ترجماتغير مصنف

ريسبونسبل ستاتكرافت: هل يستطيع ترامب تهدئة التوتر بين تركيا وإسرائيل بشأن سوريا؟

مع اقتراب انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، تختبر القوتان، تركيا وسورسا، حالة الوفاق الهشة بينهما، وسط رؤى متنافسة لمستقبل دمشق. في هذا السياق، نشرت صحيفة ريسبونسبل ستاتكرافت الإلكترونية، في 29 أبريل 2025م، مقالًا للكاتب جورجيو كافييرو، وهو هو الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة Gulf State Analytics، وهي شركة استشارات مختصة بالمخاطر الجيوسياسية، مقرها في واشنطن العاصمة. كما يشغل منصب أستاذ مساعد غير متفرغ في جامعة جورجتاون، وزميل غير مقيم في American Security Project.

منتدى الدراسات المستقبلية، في إسطنبول، يقدم فيما يلي ترجمة كاملة للمقال.

بعد فترة وجيزة من اندلاع انتفاضة الربيع العربي في سوريا عام 2011م، وانزلاق البلاد إلى حرب أهلية دامية، تحولت سوريا إلى ساحة صراع بين روسيا وإيران وحزب الله اللبناني الذين دعموا النظام السابق من جهةٍ، وقطر والسعودية وتركيا الذين دعموا الجماعات “المتمردة” (بحسب وصف صاحب المقال) من جهةٍ أخرى.

غير أن الأمور تغيَّرت منذ الإطاحة ببشار الأسد في أواخر العام الماضي، فتحولت سوريا إلى ساحة للتنافس التركي-الإسرائيلي. ويعود أحد المصادر الرئيسة للتوتر بين تركيا وإسرائيل إلى رغبة تركيا في أن تظهر سوريا كدولة قوية وموحدة تحكمها حكومة موالية لأنقرة في دمشق، في حين ترغب إسرائيل في أن تبقى سوريا ضعيفة ومنقسمة على أسس إثنية وطائفية بشكل دائم.

وترى الحكومة الإسرائيلية أن تزايد النفوذ التركي في سوريا ما بعد البعث يشكِّل تهديدًا خطيرًا للدولة اليهودية. ففي مطلع هذا العام، أصدرت لجنة تابعة للحكومة الإسرائيلية معنية بتقييم القضايا الأمنية الإقليمية تقريرًا حذرت فيه من أن السلطات السُنيّة الإسلامية الجديدة في سوريا قد تشكّل تهديدًا أمنيًا أشد خطورة على إسرائيل مما كانت عليه سوريا في عهد الأسد.

وقد تناول التقرير احتمال أن تتحول الحكومة الجديدة في دمشق إلى “وكيل” لأنقرة، مشيرًا إلى “طموح تركيا في استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية السابقة.”

في الوقت نفسه، استخدم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ومسؤولون آخرون في أنقرة لغة شديدة في إدانة العدوان الإسرائيلي، ليس فقط في غزة ولبنان، بل أيضًا في سوريا ما بعد الأسد.

1.    مواجهة مكثفة

بدأت إسرائيل في قصف دمشق وأجزاء أخرى من سوريا، كما استولت بشكل غير قانوني على المزيد من الأراضي السورية خارج الجولان، وذلك مباشرة بعد انهيار النظام السابق قبل نحو خمسة أشهر.

وفي أواخر الشهر الماضي (مارس) وبداية الشهر الجاري (أبريل 2025م)، شنت إسرائيل عمليات عسكرية استهدفت قواعد سورية أبدت أنقرة اهتمامًا بها، بعد تزايد الحديث عن سعي تركيا لتشكيل تحالف عسكري مع سوريا ما بعد البعث. في نهاية المطاف، تهدف إسرائيل إلى منع سيناريو مستقبلي تصبح فيه أنقرة ضامنة لأمن سوريا، وقادرة على ردع إسرائيل عن تنفيذ ضربات جوية أو عمليات برية على الأراضي السورية بحرية، كما كان يحدث منذ الإطاحة بالأسد، وكان يحدث أيضًا إلى حد كبير في سنوات حكمه الأخيرة. وقد وصل الأمر بإسرائيل إلى حد الضغط على واشنطن لدعم وجود عسكري روسي في البلاد ليكون بمثابة سد منيع أمام النفوذ التركي.

قال الدكتور مصطفى شانر، أستاذ مساعد في معهد الشرق الأوسط بجامعة سكاريا: “رأت إسرائيل فرصة وفراغًا في السلطة بسوريا بعد الأسد، فأطلقت العديد من الضربات الجوية، بل حاولت القيام بتوغلات برية. كما حاولت تأجيج الأقليات مثل الدروز والأكراد لإبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة.” وأضاف شانر: “في هذا السياق، ترى إسرائيل في تركيا تهديدًا، لأن تركيا أوضحت أنها لن تقبل بسوريا منقسمة وضعيفة. وهنا، تلعب تركيا دور توازن القوى أمام إسرائيل.

ورغم وجود احتمال بأن تتطور التوترات بين تركيا وإسرائيل على الأرض السورية إلى مواجهة مباشرة بين الدولتين، إلا أن كثيرًا من الخبراء يرون ذلك أمرًا غير مرجح.

في 9 أبريل 2025م، التقى مسؤولون أتراك وإسرائيليون في أذربيجان لإجراء محادثات تهدف إلى التوصل إلى تفاهم مشترك بشأن المشهد الأمني في سوريا. وقد تمحورت المناقشات حول إنشاء “قناة لفضّ الاشتباك” للحد من مخاطر دخول القوتين في مواجهة مباشرة على الأراضي السورية أو فوقها.

قالت الدكتورة بينار دوست، زميلة غير مقيمة في المجلس الأطلسي وباحثة مشاركة في المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية: “في هذه المرحلة، لا أتوقع على الإطلاق نشوب صراع بين تركيا وإسرائيل”، وأضافت: “خلال الحرب الأهلية التي استمرت قرابة 14 عامًا، تمَّ إنشاء آليَّات مماثلة بين العديد من الدول التي دعمت أطرافًا متعارضة، مثل تركيا وروسيا، تركيا والولايات المتحدة، وروسيا وإسرائيل، ومن المرجح إنشاء آليَّة مماثلة بين إسرائيل وتركيا.”

ويتفق الدكتور كريم إميل بيطار، المحاضر في دراسات الشرق الأوسط بمعهد العلوم السياسية في باريس، مع هذا التقدير القائل إنه من غير المرجح اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة، لكنه شدد على أن “الحروب بالوكالة في سوريا لم تنته بعد”، وأن الجمع بين “التمادي الإسرائيلي” و”الشهية التركية المتزايدة” يزيد من خطر “مزيد من التفكك” في سوريا الضعيفة أصلًا، في ظِل تنافس جيرانها الأقوياء على النفوذ فيها.

قال بيطار: “كما يقول المثل الإفريقي القديم: عندما يتقاتل فيلان، فإن العشب هو مَن يُعاني. ولطالما كانت لبنان تاريخيًّا ذلك العشب، والآن سوريا تتحول إلى العشب.”

2.    الدور الأمريكي

وبينما تبقى التوترات بين هذين الحليفين لأمريكا حول “سوريا الجديدة” مشتعلة، تظل واشنطن مركز الثقل، حيث أبدت إدارة ترامب عزمها على تهدئة التوتر بين تركيا وإسرائيل.

قالت دوست: “عندما نأخذ بعين الاعتبار أن الولايات المتحدة تخطط لسحب قواتها بحلول نهاية العام، وتفرض اتفاقًا بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ودمشق، إلى جانب جهود تركيا لتشكيل تحالف ضد داعش مع العراق وسوريا والأردن، فإن الصورة تصبح واضحة.” وأضافت: “مع انسحابها من سوريا، تريد الحكومة الأمريكية أن تترك خلفها بيئة يمكن لحلفائها فيها التوصل إلى تفاهم. وستسعى أيضًا لضمان حدوث تطبيع بين إسرائيل وسوريا قبل مغادرتها.”

وخلال لقاء جمع بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، في المكتب البيضاوي، بتاريخ 7 أبريل، أثنى ترامب على دور تركيا في انهيار نظام الأسد، وتحدث عن “علاقته الجيدة جدًا” مع أردوغان. وقال ترامب: “أنا أحبه، وهو يحبني… ولم نواجه أبدًا أي مشكلة.”
وقد عبَّر ترامب لنتنياهو عن اعتقاده أن مشكلات إسرائيل مع تركيا ستظل تحت السيطرة، بل وعرض الوساطة بين الطرفين. كما قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي إنه يجب أن يكون “عقلانيًّا” في سوريا فيما يخص الخلافات مع أنقرة. وقال شانر: “في رأيي، عندما تحدث ترامب بشكل إيجابي عن الدور التركي القوي في سوريا، وقال لنتنياهو أن يكون عقلانيًّا، كان ذلك بمثابة تحذير لإسرائيل بأنها تجاوزت الحد في تصرفاتها هناك. لقد كان اعترافًا بدور تركيا كقوة توازن بالمنطقة. لم يكن نتنياهو مسرورًا بذلك، لكنه لم يكن أمامه خيار سوى القبول.”      
وأضاف شانر: “وقد أشار ترامب لنتنياهو أنه يجب عليه أن يحترم أولويات تركيا ومواقفها. ولا حاجة للتذكير بمدى اعتماد إسرائيل على الدعم الأمريكي، لذا كان تحذير ترامب بمثابة كبح لأنشطة إسرائيل في سوريا، وأعتقد أنه سيؤتي ثماره.”

وفي إشارة إلى أن ترامب “زعيم يتحدث بلغة القوة”، قالت دوست إنه يحترم “نجاح أردوغان في إحداث تغيير في سوريا”، لكنها لا تعتقد أن دور أنقرة في سوريا ما بعد الأسد سوف يثير توترًا كبيرًا بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو. وبرأيها، فإن المسألة الحقيقية التي يجب الاهتمام بها تكمن في انخراط واشنطن الدبلوماسي مع إيران بشأن الملف النووي، مع استمرار المحادثات المقررة في مايو.

وقال شانر: “في لقائه مع نتنياهو، سجل ترامب هدفين ضدّه: أولًا، بإعلانه خططًا للتفاوض مع إيران، وثانيًا، بمدحه لتركيا والرئيس أردوغان لأكثر من دقيقتين. كانت هذه ضربات قوية، وسوف يجد نتنياهو صعوبة في تجاوزها. ونتيجة لذلك، لا أعتقد أن إسرائيل قادرة على التصرف بتهور كما كانت من قبل، ولا يمكنها بالتأكيد تحمل مواجهة مباشرة مع تركيا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى