الخبر:
أعلنت الشركات الموردة للغاز الإسرائيلي رسميًّا عن حالة “القوة القاهرة” وعلقت الصادرات، بما في ذلك تلك المتجهة إلى مصر، والتي بلغت نحو 800 مليون قدم مكعبة يوميًّا الأسبوع الماضي، بعد أن أغلقت تل أبيب حقلي ليفياثان وكاريش البحريين في أعقاب الضربات الجوية التي شنتها على أهداف إيرانية والرد الإيراني.
وأوقفت السلطات إمدادات الغاز لعدة قطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، بما في ذلك الحديد والأسمدة والبتروكيماويات والألومنيوم، حتى إشعار آخر، لإعطاء الأولوية لتوليد الكهرباء، وفقًا ما قاله مصدر لموقع “إنتربرايز”.
وأفادت رويترز بأن شركات تصنيع الأسمدة المحلية علقت عملياتها عقب انخفاض واردات الغاز الطبيعي الإسرائيلية.
التعقيب:
تسبّب التوقف المفاجئ لتدفقات الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي نتيجة للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، في تفاقم أزمة الطاقة بمصر، ما اضطر الحكومة إلى إعادة توزيع طارئة للإمدادات المتاحة وقطعها عن المصانع، وألمح رئيس الوزراء للعودة لقطع التيار في الصيف.
كما أدى الفقدان المفاجئ لإمدادات حقل ليفياثان إلى تعميق فجوة العرض في مصر قبيل ذروة الطلب الصيفي، إذ تحتاج مصر إلى نحو 6.2 مليار قدم مكعبة يوميًّا، إلا أن الإنتاج المحلي لا يساهم سوى بنحو 4.4 مليار قدم مكعبة يوميًّا فقط، والباقي يجري استيراد أغلبه من إسرائيل.
وتستورد مصر بشكل أساسي الغاز الطبيعي من تل أبيب منذ عام 2020، وتُقدَّر الكمية بنحو 800 مليون قدم مكعب يوميًّا.
يصل عجز الغاز (الفارق بين الإنتاج والاستهلاك) في مصر إلى 3.5 مليار متر مكعب يوميًّا، وتساهم إسرائيل بمليار، لذا لا تمتلك مصر رفاهية تقليل الاعتماد عليها.
وتسد القاهرة باقي العجز البالغ نحو 2.5 مليار متر مكعب عبر شحنات الغاز المسال من الخارج، بجانب استقبال سفن تغويز (تسييل الغاز المستورد)، وتسعى مصر لاستيراد ما يتراوح بين 155 و160 شحنة غاز مسال خلال 2025.
بعدما كانت مصر مُصدِّرة للغاز، تحولت بشكل مفاجئ إلى مستوردة، مع تنامي الطلب المحلي وتراجع الإنتاج الطبيعي للحقول، لتتحول إلى مستورد رئيسي في سوق الغاز الطبيعي المسال، حيث تستورد عشرات الشحنات.
قبل الحرب الاسرائيلية الإيرانية، وبسبب قطع تل أبييب الغاز عدة مرات عن مصر، تارة بحجة الحرب في قطاع غزة، وتارة بحجة طلب زيارة السعر، بدأت مصر في اتباع عدة خطوات تدريجية للتخلص من أو تقليص اعتمادها على الغاز الإسرائيلي الذي تعتمد عليه بنسبة كبيرة في ظل تراجع إنتاج القاهرة، أبرزها عقد صفقات دائمة مع قطر لتوريد الغاز، وقرابة 12 صفقة مؤقتة مع شركات أجنبية، فضلًا عن شراء محطات للغاز من عدة دول أبرزها تركيا وألمانيا.
وتزامن هذا مع خلافات مع دولة الاحتلال، سياسية، وأخرى اقتصادية لمطالبة تل أبيب بزيادة سعر توريد المليون وحدة حرارية لأكثر من ثمانية دولارات، بينما يتراوح سعر السوق ما بين أربعة وخمسة دولارات.
ويبلغ سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الإسرائيلي إلى مصر حوالي 6.7 دولارات، بناءً على صفقة استيراد الغاز بقيمة 15 مليار دولار لـ 64 مليار متر مكعب، ومع ذلك، تطلب إسرائيل زيادة السعر بنسبة 25 بالمئة، مما قد يرفع السعر إلى حوالي 9.4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وفق صحف إسرائيلية.
ورغم أن منصة الطاقة “ميس” (mees)، كشفت في 16 مايو الحالي، أن مصر زادت من واردات الغاز الإسرائيلي، التي بلغت ذروتها في أبريل 2024م، بمستوى قياسي بلغ 1.08 مليار قدم مكعبة يوميًّا، أكدت تقارير اقتصادية وتصريحات مسؤول حكومي مصري لـموقع “الشرق برومبرغ”، في 19 مايو (وقبل حرب إيران) أن إسرائيل قررت تقليص الصادرات لمصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي بنسبة 20 بالمئة خلال الصيف، بدءًا من شهر يونيو حتى سبتمبر.
ووصف خبراء مصريون ذلك بأن إسرائيل تبتز مصر وتعرقل وصول الغاز إليها، حيث لجأت إلى حيلة الادعاء بتنفيذ أعمال صيانة دورية في أحد خطوط تصدير الغاز للتهرب من تصدير الغاز إلى مصر، وأبلغت القاهرة نيّتها تنفيذ أعمال الصيانة لمدة 15 يومًا، ما سينعكس على الكميات الموردة إلى مصر خلال تلك الفترة، لتكون أقل من المتفق عليه والمستهدف خلال أشهر الصيف.
بسبب قطع تل أبيب الغاز عن مصر بحجج مختلفة، تعطلت المصانع المصرية ثلاث مرات:
كانت المرة “الأولى”، في عملية تعطيل مصانع مصر، بسبب توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي، بالكامل مع بدء الحرب في غزة، في 9 أكتوبر 2023م، بحجة الخشية من قصف حماس منصات النفط، ثم عادت الصادرات تدريجيًّا.
و”الثانية”، حين أعلن مجلس الوزراء المصري، في 29 أكتوبر 2023م، رسميًّا انخفاض صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر تدريجيًًا، من 800 مليون قدم مكعب يوميًّا في يوليو 2023م، إلى صفر، بعد الحرب على قطاع غزة.
وخفضت وزارة البترول المصرية، حينها، إمدادات الغاز الطبيعي إلى شركات صناعة الأسمدة بنسب تفاوتت بين 20 إلى 30 بالمئة، قبل أن تعيد إسرائيل ضخ الغاز مجددًا، لكن بكميات قليلة، في نوفمبر 2023م.
وجاءت الثالثة في مايو 2025م، وبالتزامن مع دخول العلاقات بين القاهرة وتل أبيب حالة من الفتور، وتصاعد اتهامات الاحتلال لمصر بخرق اتفاقية كامب ديفيد والاستعداد لحرب. وتبعها أيضًا خفض الغاز لشركات الأسمدة.
بدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل للمرة الأولى في 2020م، في صفقة قيمتها 15 مليار دولار بين شركتي “نوبل إينرجي” الأمريكية (التي استحوذت عليها “شيفرون” في 2020م) و”ديليك دريلينغ” الإسرائيلية.
ثم تضاعفت وارداتها منها أكثر من 3 مرات في غضون 3 سنوات، من 2.2 مليار متر مكعب في عام 2020م، إلى 8.6 مليارًا عام 2023م، بمعدلات 700 و850 مليون متر مكعب يوميًّا، ثم قفزت إلى أكثر من مليار متر مكعب يوميًّا في أبريل 2025م.
حينها اعتبر خبراء أن هذه الخطوة، بجانب إعلان رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، تحويل مصر لمقر إقليمي لتصدير الغاز (المصري والإسرائيلي)، بعد تسييله في مصنعي الإسالة بإدكو ودمياط، مكسبًا لإسرائيل.
إذ أن تل أبيب لا يمكنها تصدير غازها بسعر اقتصادي، وليس لديها أنابيب للتصدير، إلا عن طريق مصانع الإسالة المصرية.
ووقتها حذر سياسيون من رهن أمن مصر القومي ومصانعها لتل أبيب، باعتباره خطرًا أمنيًّا وإستراتيجيًّا، لكن السلطات تجاهلت ذلك.
وحين تكررت واقعة تقليص تل أبيب تدفق الغاز لمصر، بل وإيقافه تمامًا (صفر)، بعد اعتماد مصر التام عليها، وزيادة اتفاقيات تدفقه، بدأ الحديث عن مخاوف من ابتزاز تل أبيب للقاهرة.
وكانت أحزاب يمينية إسرائيلية طالبت نهاية 2024م، بقطع إمدادات الغاز عن مصر، بسبب اتهامات للقاهرة بتحريك قوات في سيناء وخرق اتفاقية كامب ديفيد، وفي ظل الحروب التي كانت تخوضها إسرائيل في غزة ولبنان وإيران.
يرى خبراء مصريون أن تقليص أو قطع شحنات الغاز الإسرائيلي عمدًا مع تزامن دخول فصل الصيف والمطالبة برفع سعر التوريد، ابتزاز إسرائيلي واضح، وخطر يجعل الأمن القومي المصري في يد الاحتلال.
يرون أن خطورة ما تفعله إسرائيل هو أنه يُظهِر أن ربط أمن الطاقة في مصر بمصادر الطاقة داخل دولة الاحتلال “أمر بالغ الخطورة، وتهديد مباشر للأمن القومي والاقتصادي المصري.