في الثلاثين من أغسطس 2024، نشرت شبكة بي بي سي الإخبارية البريطانية مقالاً لمراسل الشؤون الأمنية لـ “بي بي سي نيوز” في القارة الإفريقية، إيان وافولا، بعنوان: “” “لماذا تشعر إثيوبيا بالقلق من التحالف بين مصر والصومال؟”. تناول وافولا في مقاله التحالف العسكري بين الصومال ومصر وما أثاره مؤخراً من توتر في منطقة القرن الإفريقي، في ظِل الانزعاج الإثيوبي من أول خطوة عملية لتفعيل هذا التحالف.
ففي الوقت الذي تتهم مصر فيه إثيوبيا بتهديد إمداداتها من المياه ببناء سد النهضة الإثيوبي الكبير، أثار التحالف العسكري بين الصومال ومصر التوتر في منطقة القرن الإفريقي الهشة من الأساس، حيث أثار ذلك حفيظة دولة إثيوبيا على وجه الخصوص، وسط مخاوف من أن تصبح العواقب المترتبة على ذلك أكثر من مجرد حرب كلامية بين الطرفين، حيث تصاعدت التوترات هذا الأسبوع مع وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز “سي 130” إلى العاصمة الصومالية مقديشيو محمّلة بالجنود والعتاد العسكري، في إشارة إلى بدء تنفيذ الاتفاق الذي جرى توقيعه في وقت سابق من شهر أغسطس خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس الصومالي إلى القاهرة.
وفيما يلي يقدم “منتدى الدراسات المستقبلية” ترجمة كامل النص لمقال إيان وافولا، مراسل الشؤون الأمنية لـ “بي بي سي نيوز”:
يؤجج التحالف العسكري بين الصومال ومصر مظاهر التوتر في منطقة القرن الإفريقي الهشة، حيث أثار حفيظة إثيوبيا على وجه الخصوص؛ وهناك مخاوف من أن تصبح تداعيات ذلك أكثر من مجرد حرب كلامية.
فقد تصاعدت التوترات هذا الأسبوع مع وصول طائرتين عسكريتين مصريتين من طراز سي-130 إلى العاصمة الصومالية مقديشيو، إيذاناً ببدء تنفيذ بنود الاتفاق الذي جرى توقيعه في وقت سابق من شهر أغسطس خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس الصومالي إلى القاهرة.
وتتضمن الخطة انضمام ما يصل إلى 5,000 جندي مصري إلى قوة جديدة تابعة للاتحاد الإفريقي في نهاية العام، مع نشر 5,000 جندي آخرين هناك بشكل منفصل.
وقالت إثيوبيا، التي طالما كانت حليفاً رئيسياً للصومال في حربها ضد جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة والتي دخلت في خلاف مع مصر بشأن السد الضخم الذي بنته على نهر النيل (سد النهضة الإثيوبي الكبير GERD)، إنها “لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تتخذ جهات فاعلة أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة”.
ورد وزير الدفاع الصومالي على ذلك قائلاً إن إثيوبيا يجب أن تتوقف عن “الصراخ” لأن الجميع “سيحصدون ما زرعته أيديهم” – في إشارة إلى العلاقات الدبلوماسية بينهما التي تردت إلى الهاوية منذ أشهر.
لماذا إثيوبيا والصومال على خلاف؟
كل هذا يرجع إلى طموحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي يريد أن تحوز بلاده غير الساحلية على ميناء؛ حيث فقدت إثيوبيا منفذها على البحر عندما انفصلت إريتريا عنها في أوائل التسعينيات.
وكان السيد آبي أحمد قد وقّع في أول يوم من السنة الجديدة على اتفاقية مثيرة للجدل مع ما تطلق على نفسها “جمهورية أرض الصومال” لاستئجار مساحة تمتد بطول 20 كيلومتراً (أي 12 ميلاً) من مجموع مساحة ساحلها لمدة 50 عاماً بغرض إنشاء قاعدة بحرية عليها.
وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى إعلان إثيوبيا اعترافها رسمياً بالجمهورية المنفصلة – وهو الأمر الذي تدفع “أرض الصومال” بشدة لتحقيقه.
وكانت “أرض الصومال” قد انفصلت عن الصومال منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكن مقديشيو تؤكد بشدة على أنها جزء من أراضيها – وقد وصفت الصفقة بأنها عمل “عدواني”. وقال المحلل الجيوسياسي جوناثان فينتون هارفي لـ “بي بي سي” إن الصومال تخشى أن تشكل مثل هذه الخطوة سابقة تؤدي إلى تشجيع دول أخرى على الاعتراف باستقلال “أرض الصومال”. وأضاف أن دولة جيبوتي المجاورة تشعر أيضاً بالقلق من أن هذه الخطوة قد تضر باقتصادها الذي يعوّل كثيراً على الموانئ، حيث تعتمد إثيوبيا تقليدياً على جيبوتي في جلب وارداتها.
وفي الحقيقة، فقد قال وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف لشبكة “بي بي سي”، في محاولة منه لتهدئة التوترات، إن بلاده مستعدة أن تمنح إثيوبيا حق الوصول إلى أحد موانئها بنسبة 100 بالمئة.
وقال يوسف لبرنامج “فوكس أون أفريكا” على قناة “بي بي سي” التليفزيونية: “سيكون ذلك في ميناء تاجورة – الذي يقع على مسافة 100 كيلومتر (أي 62 ميلاً) من الحدود الإثيوبية”.
وهذا بالتأكيد تغيير في اللهجة، حيث كان مستشار رئاسي كبير في جيبوتي قد قال إن بلاده مترددة في منح جارتها حق الوصول غير المقيد إلى البحر الأحمر.
لقد فشلت المحاولات – التي تُبذل من جانب تركيا – حتى الآن في تهدئة التوترات، حيث تصر الصومال على أنها لن تتزحزح عن موقفها حتى تعترف إثيوبيا بسيادتها على أرض الصومال.
لماذا انزعجت إثيوبيا كثيراً من رد فعل الصومال؟
لم تكتف الصومال بإدخال مصر، عدّوتها في مسألة نهر النيل، إلى حلبة المعركة، بل أعلنت أيضاً أن القوات الإثيوبية لن تكون جزءاً من قوة الاتحاد الإفريقي (في الصومال) اعتباراً من شهر يناير المقبل؛ حيث تبدأ في هذا الوقت عملية دعم السلام الثالثة التابعة للاتحاد الإفريقي.
وكان قد تمَّ نشر القوات في العملية الأولى في عام 2007 بعد أشهر من عبور القوات الإثيوبية للحدود للمساعدة في محاربة المسلحين الإسلاميّين من حركة الشباب، والذين كانوا قد سيطروا آنذاك على العاصمة الصومالية. وبحسب وكالة رويترز الدولية للأنباء، فإن هناك ما لا يقل عن 3,000 جندي إثيوبي في إطار مهمة الاتحاد الإفريقي الحالية.
وقال رئيس الوزراء الصومالي أيضاً في الأسبوع الماضي إن إثيوبيا ستضطر إلى سحب جنودها الآخرين الذين يتراوح عددهم بين 5,000 و 7,000 جندي والمتمركزين في عدة مناطق بموجب اتفاقيات ثنائية منفصلة – ما لم تنسحب من صفقة الموانئ مع “أرض الصومال”.
وتعتبر إثيوبيا أن هذا يُعد بمثابة صفعة على الوجه، كما قال وزير خارجيتها، بسبب “التضحيات التي قدمها الجنود الإثيوبيون” من أجل الصومال.
وقال كريستوفر هوكني، الباحث البارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز فكر بريطاني تأسس في العام 1831 ويعني بالقضايا العسكرية والأمنية، لـ “بي بي سي” إن انسحاب القوات الإثيوبية كفيل أيضاً بأن يجعل إثيوبيا عُرضة لهجمات يشنها المسلحون الجهاديون. وأضاف أن النشر القوات المصرية المزمع على طول حدودها الشرقية من شأنه أن يجعل إثيوبيا تشعر بالقلق بشكل خاص.
وترى مصر أن سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) في غرب إثيوبيا يشكل تهديداً وجودياً لها، وحذرت في الماضي من أنها ستتخذ “التدابير” اللازمة إذا تعرض أمنها للتهديد.
لماذا يثير سد إثيوبيا كل هذا الجدل؟
تتهم مصر إثيوبيا بتهديد إمداداتها من المياه عندما شرعت عام 2011 في بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) على رافد النيل الأزرق في المرتفعات الشمالية الغربية لإثيوبيا، حيث يتدفق 85 بالمئة من مياه النيل.
وقالت مصر إن إثيوبيا مضت قُدماً في تنفيذ المشروع في ظِل “تجاهل” تام لمصالح وحقوق دول المصبّ وكذلك أمنها المائي. كما جادلت القاهرة بأن خفض المياه من نهر النيل بنسبة 2 بالمئة يمكن أن يؤدي إلى فقدان حوالي 200 ألف فدان (أي ما يعادل 81 ألف هكتار) من الأراضي الزراعية التي تُروى بماء النيل.
أما بالنسبة لإثيوبيا، فإنه يُنظر إلى السد على أنه وسيلة لإحداث ثورة في البلاد من خلال إنتاج الكهرباء لـ 60 بالمئة من السكان وتوفير تدفق مستمر من الكهرباء للشركات.
وفي شهر ديسمبر الماضي، انهارت الجهود الدبلوماسية الأخيرة للتوصل إلى الكيفية التي سيتم تشغيل السد بها – مع تحديد كمية المياه التي ستتدفق إلى دول المصب، السودان ومصر.
إلى أي مدى يمكن أن نقلق؟
ترى مصر أن اتفاقها العسكري مع الصومال هو اتفاق “تاريخي” – على حد تعبير رأس الدولة في مصر عبد الفتاح السيسي – كما أنه فرصة ممكنة لتسوية الحسابات بشأن السد الإثيوبي الضخم.
وحقيقة الأمر أنه قد يتطور النزاع حول النيل ليمتد إلى الصومال، كما يحذر الدكتور حسن خاننجي، مدير معهد القرن الدولي للدراسات الاستراتيجية. وقد يؤدي ذلك بدوره إلى نشوب “صراع محدود النطاق” بين إثيوبيا ومصر إذا التقت قواتهما على الحدود الصومالية.
كما حذرت “أرض الصومال” أيضاً من أن إنشاء قواعد عسكرية مصرية داخل الصومال قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وتواجه كل من إثيوبيا والصومال بالفعل صراعات داخلية – حيث تعاني إثيوبيا من حركات تمرد منخفضة المستوى في عدة مناطق من البلاد، بينما لا تزال الصومال، التي تتعافى الآن من حرب أهلية مدمرة استمرت على مدى 30 عاماً، تخوض مواجهة مع حركة الشباب.
ويقول خبراء إن أيًّا من الدولتين لا يمكنه تحمل المزيد من الحرب، وإن المزيد من الاضطرابات من شأنه أن يؤدي حتماً إلى المزيد من موجات الهجرة. وقال الدكتور خاننجي لـ “بي بي سي” إنه إذا اندلع صراع في هذه المنطقة، فقد يؤدي ذلك إلى تعقيد الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر بشكل أكبر، من خلال جذب جهات فاعلة أخرى والتأثير بشكل أكبر على التجارة العالمية.
وبحسب “قائمة لويدز”، وهي مجلة تنقل رقميًّا أخبار الشحن بشكل أسبوعي، فإن هناك ما لا يقل عن سبعة عشر ألف سفينة تمر عبر قناة السويس كل عام، وهذا يعني أن 12 بالمئة من التجارة العالمية السنوية تمر عبر البحر الأحمر، أي ما يعادل ما قيمته 1 تريليون دولار من البضائع. ولهذا، حرصت دول مثل السعودية والإمارات وتركيا على إقامة شراكات مع الدول الإفريقية التي تمتلك سواحل على البحر الأحمر، مثل الصومال.
وبحسب السيد هارفي، فإن تركيا والإمارات لديهما فرصة أفضل للتوسط وإيجاد أرضية مشتركة بين الأطراف. فقد استثمرت الإمارات بشكل كبير في ميناء بربرة في “أرض الصومال” كما أنها تمتلك نفوذًا كبيرًا على إثيوبيا بسبب استثماراتها هناك.
وتتجه كل الأنظار حالياً إلى الدَفعة الدبلوماسية القادمة من جانب تركيا، التي تربطها علاقات جيدة مع كل من إثيوبيا والصومال. حيث من المقرر أن تبدأ المحادثات حول ذلك في منتصف شهر سبتمبر.