خبر وتعقيب

ما دلالات عودة “اتحاد القبائل” للظهور في حفل أكتوبر بعد الهجوم عليه واختفائه؟

الخبر:

مفارقتان، وقعتا يوم 26 أكتوبر 2024، خلال احتفالية فخمة بذكرى نصر أكتوبر، أقيمت في إستاد العاصمة الإدارية الجديدة.

“الأولي”: حديث رأس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، المفاجئ عن “نكسة 1967″، التي هُزِم فيها الجيش المصري ومعه جيوش عربية أخرى أمام جيش الكيان الصهيوني، ووصف السيسي أوضاع مصر بأنها تشبه أيام النكسة، مع أنه هو الذي يحكم منذ 10 سنوات.

و”الثانية”: عودة نشاط “اتحاد القبائل العربية”، الذي دشنه زعيم المليشيا في سيناء، إبراهيم العرجاني، مطلع مايو 2024، للظهور مجددًا في الحفل الذي استدعيت فيه أجواء “النكسة”، بعد 8 أشهر من اختفائه، إثر الهجوم عليه باعتباره يقسم مصر لقبائل وعائلات وينافس الجيش، وتوليه دعوة السيسي لحفل انتصار أكتوبر كأنه جهة رسمية في الدولة المصرية.

و”العرجاني”، أحد قادة قبيلة الترابين بسيناء، ونُسِب له التجارة في المهربات والمخدرات، ودخل في صراع مع الشرطة عام 2008، وأخذ رهائن من جنود الأمن المركزي، وسُجن خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وعقب انقلاب السيسي، عاد العرجاني ليظهر بصورة أشبه برجل دولة ويمتلك عدة شركات للتجارة والمقاولات والسياحة، وبات يتولى النشاط الاقتصادي لجنرالات الجيش في سيناء، وفرض إتاوات على خروج الفلسطينيين من غزة بعد الحرب.

وكانت الاحتفالية الباذخة في العاصمة الإدارية برعاية العرجاني، والتي تمَّ حشد الموظفين وأهالي سيناء لها بقرابة 50 أتوبيس، قد تكلفت قرابة 20 مليون دولار (حوالي مليار جنيه)، بحسب خبير تنظيم المؤتمرات “مراد علي” عبر تويتر.

التعقيب:

بسبب الدور الذي لعبه العرجاني وقبائل في سيناء مع الجيش، الذي سلحهم لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية  (داعش)، زاد نفوذ العرجاني وظهرت ميليشيات مسلحة له تسمى “فرسان الهيثم” من شباب سيناء، أصبحت تنافس الجيش والشرطة.

مع تراجع نفوذ داعش، تحول دور ونفوذ “العرجاني” العسكري لـ “اقتصادي”، وتحول هو إلى مسؤول عن “بيزنس الجيش” في سيناء، يتولى عقد الصفقات ويتقاسم مع الجيش، حسبما اعترف هو ضمنًا في حوارات سابقة مع صحف أجنبية.

أصبح “العرجاني” مع الوقت، رقمًا وزعيمًا سياسيًّا، وشبهه سياسيون ومحللون بقائد ميليشيا الدعم السريع في السودان “حميدتي”، وانتشرت تكهنات أن ينافس دور الجيش، بل ويكون وريث للسيسي، لأنه يضع صورته فوق علم مصر.

بعدما كان نفوذه قاصرًا على سيناء، تمدد للعاصمة ومحافظات مصرية أخرى، بإعلانه تدشين “اتحاد القبائل العربية” مطلع مايو 2024، وبدا هذا الاتحاد وكأنه بديل للحكومة المصرية في قضايا داخلية وخارجية مثل قضية فلسطين.

انتشار هذا الكيان الجديد من سيناء إلى الدلتا والصعيد ومدن القناة، وتزايد نفوذ إبراهيم العرجاني لحد إعلان اتحاد القبائل أنه سيعمل على إقامة دولة فلسطينية، ما أثار حملة انتقادات، لأنه بدأ يظهر منافسًا للدولة المصرية والجيش.

مصريون تساءلوا: ما هي الصفة القانونية لهذا التنظيم؟ هل هو حزب سياسي أم جمعية أهلية؟ وهل يسمح الدستور بالتقسيم القبائلي للمواطنين؟ وما صلة اتحاد القبائل بالسياسات الخارجية للدولة المصرية لدرجة أن يكون له دور في تحديد مستقبل فلسطين؟

انتشار نفوذ جيش العرجاني ثم اتحاد القبائل بسرعة، أثار تكهنات أن يكون السيسي وراء إنشاء هذا الاتحاد وهذه الميليشيا، ومنها شركات الحراسة بزعامة رجل العصابات “صبري نخنوخ” ليحصن بها نفسه، ويحمي نظامه بهم.

بعد حالة الصمت المريبة من جانب قيادات الجيش حيال نفوذ “اتحاد القبائل” وتمدد دوره، رغم التحذيرات من مخاطر تحلل الدولة المصرية وانقسامها قبليًّا وسياسيًّا، ظهرت “مؤشرات” تباين بين الجهات السيادية، خاصة الجيش حيال اتحاد قبائل العرجاني.

زاد من غضب الجيش قولُ النائب “مصطفي بكري”، المتحدث باسم الاتحاد، أن الاتحاد “فصيل من الجيش”، حسبما رجح سياسيون.

كان إلغاء احتفالية ضخمة للاتحاد في منطقة الهرم سيحضرها العرجاني، بعد تحذيرات من منافسته للدولة والجيش وتمدد نفوذه للقاهرة، مؤشرًا على تحجيم نفوذه في سيناء فقط.

ولكن، لماذا عاد اتحاد القبائل للظهور من جديد؟

الاحتفال الذي أقامه العرجاني للسيسي، في العاصمة الإدارية البديلة للقاهرة، أبرز عودة اتحاد القبائل مجددًا بعد اختفائه منذ 8 أشهر، ووصف بأنه “احتفال بتفكيك الدولة المصرية” وعودة نفوذ العرجاني.

تزامنت عودة ظهور العرجاني واتحاد القبائل بشكل مكثف إعلاميًّا، مع قيام السيسي بتغييرات في الأجهزة السيادية والأمنية، بإبعاد ساعده الأمين مدير المخابرات السابق عبَّاس كامل من منصبه، وقبل ذلك تغيير قادة الجيش، بما فيهم وزير الدفاع ورئيس الأركان، ما طرح تكهنات:

هل يحول السيسي “العرجاني” لـ “حميدتي” جديد في مصر، يدعم حكمه في ظل مخاوف النظام من حالة التدهور للاقتصاد وتصاعد الغضب الشعبي ويحميه حال اندلاع ثورة ضده، برغم انتهاء تجربة “حميدتي السودان” لصدام مع الجيش وتفكك الدولة؟

هل هناك خلاف مكتوم بين الجيش أو جهات سيادية مجهولة، مع السيسي حول إنشاء اتحاد القبائل كان وراء غياب العرجاني والاتحاد، ثم عادوا مع غياب قادة هذه الأجهزة السيادية التي عارضت تمدد نفوذ العرجاني واتحاده؟

هل أعطي السيسي الضوء الأخضر لنشأة اتحاد القبائل بهدف “تشكيل ظهير سياسي شعبي داعم لنظامه” وحين احتج الجيش، تم تجميد الاتحاد مؤقتًا، ثم أعاده للساحة مجددًا بعد التغييرات الأخيرة في المناصب القيادية ومنها الجيش لحاجته له؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى