في التاسع عشر من سبتمبر، نشر موقع “آيون أناليتيكس” البريطاني، الذي تشرف عليه مؤسسة ‘آيون جروب’، وهي شركة بيانات وتكنولوجيا مالية مقرها لندن، مقالاً للصحفي أليكس دولر، وهو صحفي مالي في موقع “DebtWire“، الذي يقدم خدمة معلوماتية استخباراتية تبحث في أوضاع ديون الشركات وتقدم تقارير عنها، وذلك بعنوان: “رغم الصراعات الإقليمية المتأججة، تبرز مصر كمركز استراتيجي للاستثمار الخليجي”.
يقول أليكس دولر إنه على الرغم من تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، من لبنان إلى السودان، تواصل مصر جذب استثمارات كبيرة من دول الخليج، حيث أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي هذا الأسبوع عن المرحلة الأولى من ضخ 5 مليارات دولار أمريكي في الاقتصاد المصري، مما يعزز من موقف القاهرة المالي.
ولكن الصحفي البريطاني يتساءل عن الدافع وراء انجذاب هذه الاستثمارات الخليجية بهذا القدر نحو مصر، ويقول إن الدافع وراء ذلك قد يمتد إلى ما هو أبعد من الحوافز الاقتصادية، إلى وجود عوامل جيوسياسية تلعب دوراً كبيراً في ذلك، فما هي تلك العوامل؟ هذا ما سيتناوله المقال بشيء من التفصيل.
يقدم “منتدى الدراسات المستقبلية” ترجمة المقال كاملاً على النحو التالي:
تواصل مصر جذب استثمارات كبيرة من دول الخليج بينما تتصاعد التوترات الجيوسياسية الممتدة من لبنان إلى السودان. فقد أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي (Public Investment Fund – PIF) خلال هذا الأسبوع عن المرحلة الأولى من قرار المملكة بضخ 5 مليارات دولار في الاقتصاد المصري، وهو ما يؤدي إلى تعزيز موقف القاهرة المالي.
كما تعهدت أبو ظبي في وقت سابق من هذا العام باستثمار 35 مليار دولار في مصر، في حين أعلنت قطر عن سلسلة من الاستثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في عام 2023، وهو ما أدى إلى تعزيز دور مصر كمركز استثماري رئيس لدول مجلس التعاون الخليجي (Gulf Cooperation Council – GCC)، على الرغم من حالة عدم الاستقرار الإقليمي.
ومن المتوقع أن تتنامى هذه التدفقات لرأس المال مع توجّه مصر مواءمة لسياساتها مع الإصلاحات التي اشترط صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund – IMF) القيام بها. وأشار جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي في شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية (Capital Economics)، إلى أن المستثمرين الخليجيّين ينجذبون إلى إمكانات مصر في تسريع النمو المدفوع بتغييرات في السياسات، إلى جانب الفرص المتاحة للاستحواذ على أصول مقوَّمة بأقل من قيمتها الحقيقية.
ومع ذلك، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كان الاستثمار الذي سوف تقوم به المملكة العربية السعودية، والبالغ 5 مليارات دولار أميركي، يشكل رأس مال جديد، أو ما إذا كانت المملكة تخطط لتحويل جزء من وديعتها البالغة 10 مليارات دولار أميركي في البنك المركزي المصري إلى استثمارات محلية – على غرار الاستراتيجية التي اتبعتها أبو ظبي في وقت سابق من هذا العام.
وفي شهر أغسطس الماضي، صرح وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح بأنه يمكن تحويل هذه الودائع إلى استثمارات. وبحسب تقارير متداولة، فإنه قد يتم إنفاق هذه الأموال على مشاريع استثمارية مثل منتجع رأس جميلة على البحر الأحمر.
وقال أبيشور براكاش، مؤسس شركة جيوبوليتيكال بيزنس (Geopolitical Business) الاستشارية الاستراتيجية الكندية، إن الاستثمار الذي تقوم به المملكة في مصر يعطي إشارة قوية تؤكد حالة التعافي الاقتصادي في مصر، وأنه من المرجح أن يؤدي ذلك إلى جذب المزيد من المستثمرين.
وكذلك بدأت شركات مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، مثل موانئ دبي العالمية (DP World)، الاستثمار في مصر بعد الالتزام الذي تعهدت أبو ظبي بموجبه باستثمار 35 مليار دولار أمريكي. كما أعلنت شركة يونايتد للتنمية العقارية (UDC Real Estate Development Company)، وهي شركة مساهمة مصرية تخصصت في مجالات التطوير العقاري والعمراني، عن مشروع بقيمة 2 مليار دولار في اليوم السابق لتأكيد استثمار أبوظبي في مصر.
كما قال مؤسس شركة جيوبوليتيكال بيزنس: “في الوقت الذي تنتشر فيه حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة في لبنان، فمن المرجح أن يبحث العديد من الناس في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن نقاط مضيئة. وقد تكون مصر، التي خرجت من الأزمة الاقتصادية وتدعمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، هي تماماً ما يبحثون عنه”.
وارتفعت أسعار السندات المصرية البالغة قيمتها 1.5 مليار دولار أميركي بنسبة 8.7 بالمئة لأجل 2049 خلال الشهر الماضي، من 73.31 – متوسط في أوائل أغسطس إلى 81.15- متوسط، اليوم (19 سبتمبر)، وذلك بحسب شركة آي إتش إس ماركت (IHS Markit Ltd)، وهي شركة متخصصة في تقديم خدمات معلوماتية.
اعتبارات جيوسياسية
قد يمتد الدافع وراء الاستثمارات الخليجية في مصر إلى ما هو أبعد من الحوافز الاقتصادية، حيث من المرجح أن هناك عوامل جيوسياسية تلعب دوراً في ذلك. حيث لا تزال الحرب الأهلية الدائرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في السودان تقف في طريق مسدود. وبينما ألقت ثلاث دول هي مصر والمملكة العربية السعودية وإيران بدعمها خلف القوات المسلحة السودانية، تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة اتهامات بدعم قوات الدعم السريع – وهي مزاعم دأبت على نفيها.
وفي هذا السياق، يشير البعض إلى أن استثمار دولة الإمارات العربية المتحدة البالغ 35 مليار دولار أميركي في مصر قد يُستخدَم للتأثير على موقف القاهرة من أحداث السودان، مما قد يؤدي إلى تقليص دعمها للقوات المسلحة السودانية. وقال براكاش: “إنها ورقة جيواقتصادية يمكن لأبو ظبي أن تلعب بها”.
لكن مؤسس شركة جيوبوليتيكال بيزنس الاستشارية الاستراتيجية الكندية، أبيشور براكاش، حذر من أن استخدام مثل هذا النفوذ ينطوي على مخاطر جمَّة. فإذا هددت الإمارات بسحب الاستثمارات أو إيقافها مؤقتاً للضغط على مصر، فقد يدفع ذلك القاهرة إلى مواجهة المزيد من النفوذ السعودي عليها.
ومع قيام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بضخ 5 مليارات دولار أميركي في تمويل جديد في مصر هذا الأسبوع، فإن المملكة العربية السعودية ترسل بذلك إشارة عن التزامها الجاد بتعافي الاقتصاد في مصر وأهميتها الاستراتيجية.
ولكن ليس السودان فقط هو المكان الذي تستطيع فيه دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) استخدام نفوذها على مصر.
حيث أضاف أحد المحللين السياسيّين أن “الاستثمارات الخليجية في مصر يمكن استخدامها لضمان استمرار القاهرة في التوافق مع المصالح السعودية والإماراتية من أجل احتواء النفوذ الإيراني في ربوع المنطقة”.