في الرابع عشر من شهر سبتمبر 2024، نشرت صحيفة دويتشه فيله الألمانية المملوكة للدولة تقريرًا تحليليًّا عن مدى إمكانية نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا نتيجة تصاعد التوترات بينهما، حيث جاء التقرير تحت عنوان: “هل يمكن أن تتصاعد التوترات بين مصر وإثيوبيا لتصل إلى اندلاع حرب بينهما؟”، للصحفية “جنيفر هوليس”، المحررة بالصحيفة والمحللة السياسية المتخصصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وديفيد إهل، مراسل الصحيفة المتخصص في الشؤون الإفريقية والأوروبية.
يناقش التقرير إمكانية امتداد النزاع المستمر بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي إلى منطقة القرن الأفريقي، وذلك في ضوء اتفاقيتين تمَّ التوقيع عليهما مؤخرًا (بين مصر والصومال؛ وبين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي). وتتساءل الصحيفة الألمانية عما إذا كانت الوساطة التركية التي تجري حاليًا بين مختلف الأطراف، ستتمكن في نهاية المطاف من تجنيب المنطقة مخاطر التصعيد والحيلولة دون اندلاع حرب بين مصر وإثيوبيا؟
وفيما يلي يقدم “منتدى الدراسات المستقبلية“ ترجمة كاملة لهذا التقرير التحليلي الذي أعدته جنيفر هوليس وديفيد إهل، على النحو التالي:
من الممكن أن ينجرف النزاع الدائر حاليًا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير، المعروف اختصارًا بـ GERD، بكل سهولة ليصل إلى منطقة القرن الإفريقي، وذلك في ضوء اتفاقيتين جديدتين تمَّ التوقيع عليهما مؤخرًا بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصومال الفيدرالية من جهةٍ، وبين جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وإقليم “أرض الصومال” الانفصالي (Somaliland) من جهةٍ أخرى.. فهل يمكن للوساطة التركية أن تجنب المنطقة مآلات هذا التصعيد؟
فقد تصاعدت التوترات الإقليمية مع اقتراب عملية ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير من مرحلته الأخيرة، لتصل إلى مستوى مرتفع من التوتر.
وقد دأبت مصر، تلك الدولة الواقعة على مجرى نهر النيل، على انتقاد بناء هذا السد الضخم منذ أن بدأ مشروع الإنشاء في إثيوبيا في عام 2011، حيث تبلغ تكلفة المشروع أربعة مليارات دولار (3.6 مليار يورو).
ويقول تيموثي إي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط ومقره واشنطن، لصحيفة دويتشه فيله: “تعتمد مصر بشكل كبير على مياه النيل كمصدر للمياه العذبة”.
وأضاف أن “الجهود المصرية فشلت حتى الآن في إقناع إثيوبيا بالتوصل إلى أيّ اتفاق ملزم من شأنه أن يوفر لمصر ضمانات بشأن الحصول على حصتها من المياه، وهو ما يمثل مسألة أمن قومي بالنسبة لها”.
وفي الوقت نفسه، ساهمت اتفاقيتان جديدتان – إحداهما تمَّ توقيعها بين مصر والصومال، والأخرى بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي – في تأجيج هذا النزاع الدبلوماسي الدائر إلى الحد الذي قد تلوح معه في الأفق أزمة جيوسياسية أوسع نطاقًا.
الاتفاق المصري مع الصومال
أثار الاتفاق الأمني الذي تمَّ توقيعه مؤخرًا بين رأس الدولة المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود حفيظة إثيوبيا.
وقال نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط لصحيفة دويتشه فيله إن “قرار مصر بتزويد الصومال بالأسلحة، وكذلك المشاركة في مهمة حفظ السلام المقبلة في الصومال مع الاتحاد الإفريقي، يهدف إلى كسب شريك آخر يقع على الحدود مع إثيوبيا”.
ومع ذلك، فإنه مع انضمام مصر وإثيوبيا هذا العام إلى دول منظمة البريكس، وهي منظمة حكومية دولية تضم أيضا البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا وإيران والإمارات العربية المتحدة، يتعين على كلتا الدولتين “إيجاد طريقة مختلفة لتصفية تلك الحسابات مع بعضهما البعض”، وذلك حسب ما صرحت به هاجر علي، الباحثة في معهد جيجا للدراسات العالمية والإقليمية الألماني، لصحيفة دويتشه فيله.
وأضافت هاجر علي أن “إحدى الطرق الفعَّالة من حيث التكلفة لإبراز القوة العسكرية تجاه إثيوبيا دون مواجهة مباشرة هي من خلال الانخراط في مهمة حفظ السلام”.
وقالت الباحثة في معهد جيجا للدراسات العالمية والإقليمية الألماني: “مصر بالفعل مساهم رئيس في هيكل السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، وهذا بدوره يتماشى تمامًا مع استراتيجية مصر لزيادة ثقلها الجيوسياسي من خلال بناء السلام”.
ولكن هاجر علي ترى أيضًا أن السد هو الدافع الأساسي وراء مساعي مصر لإظهار حضور أقوى في منطقة القرن الإفريقي في ضوء تنافسها الجيوسياسي المباشر مع إثيوبيا.
وفي تلك الأثناء، حذر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من أن بلاده “لن تتفاوض مع أيّ شخص كان بشأن سيادة إثيوبيا وكرامتها”، وأن إثيوبيا “ستذل أيّ شخص يجرؤ على تهديدنا”.
الصفقة الإثيوبية مع أرض الصومال
في هذه الأثناء، أدَّت اتفاقية أخرى تمَّ التوصل إليها بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الانفصالي في الصومال إلى تأجيج التوترات الإقليمية بشكل متصاعد.
حيث تسعى إثيوبيا، وهي دولة غير ساحلية، إلى تعزيز صادراتها من خلال الحصول على إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر وبالتالي إلى طرق الشحن الدولية (من خلال الحصول على ميناء بحري من خلال إقليم أرض الصومال الانفصالي).
وقالت الباحثة في معهد جيجا، هاجر علي، إن إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر أمر مهم بالنسبة لإثيوبيا، لأنه “إذا كنت تريد ممارسة القوة العسكرية خارج بلدك، وإذا كنت تريد ترسيخ نفسك كوسيط جيوسياسي، فإن الوصول إلى السواحل أمر حيوي في هذا الخصوص”.
وقد وافقت “أرض الصومال” في شهر يناير 2024 على تأجير 20 كيلومترًا (12 ميلًا) من سواحلها لمدة 50 عامًا لإثيوبيا مقابل اعتراف إثيوبيا الرسمي باستقلال الإقليم، وهو ما لم يتم تأكيده رسميًّا من قبل أديس أبابا.
لكن مذكرة التفاهم هذه أثارت حفيظة وغضب الحكومة المركزية الصومالية، لأن مقديشو تعتبر إقليم “أرض الصومال” جزءًا لا يتجزأ من الصومال، كما تعتبره كذلك بقية دول المجتمع الدولي.
ووفقًا لسميرة جيد، المحللة الأمنية ومستشارة الحكومة الصومالية السابقة التي دأبت على تقديم المشورة لها في الماضي، فقد بعثت مقديشو برسالة واضحة إلى إثيوبيا، وهذه الرسالة هي: “إما أن تسحب إثيوبيا مذكرة التفاهم أو لن تكون قواتها موضع ترحيب في الصومال”.
ومع ذلك، فقد نشرت أديس أبابا ما يصل إلى عشرة آلاف جندي في الصومال، بناء على اتفاقيات ثنائية بين البلدين، وأيضًا كجزء من مهمة الاستقرار التي يدعمها الاتحاد الإفريقي، والتي تدعمها الأمم المتحدة كذلك.
وإذا اختارت إثيوبيا سحب قواتها من الصومال، فإن الوجود العسكري المصري بموجب الاتفاق الجديد سوف يفوق عدد القوات الإثيوبية.
وأضافت المحللة الأمنية سميرة جيد أنه علاوة على ذلك فإن الاتفاق الأخير بين مصر والصومال يشير أيضًا إلى أن الصومال أصبح يتحالف بشكل أوثق مع مصر، سواء في العلاقات الثنائية أو من خلال البعثة الجديدة بقيادة الاتحاد الإفريقي.
موقف إثيوبيا الحرج
وتأتي التوترات الواقعة بين مصر والصومال على رأس الضغوط الداخلية المتزايدة على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.
وقالت هاجر علي من معهد جيجا لصحيفة دويتشه فيله: “إنه (أبي أحمد) شخصية مثيرة للجدل للغاية في إثيوبيا ويستخدم السد لصرف الانتباه عن المشاكل الدائرة داخل البلاد وحشد أنصاره”.
وأوضحت الباحثة أن إثيوبيا تمزقها الصراعات العرقية والانفصالية، وخاصة في إقليم التيجراي، بالإضافة إلى التمردات الجهادية.
كما أن حماسة الشعب الإثيوبي لمشروع سد النهضة الكبير قد تراجع، وفقًا لما ذكرته سوزان ستولرايتر، رئيسة مكتب إثيوبيا في مؤسسة فريدريش إيبرت السياسية الألمانية، لصحيفة دويتشه فيله. وأضافت ستولرايتر أن آمال نحو 60% من السكان في الحصول على الكهرباء لم تتحقق بعد؛ وبدلًا من ذلك بدأت الشركة المشغّلة للسد التابعة للدولة في تصدير الكهرباء.
وقالت ستولرايتر إنها لا تعتقد أن إثيوبيا قد تكون مهتمة بتصعيد الصراع بشكل أكبر على الرغم من “الخطاب العدواني الذي يتبناه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد”.