مقدمة
لعل الحدث الأبرز الآن في تطورات الحرب في قطاع غزة هو المفاوضات التي تجري بين المقاومة وإسرائيل، من أجل الوصول إلى هدنة، وعقد صفقة تبادل أسرى، في ظِل كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها سكان القطاع الذين يتعرَّضون لحرب إبادة، من خلال القتل والتجويع.
تكمن أهمية هذه المفاوضات وخطورتها في أنها وسيلة للوصول إلى هدنة تخفف الضغط عن المقاومة والمدنيّين، بالإضافة إلى أنها سوف تسهم في تشكيل مآلات المسار السياسي، الذي سوف يُحدِّد مصير قطاع غزة في المستقبل.
وتحاول هذه الورقة تقديم تقدير موقف حول المسار السياسي للصراع الحالي، لاستشراف مآلاته، من خلال تسليط الضوء على حالة المواجهة العسكرية، ورصد المتغيرات التي تؤثر على مفاوضات الهدنة، وإبراز خطورة هذه المفاوضات، وما يملكه طرفا الصراع من أوراق ضغط متبادل، والسيناريوهات المحتملة لمسار التفاوض، وصولًا إلى ترجيح أحد هذه السيناريوهات.
المواجهة العسكرية
مازالت العمليات العسكرية في قطاع غزة تسير بنفس الوتيرة منذ أن أقدمت إسرائيل على مهاجمة القطاع، ردًّا على عملية “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر 2023م.
فإسرائيل تواصل قصفها لقطاع غزة، مستهدفة المدنيّين الفلسطينيّين، في عملية عقاب جماعي للحاضنة الشعبية للمقاومة، أسفرت بعد أكثر من 5 أشهر عن سقوط أكثر من 110 ألف شهيد وجريح، ونزوح مليوني مواطن من أماكنهم التي تعرَّضت للدمار.
وفي المقابل، تواصل المقاومة اشتباكها مع جيش الاحتلال، وتخوض معه معارك ضارية في كافة محاور التوغل، وتُبدي حتى الآن صمودًا، تظهر آثاره فيما يصدر عن الجيش الإسرائيلي من بيانات رسمية عن الخسائر التي وصلت إلى 254 قتيلًا، وأكثر من 3 آلاف جريح في مواجهات غزة فقط. وتدمير ما يقرب من ألف ومائتي آليَّة، بحسب بيانات المقاومة، التي تؤكد مع محللين آخرين وقوع خسائر بشرية أكبر بكثير مما يعلنه الإسرائيليون.
ومع طول أمد الحرب، وتزايد الخسائر الإسرائيلية، يواجه جيش الاحتلال أزمات عديدة، تظهر للعلن من خلال الإعلام الإسرائيلي، الذي أفاد بأن الجيش يُعاني من نقص في صفوفه، ويحتاج إلى أعداد إضافية، في ظِل كثرة المهام، ورغبة كثيرين في ترك الخدمة العسكرية[1]، بالإضافة إلى وجود استقالات من عدد من الضبَّاط احتجاجًا على سير العمليات في قطاع غزة[2].
وفي ظِل انعدام المعلومة الرسمية، أو المؤكدة، عن خسائر المقاومة الفلسطينية في الحرب، فإن المتوفر من المعلومات يدل على أن عناصر المقاومة تُكبّد الجيش الإسرائيلي خسائر غير مسبوقة في تاريخ الصراع، ولهذا لا يجد وسيلة للرد غير استهداف المدنيّين، وهو ما يُعَد هزيمة في حد ذاته لجيش نظامي حديث، يحارب مجموعة محاصرة منذ سنوات، في مواجهة غير متكافئة.
متغيرات الصراع
مع استمرار المواجهة العسكرية، ثمَّة متغيرات كثيرة يتوالى ظهورها. ولا شك في تأثير هذه المتغيرات على خيارات طرفي الصراع في المسار السياسي. ومِن هذه المتغيرات ما يمكن أن يَضغط على المقاومة الفلسطينية في عملية التفاوض، ومنها:
- تجاوز الوضع الإنساني حدود الكارثة، وتعرُّض سكان القطاع للمجاعة، في ظِل حرب تجويع.
- التهديد الإسرائيلي باجتياح بري لمدينة رفح، المكتظة بالسكان والنازحين، وهو ما يمكن أن يؤدِّي إلى مجزرة كبيرة.
- تمسُّك الحكومة الإسرائيلية بالاستمرار في الحرب حتى تحقيق نصر واضح على المقاومة.
- طول أمد الحرب، واعتياد البعض على رؤية مظاهرها التي تتكرر، وهو ما قد يُضعِف حالة التعاطف لديهم.
- العمل على إيجاد وضع أمني جديد في قطاع غزة، مثل إقامة طريق يقسم القطاع إلى قسمين.
- تمكن جيش الاحتلال والمخابرات الإسرائيلية من استعادة بعض الأسرى أو جثامينهم، أو الوصول إلى أماكن احتجاز بعضهم قبل أن يُقتلوا.
- تزايد المساعي لتهيئة السلطة الفلسطينية للحلول محل حماس في غزة، وحشد الدعم الإقليمي والدولي لهذا الإحلال.
- إسقاط المساعدات الإنسانية عن طريق الجو، وإيهام العالم بأن المساعدات تصل للمدنيّين، ولا حاجة لإنهاء الحرب ضد المقاومة المسلحة.
- إعلان الولايات المتحدة عن إقامة رصيف بحري في غزة، وهو ما يعني حصار المقاومة من ناحية البحر، تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وربما تتواجد قوات أمريكية على البر[3].
- نزع سيادة المقاومة عن أجزاء من غزة، وإمكانية استخدام الميناء البحري في تسهيل الهجرة وتفريغ القطاع من سكانه.
- الإعلان عن مخططات إسرائيلية لتقويض سلطة حماس، منها مناقشة تسليح مدنيّين غزاويّين لحماية المساعدات[4]، أو التعاون مع شخصيات فلسطينية معادية للمقاومة.
كذلك، هناك من المتغيرات ما يمكن أن يَضغط على إسرائيل في مسار التفاوض، ومنها:
- مقتل عدد من الأسرى على يد القوات الإسرائيلية، وهو ما أدَّى إلى استقالة بعض الضباط المحتجين على سوء الأداء المخابراتي والعملياتي.
- معاناة الجيش الإسرائيلي من نقص في أعداده، لكثرة المهام العملياتية، ورغبة كثيرين في ترك الخدمة العسكرية.
- تصاعد وتيرة عمليات الإسناد من جانب حزب الله والحوثيّين، بما يهدد مصالح قوى إقليمية ودولية مؤيدة لإسرائيل أو متعاونة معها ضد المقاومة.
- زيادة حدة الخلاف بين مكونات الحكومة الإسرائيلية، وداخل مجلس الحرب.
- تزايد انتقادات الشارع الإسرائيلي وعدد من السياسيّين للحكومة، على خلفية الفشل في استعادة الأسرى وعدم التوصل لأي مسار يضمن عودتهم أحياءً إلى إسرائيل.
- وجود أصوات إسرائيلية ترى أن أهداف الحرب لم تتحقق، وأن التوصل إلى اتفاق مع حماس هو السبيل الوحيد لإطلاق سراح الأسرى.
- وجود خلافات بين إسرائيل وأمريكا بسبب استهداف المدنيّين ومنع المساعدات الإنسانية.
- الضغوط القضائية الدولية التي تقودها دول مثل جنوب إفريقيا.
- استمرار المظاهرات الداخلية في إسرائيل احتجاجًا على حكومة نتنياهو.
- تزايد حالات الانتقاد للحكومة الإسرائيلية من جانب حلفاء يرفضون العدوان على المدنيّين.
- وصول الصراع إلى شهر رمضان، وهو ما يمكن أن يضمن مزيدًا من التعاطف والدعم للفلسطينيّين، ومزيدًا من العداء لإسرائيل، في العالمين العربي والإسلامي.
خطورة المسار السياسي
لا يقتصر الصراع بين المقاومة ودولة الاحتلال على المواجهة العسكرية، وإنما هناك مساران آخران لا يقلان خطورة وأهمية عن المسار العسكري، وهما المساران القضائي والسياسي.
وإذا كان المسار القضائي – الذي قامت دولة جنوب إفريقيا بالسير فيه، وأحدثت إنجازًا تاريخيًّا يمكن البناء عليه في المستقبل – خطوة فارقة في تاريخ الصراع، فإن المسار السياسي هو الأشد ضراوة الآن؛ لأن التقاضي أمام المنظمات الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل، محكوم بأجندات زمنية وآليَّات وتوازنات خاصَّة، أما العمل السياسي فنتيجته آنية ومؤثرة على مجريات الأوضاع.
هذا بالإضافة إلى أن نتيجة المواجهة العسكرية، وما يترتب عليها من مستقبل القضية الفلسطينية، أصبحت رهينة حدوث تقدم على هذا المسار السياسي الذي يسير فيه مفاوضو المقاومة. وتكمن خطورة هذا المسار في أن:
- التفاوض هذه المرة يجري تحت النار، وفي ظِل وجود قوات إسرائيلية داخل قطاع غزة.
- التفاوض لا يعتمد على الإنجاز العسكري فقط، وإنما تتدخل فيه عناصر أخرى، خارج إرادة المقاومة الفلسطينية.
- مستقبل المقاومة والقضية الفلسطينية سوف يتأثر بنتيجة المفاوضات.
- التراجع السياسي من جانب المفاوضين انتقاص من الإنجاز العسكري الذي تمَّ في 7 أكتوبر.
- المكسب على مائدة المفاوضات هو حسم للمعركة في غزة و”إعلان النصر” فيها.
- الرابح في المفاوضات سوف يتمكن من رسم مستقبل القطاع، إما تحت سيطرة المقاومة أو دولة الاحتلال.
مفاوضات الهدنة
بالتوازي مع العمليات العسكرية، يستمر المسار التفاوضي، الذي مازالت هناك عراقيل كبيرة تحول دون الوصول من خلاله إلى هدنة وصفقة لتبادل الأسرى.
وتعود هذه العراقيل إلى تشدد طرفي الصراع في التمسُّك بشروطهما، لإدراك كل منها أن نتيجة هذه المفاوضات يمكن أن تحسم المعركة العسكرية الدائرة في قطاع غزة، وأن التنازل عن الشروط الرئيسة يعني الهزيمة وضياع أي إنجاز تمَّ تحقيقه في الأشهر الماضية.
فعلى الجانب الإسرائيلي، ترفض إسرائيل مطالب المقاومة بالوقف التام للحرب، وخروج قواتها من قطاع غزة، وفك الحصار عن القطاع. وهي مطالب إن تحققت فسوف تعني خسارة الحرب بشكل رسمي، لأنها تُسقِط الأهداف التي أعلنتها إسرائيل للحرب، وهي القضاء على حركة حماس، وتغيير طبيعة السلطة في قطاع غزة، واستعادة الأسرى أحياءً عن طريق العمل العسكري.
أما المقاومة، فإنها تتمسَّك بمطالبها، لأن التنازل عن هذه المطالب يعني استمرار الحرب، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وإيجاد وضع جديد على الأرض يتمثل في وجود القوات الإسرائيلية، وكلها نتائج تنتقص من الإنجاز التاريخي الذي حققته في 7 أكتوبر، وتُضيّع التضحيات الكبيرة التي قدمتها المقاومة والمدنيون منذ ذلك التاريخ.
ولكن كلا الطرفين لا يستطيع أن يرفض التفاوض، لأن المقاومة لديها حدود للصمود، ومطالبة بحماية أرواح سكان قطاع غزة بوصفها السلطة المسؤولة عنهم، وصاحبة القرار الذي كلف هؤلاء السكان خسائر غير مسبوقة في تاريخ المواجهات بين المقاومة وجيش الاحتلال.
كذلك الأمر مع إسرائيل، التي فشلت في استعادة أسراها عبر العمل العسكري، ولم يَعد أمام حكومتها إلَّا التضحية بمَن تبقى منهم، ومواجهة غضب شعبي كبير، أو الدخول في مفاوضات لاستعادتهم في مقابل التنازل عن بعض المكتسبات التي حصلت عليها، ومنها التواجد داخل القطاع، والفرصة المتاحة من أجل القضاء على المقاومة أو تحجيمها وإضعاف قدرتها، لمنعها من معاودة الهجوم على دولة الاحتلال.
أوراق الضغط لدى إسرائيل
تمتلك إسرائيل أوراق كثيرة، تستخدمها في الضغط على حركة حماس، في ملف التفاوض، للوصول إلى هدنة، وعقد صفقة لتبادل الأسرى، بما يمنح الإسرائيليّين الفرصة لسحب ورقة الضغط المهمة من يد المقاومة، وهي الأسرى، والعودة للحرب مرة أخرى. ومن هذه الأوراق ما يلي:
- استمرار الدعم الغربي لإسرائيل، وإمدادها بكل ما يلزم لاستمرار الحرب، بغض النظر عن التصريحات العلنية لبعض الحكومات الغربية.
- وجود توافق إسرائيلي غربي على استمرار الحرب للقضاء على المقاومة، بغض النظر عن الخلاف على وضع المدنيّين.
- تهديد إسرائيل بتغيير طبيعة السلطة في قطاع غزة، وتواصلها مع رجال خدموا في السلطة الفلسطينية لتكوين كيان مسلح يواجه حماس[5].
- الضغط على مصر وقطر من أجل ممارسة الضغوط على حركة حماس للقبول بالهدنة وفق الشروط الإسرائيلية.
- العدوان على المدنيّين، وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، تجاوزت 110 ألف قتيل وجريح، وتزايد العدد يوميًّا.
- استمرار أزمة النازحين، الذين وصل عددهم إلى ما يقرب من 2 مليون نسمة، بعد هدم حوالي 72 بالمئة من الوحدات السكنية بالقطاع.
- استمرار الحصار، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتعرُّض السكان لحرب تجويع.
- استمرار حصار المقاومة، وعدم قدرتها على تعويض خسائرها في ظل الحرب.
- حديث إسرائيل عن تسليح مدنيّين في غزة لحماية المساعدات[6]، وهو ما يمكن أن يوجد جبهة داخلية مسلحة من المتعاونين مع الاحتلال.
- تعرض حماس لحملة إعلامية لتشويه موقفها أمام الحاضنة الشعبية الفلسطينية والعربية وإظهارها في مظهر المدافع عن مصالحها على حساب مصالح السكان قطاع غزة.
- مساعدة الدول المُطبّعة في تشديد الحصار على قطاع غزة، حتى إن الأردن ترفض استقبال الجرحى بحجة محاربة الهجرة ووجود مستشفيات ميدانية في قطاع غزة.
- اتهام المقاومة بعرقلة وقف إطلاق النار ودخول المساعدات للتخفيف عن المدنيّين[7].
- اتهام المقاومة بأنها تهدف إلى تصعيد القتال لتأجيج التوترات الإقليمية خلال شهر رمضان.
أوراق الضغط لدى حماس
تمتلك حركة حماس أوراق ضغط، يمكن أن تعينها في تعاملها مع إسرائيل في ملف التفاوض، للوصول إلى هدنة وصفقة لتبادل الأسرى، بما يتيح وقف إطلاق النار بشكل كامل، وكسر الحصار، وإخراج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة. ومن هذه الأوراق ما يلي:
- وجود أسرى إسرائيليّين لدى المقاومة الفلسطينية.
- صمود المقاومة في المواجهة العسكرية، وقدرتها على تكبيد الاحتلال خسائر مادية وبشرية.
- عدم انفراط عقد المقاومة، وقدرتها على إدارة المعركة غير المتكافئة رغم شدة المواجهة.
- وجود توافق بين القيادتين السياسية والعسكرية داخل حركة حماس، بالداخل والخارج.
- وجود توافق بين فصائل المقاومة داخل قطاع غزة على الأهداف المنشودة من التفاوض.
- تماسك الحاضنة الشعبية، واستمرار مساندتها للمقاومة حتى الآن.
- وجود أزمة في الجيش الإسرائيلي بسبب الخسائر المادية والبشرية ونقص الصفوف.
- وجود خلافات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والمعارضة الإسرائيلية حول صفقة الأسرى.
- وجود معارضة داخلية لنتنياهو، وضغوط من أسر الأسرى على الحكومة للوصول إلى هدنة.
- مقتل بعض الأسرى على يد جيش الاحتلال، وتنامي السخط داخل المجتمع الإسرائيلي.
- استمرار الدعم الشعبي العالمي للشعب الفلسطيني.
سيناريوهات المسار السياسي
ثمَّة سيناريوهات عديدة للمسار السياسي، الذي يتمثل في مفاوضات الهدنة للوصول لصفقة تبادل أسرى، وما يمكن أن يترتب عليها من مآلات ترتبط بمستقبل المقاومة ووضعها في قطاع غزة، ومِن ثمَّ بمستقبل القضية الفلسطينية كلها.
سيناريو (1): تنازل حماس
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
تنازل حماس عن شروطها للوصول إلى هدنة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى. | خضوع حماس للضغوط الداخلية والخارجية.وصول المقاومة إلى قناعة بأنها لن تستطيع مواصلة القتال.استمرار الخسائر في صفوف المدنيّين.استمرار الحصار المضروب على قطاع غزة.ظهور موجة من التذمر في صفوف الحاضنة الشعبية الفلسطينية. | القبول بالهدنة وفق الشروط الإسرائيلية.تبادل الأسرى وفق الأرقام المتفق عليها.توقف الحرب بشكل مؤقت.دخول المساعدات إلى قطاع غزة. |
هذا السيناريو يُعَد سيناريو انتكاسة بالنسبة لحركة حماس، لأن المُنجَز على طاولة المفاوضات لن يساوي حجم التضحيات التي قدمت من جانب المقاومة والمدنيّين الفلسطينيّين.
في هذه الحالة، يمكن أن تتعرَّض حماس لمخاطر على مستوى علاقتها بالشعب الفلسطيني من ناحيةٍ، وفي صراعها مع إسرائيل من ناحيةٍ أخرى.
فالرضوخ لشروط إسرائيل، يمكن أن يصيب الحاضنة الشعبية في قطاع غزة بالإحباط من خيار المقاومة، وقد يُحدِث حالة من عدم الثقة في حركة حماس، والتشكيك في جدوى هجومها على إسرائيل.
وعلى مستوى الصراع، فإن الرضوخ لشروط إسرائيل يعني الوصول إلى هدنة مؤقتة، حتى وإن طالت، سرعان ما تنتهي لتعود الحرب من جديد، ولكن في ظِل واقع جديد، يتمثل في بقاء القوات الإسرائيلية في القطاع، وعدم وجود أسرى يمكن الضغط بهم على إسرائيل.
وبانتهاء الهدنة، يمكن لإسرائيل أن تستأنف الهجوم على القطاع، لاستكمال حربها، لعدم وجود التزام منها بإنهاء الحرب.
سيناريو (2): تنازل إسرائيل
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
تنازل إسرائيل عن شروطها للوصول إلى هدنة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى. | خضوع إسرائيل للضغوط الداخلية والخارجية.وصول إسرائيل إلى قناعة بأن المقاومة قادرة على الصمود، ولن تتراجع عن شروطها.تزايد الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي.فشل الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة.وجود رأي عام عالمي ضاغط على الحكومات المساعدة لإسرائيل. | التوصل إلى هدنة، وفق شروط المقاومة.توقف الحرب بشكل كامل وخروج القوات الإسرائيلية من غزة.تبادل الأسرى وفق الأرقام المتفق عليها.فك الحصار عن قطاع غزة. |
هذا السيناريو يُعد هزيمة لإسرائيل، وانتصارًا سياسيًّا للمقاومة، يُكمِل صورة النصر العسكري، لأن المُنجَز على طاول المفاوضات سوف يُعوّض التضحيات الكبيرة.
فرضوخ إسرائيل لشروط حماس يَعني اضطرارها تحت الضغوط الداخلية والخارجية إلى التراجع عن شروطها لإقرار الهدنة وإتمام صفقة التبادل، وفق الشروط التي ترفضها.
في هذه الحالة، على إسرائيل أن توقف الحرب قبل أن تحقق أهدافها، وتُخرِج قواتها من قطاع غزة، وتلتزم بعدم استئناف القتال مرة أخرى.
وفي المقابل، سوف يتيح هذا السيناريو لحركة حماس العودة إلى وضعها فيما قبل 7 أكتوبر، لتمارس سلطتها على القطاع، وتُعِيد تعميره، وتعوّض ما خسرته من قوتها في الحرب.
ولكن هذا السيناريو يصعب تحقيقه؛ لأنه يتجاوز حقيقة جديدة على الأرض، وهي تواجد إسرائيل داخل القطاع، وتلاقي رغبة الكيان مع رغبة قوى إقليمية ودولية في القضاء على المقاومة، خاصَّة وأن خروجها منتصرة يعني وضع الأنظمة المعادية لها والمُطبّعة مع إسرائيل في حرج أمام شعوبها، ويقوي من محور المقاومة الذي تنتمي إليه المقاومة.
سيناريو (3): فشل المفاوضات
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
فشل التوصل إلى اتفاق هدنة، يشمل تبادل الأسرى. | تمسك طرفي الصراع بشروطهما وتعذر الوصول إلى حلول وسط.خوف طرفي الصراع من عواقب التنازل على طاولة المفاوضات.فشل الوسطاء والولايات المتحدة في الضغط على طرفي الصراع.اعتقاد أحد الطرفين أو كليهما بقدرته على تحقيق أهدافه عسكريًّا، وانعدام جدوى الهدنة. | بقاء الوضع على ما هو عليه.استمرار الحرب، في صورة استهداف للمدنيّين واشتباكات بين العسكريّين. |
يَرى بعض المحللين أن هذا السيناريو قريب من التحقق؛ لأن الوصول إلى اتفاق يحتاج إلى تنازلات من طرفي الصراع، وهو ما يمكن أن يحدث في التفاصيل، وليس في الشروط الرئيسة، الأمر الذي لم يستطع الوسطاء إقناع المقاومة وإسرائيل به. بالإضافة إلى استشعار الطرفين خطورة هذه التنازلات على وضعهما.
سيناريو (4): تأجيل المفاوضات
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
تأجيل التفاوض من أجل الهروب من فشل المفاوضات. | تمسُّك طرفي الصراع بشروطهما.عدم قدرة الوسطاء والقوى الإقليمية والدولية على دفع طرفي الصراع إلى التراجع أو التنازل.قدرة طرفي الصراع على تحمل الضغوط.إدراك طرفي الصراع بأهمية عدم إفشال المفاوضات. | توقف المفاوضات، بشكل مؤقت، دون الإعلان عن فشلها. |
هذا السيناريو هو محاولة للهروب من احتمالية وصول المفاوضات إلى طريق مسدود، لتمسُّك طرفي الصراع بشروطهما لإقرار الهدنة والوصول إلى صفقة تبادل، ورغبتهما في الوقت نفسه في عدم انهيار المفاوضات، والوصول إلى اتفاق يخفف عنهما الضغوط التي يتعرضان لها.
وفي هذا السياق، جاء اقتراح الوسطاء الأمريكيّين والعرب لهدنة قصيرة في قطاع غزة، لكسب الوقت والتفاوض من أجل وقف إطلاق نار أطول[8].
يَرى بعض المحللين أن هذا التأجيل قد يحول دون الوصول إلى هدنة خلال شهر رمضان، وهو ما يعني استمرار الحرب، وحدوث مزيد من القتل والجرائم من جانب إسرائيل.
سيناريو (5): الوصول لحلول وسط
التوصيف | عوامل التحقق | الاستجابة للسيناريو |
الوصول إلى حلول وسط للتغلب على الشروط غير المقبولة من جانب طرفي الصراع. | وصول طرفي الصراع إلى قناعة بأنه لا مجال لفرض طرف شروطه على الآخر.نجاح الضغوط على الطرفين.وصول الطرفين إلى قناعة بأن الوصول إلى حلول وسط فرصة لالتقاط الأنفاس.تعويل الطرفين على المستقبل، وإمكانية تغير الظروف لمصلحة أحدهما. | الوصول إلى اتفاق مرحلي، لا يلزم الطرف الإسرائيلي بمرحلة تالية.وقف العمليات العسكرية خلال المدة المتفق عليها.تمركز القوات الإسرائيلية في أماكن داخل القطاع.تبادل الأسرى وفق الأعداد المتفق عليها. |
يتمثل هذا السيناريو في الالتقاء عند نقطة وسط، لا يصل فيها أحد الطرفين إلى ما يمكن اعتباره انتصارًا حاسمًا في المسار السياسي، وبالتالي انتصارًا في مجمل المواجهة الأخيرة.
وهذا الحل الوسط هو التوافق على مرحلة أولى من الهدنة، تحتوي على وقف للحرب لمدة معينة، تتوقف فيها الحرب، ويتم إعادة تمركز القوات الإسرائيلية في أماكن محددة في قطاع غزة، وتبادل الأسرى وفق أعداد محددة، وإدخال المساعدات. ولا تلتزم إسرائيل في هذا الاتفاق بعدم معاودة الحرب مرة أخرى، وتتحمل المقاومة خطورة هذا الأمر، انتظارًا لمرحلة أخرى، قد تتغير فيها الظروف لمصلحتها.
التقدير
على ضوء ما تقدم من تطورات ومتغيرات، وما استعرضناه من أوراق ضغط وسيناريوهات محتملة للمسار السياسي، يمكن القول إن السيناريو الأخير هو الأقرب للتحقق، بعد مرحلة من التعثر والتأجيل؛ لأنه يُرَحِّل الأزمة إلى مرحلة تالية، ويضمن طول أمد الهدنة، على أمل أن تتغير الظروف المستقبلية، فتعاود إسرائيل الهجوم، أو تجد نفسها عاجزة عن استئناف الحرب مرة أخرى.
فمِن غير المنتظر أن تتخلى إسرائيل عن الفرصة المتاحة لها من أجل التخلص من حماس بالكليَّة، أو إفقاد المقاومة القدرة على تهديدها بشكل دائم، أو شل حركتها لسنوات قادمة، عن طريق القبول بالخروج من قطاع غزة والالتزام بإنهاء الحرب بشكل كامل.
ولهذا فإن الحلول الوسط تمنحها الفرصة من أجل أن ترفض – في حالة ملائمة الظروف المستقبلية – الدخول في مرحلة أخرى من التفاوض، وتستأنف الحرب.
أما المقاومة، فيمكنها في ظِل الوصول إلى اتفاق مرحلي أن تحتفظ ببعض الأسرى لمرحلة جديدة من الهدنة، الأمر الذي يُطيل أمد الهدنة، ويُصعِّب على إسرائيل العودة إلى الحرب، بقوتها الحالية. وقد تتغير الظروف في المستقبل لمصلحة المقاومة، الأمر الذي يجعلها تجبر إسرائيل على إخراج قواتها من قطاع غزة.
وبناءً عليه فإنه يجب على المقاومة أن تتمسَّك بما لديها من أسرى، وألَّا تفرط فيهم دفعة واحدة، وأن تطيل في أمد عملية التبادل إلى أقصى حد ممكن، لتبريد الرغبة في الانتقام لدى إسرائيل، وتقليل إمكانية العودة إلى الحرب، على أمل تغير الظروف لمصلحتها، ورحيل حكومة نتنياهو، ومجيء حكومة أخرى لا تتحرك تحت ضغط المسؤولية عن إخفاق 7 أكتوبر ومخاوف المحاكمة والعقاب وخسارة المستقبل السياسي.
خاتمة
لقد حققت المقاومة في 7 أكتوبر 2023م إنجازًا تاريخيًّا كبيرًا، ومازالت تحقق في ميدان القتال إنجازًا غير مسبوق، بصمودها في حرب غير متكافئة، وقدرتها على إلحاق الخسائر بجيش الاحتلال الإسرائيلي.
ولخطورة هذا الإنجاز على دولة الاحتلال، وعلى القوى الإقليمية المعادية للمقاومة، وعلى القوى الدولية المؤيدة لإسرائيل، صارت المواجهة مع حركة حماس أشد وأصعب من المواجهات السابقة، لمحاصرة الخطر الذي تمثله المقاومة على المشروع الإسرائيلي في المنطقة.
ولهذا فإن العودة إلى وضع ما قبل 7 أكتوبر عن طريق التفاوض أصبح بعيد المنال، في المرحة الحالية على الأقل، لوجود رغبة لدى إسرائيل وحلفائها والمتعاونين معها في القضاء على المقاومة، وعدم تفويت الفرصة الحالية لتحقيق هذا الهدف، مهما كلفهم ذلك، حتى إن إسرائيل تتمادى في القتل والتدمير، رغم أي انتقادات توجَّه لها، وتساعدها أمريكا، بينما مصر تتشدد في محاصرة القطاع، رغم أن ذلك يمس سيادتها، والإمارات والأردن يشاركان في جسر جوي لمساعدة دولة الاحتلال على تجاوز آثار العمليات التي يقوم بها الحوثيون.
المقاومة اليوم أمام مرحلة جديدة في الصراع، تختلف عن المراحل السابقة، حينما كانت العمليات العسكرية أقل ضراوة، وكانت المفاوضات تجري في ظِل سيطرة كاملة لحماس على قطاع غزة. أما الآن فالقوات الإسرائيلية دخل القطاع، والمفاوضات تجري تحت النار، وفي ظِل خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة.
لم يمنع وجود حماس كسلطة حاكمة في القطاع الهجومَ عليها، ولم تمنع قواعد الاشتباك قبل 7 أكتوبر الكيان من مساعيه لتصفية القضية الفلسطينية، والتمدد في الإقليم، عبر التطبيع.
[1] – وكالة الأناضول، الجيش الإسرائيلي يطالب عاجلًا بإضافة 7500 جندي لصفوفه، 1 مارس 2024، الرابط
[2] – سكاي نيوز عربية، موجة استقالات داخل “وحدة مهمة” بالجيش الإسرائيلي، 4 مارس 2024، الرابط
[3] – RT عربي، في ظل القتل والتجويع.. “ميناء بايدن” في غزة يثير مخاوف من تهجير الغزاويين، 9 مارس 2024، الرابط
[4] – Israel Hayom, Security officials seek to arm Palestinians to help secure aid convoys, 08-03-2024, Link
[5] – 124 News، إسرائيل تدرس تعيين رئيس المخابرات في السلطة الفلسطينية لإدارة غزة بعد الحرب، 12 مارس 2024، الرابط
[6]– سكاي نيوز عربية، صحيفة: إسرائيل تدرس تسليح مدنيين في غزة لحماية المساعدات، 9 أبريل 2024، الرابط
[7] – عربي 21، بايدن يرمي الكرة في ملعب حماس والأخيرة ترفض أي تبادل تحت النار، 5 مارس 2024، الرابط
[8] – سكاي نيوز عربية، اقتراح “هدنة قصيرة” في غزة من أجل التفاوض على وقف القتال، 6 مارس 2024، الرابط