الخبر:
المعتاد هو أن يراجع صندوق النقد الدولي برامج الدول التي تقترض منه، لكن هذه المرة، طلب رأس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، من الصندوق ضرورة مراجعة برنامجه المتعلق بمصر لتخفيف الأعباء على المصريّين.
السيسي دعا يوم 20 أكتوبر 2024 إلى مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي، في حال تسبب برنامجه للإصلاح الاقتصادي في ضغط “لا يتحمله الناس”.
توجه السيسي برسالة غير عادية إلى المؤسسات المالية الدولية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يشكو فيها ضمنًا من أن البرنامج الحالي المفروض على مصر يُطبَّق في ظِل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة، لها تأثيرات سلبية للغاية على العالم كله.
وتحدث عن توقعات بـ “ركود اقتصادي” قادم في السنوات المقبلة، فيما يبدو وكأنه يطلب من الصندوق مراعاة أحوال المصريّين – الذين رفعت السلطة الأسعار عليهم بصورة كبيرة عدة مرات – كي لا ينفجر الغضب الشعبي ضده.
التعقيب:
الأمر أشبه بـ “تمثيلية” ينفذها السيسي ولجانه وإعلامه لإقناع المصريّين أن المشكلة في صندوق النقد لا النظام الحاكم الذي ذهب الى صندوق النقد وينفذ كلَّ شروطه التي ألقت بأعباء على المواطن، والأن يتحدث عن مراجعة تلك الاتفاقيات وتصف أذرعه الإعلامية الصندوق بأنه أصبح شيئًا لا يحتمل ويكبل القرار السياسي!
وضمن هذه التمثيلية “تهيئة” المصريّين لأيام أكثر سوادًا في ظِل حكمه، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، ومحاولة الظهور بدور “البطل” الذي يتصدى للصندوق ويُحمِّله المسؤولية، بدل نظامه الذي فشل في تقديم حلول اقتصادية حقيقية للأزمة في مصر، ولجأ إلى الاقتراض وبيع الأصول المملوكة للدولة، ويعادي دراسات الجدوى والخبرة والخبراء، ويقوم على تعيين الموالين وأهل الثقة في المناصب.
تحريك أذرع النظام الإعلامية بالتزامن مع “رسالة” السيسي لصندوق النقد، ومهاجمة الصندوق وكأنه هو السبب في تردي الأوضاع الاقتصادية في مصر، يؤكدان أننا أمام “تمثيلية” تروج لإظهار السيسي بصورة البطل الذي يرفض إملاءات الصندوق على طريقة “عبد الناصر” وتمويل السد العالي.
حديث السيسي ربما يشير إلى أنه وصلته تقارير أمنية من جهاز المخابرات أو الأمن الوطني تحذر من الغضب الشعبي بسبب الارتفاع المستمر في أسعار كل شيء، ما أدَّي لإفقار غالبية الشعب المصري، وتمَّ تحذيره من انفجار الشارع لو استمر الوضع على حاله، خاصَّة أن أسعار البنزين والكهرباء سوف تزيد وفق تصريحات الحكومة مجددًا رغم رفعها 3 مرات هذا العام فقط.
السيسي أشار لهذه الضغوط التي قد لا يتحملها المصريون بترجيحه استمرار الحرب الإسرائيلية عام 2025 أيضًا وفقدان مصر 6 مليارات دولار أخري من دخل قناة السويس، بقوله إن “هذا سيجعلنا نضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس”، لذا طلب مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي.
رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، مهد لذلك بقوله إن مصر قد تلجأ إلى “اقتصاد الحرب”، وهو ما يعني الغلاء وشح السلع وقِلَّة الاستيراد لندرة الدولار.
تصريح السيسي المفاجئ، يبدو كاعتراف ساذج منه أنه ينفذ أجندة الصندوق كما هي بدون مناقشة مع أن دول عديد ترفض وتحاور الصندوق لتنفيذ ما يناسبها، وهذه المرة يجد أن نظامه لا يمكنه مجاراة ارتفاع الأسعار العالمية للوقود والسلع في ظِل انخفاض قيمة الجنية مع كل تعويم جديد متوقع، ومن ثم ارتفاع فاتورة الديون وفوائدها، وعدم قدرته على السداد والإفلاس.
حديث السيسي عن “ركود اقتصادي قادم” يشير لتدهور أكبر متوقع للاقتصاد المصري وركود أوسع قادم وارتفاعات جنونية في الأسعار، وبصورة غير عادية في الفترة المقبلة، لتوفير موازنة للدولة. وبالفعل رفعت الحكومة أسعار عدد من السلع المدعومة للتصدي لعجز الموازنة الذي بلغ 505 مليارات جنيه مصري (10.3 مليار دولار) في السنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2024، كما خفضت قيمة الجنيه بشدة.
طلب السيسي من الصندوق مراجعة روشتته الخاصة بمصر والتي تفرض عليها بيع أصولها ومشاريعها وإلغاء الدعم بشكل كامل، يشير لعدم قدرة السلطة علي دفع أقساط الديون التي أصبحت تعادل سنويًّا حجم كل ديون مصر قبل الانقلاب العسكري في 2013.
كمثال، مصر مطالبة بسداد 39 مليار دولار ديون خارجية من الآن وحتى يوليو 2025، منها 4.7 مليار دولار للصندوق، وهو ما يفسر تسريع الحكومة لخطوات بيع وخصخصة البنوك والمرافق الحكومية لتحقيق إيرادات تقدر بـ 2.5 مليار دولار، علمًا أن الديون الخارجية لمصر قدرت بـ 153 مليار دولار في نهاية يونيو 2024.
قد يكون حديث السيسي مقدمة لاختلاق أزمة كبيرة مع الصندوق لعدم دفع أقساط الديون أو إقناع المصريّين أنه سبب خراب البلاد، للهروب من مطالب الصندوق المتعلقة بخصخصة وبيع المشاريع الاقتصادية التابعة للجيش الذي يرفض التنازل عن أي شيء.
عدم اتباع تعليمات صندوق النقد قد يعنى أن مصر لن تستطيع أن تحصل على قروض أو تصدر سندات لديون جديدة، لأن 50 بالمئة من أقساط القروض وفوائدها يتم سدادها أساسًا من قروض جديدة.