية، واستمرار تعاونها الأمني مع إسرائيل.
5 – إمكانية إنهاء الحرب
كان سيناريو إطالة أمد المواجهة، والدخول في حرب استنزاف مفتوحة، هو السيناريو المُرجَّح للصراع بين المقاومة وجيش الاحتلال منذ الأيام الأولى للحرب، لصعوبة تحقيق الأهداف الإسرائيلية ذات السقف المرتفع، واستبعاد إمكانية تحقيق الجيش الإسرائيلي لنصر حاسم على المقاومة، وفق مفهوم النصر الذي يتمسَّك به نتنياهو، وهو القضاء على حركة حماس، التي يكفيها الصمود لتحقيق النصر على إسرائيل.
وقد رجَّح معهد “أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي”، التابع لجامعة تلأبيب، في تقدير موقف له أن حالة الحرب مع غزة قد تستمر لفترة طويلة، وربما لأشهر عديدة، وبدرجات متفاوتة من الشدة، وذلك حسب الظروف، وقد تحدث أعطال جسيمة وصعود وهبوط في الإنجازات والأضرار[7].
والحقيقة أن طول أمد الحرب، ورغبة إسرائيل في الاستمرار فيها إلى أن تحقق أهدافها، وإعلان المقاومة عن قدرتها على الصمود، وتدخل قوى أخرى في الصراع، لا يَعني كل هذا رغبة طرفي الصراع والقوى المعنية بالشأن الفلسطيني في استمرار الحرب التي تهدد مصالح الجميع.
فبالنسبة لإسرائيل، لا يمكن تحمُّل استمرار الحرب المفتوحة والممتدة، لأسباب عديدة، منها الضغوط الداخلية بسبب الخسائر البشرية والمادية التي يتعرض لها جيش الاحتلال في مواجهته غير المتكاقئة مع المقاومة، والتي تُعلن أرقامها يوميًّا. والخسائر الاقتصادية وكلفة الحرب التي تقدر بـ 53 مليار دولار بحسب البنك المركزي الإسرائيلي. وانعدام الأمن الداخلي، وفرار أكثر من 250 ألف إسرائيلي إلى الخارج، ونزوح حوالي 500 ألف من الجنوب والشمال إلى الداخل.
هذا بالإضافة إلى الضغوط الخارجية، التي بدأت تتزايد من جانب الحلفاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي تطالب إسرائيل بسرعة إنهاء الحرب، ومحاولة تقليل أعداد الضحايا من المدنيّين الفلسطينيّين والعودة إلى المسار السياسي.
ولهذا، لا يمكن اعتماد تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة معيارًا للاقتراب من إنهاء الحرب؛ لأن الظروف المحيطة بإسرائيل يمكن أن تدفعها إلى إنهاء الحرب دون تحقيق النصر الكامل، ومنها قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود ومواصلة دعم المجهود الحربي في ظِل إطالة أمد الحرب، وزيادة الخسائر، وتلاشي آثار الصدمة التي أحدثها “طوفان الأقصى”، وتراجع مستوى الرغبة في الانتقام.
وقد أثبتت الهدنة الإنسانية إمكانية استجابة الحكومة الإسرائيلية للضغوط، والتجاوز عن الأهداف المعلنة للحرب، بعد أن قبلت وقف إطلاق النار المؤقت، ووافقت على تبادل الأسرى، الذين أعلنت قبل ذلك أنها تعمل على استعادتهم سالمين بالقوة العسكرية.
وقد يكون عدم تحقيق النصر حتى الآن، بل وعدم وجود توافق على حدود واضحة لهذا النصر، سببًا في تخفيض التوقعات الإسرائيلية من الحرب، وهو ما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، التي قالت إن النصر الكامل ليس في الأفق، ولابد من تخفيض التوقعات، والبحث عن حل لاستعادة الأسرى ورفات الجنود القتلى[8].
أمَّا المقاومة الفلسطينية، فتسعى لإنهاء الحرب، بسبب الكارثة الإنسانية التي يواجهها قطاع غزة، وارتفاع أعداد الضحايا من المدنيّين، الذين تتعمد إسرائيل استهدافهم بالقصف. هذا بالإضافة إلى أن استمرار الحرب يُنهِك قوى المقاومة التي حققت أهدافها من الهجوم على إسرائيل، ويستنزف إمكانيّاتها، في ظِل الحصار المفروض على القطاع.
وإذا انتقلنا إلى القوى الإقليمية، فسنجد أن الحرب تُعرِّض الحكومات العربية، والإسلامية أيضًا، مثل تركيا، للحرج أمام شعوبها، بعد أن أظهرت عجزها عن اتخاذ مواقف قوية ومؤثرة ضد إسرائيل، وظهر تواطؤ بعضها مع الاحتلال، مثل مصر والإمارات.
وترغب إيران في انتهاء الحرب قبل أن يضطرها التصعيد إلى اتخاذ أحد موقفين لا ترغب فيهما، وهما: الانجرار إلى حرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة في وقت تعاني فيه من مشاكل داخلية بسبب تنامي المعارضة للجمهورية الإسلامية، أو التخلي عن المقاومة وهدم الصورة التي تبنيها طهران منذ عقود للدولة الإسلامية المدافعة عن حقوق المسلمين والمناصرة للقضية الفلسطينية.
ومع ذلك، ما تزال هناك إمكانية “نظرية على الأقل” لتصعيد إيراني، عبر دفع جبهات المقاومة إلى مساعدة المقاومة الفلسطينية، إذا ما رأت جهات داخل النظام الإيراني أن عدم التصعيد يمثل خطرًا على أمنها القومي ومصالحها في المنطقة. ولكن تاريخ الجمهورية الإسلامية يدل على أنها لا تفضل الدخول في حروب كبيرة، منذ حرب العراق، وأنها لن تورط نفسها في حرب تتحول إلى فرصة لمهاجمة مشروعها النووي الذي اقترب من الوصول إلى الهدف منه، وهو القنبلة النووية.
أمَّا الولايات المتحدة فإنها لا ترغب في إطالة أمد الحرب، رغم اتفاقها مع إسرائيل في الأهداف، ورغبتها في حسمها لصالحها، وذلك خوفًا من توسع نطاق الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية، تشغلها عن الحرب في أوكرانيا ومواصلة استراتيجية تطويق الصين، بالإضافة إلى الانتقادات التي تواجهها الإدراة الأمريكية وتؤثر على شعبية الرئيس جو بايدن قبل انتخابات الرئاسة القادمة بسبب دعم الانتهاكات الإسرائيلية.
وبناءً عليه، فإن جميع الأطراف لديها ما يدفعها إلى العمل على إنهاء الحرب، والبحث عن حل سياسي للصراع، خاصَّة إسرائيل، التي تواجه هزيمة في المواجهة العسكرية المباشرة مع المقاومة، تعوضها بالانتقام من المدنيّين، الأمر الذي يضعها تحت ضغوط كبيرة.
6 – سيناريوهات الحل السياسي
على ضوء ما استعرضناه في مصفوفة التحليل الرباعي لوضع إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، فإن الفرضية التي تذهب إليها هذه الورقة هي استمرار الحرب لمرحلة زمنية أخرى، تلجأ بعدها إسرائيل إلى وقف إطلاق النار، ولكن بعد أن توجّه إلى المقاومة ضربة قاسية، تتراوح نتيجيتها بين الهزيمة الكاملة والصمود، ولكنها سوف تمهد لمسار سياسي، وفق أحد السيناريوهات الآتية:
سيناريو (1): العودة إلى مسار أوسلو
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
العودة إلى المسار السلمي، وفق اتفاقيات أوسلو، واستئناف العمل لتنفيذ حَلّ الدولتين. | عجز المقاومة عن صد الغزو الإسرائيلي.انتصار إسرائيل.سقوط حكم حماس في قطاع غزة.عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع. | إنهاء حالة الحرب.الشروع في إعادة تعمير قطاع غزة.استئناف مفاوضات السلام.اتخاذ خطوات حقيقية لتقوية السلطة الفلسطينية. |
ينطلق هذا السيناريو من فرضية القضاء على المقاومة، ووضع قطاع غزة تحت إدارة السلطة الفلسطينية، والدخول معها في مفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية وفق حل الدولتين، وهو ما تدعو إليه الولايات المتحدة الأمريكية[9]، التي تفكر في إطلاق عملية سياسية بعد انتهاء الحرب.
ولكن تنفيذ هذا السيناريو يصطدم بعدة عوامل، منها ما يأتي:
- الواقع على الأرض، وقدرة المقاومة على الصمود حتى الآن، وفشل إسرائيل في تحقيق هدفها، وهو القضاء على حماس، وإسقاط حكمها للقطاع.
- حاجة حلّ الدولتين لالتزامات من جانب أطراف الصراع والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالقضية الفلسطينية، وهو ما لا تلتزم به إسرائيل.
- عدم قدرة السلطة الفلسطينية على ادعاء تمثيل الشعب الفلسطيني بعد أن فشلت في حماية مصالحه، وتحولت إلى وسيلة للمحافظة على أمن إسرائيل.
- رفض المقاومة الفلسطينية لمسار أوسلو، حتى وإن أعلنت قيادات حماس موافقتها على حلّ الدولتين، وهو ما تدرك إسرائيل أنه إجراء مؤقت لا يلغي الرغبة في القضاء عليها.
- رفض إسرائيل والولايات المتحدة والقوى الغربية لوجود حماس ضمن أيّ تمثيل للفلسطينيّين في أيّ عملية سلام أو تسوية في المرحلة القادمة.
- رفض الاتجاه السائد في إسرائيل لحلّ الدولتين، خاصّة من جانب اليمين المتطرف، الذي يدعو لترحيل الفلسطينيّين.
- استمرار عمليات الاستيطان في الضفة، وتمسُّك إسرائيل بالسيطرة على القدس كاملة، وصعوبة إقامة دولة في ظِل عملية التغيير الديموغرافي الذي تقوم به إسرائيل.
- الخوف من وقوع الدولة المحتمل قيامها في الضفة وغزة تحت هيمنة حماس، وفق إرادة شعبية تُضفِي على الحركة شرعية كاملة، وهو ما يمكن أن يفتح المجال لتواجد إيراني في هذه الدولة.
سيناريو (2): الحَلّ الأمني السياسي
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
تنفيذ حل أمني سياسي في قطاع غزة، من خلال إقامة سلطة بديلة لحماس. | انتصار إسرائيل على المقاومة.تفكيك قوة حماس العسكرية، والقضاء على قياداتها، أو إخراجهم من قطاع غزة.موافقة السلطة الفلسطينية أو غيرها من الفلسطينيّين على حكم قطاع غزة.موافقة قوى إقليمية ودولية على معاونة السلطة الجديدة. | سقوط سلطة حماس في قطاع غزة.إيجاد سلطة بديلة قادرة على الحلول محل حماس. |
يدور هذا السيناريو في إطار الدعوات التي أطلقت من داخل إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإيجاد سلطة بديلة لحركة حماس في قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
ولكن مساعي تغيير السلطة في قطاع غزة تبدو بعيدة عن الواقعية السياسية، ولا يمكن تحقيقها لأنها تتجاهل أمرين: أولهما هو رأي سكان غزة، الذين هم أصحاب الحق في اختيار مَن يحكمهم على أرضهم. وثانيهما هو أن سيناريوهات المواجهة العسكرية هي التي سوف تحدد المشهد السياسي المقبل في غزة.
ثم إن هناك عراقيل تحول دون تنفيذ هذا السيناريو، وهي:
- صمود المقاومة، وعدم انكسارها، وهو ما يتضح من سير المواجهة العسكرية، التي تتكبد فيها إسرائيل خسائر يومية غير مسبوقة، ترد عليها باستهداف المدنيّين الفلسطينيّين.
- ارتباط القضاء على حماس بفصل الحركة عن حاضنتها الشعبية، عن طريق الضغط على الشعب الفلسطيني للانفضاض عن المقاومة، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
- تعثر خطة تهجير الفلسطينيّين خارج قطاع غزة، لحرمان المقاومين من الكتلة السكانية التي يخرجون منها، لرفض مصر والأردن للخطة حتى الآن، وإعلان أمريكا ضرورة عدم تعرّض الفلسطينيّين للتهجير القسري.
- عدم وجود توافق حول شكل إدارة قطاع غزة، والفشل في إقناع دول عربية بالمشاركة في إدارة القطاع أو مساعدة السلطة الجديدة.
- رفض حماس لهذا السيناريو واعتباره تدخلًا غير مقبول في الشأن الفلسطيني.
سيناريو (3): دمج حماس في السلطة
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
دمج حركة حماس في السلطة الفلسطينية، وتسليم إدارة القطاع للسلطة. | استمرار إسرائيل في عمليتها العسكرية.انهيار قدرة حماس على مقاومة جيش الاحتلال.استمرار منع المساعدات الإنسانية.تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة.تراجع تأييد الحاضنة الشعبية بسبب كارثية الوضع في غزة.وصول المقاومة إلى قناعة بعدم القدرة على مواصلة القتال. | توقف المقاومة عن القتال.استسلام المقاومة وسعيها لإيقاف إطلاق النار.انضمام المقاومة إلى السلطة الفلسطينية. |
يقوم هذا السيناريو على ما يتفاعل في المنطقة من محاولات للخروج برؤية لمستقبل القطاع بعد الحرب، لا تُقصِي حماس بالكليَّة، وتسمح لها بمستوى منخفض من التواجد تحت مظلة السلطة الفلسطينية، والقبول بالمسار السلمي الذي تنتهجه، وفي صدارته الاعتراف بإسرائيل ونبذ العمل المسلح ضد دولة الاحتلال.
يستند هذا السيناريو إلى اعتقاد بانعدام إمكانية القضاء على حماس بشكل كامل، وأن الضغط عليها واستنزافها وتدمير قوتها يمكن أن يدفعها إلى التوقف عن القتال والقبول برؤية تسمح لها بالبقاء في المشهد.
فقد كشفت مصادر مصرية عن تفاصيل لرؤية مصرية حول مستقبل قطاع غزة، تقوم على عدة عناصر، منها: دمج حركة حماس في السلطة الفلسطينية، وإدخالها إلى جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، مع الإبقاء على محمود عبّاس، كرئيس شرفي، وإجراء مصالحة وطنية فلسطينية شاملة، وتشكيل حكومة تكنوقراط، خلال مرحلة انتقالية مدتها 3 سنوات، على أن تكون مصر ضامنة ومعها شريك عربي أو دولي أو أممي.
وتشتمل هذه الرؤية على إيجاد خريطة جديدة للدولة الفلسطينية، تسمح بإعادة تشكيلها، من خلال تفكيك بعض المستوطنات التي بناها الاحتلال، وإنشاء مناطق عازلة منزوعة السلاح بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل[10].
وفي سياق مشابه، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، أن السلطة الفلسطينية تعمل مع المسؤولين الأمريكيّين على خطة لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب، واقترح ضم حماس إلى نظام حكم جديد، وأن تصبح شريكًا صغيرًا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية[11].
وتنبع خطورة هذا السيناريو من كونه سيناريو استسلام بالنسبة للمقاومة، وإعلان نهاية للحركة، في حالة القبول به، ووسيلة لتحميلها مسؤولية الكوارث التي حدثت – وسوف تحدث – في غزة إذا رفضت هذه الرؤية، واتهامها بأنها السبب في استمرار معاناة المدنيّين في قطاع غزة.
قد يُقبَل هذا السيناريو من جانب إسرائيل والغرب، لأنه يضمن القضاء الفعلي الكامل على الحركة، والذي لا يمكن تحقيقه بالعمل العسكري، بعد أن تتخلى عن مبادئها، وتتحوَّل إلى جزء من سلطة تتعاون أمنيًّا مع الاحتلال وتتمسَّك بمسار سلمي لا يحافظ على حقوق الفلسطينيّين. كما أنه يحقق أهداف إسرائيل من الحرب، ويحقق لها حالة النصر التي تبحث عنها.
غير أن صمود المقاومة وقدرتها على إيقاع خسائر كبيرة بالاحتلال كفيلان بإسقاط هذا السيناريو، والحيلولة دون إجبار حماس على الاستسلام.
سيناريو (4): العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
الوصول إلى هدنة طويلة، وفق قواعد الاشتباك المعروفة قبل 7 أكتوبر. وبقاء الوضع على ما هو عليه في قطاع غزة. | فشل إسرائيل فى تحقيق أهدافها من الحرب.صمود المقاومة وهو ما يُعَد انتصارًا.تحقق إسرائيل من استحالة القضاء على قوة حماس بالعمل العسكري.طول أمد الحرب وتعرض إسرائيل لخسائر عسكرية وسياسية واقتصادية.نجاح الدول الوسيطة في إقناع الطرف الإسرائيلي بإيقاف الحرب. ضغط القوى الدولية على إسرائيل من أجل إيقاف الحرب، مخافة أن تتسع رقعتها. خروج طرفي الصراع بروايتين مقبولتين للنصر لدى أنصارهما. | اللجوء إلى المفاوضات، والاتفاق على هدنة طويلة.البدء في تعمير قطاع غزة. الدخول في صفقات لتبادل الأسرى.انشغال المقاومة بشأنها الداخلي. |
قد يبدو هذا السيناريو بعيدًا عن التحقيق، لما وضعته إسرائيل من أهداف كبرى لعمليتها العسكرية في غزة، وهي القضاء على حماس وإسقاط حكمها في القطاع.
ولكن إعلان هذه الأهداف لا يعني ضرورة تحقيقها على أرض الواقع، لأنها ترتبط بعوامل لا تتحكم فيها إسرائيل وحدها. والدليل على ذلك أن الجيش الإسرائيلي سبق أن تعهد بتحقيق مثل هذه الأهداف في 2008 و2014، ولم يستطع الوفاء بتعهده.
ومن شأن تحقيق هذا السيناريو أن يظل الانقسام الفلسطيني قائمًا، وأن تظل السلطة الفلسطينية في موقعها في الضفة، واستمرارها في المسار السلمي، مع بقاء المقاومة في قطاع غزة، وتمسكها بالمسار العسكري، لخوف السلطة من إجراء انتخابات توحد الفصائل الفلسطينية، في ظِل تراجع شعبيتها وتزايد شعبية حماس التي صارت أحق بتمثيل الفلسطينيّين.
غير أن العودة إلى وضع ما قبل 7 أكتوبر أصبح أمرًا صعبًا، وأقرب إلى المستحيل، بعد أن أدركت إسرائيل والولايات المتحدة والغرب أن المقاومة وصلت إلى مرحلة من القوة صارت معها خطرًا وجوديًّا على الدولة العبرية والمشروع الغربي في المنطقة.
وبناءً عليه، فإن تحقيق هذا السيناريو مُستبعَد، لأنه يتعارض مع ما ترسَّخ لدى إسرائيل من ضرورة القضاء على الخطر القائم على حدود دولة الاحتلال. ويتعارض أيضًا مع ما تتوقعه حماس من تغيير في وضع القطاع يتكافأ مع التضحيات التي قدمها الفلسطينيون والانتصار الذي حققته المقاومة بعملية “طوفان الأقصى”، التي تُعد نصرًا رغم كل الخسائر.
سيناريو (5): وضع ما بعد 7 أكتوبر
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
تغيُّر قواعد الاشتباك بين المقاومة وإسرائيل، والدخول في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر. | فشل إسرائيل فى تحقيق أهدافها من الحرب.صمود المقاومة.تحقق إسرائيل من استحالة القضاء على قوة حماس بالعمل العسكري.اقتناع إسرائيل بأن تدمير قطاع غزة وقتل المدنيّين نصرٌ مقبولٌ.طول أمد الحرب وتعرُّض إسرائيل لخسائر عسكرية وسياسية واقتصادية.نجاح الدول الوسيطة في إقناع الطرف الإسرائيلي بإيقاف الحرب. ضغط القوى الدولية على إسرائيل من أجل إيقاف الحرب، مخافة أن تتسع رقعتها. | اللجوء إلى المفاوضات، والاتفاق على هدنة طويلة.البدء في تعمير قطاع غزة. الدخول في صفقات لتبادل الأسرى.انشغال المقاومة بشأنها الداخلي.عمل إسرائيل على إضعاف قوة المقاومة. |
يُعَد هذا السيناريو صورة “مُعدَّلة” من السيناريو السابق، لأنه يَعتمد على عوامل التحقق نفسها، وتظهر الاستجابة له في المظاهر نفسها، ولكن سوف تعقبه إجراءات تؤشر لدخول طرفي الصراع والقوى الحليفة لهما في مرحلة جديدة، هي مرحلة ما بعد 7 أكتوبر.
في هذه المرحلة، من المنتظر أن تسعى إسرائيل إلى تحييد خطر المقاومة، في المديين القريب والمتوسط على أقل تقدير، من خلال تكثيف الضغط عليها واستمراره، عبر تشديد الحصار على قطاع غزة، وتجفيف منابع المقاومة، العسكرية والمالية، وحرمانها من الدعم السياسي، عبر شيطنتها، وربطها بالإرهاب، وملاحقة قيادات المقاومة وعناصرها بعمليات الاغتيال والمحاكمات.
هذا بالإضافة إلى محاولة إسرائيل خلق واقع جديد في حالة الاشتباك مع المقاومة، من خلال إقامة منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة، لمنع أي تسلل أو هجوم عليها من جانب حركة حماس أو أي مسلحين آخرين[12]، وهو ما لا يمكن تحقيقه، لضيق المجال الجغرافي واقتراب خطوط التماس.
وفي المقابل، تصطدم هذه الرؤية الإسرائيلية لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب، والتي لا تحتوي على معالجة سياسية للصراع، برؤية حماس للمسار السياسي الذي يجب أن يعقب وقف العدوان، وتشمل فتح المعابر، وتبادل الأسرى، والانطلاق في مسار سياسي لقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس[13].
التقدير
وفقًا لمعطيات الصراع الحالية، والقابلة للتغيير، فإن السيناريو الخامس هو الأقرب حتى الآن للتحقق، بما يحتوي عليه من استمرار أسباب الصراع، وإمكانية عودة الصدام، والدخول في اشتباك عسكري في أي وقت.
لاشك أن السيناريو الذي ترجحه الورقة، يَحمل في طيَّاته مخاطر كثيرة على مستقبل المقاومة الفلسطينية، أو على مستوى أدائها في المديين القريب والمتوسط على أقل تقدير؛ لأن هذا السيناريو مرهون بإنهاء الحرب، ونهاية الحرب مرهونة باستكمال الضربة القوية التي توجهها إسرائيل للمقاومة والبنية التحتية والمدنيّين الفلسطينيّين، لتحقيق شكل من أشكال النصر الذي يمكن تسويقه داخل دولة الاحتلال، ولإشغال المقاومة بشأنها الخاص، وإلهائها بتعمير ما خربته الحرب في قطاع غزة والتخفيف عن سكانه، وهو ما يمكن أن يستغرق سنوات.
ولهذا، لابد من العمل على وقف الاعتداء على المدنيّين، وحماية المقاومة من المصير الذي تريده لها إسرائيل والولايات المتحدة والغرب وبعض الدول العربية التي لا ترغب في بقاء حماس في المرحلة المقبلة، عن طريق دعم صمود حماس بكل الوسائل الممكنة، ومساعدتها في مقاومة محاولات القضاء عليها.
هذا بالإصافة إلى ما يجب أن تقوم به المقاومة من إجراءات، منها:
- الاهتمام بتأمين الجبهة الداخلية، وتقوية ثبات الحاضنة الشعبية التي يستهدفها الاحتلال ويعتمد على انهيارها في إسقاط المقاومة.
- التمسُّك بورقة الأسرى واستغلالها في الضغط للوصول إلى هدنة طويلة تتيح الوقت لإعادة ترتيب الأوضاع.
- إبراز قضية إغلاق المعابر بوصفه معادلًا للعدوان الإسرائيلي.
- إبراز قضية التهجير بوصفه خيانة للقضية الفلسطينية وتهديدًا للأمن القومي العربي، في مصر والأردن، وتكوين رأي عام ضاغط ضده.
- ربط قضية التهجير بإغلاق المعابر ومنع المساعدات، وفضح الضلوع العربي في الضغط على سكان القطاع لإجبارهم على النزوح خارجه.
- ضرورة الاستعداد لجميع السيناريوهات المحتملة بعد الحرب، ووضع خطط لكل سيناريو، لاحتمالية الوصول إلى مرحلة الاختيار بين السيء والأسوأ، في مقابل إنهاء الحرب.
- امتلاك مبادرة سياسية لحلحلة الموقف، تراعي مصالح المقاومة والقضية الفلسطينية، وعدم ترك الساحة للمبادرات المعادية.
خاتمة
تدل معطيات المواجهة المسلحة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وأوضاع طرفي الصراع، ومصالح جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية، والمشتبكة مع حالة الحرب في قطاع غزة، على أن هناك ضغوطًا كبيرة على جميع الأطراف من أجل إنهاء الحرب، والذهاب بالتبعية إلى مسار الحل السياسي، خاصَّة وأن إسرائيل لم تستطع تحقيق حالة انتصار واضحة بعد شهرين من القتال.
تخسر إسرائيل في ميادين أخرى، لا تقل أهمية لأمنها عن ميدان القتال، وذلك بعد أن تحولت غزة إلى قضية إنسانية، وتحولت القضية الفلسطينية إلى قضية تحرير وطني، على عكس السردية الإسرائيلية التي تضمن بها دعم الشعوب والدول الغربية، وهو ما يمكن أن يدفعها إلى إنهاء الحرب والاكتفاء بما حققته من انتقام من المدنيّين.
وكذلك، تخسر حماس من قوتها، في ظِل الحصار، وتغامر بحاضنتها الشعبية التي يمكن أن تنهار في أي لحظة، خاصة إذا فُتِحَت لها المعابر وسُمِح لها بالنزوح.
وبانتهاء الحرب، سوف تجد أطراف الصراع نفسها أمام 5 سيناريوهات للحل السياسي، هي العودة للمسار السلمي وحَل الدولتين، أو إقامة نظام أمني سياسي في غزة، أو دمج حماس في السلطة الفلسطينية، أو العودة إلى وضع ما قبل 7 أكتوبر، أو الانتقال إلى وضع ما بعد 7 أكتوبر.
والأقرب إلى التحقيق، هو الانتقال إلى وضع ما بعد 7 أكتوبر، الذي سوف يشهد تكثيف الضغوط على المقاومة، ومطالبتها ببعض التنازلات، وبقاء أسباب الصراع، انتظارًا لانفجار جديد.
ولهذا، فإن صمود حماس ومن ورائها الحاضنة الشعبية من سكان قطاع غزة هو السبيل لوقف الحرب، ومنع السيناريوهات التي تستهدف القضاء على المقاومة وتسوية القضية الفلسطينية لمصلحة إسرائيل.
[1]– الجزيرة، أبرز تطورات اليوم الـ61 من العدوان الإسرائيلي على غزة، 6 ديسمبر 2023، https://cutt.us/Sa6pF
[2]– الحرة، “أقوى أداة”.. ماذا يعني تفعيل “المادة 99” بشأن حرب غزة؟، 7 ديسمبر 2023، https://cutt.us/zX4F3
[3]– وكالة الأناضول، الاتحاد الأوروبي: حرب غزة نتيجة الفشل في إيجاد حل سياسي ، 17 نوفمبر 2023، https://cutt.us/UtISq
[4]– TRT عربي، جنود إسرائيليون سابقون يدعون نتنياهو إلى حل سياسي في غزة، 4 ديسمبر 2023، https://cutt.us/nxQwE
[5]– الجزيرة، هنية: حماس قدمت تصورا شاملا لوقف العدوان ونتنياهو سبب الحرب، 1 نوفمبر 2023، https://cutt.us/aJxIw
[6]– اإندبندنت عربي، رؤية سياسية لـ “حماس” لوقف الحرب تثير الجدل، 3 نوفمبر 2023، https://cutt.us/0x4h9
[7]– الجزيرة، خبراء إسرائيليون: خيارات تل أبيب بعد هدنة غزة رهينة بيد السنوار، 27 نوفمبر 2023، https://cutt.us/s9DtM
[8]– الجزيرة، يديعوت أحرونوت: النصر الكامل غير مرجح فلنخفض التوقعات، 5 ديسمبر 2023، https://cutt.us/dKMjI
[9]– الشرق الأوسط، بايدن: حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان أمن الفلسطينيين والإسرائيليين، 28 نوفمبر 2023، https://cutt.us/zLKOT
[10] – العربي الجديد، رؤية مصرية لمرحلة ما بعد حرب غزة، 6 ديسمبر 2023، https://cutt.us/r4H7d
[11] – Bloomberg, Palestinian Authority Working with US on Gaza Postwar Political Plan, 08-12-2023, https://cutt.us/RyYdZ
[12]– الحرة، “منطقة عازلة” في غزة.. شكلها المحتمل وقيمتها العسكرية، 2 ديسمبر 2023، https://cutt.us/CLJiX
[13]– الجزيرة، هنية: حماس قدمت تصورا شاملا لوقف العدوان ونتنياهو سبب الحرب، 1 نوفمبر 2023، https://cutt.us/Jzo6m