مقدمة
تتكون المجتمعات من عدة أجيال متعاقبة، تكون على الأغلب ثلاثة أجيال. والفارق الجوهري بين هذه الأجيال هو الثقافة؛ أي وجود نمط معين من التفكير والقيم والرغبات والطموحات لكل جيل. ونتيجة للطفرة الكبيرة في المتغيرات المعرفية والثقافية لكل جيل، تحدث اختلافات وتظهر فجوة بين الأجيال، وكلما كانت الاختلافات أكثر اتساعًا كلما زادت الفجوة بين الأجيال وتباعدت وجهات النظر بينها.
من الطبيعي تباين الأجيال في المجتمع واختلاف نمط تفكيرها وثقافتها، ولا مشكلة في ذلك. ولكن المشكلة تبدأ إذا حدث الصدام بين تلك الأجيال وتأزمت العلاقة بينها، وبدأ كل جيل في كيل الإتهامات للجيل الآخر. فجيل الشباب يتهم الجيل الأكبر بضيق الأفق وعدم مسايرة العصر وعدم القدرة على تفهم احتياجاتهم واحتوائهم، وجيل الكبار يتهم الشباب بعدم تحمُّل المسئولية والطيش والتهور وعدم الاعتراف بفضل مَن هم أكبر منهم سِنًّا وأكثر منهم خبرة.
ولكن إذا أدرك الأفراد حقيقة حتمية التواجد بين المجموعات المختلفة فسوف نصل إلى مرحلة التعايش بين الأجيال، بعد أن يحاول كل جيل فهم طبيعة الجيل الآخر ومعرفة طريقة التعامل معه، ويتقبل كل منهم الاختلاف في وجهات النظر بصدر رحب. وإذا وصلت المجتمعات إلى تلك المرحلة فحتمًا سوف يؤدي ذلك إلى سيادة روح من الترابط وتبادل الخبرات وزيادة أواصر الترابط المجتمعي.
نحاول في هذه الورقة مناقشة ظاهرة الفجوة الجيلية في مصر، خلال العشر سنوات الأخيرة، من خلال التعرف على مظاهر الفجوة المشار إليها وأسبابها من منظور علماء الاجتماع وعلماء النفس، وتطبيق ذلك على المجتمع المصري كلما أمكن ذلك، لمحاولة استنباط أثر الظاهرة على الأسرة المصرية والمجتمع المصري.
أولًا: مفاهيم نظرية
يعرف الجيل على أنه مجموعة من الأفراد، يجمعهم زمان واحد، ويحملون أفكارًا واهتمامات ومشكلات مشتركة، تمثل نمطًا يختلف عن نمط مَن قبلهم مِن أفراد ذلك المجتمع.
وقد قسم علماء الاجتماع أنواع الأجيال إلى: جيل طفرة المواليد، وجيل إكس، وجيل واي، وجيل زد. ويمكننا الإشارة إلى كل جيل من هذه الأجيال سريعًا، لفهم سياق الحديث.
جيل “طفرة المواليد” (Baby boomers)، يشير إلى الجيل الذي عايش ما بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك فهو يرى أنه جيل أكثر حظًّا من الأجيال التي عانت في الحرب العالمية الأولى والثانية. هذا الجيل يؤمن بأن العمل هو المحدد الأساسي لتقدير الذات وتقييم الآخرين، لذلك فإن العمل لديهم يمثل قيمة عالية جدًّا. ولم يعاصر هذا الجيل أيَّ نوع من التكنولوجيا الحالية.
أما “جيل إكس” (Generation X)، فهو جيل الستينات والسبعينات. وقد شهد هذا الجيل بدايات شبكات التلفاز، والتي لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل وعيه وثقافته، وتشكل لديهم حس أعلى من الاستقلالية عن الجيل الأكبر منه.
“جيل واي” (Generation Y) يمثل جيل الألفية (Millennials)، وهو جيل متميز في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام التكنولوجيا. وهو جيل صاحب قيادة مبتكرة ودافع لتغيير المجتمعات. وهو الجيل الذي ارتبطت به ثورات الربيع العربي.
وأخيرًا، “جيل زد” (Generation Z)، وهو الجيل الذي وُلِد في العقد الأول من الألفية الثالثة. ويتميز هذا الجيل بالشغف الشديد باستخدام التكنولوجيا والبرامج الحديثة. وتعد وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر تأثيرًا في تشكيل ثقافته ونمط تفكيره[1].
أمَّا الفجوة الجيلية فيمكن تعريفها على أنها الصراعات القائمة على التناقضات في الأفكار والقناعات والاختلافات القيمية والسلوكية بين الأجيال، والتي تنعكس بوضوح على التفاعلات الاجتماعية بين أفراد المجتمع بفئاته العمرية المختلفة ذات المصالح المتباينة.
وتزداد تلك الصراعات بزيادة التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمعات. وعادة ما تقف هذه التحولات في صف الجيل الأصغر القادر على التعاطي مع مستجداتها، مما يخلق العديد من السجالات بين الجيل الأكبر والجيل الأصغر ويقلل من ساحات الالتقاء بينهما.
وبهذا يتضح لنا مدى الاختلاف بين أنواع الأجيال في المجتمعات، ومدى الاستقطابات المتوقع حدوثها بين هذه الأجيال نتيجة لتباين خصائصها والصراعات الموجودة بينها.
ثانيًا: مظاهر الفجوة الجيلية
1 – التباين الاجتماعي والثقافي:
شكلت التباينات الاجتماعية في المجتمعات خلافًا متناميًا بين الأجيال، فالأجيال القديمة تسعي للحفاظ على قيمها وموروثاتها من العادات والتقاليد، وجيل الشباب يسعى إلى رسم صورة جديدة للواقع الاجتماعي والثقافي. فالشباب لهم توجهات قيمية مختلفة عن قيم الجيل الأكبر، حيث إن جيل الشباب معروف بطموحاته، واتساع أفقه المعرفي، وتمرده، ورغبته الدائمة في التغيير والتجديد، أما جيل الكبار فهو يميل إلى الحياة الهادئة الكامنة دون أي تغيرات حياتية[2].
شهدت المجتمعات ظواهر حديثة ومتغيرة في السلوكيات والعلاقات وأنماط التفكير، وأسهمت هذه الظواهر في بناء قيم ثقافية جديدة، متعارضة مع الثقافة المعروفة، فحدث الرفض من الكبار لهذه الثقافات الجديدة وتمسكوا بثقافتهم التقليدية، لأن ثقافة كل جيل تعكس الظروف التي عاشها هذا الجيل، فجيل الشباب نشأ في ظل انفتاح اجتماعي واسع، ذي نمط متسارع في التطور والتغيير، في حين أن جيل الكبار نشأ في بيئة منغلقة، تغلب عليها الأيديولوجية الثابتة والنظرة التقليدية للأمور، فحدثت الفجوة والصراع بين الجيلين[3].
ولعل من أبرز التغيرات المجتمعية الحديثة في المجتمع المصري قيام ثورة 25 يناير 2011، التي جعلت من الشباب وحدة اجتماعية مترابطة ثقافيًّا، وتميزت هذه الوحدة بأنها على درجة عالية من التضامن بين أفرادها الذين جمعهم الحلم المشترك بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وحق الشعب في إتخاذ قراره وتحديد مصيره.
وقد أثارت هذه الثورة الكثير من النقاشات والجدالات داخل الأسر المصرية، بين الآباء والأبناء، ووصل الأمر إلى حد حدوث خلافات داخل الأسرة الواحدة، وصلت في بعض الأحيان إلى حد القطيعة، بسبب هذه النقاشات والجدالات.
ولم تكن معارضة الآباء للثورة وقتها حبًّا في نظام مبارك، ولكنها كانت نابعة من خوف أكثرهم على أبنائهم من عواقب الخروج من اعتقال أو تصفية، فكانوا يفضلون السكوت والصبر على الظلم عن الخروج والمطالبة بالحرية وتغيير النظام.
وهكذا أدَّى الاختلاف في نمط التفكير وطريقة الوصول للأهداف إلى حدوث اختلافات اجتماعية بين جيل الشباب وجيل الكبار في المجتمع المصري.
2 – الفجوة التكنولوجية:
شهدت السنوات الأخيرة تطورًا تكنولوجيًّا هائلًا، اتخذ نمطًا شديد التسارع والتغير. وقد أحدث هذا التطور الهائل فارقًا كبيرًا بين الأجيال في جميع المجالات الحياتية التي تعتمد على التكنولوجيا، وتسبب في فروق واضحة بين أفراد المجتمع الواحد في كيفية إدارة نمط حياتهم اليومية، وأحدث فوارق ملموسة في الخبرات والمهارات المكتسبة بين الأجيال.
الواقع أننا نجد اختلافًا كبيرًا فيما نشأت عليه الأجيال المتعاقبة، حيث نشأت الأجيال السابقة على نمط حياة بسيط وفطري لا تهيمن عليه الشبكة العنكبوتية الآنية، وكان الإنترنت لديهم رفاهية، لا يسعى إليه سوى ميسوري الحال والقادرين ماديًّا على تحمل تكلفته الباهظة. أما أجيال اليوم فقد نشأت منذ صغرها على أن الإنترنت من ضروريات الحياة، وأن استخدامه أمر طبيعي جدًا وحتمي في جميع أمورها، ولا تجد أيَّ غرابة في استخدامه الدائم بعكس الأجيال السابقة.
لقد عاصرت الأجيال الحالية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ونشأت في عالم تظهر فيه تقنيات جديدة كل يوم. وهذه التكنولوجيا تتنامى يومًا بعد يوم حتى وصلنا إلى عصر الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وتمكين الأنظمة من التعلم والقدرة على تحليل البيانات وحل المشكلات واتخاذ القرارات في محاكاة مع الجنس البشري. وبهذا أصبحنا أمام جيل عاصر الثورة الرقمية والرقمنة وتحويل المعلومات النظرية إلى تنسيق رقمي يمكن تخزينه ومعالجته ومشاركته بكل سهولة، جيل يعتمد على إنترنت الأشياء وربط كل شيء في الحياة بمستشعرات ذكية وأجهزة تتصل تلقائيًّا بالإنترنت وتقوم بجمع البيانات بدلًا عنه، جيل يستخدم الحوسبة السحابية في تخزين المعلومات عبر الإنترنت ويحميها بالتشفير والأمن السيبراني.
وهكذا يتضح لنا قدر التباين المعرفي التكنولوجي بين الجيلين وسط هذا الكم من عدم تكافؤ الفرص، فكل جيل منهم عاصر سياقات تكنولوجية مختلفة اختلافًا كبيرًا عن الجيل الآخر، في حين أن الجيل الأكبر لا يستطيع مواكبة هذه القفزات التقنية الهائلة والسريعة؛ لأنه لم يتعرض لهذا القدر من التقنيات حينما كان في نفس المرحلة العمرية للأجيال الحالية، الأمر الذي أحدث حالة من عدم التواصل المعرفي والفهم التكنولوجي بين الأجيال.
ثالثًا: أسباب الفجوة الجيلية
1 – التوترات الأسرية:
تعتبر الأسرة هي الركن الدافئ الذي يحتضن الأبناء ويغمرهم بالحب والحنان، وهي العامل الرئيس في تشكيل شخصية الأبناء ونمط تفكيرهم وتزويدهم بالخبرات الحياتية الضرورية لمواجهة المجتمع. فالعلاقة الصحية بين الزوجين لها أثرها البالغ في تحقيق التوازن الأسري والتماسك بين أفراد الأسرة، حيث ينشأ عنها أبناء أسوياء نفسيًّا واجتماعيًّا وسلوكيًّا. أما إذا شابت هذه العلاقة الخلافات الأسرية بين الزوجين فإن المتضرر الأكبر هو الأبناء، وسوف ينعكس ذلك على سلوكياتهم وتصرفاتهم، فتصبح عدائية وانعزالية تجاه الوالدين وتجاه المجتمع ككل.
وغالبًا ما تحدث الصراعات بين الأزواج بسبب الاختلاف في توقعات الزوج والزوجة للمهام المنتظرة من قبل الطرف الثاني والتقصير في واجباته الأسرية. ويحدث هذا بسبب زيادة الأعباء والمسؤوليات الملقاه على عاتق كل منهما، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، فيحدث خلل في الأدوار الاجتماعية المطلوبة من كليهما، ويزداد عمق الصراع بينهما، وتنعدم فرص التواصل بينهما، ويتشتت أفراد الأسرة عن بعضهم البعض[4].
فالأسرة هي نظام متكامل يشمل أدوارًا تبادلية بين أفراده، ويتحدد مستوى نجاح أو إخفاق النظام الأسري في تأدية وظائفه بمدى إدراك كل فرد من أفراد الأسرة لأهمية دوره في أسرته. وإذا تخلى أحد أركان النظام عن وظيفته انحرف النظام عن مساره وعن تحقيق الترابط الأسري والتفاهم والتوافق الفكري بين الزوجين بعضهما البعض وبينهما وبين أبنائهما[5].
ويعتبر الطلاق من أبرز مظاهر التفكك الأسري وعدم الترابط بين أفراده، ويتسبب في هدم وإرباك الكيان الأسري الذي يوفر لأفراده السكن والإستقرار والتوافق بينهم. فالطلاق يؤدي إلى اضطراب العلاقة بين الآباء والأبناء، خاصة إذا استخدم الزوجين الأبناء كأداة وسلاح في وجه الطرف الآخر، مما يُشعِر الأبناء بحالة من التمزق العاطفي بين الوالدين وفقدان الاحترام المتبادل بينهم، وكذلك يسبب لهم حرجًا اجتماعيًا يدفعهم للعزلة والانطواء على أنفسهم[6].
وتشير المؤشرات الإحصائية إلى تزايد معدلات الطلاق في مصر في السنوات الأخيرة، حيث وُجِد أن معدلات الطلاق في مصر عام 2013 كانت حوالي 1.9 حالة طلاق لكل ألف نسمة من السكان، بإجمالي 162.6 حالة خلال العام، ارتفعت إلى 2.6 حالة طلاق لكل ألف نسمة من السكان عام 2022، بإجمالي 269.8 حالة خلال العام، وذلك حسب البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
جدير بالذكر أنه توجد فروق نسبية في الطلاق في كل من الريف والحضر، حيث نجد أن 57.9 بالمئة من حالات الطلاق عام 2022 كانت بالحضر، وحوالي 42.1 بالمئة من حالات الطلاق كانت بالريف. وبالنظر إلى طبيعة الأسرة في الريف والحضر، نجد أن غالب الأسر في الريف هي أسر ممتدة، بينما غالبية الأسر في الحضر هي أسر نووية تقتصر على الأب والأم والأبناء فقط، فالأسر الممتدة تشمل الجد والجدة والأعمام وأبناء العمومة، أي أنها تحوي الكثير من التفاعلات الاجتماعية لأكثر من جيل، مما يجعلها أكثر مرونة، ويوفر مزيدًا من التفاهم بين أفرادها، بغض النظر عن الخلافات التي قد تحدث نتيجة لاختراق خصوصية الأفراد فيها. لذلك يمكننا القول إن الأسر الريفية تتمتع باستقرار أسري أكثر من بديلتها في الحضر، وتكون أبعد عما يسمى بالفجوة الجيلية[7].
2 – الغلاء المعيشي:
تدنت الأحوال الإقتصادية في مصر كثيرًا خلال العشر سنوات الأخيرة، ولا يكاد يوجد بيت مصري إلَّا وقد تأثر بتلك الأزمة، حيث تحملت الأسرة المصرية تبعات القرارات الاقتصادية المتخذة من قبل النظام الحاكم، وكان أبرزها ارتفاع معدلات التضخم في مصر، من 9.5 بالمئة عام 2013 إلى 33.9 بالمئة عام 2023م[8].
أصبح الغلاء في مصر يشكل عبئًا ثقيلًا على عائل الأسرة، وأصبح همه الأكبر هو الركض وراء لقمة العيش وتأمين احتياجات أسرته من مأكل ومشرب ومأوى وتعليم وصحة وغيره ذلك من ضروريات الحياة. وفي ظل الإرتفاع المبالغ فيه والمستمر لأسعار السلع والخدمات، قد يكون الأب مرغمًا على قضاء وقت أطول في عمله، وربما العمل بوظيفتين لتلبية احتياجات أسرته.
هذا الغلاء يتسبب في انشغال الأب بالعمل على حساب دوره في مشاركة أبنائه أبسط مواقفهم الحياتية اليومية، مما يخلق حالة من عدم الانسجام والشعور بالغربة والوحشة بينهم، وتصبح العلاقة بين الأب وأبنائه علاقة مادية بحتة، تفتقر إلى جانب الحب والعطف والاحتواء. ذلك الاتصال الضعيف بين الأب وأبنائه يزيد من سوء التفاهم بينهم، ويؤدي إلى تباعد الأفكار والمشاعر، فتُهدَم جسور التواصل الفعال بينهم، الأمر الذي يوسع الفجوة بينهم.
3 – الأم المعيلة للأسرة:
ظاهرة الأم المعيلة هي ظاهرة اجتماعية ناتجة عن عدم تحمل رب الأسرة مسؤولية باقي أفراد الأسرة، لعدة أسباب، منها: الوفاة، أو المرض، أو الطلاق، أو الهجر، أو السجن، أو البطالة، فتضطر المرأة لتحمل مسؤولية الإنفاق على أسرتها، سواء كان الإنفاق كليًّا أو بتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية، وذلك جنبًا إلى جنب مع دورها الأساسي في تربية الأبناء وتأدية واجباتها المنزلية[9].
وتعاني الأم المعيلة من عدة مشكلات اجتماعية ونفسية بالطبع إلى جانب المشكلات الاقتصادية، وتتسبب هذه المشكلات في التأثير على أدائها الاجتماعي داخل الأسرة، سواء كان ذلك بينها وبين أبنائها أو بينها وبين زوجها، نتيجة لازدواجية دورها الوظيفي في الأسرة.
ومن أهم المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها المرأة المعيلة التفكك الأسري وانحراف الأبناء. فنتيجة لتخلي الأب عن دوره في قيادة الأسرة وتحمل أعبائها، فإن الأم تتحمل ضغوطًا إضافية لسد الخلل في أسرتها، وهذا قد يؤثر على الحقوق الطبيعية للأبناء، ويُوَلِّد فراغًا عاطفيًّا لديهم، ويُحدِث فجوة بينهم[10].
إن هذه الظاهرة تتسبب في اختلاف الأدوار والمسؤوليات في الأسرة وخروجها عن المألوف، ويعتبر هذا النموذج انحرافًا عن الوضع المثالي المعروف للأسرة، ويُعتبَر انتهاكًا واضحًا لحق الأبناء في العيش في بيئة أسرية صحية، بالإضافة إلى التأثير السلبي على نفسية الأم والأبناء وشعورهم بالإغتراب المجتمعي وفقدان الذات[11].
وقد وثقت الإحصاءات الرسمية وجود نحو 12 مليون امرأة معيلة في مصر عام 2023، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء[12]. وبالرغم من ذلك نجد أن الاهتمام بملف الأم المعيلة في مصر ضئيل جدًّا، ولا يتناسب مع حجم الظاهرة في المجتمع، مما يهدد سلامة واستقرار التكوين الأسري في مصر.
4 – التنشئة الاجتماعية الخاطئة:
تلعب التنشئة الاجتماعية دورًا محوريًّا في تشكيل شخصية الفرد وتوضيح معالم هويته وتحديد وضعه الاجتماعي في المجتمع. والأصل أن الأسرة هي صاحبة الدور الأول والأهم في نقل الموروثات الثقافية والاجتماعية لأفرادها؛ فمِن خلالها يكتسب الفرد الناشئ قيم المجتمع وعاداته، وتُشبَع حاجاته النفسية والاجتماعية، ويتم دمجه اجتماعيًّا كفرد فعَّال في بناء المجتمع.
يتحقق كل ذلك إن تمَّت عملية التنشئة بطريقة سليمة؛ فالأساليب السوية في عملية التنشئة تعمل على ضخ شخصيات متوازنة في المجتمع، أمَّا الأساليب غير السوية فإنها تبرز لنا شخصيات انسحابية غير قادرة على المواجهة.
إن اتباع أساليب التربية السليمة، القائمة على تعزيز الحوار الديمقراطي والعقلاني بين الآباء والأبناء وتقبل الرأي الآخر واللين في المعاملة، مِن شأنه تحسين عمليات التواصل الاجتماعي والتوافق النفسي بينهم، وتضييق مساحة الفجوة التي تفصل كل طرف عن الآخر، وهو ما يزيد من مستويات الاستقرار الأسري ويحقق الأمان المتبادل بينهم، فيكون هناك توازن في علاقاتهم مع أفراد المجتمع الذي يعيشون فيه بكل ما يحوي من فروقات جيلية.
أمَّا الأساليب القائمة على الإهمال والتسلط وفرض الرأي والقسوة فلا تنتج إلَّا شيوع التوتر والصراع داخل الأسرة. وفي المقابل يُعتبَر الدلال الزائد والحماية المفرطة أيضًا من أساليب التنشئة الخاطئة؛ لأن هذا الأسلوب له انعكاسات سلبية على شخصية الابن، فقد أوضحت الدراسات أن الأبناء الذين يُمَارَس معهم أسلوب الحماية الزائدة لا يكون لديهم الاستعداد للتعامل مع الحياة والمجتمع، فهم يعيشون داخل فقاعة لم يتعودوا الخروج منها، وبالتالي ليس لديهم أي مهارات للتواصل مع الغير، وهو ما يُسبّب غربة للأبناء مع مجتمعهم الخارجي[13].
ونرى أيضًا أنه يمكن أن يسير الأمر في جهة معاكسة من ناحية الأبناء؛ فزيادة متابعة الأبناء بشكل مبالغ فيه بدعوى الحماية من مخاطر الحياة يمكن أن يُحدِث غُربة بين الآباء والأبناء أنفسهم، حيث يضجر الأبناء من التحكم الزائد في حياتهم الشخصية، ويتطلعون إلى الاستقلالية والفردية بعيدًا عن آبائهم، فتحدث فجوة كبيرة بينهم.
وقد وجدنا أن الدراسات تسير في اتجاهين مختلفين بالنسبة لعملية التنشئة الاجتماعية في البلدان العربية عامةً، ومنها مصر: أولهما اتجاه يرى أن الأسرة العربية تعتمد في بنيانها على التسلط وممارسة القوة ضد أفرادها، وعدم قابلية الحوار، وسيادة التحيز والتفرقة بين الأبناء حسب الجنس وحسب الترتيب داخل الأسرة، الأمر الذي يتسبب في شيوع التوتر والصراع بين أفراد الأسرة جميعًا، آباء وأبناء، وبين الأبناء بعضهم البعض. ويرى الاتجاه الثاني أن المجتمع العربي قد شهد تحولات اجتماعية كثيرة ومتسارعة خلال السنوات الأخيرة أدت إلى تغيرات كبيرة في وظائف الأسرة وأنماط التنشئة التي تنتجها، فتقلصت وظائف الأسرة العربية التربوية وانسحبت تدريجيًّا، وحلت محلها مؤسسات اجتماعية خارجية، مما أحدث إعادة ترتيب موازين السلطة داخلها.
الحقيقة أن كلا الاتجاهين يبرزان خللًا كبيرًا في عملية التنشئة الاجتماعية في المجتمع العربي، فلا ممارسة التسلط والعنف داخل الأسرة صحيح تربويًّا، ولا الانسحاب من عملية التربية الاجتماعية صحيح أيضًا. ولهذا يجب التعقل في تربية النشء ووضع الأمور في نصابها الصحيح واتباع أسلوب التوجية والإرشاد المُقَنَّن، بعيدًا عن التسلط وفرض الرأي بالقوة والعنف.
5 – الفروق العمرية بين الآباء والأبناء:
الفروق العمرية بين جيل الآباء وجيل الأبناء كفيلة بإحداث الكثير من التباينات بينهم في السلوكيات وطرق التفكير وبناء الثقافات؛ فكل جيل له سماته المميزة لعمره. وقد أشارت بعض الدراسات إلى أنه كلما زاد الفارق الزمني كلما اتسعت وزادت حدة الفجوة وضاقت مساحة الالتقاء الفكري بينهم؛ فالتقدُّم في العمر يؤدي إلى اختلاف نظرة كل منهم للأشياء، فالجيل الكبير يحبذ دراسة عواقب الأمور والتأني في اتخاذ القرارات، أمَّا الشباب فيغلب عليهم الحماس والاندفاع والسرعة في اتخاذ القرارات.
إن قِلَّة الفارق العمري بين الآباء والأبناء من شأنها أن تقرب المسافات ووجهات النظر بينهم، وأن تمنح الآباء القدرة على إدارة الحوار والنقاش مع أبنائهم، وهو ما يمكنهم من امتلاك حلقات وصل مشتركة وقنوات اتصال متبادلة. كما أن ذلك يجعلهم أكثر قدرة على تكوين صداقات بينهم وبين أبنائهم، ويُمكِّنهم من فهم حاجات أبنائهم النفسية والاجتماعية. كما أن قِلَّة الفارق العمري لها أثرها الكبير في تقليل التباينات التكنولوجية بين الآباء والأبناء، وهو ما يُسهِّل على الآباء مواكبة التطور التقني السريع الذي عاصره أبناؤهم.
رابعًا: أثر الفجوة الجيلية على الأسرة والمجتمع
1 – تسويق الانحدار القيمي الإلكتروني:
على الرغم من تحقق العديد من إيجابيات النقلة التكنولوجية الكبيرة في المجتمعات، وتحقق الكثير من التسهيلات الحياتية التي استحدثت من أجلها هذه التكنولوجيا، إلَّا أنها أثرت سلبًا على منظومة القيم الأخلاقية في المجتمعات العربية؛ فقد جلبت أفكارًا وثقافات دخيلة، عصفت بالتكوين المجتمعي والأخلاقي، وأدَّت إلى انتشار التفاهات والانحلال القيمي. ومِن ثم اختفت قيم المجتمع الإسلامي، مثل الحب والتسامح والتراحم واحترام الكبير والإيثار والخصوصية وتقديس الحياة الأسرية، وظهرت مكانها قيم أخرى، مثل البغض ونكران الجميل والجحود وحب الذات والأنانية والسعي وراء المال حتى ولو بطرق غير مشروعة.
وترجع الآثار السلبية للتكنولوجيا على مجتمعاتنا إلى الاستخدام المتنامي واللا محدود لها والاطلاع على العالم الغربي غير المسلم وثقافته المختلفة عن ثقافتنا، وصعوبة الرقابة على الشباب عند تعاطيهم مع هذه الأفكار، وعدم قدرة هؤلاء الشباب على انتقاء القيم التي تتناسب مع مجتمعاتنا وقيمنا وتقاليدنا الصحيحة، والانجذاب نحو تبني القيم المستوردة من البيئات الأخرى.
وتشكل تطبيقات الإنترنت العديدة ساحة خصبة لانتشار الكثير من الثقافات المختلفة والانصهار فيما بينها، وتستحوذ مواقع التواصل الاجتماعي على تفكير فئة الشباب، وترسم لهم نمط حياتهم وسلوكياتهم اليومية[14].
وقد تمَّ رصد أكثر مواقع التواصل الاجتماعي استخدامًا في مصر، وجمع بيانات عدد المستخدمين لها من الذكور والإناث[15]، وهي كالتالي:
نسبة المستخدمين الإناث | نسبة المستخدمين الذكور | عدد المستخدمين الإجمالي (مليون) | |
38.6% | 61.4% | 45.4 | فيسبوك |
38.3% | 61.7% | 32.94 | تيك توك |
38.9% | 61.1% | 44.7 | يوتيوب |
47.1% | 52.9% | 18.1 | إنستجرام |
ويمكننا إلقاء نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي هذه، وتحليل بيانات استخدامها في مصر، فيما يلي:
- منصة فيسبوك:
يُعد فيسبوك أشهر موقع للتواصل الاجتماعي في العالم؛ فهو صاحب أكبر عدد مستخدمين بين مواقع التواصل الاجتماعي، وقد بلغ عدد مستخدميه في مصر في بداية عام 2024 حوالي 45.4 مليون مستخدم، 61.4 بالمئة منهم من الذكور، 38.6 بالمئة من الإناث. وقد احتلت مصر المرتبة التاسعة عالميًّا فى معدل الدخول على موقع فيسبوك[16].
وعادة ما يتم استخدام فيسبوك للتواصل مع الأصدقاء والأقارب. وبالرغم من أن فيسبوك كان له دور كبير في ثورة 25 يناير، إلَّا أنه قد أثر بالسلب على المجتمع، فهو بيئة خصبة لترويج الشائعات والأخبار الكاذبة والمغرضة، ويُنمِّي الاتجاه نحو الأنانية وحب الذات والميل نحو النرجسية وتضخم مفهوم الذات. كما أنه يحوي العديد من الحسابات المستعارة، مما يسبب حالة من عدم المصداقية وفقدان الثقة في الآخرين، وقد يكون منفذًا لبعض الأمور المحظورة اجتماعيًّا، والتي تتنافى مع قيم مجتمعنا.
- منصة يوتيوب:
يُعتبَر يوتيوب منصة الفيديو الأشهر والأكثر استخدامًا في جميع أنحاء العالم، ويتميز هذا التطبيق بتنوع المحتوى المتاح، حيث يمكن للمستخدمين مشاهدة الفيديوهات المفضلة لديهم. وقد بلغ عدد مستخدمي يوتيوب في مصر حوالي 44.7 مليون مستخدم، في بداية عام 2024م، 61.1 بالمئة منهم من الذكور، 38.9 بالمئة من الإناث.
وقد انتشرت في مصر الكثير من صفحات اللا محتوى على اليوتيوب، والتي تسعى لزيادة أعداد المشاهدة وزيادة أرباح الإعلانات وحسب. ويمكن أن تعرض هذه الصفحات أفكارًا شاذة عن طبيعة المجتمع المصري وعاداته وتقاليده. وهذه القنوات تحقق الملايين من المشاهدات، وتدر دخلًا كبيرًا شهريًّا. وقد سعي الشباب إلى تقليدها لتحقيق هذا الكم من الأرباح، ما أدَّى إلى انتشار الظاهرة أكثر، وخلق حالة من انخفاض الطموح لدى الشباب المصري، بسبب الرغبة في الثراء السريع دون تعب، بعكس الجيل الأكبر، الذي يقدر قيمة العمل ويشعر بأهميته في تكوين مكانة اجتماعية كبيرة.
- منصة إنستجرام:
جذب إنستجرام جمهورًا له طبيعة خاصَّة، وذلك بفضل التركيز على المحتوى المرئي والصور. ويستخدم الشباب إنستجرام لمشاركة صورهم، ولمتابعة حسابات المشاهير. وقد بلغ عدد مستخدمي إنستجرام في مصر حوالي 18.15 مليون مستخدم في بداية عام 2024م (52.9 بالمئة منهم من الذكور، 47.1 بالمئة من الإناث).
أصبح تطبيق إنستجرام ساحة للتباهي المجتمعي والسعي لتقديم الصورة المثالية للحياة المرفهة. وحقيقة الأمر أن الحياة لا تكون بهذه السعادة والنقاوة والصفاء وراحة البال في الواقع، وإنما هذه هي الصورة التي يصدرها التطبيق لجمهوره. ويُحدِث هذا حالة من عدم الرضا والقناعة لدى الشباب، وربما يصيبه بالاكتئاب لحظة عجزه عن الوصول لهذه الدرجة من الرفاهية المصطنعة.
- منصة تيك توك:
تيك توك هو تطبيق وسائط اجتماعية لمشاركة الفيديو، يتيح للمستخدمين إنشاء ومشاركة مقاطع فيديو قصيرة، ويوفر العديد من المؤثرات البصرية والصوتية وتركيب الصورة على الصوت الأصلي للمقاطع، وتتميز المنصة بسهولة استخدامها، الأمر الذي كان له دور كبير في سرعة انتشارها بين الجمهور، فأصبح تيك توك هو التطبيق الأكثر شعبية في العالم.
وقد لاقى تيك توك إقبالًا كبيرًا من جيل الألفية، وجيل زد، حيث إن غالبية منشئي المحتوى على المنصة من الشباب، فوصلت نسبة المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا إلى 36 بالمئة من إجمالي قاعدة المستخدمين (19 بالمئة من الذكور + 18 بالمئة من الإناث)، ووصلت نسبة المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا إلى 32.6 بالمئة (17.6 بالمئة من الذكور + 15 بالمئة من الإناث).
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكثر الدول استخدامًا لتطبيق تيك توك على مستوى العالم، حيث إن عدد المستخدمين فيها في يناير 2024م وَصَل إلى 148.92 مليون مستخدم[17].
وحلت مصر في المركز الثاني في ترتيب الدول العربية الأكثر استخدامًا لتيك توك بعد السعودية، والمركز الثالث عشر عالميًّا، حيث وَصَل عدد المستخدمين في مصر إلى 32.94 مليون مستخدم في يناير2024م (61.7 بالمئة منهم من الذكور، 38.3 بالمئة من الإناث).
ولتطبيق تيك توك الضرر الأكبر على الشباب في مصر، حيث إن العديد من المتخصصين النفسيّين قد أكدوا أن التطبيق قد أثر على الصحة العقلية للشباب، وأنه يصيبهم بمرض الانفصام في الشخصية، بالإضافة إلى نشر التطبيق لمحتويات تحث على الانحلال الأخلاقي، وتحث الشباب على نشر فيديوهات غير لائقة أخلاقيًّا في سبيل عمل “تريند” والحصول على دعم مالي من الجمهور، وقد شهدنا وقوع فتيات في هذه الشبهات وتمَّ حبسهم والحكم عليهم بالسجن والغرامة.
2 – زيادة التطلعات الاستهلاكية للشباب:
اتجهت الشركات المسوقة للمنتجات لاستهداف شرائح المستهلكين لديها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة لزيادة أعداد مستخدمي الإنترنت حول العالم. وبما أن معظم جمهور وسائل التواصل الاجتماعي من الشباب فإن هذه الفئة العمرية هي أكثر الشرائح المستهدفة لتسويق المنتجات الاستهلاكية. كما طورت الشركات من قدراتها التسويقية والإعلانية لجذب المزيد من المستهلكين ولفت أنظارهم، ورفعت حجم إنفاقها الإعلاني المُوجَّه لفئة الشباب. وتقوم الشركات المسوقة بالتعاقد مع أصحاب القنوات على وسائل التواصل الاجتماعي لعرض منتجاتها وإقناع الجمهور بها.
والواقع أن الشباب يتأثرون بأصحاب هذه القنوات وبنمط حياتهم والمحتوى الذي يقدمونه، خاصَّة الجانب المادي في هذه الحياة، مما يعزز من روح الاستهلاك وإعلاء قيم المادية وانتشار ثقافة الاستهلاك بين فئة الشباب.
أثبتت العديد من الدراسات وجود علاقة طردية بين الاتجاه نحو الإعلان والمادية لدى الأفراد، فكلما زاد التعرض لإعلانات المؤثرين الخاصَّة بالمنتجات الاستهلاكية والعلامات التجارية كلما زادت رغبة الفرد في اقتناء هذه المنتجات؛ فالإعلانات تؤثر على السلوك الشرائي للمستهلكين وتزيد رغبتهم في شراء المنتجات[18].
الشيء المثير للجدل هو أنه أصبح هناك اتجاه عام لدى الأفراد بأن حيازة العلامات التجارية له دلالة على المستوى الاجتماعي لهم، فالعلامات التجارية العالمية باهظة الثمن دليل على علو المكانة الاجتماعية للأفراد. وبهذا أصبحت رمزية ودلالة السلع أهم من جودتها، وتحوَّل الاستهلاك من مجرد وسيلة لإشباع الحاجات الإنسانية إلى هدف في حد ذاته، فصار هناك فهم خاطئ في المعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع، وخلل واضح في المعاملات الإنسانية المتبادلة بين الأفراد[19].
وتطبيقًا على الحالة المصرية، فقد تمَّ جمع بيانات الوصول الإعلاني لمنصات التواصل الاجتماعي الأكثر استخدامًا في مصر في يناير 2024م[20]، وكانت كالآتي:
التغير في نسبة الوصول الإعلاني | نسبة الوصول الإعلاني (% من إجمالي عدد السكان) | |
+8.1% | 40% | فيسبوك |
+38.8% | 46.7% | تيك توك |
-2.6% | 39.4% | يوتيوب |
+18.2% | 16% | انستجرام |
ويتضح من البيانات السابقة ما يلي:
- نصيب تطبيق تيك توك من الوصول الإعلاني للجمهور هو الأكبر، حيث بلغ 46.7 بالمئة من إجمالي عدد السكان، يليه تطبيق فيسبوك بنسبة 40 بالمئة، يليه يوتيوب بنسبة 39.4 بالمئة، وأخيرًا إنستجرام بنسبة 16 بالمئة.
- الزيادة في الوصول الإعلاني لـ”تيك توك” كانت الأكبر بين بقية المنصات، حيث زاد بنسبة 38.8 بالمئة عن يناير 2023. ويدل ذلك على الجهود المبذولة من إدارة تيك توك للتسويق الإعلاني لشركات المنتجين، وأهمية المنصة بالنسبة لهم في زيادة عدد جمهورهم وتعظيم أرباحهم.
- بالرغم من أن “فيسبوك” حاز على نسبة كبيرة في الوصول الإعلاني، إلَّا أنه صاحب أقل زيادة فيه بالنسبة لعام 2023، إذ بلغت نسبة التغير 8.1 بالمئة فقط.
- وفي المقابل، تعد نسبة الوصول الإعلاني لـ”إنستجرام” هي الأقل بين المنصات المختلفة، إلَّا أن نسبة الزيادة في هذا التطبيق عن عام 2023، والتي بلغت 18.2 بالمئة، هي نسبة كبيرة نسبيًا بالقياس إلى قِلَّة عدد المستخدمين الإجمالي للتطبيق عن باقي التطبيقات، ويدل ذلك على مدى توسع إنستجرام في الوصول للجمهور عامًا بعد عام.
- وأخيرًا، فإن الوصول الإعلاني لـ”يوتيوب” قد تناقص بنسبة 2.6 بالمئة عن عام 2023، وقد يدل ذلك عن تسرب الجمهور قليلًا من منصة يوتيوب إلى منصات أخرى.
وبذلك يمكننا القول بأن منصة تيك توك هي الأكثر تأثيرًا على الجمهور المصري في سلوكه الاستهلاكي، وإعلاء قيمة المادية في شخصيته، ورغبته في اقتناء المنتجات المعروضة عليه بغض النظر عن إتمام عملية الشراء أم لا.
3 – الأثر السلبي على الصحة العقلية والنفسية:
الحال في معظم الأسر المصرية هو أن الأب ليست لديه الفرصة المناسبة لقضاء الوقت الكافي مع أبنائه من أجل تبادل الأفكار والمواقف والمشاعر، ولا يستطيع إقامة علاقات ودية معهم، تنتج عنها مواقف يمكن للأبناء استعادتها وتذكرها فيما بعد. وهذا مؤشر خطر يهدد العلاقة بين الأب وأبنائه، ويُحدِث فجوة بينهم، ويتسبب في إحداث خلل في وظيفة كلا الوالدين تجاه أبنائهم. فالوالدان هما المنوطان بتوفير المناخ العائلي الصحي في الأسرة، وهما الأساس في توفير المناخ العاطفي الواجب تحقيقه داخلها، وإلَّا فإن الأبناء سوف يبحثون عن هذا المناخ خارج إطار الأسرة، وهو ما سوف يُضعِف التواصل بين أفرادها.
وقد أكدت الكثير من الدراسات على تعرُّض الشباب لظاهرة الاغتراب الاجتماعي والنفسي، والتي تنتج عن افتقاد الأمن وضعف الروابط الاجتماعية مع الآخرين والشعور بالوحدة والقلق والخوف، حيث يشعر الشباب بأنه ضحية لصراعات المجتمع التي لا دخل له فيها، بالإضافة إلى عدم قدرته على ضبط الأحداث وشعوره بالعجز وفقدان السيطرة على الأمور، الأمر الذي يُفقِده الثقة في نفسه ويُشعِره بعدم الفاعلية في الحياة، ويدفعه إلى الانفصال عن ذاته، فتبرز لديه قيم السلبية، ورفض العادات والتقاليد المجتمعية السائدة، وعدم الانتماء للمجتمع والانسحاب منه، مما يُحدِث هُوَّة كبيرة في المجتمع.
وبرزت أيضًا ظاهرة جديدة في المجتمع، أثرت على الصحة العقلية للشباب، وربما تجاوزت تأثيرها على الشباب إلى الجيل الأكبر منهم، وهي ظاهرة الألعاب الإلكترونية، أمثال “بابجي” و”الحوت الأزرق”، حيث أثرت هذه الألعاب بالسلب على تماسك الأسرة وهددت استقرارها، بعد أن تسببت في عزلة اجتماعية شديدة للشباب الذين استغنوا بها عن التواصل المباشر مع المجتمع، ووَصَل تعلقهم بها إلى حد الإدمان. وربما تسببت هذه الألعاب في جرائم قتل وانتحار بسبب الرهانات التي يقوم بها اللاعبون داخلها[21].
وعلى الصعيد الآخر، يعاني كبار السن أيضًا من مشكلات نفسية واجتماعية تتسبب فيها عدة عوامل اجتماعية ونفسية وبيولوجية، منها الشعور بالعزلة الاجتماعية نتيجة عدم القدرة على مسايرة التطور المجتمعي المتنامي، وعدم التوافق مع الأجيال الأخرى الأصغر سِنًّا، والشعور بالوحدة نتيجة انشغال الأفراد من حولهم بحياتهم الخاصَّة والمختلفة اختلافًا كبيرًا عن حياتهم، وعدم الشعور بالراحة بينهم، بالإضافة إلى ضعف حالتهم الصحية في أغلب الأحيان وإضطرارهم للاعتماد على غيرهم في تلبية احتياجاتهم[22].
كما أشارت الدراسات إلى أنه يمكن أن يُعاني كبار السن في بعض الأسر من التعرض للإساءة الاجتماعية، وسوء معاملة أبنائهم لهم، وإهمالهم صحيًّا ونفسيًّا، فيتولد لديهم شعور بعدم الاحترام والتقدير من الآخرين داخل الأسرة[23].
ونتيجة للأثر السلبي على الصحة العقلية للأفراد، فقد انتشرت حالات القلق والاكتئاب كثيرًا، وزادت أعداد حالات الانتحار في المجتمعات. وقد صرحت منظمة الصحة العالمية بأن الانتحار هو السبب الرئيس الرابع للوفاة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عامًا[24].
وقد نشرت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان تقريرًا رصدت فيه حالات الانتحار في مصر خلال ستة أشهر، من أكتوبر 2022 وحتى مارس 2023، قالت فيه إن هذه الحالات بلغت 147 حالة[25].
ووفقًا لإحصائية صادرة عن مكتب النائب العام، فقد شهدت مصر 2584 حالة انتحار خلال عام 2021م[26].
4 – غياب الوعي الديني عند معظم الشباب:
تمتلئ الحياة بالكثير من المعاملات البشرية، وتتداخل فيها المصالح، ولا تنتظم تلك المعاملات والمصالح إلَّا بالأديان السماوية، لأن الدين يعتبر من أهم آليَّات تنظيم المجتمعات واستقرار بنيتها وتحقيق التماسك الاجتماعي فيها. فالدين يقدم للإنسانية قيمها ومبادئ التعايش فيها، ويعزز التكامل بين الأفراد، وينظم تقاطع المنافع لديهم داخل إطار شرعي لا يحيد عنه على مر الأزمان. وإذا كانت المجتمعات في أَمَس الحاجة إلى تحقيق السلم الاجتماعي وتحقيق التعايش بين فئاتها المتباينة، فإنذلك لا يتأتى إلَّا من خلال الوعي الصحيح بالدين وتقبل ثقافة الاختلاف.
يُعد الوعي الديني أحد أشكال الوعي الاجتماعي الذي يحث الفرد على إدراك أهمية العقائد الدينية ومعرفة أحكامها والفهم الصحيح لنصوصها وتطبيقها في معاملاته الإنسانية، والفهم الصحيح لدلالات النصوص وربطها بالسياق الزماني والمكاني، مع مراعاة التغيرات التي قد تطرأ على المجتمع واستخدام الأدلة والبراهين العلمية في فهمها[27].
ويكون الوعي الديني نتاج للتنشئة الصحيحة الداخلية في الأسرة والخارجية في المجتمع، والغالب أن الأسرة تسعى لتشبع أفرادها بتعاليم دينها والالتزام بشرعه، أما المجتمعات فليست بالضرورة ترسخ مبادئ الدين وتسعى لتطبيقها، فهناك مجتمعات تشكل الوعي الديني وهناك أخرى تعمل على تزييف وعي أفرادها وتخرب عليهم عقولهم، حيث إن تكوين المعتقدات والقناعات الإيمانية لدى أفرادها ليس من مصلحتها؛ فالدين يدعو إلى المساواة والعدالة الاجتماعية والنزاهة وتزكية النفس وتحريم الربا وإعلاء قيمة المصلحة العامة على المصلحة الخاصَّة، الأمر الذي يتعارض مع بقاء الأنظمة القائمة في معظم المجتمعات ويهدد ديمومتها، تلك المجتمعات القائمة على تركز السلطة والاستبداد والرشوة والمحسوبية والسرقة والابتزاز واحتكار الثروات.
والحقيقة هي أن المجتمعات العربية أصبحت من ضمن المجتمعات الفاسدة المغيبة لعقول أبنائها والمهدرة لطاقاتهم الإصلاحية، حيث انتشرت فيها المرجعيات الهدامة، وابتعدت عن المناهج العلمية الصحيحة في فهم النصوص الدينية، وزاد فيها الميل إلى هوى النفس في تفسير القرآن وفهم السنة والتشكيك فيهما، وكَثُرَ فيها علماء السلطان الذين لا يدخرون جهدًا في حماية ومساندة الأنظمة الفاسدة تحت عباءة الدين وعدم جواز الخروج على الحاكم.
ولا نغفل أيضًا عن دور الإعلام الموالي لبعض الأنظمة في تزييف الحقائق، وتجهيل أفراد المجتمع وتغيير ثوابته، حيث تسيطر عليه السلطة وتوجهه نحو أهدافها غير الشرعية بأساليبها الملتوية، طبقًا لخطة ممنهجة تستهدف إخضاع الشعوب وإشعال نار الفتنة بين الطوائف الدينية المكونة للبناء المجتمعي في الدول.
وبالقياس على الحالة المصرية، نجد غياب الوعي الديني بين أفراد الشعب، وخاصَّة بين الشباب، حتى وإن بدت عليهم سمات التدين. ونجد التشويه المتعمد لتعاليم الدين الإسلامي مِن قِبَل الإعلاميّين الموالين للنظام الحاكم، وأيضًا مِن قِبَل مَن يسمون أنفسهم بالدعاه الجدد. ونجد الانسلاخ من الدين والابتعاد عن مقاصده، والتجاوب مع القوى المعادية للدين، والاتجاهات المتعارضة معه، مثل الأفكار الإلحادية والانتحارية.
ولعل من أهم أسباب نفور الشباب من الدين هو نمطية طرق مناقشة العلماء للقضايا الدينية، وعدم الاهتمام بمناقشة قضاياهم وهمومهم، فلا يجد الشباب المصري مرادهم إلَّا عند الدعاة المميعين للدين والمتساهلين في تطبيق شرعه، أولئك الدعاة الذين تمَّ وضعهم في صدارة المشهد، وتمَّ توصيفهم بالمجددين في الخطاب الديني، لتمرير مخططاتهم المريبة في تضييع جيل الشباب وتظليم أفكارهم.
ولا يمكن أن نتجاهل أيضًا حدوث زعزعة في ثقة الشباب المصري في قدواتهم الدينية، إثر إفشال مشروعهم بإنقلاب يوليو 2013، وتراجع دور الجماعات ذات المرجعية الدينية في المجتمع المصري، بعد أن صار أفرادها ما بين شهيد ومعتقل ومطارد ومهاجر، فصار الشباب يجدون كل ما سعوا إليه وضحوا من أجله وقد ضاع، الأمر الذي يجعلهم يتنصلون من كل ما هو ديني، رغبة في الهروب من ماضيهم المؤلم.
كذلك يتبع النظام المصري أسلوب الترهيب من الدين، ويحارب التمسُّك بتعاليمه تحت مظلة محاربة الإرهاب، ويضيق الخناق على أي تجمع حول رمز من الرموز أو كيان من الكيانات بحجة أنه تجمع يهدف إلى زعزعة الأمن والسلم وإسقاط الدولة. وفي سبيل ذلك أغلقت معاهد إعداد الدعاة، وجمدت مراكز تعليم القرآن الكريم وتحفيظه، والتي كانت مقصدًا لغير الدارسين بالأزهر من طلبة العلم الشرعي والعمل الدعوي[28].
لقد عمل النظام على تمييع هوية الشباب المصري وإبعاده عن الرموز الإسلامية في مصر وعن كل ما يصطبغ بصبغة دينية، وحارب الإسلام السياسي والهوية الإسلامية، ومهد المجال للسخرية من مفهوم الخلافة، والتشكيك في التراث الإسلامي وكتب الحديث، مثل صحيح البخاري ومسلم، وأتاح الفرصة لجماعات القرآنيين المعادين للسنة النبوية من أجل ترويج أفكارها[29].
وقاد رأس النظام في مصر حملة التشوية المتعمدة ضد الإسلام، وصرح بها حين دعا إلى ثورة تجديد دينية، قائلًا إن هناك أفكارًا ونصوصًا تمَّ تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله. واستكملت وسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي مسيرة طمس الهوية الإسلامية والتشكيك في الدين، ووَصَل الأمر إلى حد إنشاء مراكز لهذا الغرض، مثل مركز “تكوين”، الذي أسسه إبراهيم عيسى وإسلام البحيري ويوسف زيدان وغيرهم من المعروفين بتشكيكهم في الصحابة والسنة النبوية والعقيدة والثوابت الشرعية.
5 – زيادة معدلات الجريمة في المجتمع:
شهد المجتمع المصري خلال السنوات الأخيرة موجة شديدة من العنف والجريمة بين أفراده، هذه الموجة هي نتاج للعديد من العوامل المتداخلة مع بعضها البعض. فالجريمة في أيّ مجتمع مرتبطة بظروف المجتمع نفسه، سواء كانت ظروفًا اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية، ومرتبطة أيضًا بخصائص المجتمع والمتغيرات التي تطرأ عليه.
ولعل العامل الاقتصادي هو أكبر عامل لانتشار الجريمة في المجتمعات، ولكننا في هذه الورقة بصدد التعرض للأسباب الاجتماعية والنفسية. وهنا يمكننا تعديد أسباب انتشار الجريمة في المجتمعات في التنشئة غير السوية للأفراد داخل الأسرة، والخلل في تكوين الشخصيات، وانشغال الآباء بأعباء الحياة المادية عن القيام بدورهم في التربية، وعدم إشباع الأبوين للجانب العاطفي عند الأبناء، وزيادة الخلافات الأسرية، وارتفاع معدلات الطلاق، وتشرد الأبناء، والتسرب من التعليم، وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع، وضعف الوازع الديني والفهم الخاطئ للدين. كل هذه العوامل قمنا بتسليط الضوء عليها سابقًا، ولكن وجب التنوية عنها لأهميتها.
ولعل من أهم النقاط التي يجب مناقشتها في هذا الصدد هو أثر الدراما المصرية في تحفيز سلوكيات العنف والإجرام في الشارع المصري، حيث ركزت الدراما المصرية في السنوات الأخيرة على مسلسلات البلطجة والأعمال التي تُبرز قيم العنف والانحرافات السلوكية، وتمجد شخصيات المجرمين وتبرز جرائمهم،، وتحاول كسب تعاطف الجمهور معهم. هذه الأعمال تقدم للمجتمع نماذج إجرامية، وتعلم أفراده فنون الإجرام، وتشجع أصحاب النفوس الضعيفة على تقليد المجرمين. كما أن اعتياد مشاهدة مشاهد العنف وعدم إلقاء العقوبة على المجرمين من شأنه إرساء ثقافة العنف والإجرام داخل المجتمع واعتياد مشاهدة مظاهرها واللا مبالاه تجاهها[30].
والواقع أن المجتمع المصري شهد تحولات اجتماعية أثرت على طبيعة العلاقات بين أفراد الأسرة فيه، فأصبحنا نشاهد جرائم جديدة من نوعها داخل نطاق الأسرة الواحدة، اختلفت فيها الدوافع والضحايا عن الجرائم المعتادة سابقًا، فلم تعد الجرائم قاصرة على الرجال أو على الطبقة الفقيرة، بل تعدت إلى النساء والأطفال وكبار السن والطبقات الراقية، فنجد قتل الآباء لأبنائهم، وقتل الأبناء لآبائهم، وقتل الأزواج لبعضهم البعض، ونجد قتل الصديق لصديقه، ونجد قتل الشاب للفتاة التي يريد الارتباط بها، ونجد انتشار جرائم الذبح في الشوارع والتمثيل بالضحية.
وقد نشر المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر) إحصائية نصف سنوية لعام 2022، أشارت إلى وجود ما يقرب من 840 حالة عنف جسدي تحدث في الساعة في الشارع المصري، 45 بالمئة منها ينتج عنها إصابات جسدية، و8 بالمئة منها تؤدي إلى حالات عجز جزئي أو كلي. ونشر قطاع مصلحة الأمن العام أيضًا تقريرًا يشير فيه إلى زيادة معدلات الجريمة في مصر بنسبة 130 بالمئة خلال عام 2018. كما سبق نشر دراسة في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أشارت إلى أن نسبة القتل الأسري تتراوح ما بين الربع إلى الثلث من إجمالي جرائم القتل في مصر، وأن 70 بالمئة منها ارتكبها أزواج ضد زوجاتهم، و20 بالمئة ارتكبها أشقاء ضد شقيقاتهم، و7 بالمئة ارتكبها آباء ضد بناتهم، و3 بالمئة ارتكبها أبناء ضد أمهاتهم[31].
6 – عدم الاستفادة من إمكانيات الشباب:
فئة الشباب هي الفئة الأكثر قدرة على تنمية المجتمعات، فالشباب يمثل القوة والحيوية والطاقة والابتكار والإنتاج والتطوير، وقوة المجتمعات من قوة شبابها، لذلك يجب أن يتلقى هؤلاء الشباب رعاية خاصَّة لإعداد جيل قادر على التطوير والتغيير.
والحقيقة أن مؤسسات المجتمع الفاعلة والمتطورة هي المؤسسات التي اهتمت بقدرات الشباب واستثمرت فيها وسهلت لهم التمكين والوصول إلى دورهم في التطوير، ونجد الشباب فيها جنبًا إلى جنب مع قيادات المؤسسة وأصحابها[32].
وبالنظر إلى حال المجتمع المصري، نجد إقصاءً كبيرًا لفئة الشباب في معظم المؤسسات، حيث يعاني الشباب المصري من الاستبعاد الاجتماعي والسياسي. فهم يستبعدون اجتماعيًّا بدعوى قلة خبرتهم واندفاعهم وتهورهم وعدم تحملهم للمسؤولية، ويستبعدون سياسيًّا من قِبَل نظام استبدادي ينفرد بالسلطة ولا يسمح لهم بالمشاركة ويبعدهم عن عملية صنع القرار، بالرغم من كثرة الحديث عن تمكين الشباب والمؤتمرات التي تقام تحت اسم المؤتمرات الوطنية للشباب، ولا يكون لها صدى على أرض الواقع، لأنها مجرد شكليات يجمل بها النظام وجهه، في الوقت الذي تعج فيه السجون المصرية بآلاف الشباب المعتقلين، ويتواجد آلاف آخرون غيرهم خارج البلاد، ويحرمون من المشاركة في تنمية مجتمعهم.
لذا فإن المجتمع المصري يفتقر إلى الاستفادة من قاعدته الشبابية، ويحتاج إلى إعداد هذه القاعدة القادرة على القيادة والإبداع، والاستثمار فيها، وتوجيه طاقات أفرادها التوجيه الأمثل، بما يعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع.
خامسًا: إقتراحات لتخفيف حدة الصراع
- الاهتمام بعقد دورات الإرشاد الأسري، وتثقيف الآباء بالثقافة التي تمكنهم من تربية جيل الأبناء تربية صحيحة.
- تقليص الفجوة التكنولوجية بين جيل الآباء وجيل الأبناء.
- تقديم المساعدات المادية والمعنوية للأمهات المعيلات في المجتمع.
- تفعيل دور المؤسسات الدينية في نشر الوعي الديني بين الشباب.
- الالتفات إلى خطورة دور مواقع التواصل الاجتماعي المؤثرة على منظومة القيم في المجتمع، والعمل على تقليل هذه الخطورة.
- التأكيد على خطورة الأعمال الدرامية المعززة لقيم العنف والبلطجة والإجرام.
- إعداد الكوادر الشبابية المصرية والاستثمار فيها.
خاتمة
سلطت هذه الورقة الضوء على ظاهرة الفجوة الجيلية في المجتمع المصري، من خلال استعراض أسبابها، وتحليل مظاهرها، والتعرُّف على مدى تأثر الأسرة المصرية والمجتمع المصري بها. وخلصت الورقة إلى وجود تباين في المعارف الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية بين الأجيال المختلفة، ووجود عدة تهديدات للأسرة المصرية، تزيد من هذه الفجوة، منها ارتفاع نسبة الطلاق، وانتشار ظاهرة الأم المعيلة للأسرة، وحدوث خلل في تكوين الأسرة المصرية، وانتشار الانحدار الأخلاقي والقيمي، وزيادة التطلعات الاستهلاكية للشباب المصري، وغياب الوعي الديني لديهم، وزيادة انتشار حالات الإجرام في المجتمع، وإهدار طاقات الشباب، وعدم الاستفادة من الكوادر الشبابية والاستثمار فيها.
[1] – محمد عادل، أشرف محمد، فخر الأدب. العلاقة بين الأجيال: أسباب الخلاف وطرق تعزيز الوئام، لندن: دار الحكمة، 2020.
[2] – منال علي. الأبعاد الاجتماعية والثقافية ذات الصلة بملامح الفجوة الجيلية، رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة بنها، كلية الأداب، قسم الاجتماع، 2022.
[3] – عزام إبراهيم. عوامل التباين الثقافي بين جيل الآباء والأبناء. دراسة ميدانية على طلاب المدارس الثانوية بالهفوف، جامعة الملك فيصل، كلية الآداب، 2021.
[4] – ضحى البغدادي. أداء الوالدين لمسئولياتهم الأسرية وأثره على التماسك الأسري، جامعة عمان العربية، كلية العلوم التربوية والنفسية، 2013.
[5] – جمال الخطيب. العلاقات الأسرية… وأثرها على الأبناء،العربي، 1996.
[6] – فاكر الغرايبة، حمود علمات. التأثيرات النفسية والاجتماعية للطلاق على الأطفال، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 2012.
[7] – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. الكتاب الإحصائي السنوي 2023- الإحصاءات الحيوية، 2023، https://2u.pw/JZOUOOy
[8] – الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، معدلات التضخم السنوي لحض الجمهورية، 2023، https://2u.pw/z3NZ79xv
[9] – ميرفت صدقي. أساليب التكيف المعيشى للمرأة المعيلة فى ظل ظاهرة تأنيث الفقر، المجلة المصریة للبحوث الزراعیة، 2016.
[10] – ناهد السيد. المشكلات وعلاقتها ببعض المتغيرات النفسية، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، يناير 2017.
[11] – شيماء صالح. ظاهرة المرأة المعيلة والآثار المترتبة عليها، مجلة الدراسات التربوية والإنسانية، كلية التربية، جامعة دمنهور، 2015.
[12] – كريم محمود. 12 مليون امرأة معيلة في مصر.. هل تخفف رسائل شيخ الأزهر عن القوامة أزمات حواء؟، 4 يوليو 2023، https://2h.ae/oqNt
[13] – الجزيرة، الحماية الزائدة للأطفال.. لأن مَن يهتم بك يمكن أن يقتل مستقبلك، 27 مايو 2022، https://2h.ae/rzxr
[14] – سهام بوقلوف. استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على القيم الأخلاقية والاجتماعية، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر 3، كـليـة عــلـوم الإعـلام والاتصـال، 2018.
[15] – انظر: https://2u.pw/2bwmejlt
[16] – أحمد عوض. مصر التاسعة عالميًا فى استخدام “فيسبوك”، 31 مايو 2021، https://2h.ae/vPCU.
[17] – Countries with the largest TikTok audience as of January 2024, STATIST 2024, https://2h.ae/KZXr
[18] – هدى الدسوقي. تعرض الأطفال المصريين لإعلانات المؤثرين عبر شبكات التواصل، مجلة البحوث الإعلامية، جامعة الأزهر، كلية العلوم، 2023.
[19] – نجوى الشايب. ثقافة الاستهلاك الترفي في الريف المصري.. دراسة أنثروبولوجية بإحدى قرى محافظة الشرقية، المجلة الاجتماعية القومية، 2015.
[20] – انظر: https://2u.pw/2bwmejlt
[21] – هند فؤاد. العوامل الاجتماعية المؤثرة فى ارتكاب الجرائم داخل الأسرة المصرية: رؤى عينة من الخبراء، المجلة العربية للعلوم التربوية والنفسية، 2021.
[22] – وزارة الصحة السعودية. الأمراض النفسية والعقلية، 2018، https://n9.cl/l7644
[23] – كامل حسن، ناهده العوجا. الصحة النفسية لدى المسنين الفلسطينيين: دراسة ميدانية لواقع الصحة النفسية لدى المسنين الفلسطينيين، المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية، 2016.
[24] – منظمة الصحة العالمية. صحة المراهقين النفسية، 2021، https://n9.cl/658kgl
[25] – فريق مصر360. 147 حالة انتحار في نصف عام.. تنوع في الأسباب والشباب الأكثر عددا، 2023، https://n9.cl/iei72
[26] – العربية، 2584 حالة انتحار في عام واحد بمصر.. والأزهر يكشف الأسباب، 2022، https://n9.cl/rwcxm
[27] – حنان سالم. انعكاسات تزييف الوعي الديني على الواقع الاجتماعي للشباب، مجلة العلوم الإنسانية لجامعة أم البواقي، 2018.
[28] – عبدالرحمن محمد. أكاديمية للدعاة بمصر.. تجديد الفكر أم حروب الأمن؟، الجزيرة، 2018، https://n9.cl/0s9evv
[29] – إنسان للدراسات الإعلامية. استراتيجيات الإعلام الانقلابي في تغيير الهوية المصرية.. دراسة تحليلية، 2022.
[30] – بسمة بهاء، أثر الدراما التليفزيونية المصرية على انتشار معدلات العنف، مجلة كلية الآداب، جامعة الزقازيق، 2022.
[31] – عربي 21، سلسلة جرائم تنذر بخلل مجتمعي في مصر.. ما الأسباب؟، 2022، https://n9.cl/bt98y
[32] – أسامة السيد عمر. الشباب وقيادة العمل الجماعي.. عزوف أم تعويق، الجزيرة، 2017، https://n9.cl/0zaqg