خبر وتعقيب

تطورات الحالة السورية والموقف الأمريكي منها

الخبر:

مطلع ديسمبر 2024، وتعليقًا على تطورات الأحداث في سوريا، أبدت الولايات المتحدة قلقها من انتصارات المعارضة (الإسلامية) السورية، ومخاوفها خصوصًا من أهداف “هيئة تحرير الشام”، التي تصنفها واشنطن “إرهابية”.

بيد أن الموقف الأمريكي بدا غير مكترث بتطورات القتال باعتبار أنه يُضعِف خصومه وخصوم إسرائيل الداعمين لنظام بشار الأسد (إيران وحزب الله)، كما يُضعِف النفوذ الروسي أيضًا هناك، والساعي لاعتبار سوريا نقطة انطلاق للنفوذ في الشرق الأوسط وإفريقيا.

مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أعرب عن اعتقاده أن القوات الأميركية المتمركزة في سوريا لمحاربة تنظيم “داعش” ليست مُعرَّضة للخطر، في الوقت الحالي؛ لأنها تقع في جزءٍ مختلف من البلاد.

لكنه قال إن القوات بشكل عام لا تزال تحت تهديد من إيران والجماعات المسلحة في العراق وسوريا، موضحًا أن واشنطن تعمل يوميًّا على ضمان حماية القوات والرد على الهجمات ضدها.

سوليفان، قال في تصريحات لشبكة CNN الأمريكية: “قواتنا في سوريا هي لمحاربة داعش وليست طرفًا فيما يحصل ولا نعتقد أن ما يحدث يشكل خطرًا إضافيًّا عليها”.

أضاف: “لم نفاجأ من أن هؤلاء المتمردين السوريّين يحاولون الاستفادة من وضع جديد بعدما تشتت انتباه داعمي الحكومة السورية، إيران وروسيا وحزب الله، وأضعفتهم الصراعات والأحداث في أماكن أخرى، لقد رأوا أنهم أضعف وأكثر عرضة للخطر من ذي قبل، وحاولوا الاستفادة من ذلك”.

التعقيب:

تشير التصريحات الأمريكية إلى عدم وجود رغبة لدي واشنطن في التدخل في الصراع الدائر حاليًا في سوريا، بعد تقدم قوات الثوار وانتزاعهم مدينة حلب ومدن أخري من يد القوات التاربعة لبشَّار الأسد، باعتبار أن هذا يُضعِف روسيا حليف بشار.

الموقف الأمريكي، ومعه الإسرائيلي، ينظران لتطورات سوريا من منظور أنها مكسب لهما لسببين: الأول أن هذه الانتصارات لقوى المعارضة جاءت على حساب إيران وحلفائها الذين يدعمون بشار الأسد، وسيكون لها تأثير سلبي على حزب الله عدوها اللدود، يدفعه للانكماش والانشغال بدعم بشار بدلًا من قتال إسرائيل.

والثاني: أن القوات الأمريكية بعيدة نسبيًّا عن مناطق القتال، حيث تتوزع في 25 موقعًا، منها 22 قاعدة عسكرية، و3 نقاط تواجد، في محافظات الحسكة، الرقة، دير الزور وريف دمشق، وبين محافظتي دير الزور والحسكة.

هذا التصريح يعكس وعيًا أمريكيًّا بتعقيد المشهد، إلَّا أنه لا يخلو من التناقض مع تصريحات مسؤولين آخرين أبدوا تفاجئهم بالتصعيد رغم أن واشنطن تراقب المنطقة جيدًا بالأقمار الصناعية وتعلم مبكرًا بتحرك قوات المعارضة.

الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية، هارلي ليبمان، يرى أن واشنطن تتبنى مقاربة براغماتية قائمة على تقليل النفوذ الإيراني وحزب الله في سوريا، لكنها تخشي من الإطاحة بالرئيس السوري؛ لأن هذا لا يصب في مصلحتها، فهي تفضل التعامل مع حكومة الأسد الضعيفة بدلًا من مواجهة تهديد أكبر من قبل الجماعات الإسلامية السورية.

القلق الأمريكي والإسرائيلي نابع من أمرين: “الأول” أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي قوات من الأكراد تسلحها أمريكا وتمولها وتدعمها بحجَّة محاربة تنظيم الدولة (داعش) في سوريا، ولكنها تعادي تركيا وتنفذ عمليات عسكرية ضدها، تعرَّضت لضربة قوية في سوريا، وخسرت أهم مناطق تمركزها في “تل رفعت” و”منبج”.

و”الثاني” أن قوى المعارضة السورية التي تحقق انتصارات كبيرة وقد تتمكن من السيطرة على حماة وحمص وربما تزحف إلى دمشق لاحقًا في حالة استمرار انتصاراتها، أغلبها من التيارات الإسلامية الجهادية السُّنيَّة، وتعادي أمريكا وإسرائيل.

وتخشي تل أبيب أن يسيطر الإسلاميون على الحكم في سوريا في نهاية المطاف ما يجعل على البوابة الحدودية الإسرائيلية خصم إسلامي يشكل تحديًا أمنيًّا كبيرًا لدولة الاحتلال أخطر من حزب الله، بدلًا من بشار الاسد الذي يحافظ على الهدوء مع دولة الاحتلال ويسمح لهم بالسيطرة على الجولان المحتل منذ 57 عامًا.

وتنتمي الفصائل السورية المعارضة المسلحة التي تحارب قوات بشَّار الأسد لمجموعات سلفية معتدلة، وتيارات وطنية أخرى، وضبَّاط وجنود منشقين عن جيش الأسد، وكلهم معادون لإسرائيل.

وأبرز هذه المجموعات المشاركة في الهجوم هي “هيئة تحرير الشام”، وهي جماعة إسلامية مسلحة تشكلت في يناير 2017م نتيجة اندماج فصائل جهادية عدة، وتضم المتحولين والمنشقين عن أفكار “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”، التي تمَّ حلها.

و”حركة أحرار الشام” الإسلامية، وهي تيار سلفي معتدل، وتشكلت من اتحاد أربع فصائل إسلامية هي: “كتائب أحرار الشام” و”حركة الفجر الإسلامية” و”جماعة الطليعة الإسلامية” و”كتائب الإيمان المقاتلة”.

هناك أيضًا “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي تحالف للمعارضة السورية المسلحة في جنوب غرب سوريا، تمَّ تشكيله من قبل 11 فصيلًا في “الجيش السوري الحر”، في مايو 2018، بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد ويضم 30 ألف مقاتل.

وهناك أيضا كتائب “نور الدين الزنكي”، وهي حركة إسلامية ثورية شاركت في القتال ضد النظام السوري خلال السنوات الماضية، وهم من تلامذة “المدرسة الحلبية المشيخية”.

هدف أمريكا من تواجدها في سوريا ليس محاربة داعش، وإنما احتلال حقول النفط في شمال شرق سوريا وسرقة النفط، وزعزعة الاستقرار وخلق الفوضى في المنطقة للضغط على دول مثل تركيا وحماية أمن إسرائيل.

وهذا ما سبق أن صرح به الرئيس ترامب بوضوح وقاله السكرتير الصحفي السابق في البيت الأبيض، وهو نفس هدفهم في العراق.

أيضا تمثل المصالح الأمريكية في سوريا بشكل رئيس في الحفاظ على الاستقرار في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي احتواء النفوذ الإيراني والروسي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى