الخبر:
يوم 14 ديسمبر 2024 اجتمعت 8 دول عربية هي: مصر والأردن والسعودية والعراق ولبنان والإمارات والبحرين وقطر، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، في الأردن، للبحث في موضوع سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة فصائل المعارضة على سوريا.
الدول الثماني شكلت ما سُمِّي “لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا” بعد أن اجتمعت في مدينة العقبة جنوب الأردن.
أصدرت الدول المجتمعة بيان “العقبة”، الذي نصَّ في البند الأول منه على “وقوف المجتمعين إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له و”احترام إرادته وخياراته”.
لكن الدول الثماني، طالبت في البند الثاني من البيان بعملية انتقالية سياسية سورية جامعة “ترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية وفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه”، ما اعتبره سوريون، دعوة لوضع سوريا تحت “الوصاية الدولية”، ومحاولة لإجهاض ثورتها.
التعقيب:
كانت أمريكا قدمت مشروعًا للأمم المتحدة للتصويت عليه، يوم 18 ديسمبر 2015م، حول “إطار الحل السياسي للأزمة السورية”، بهدف دعوة ممثلي النظام السوري والمعارضة للمشاركة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي.
وصوَّت على هذا القرار رقم 2254 أعضاء مجلس الأمن الـ 15 بالإجماع، وبدأ العمل به في يناير/كانون الثاني 2016م، بهدف الوصول لعملية انتقالية سياسية سورية “ترعاها الأمم المتحدة”، لكن نظام بشار الأسد رفض، فلم يُطبَّق القرار.
والآن، عقب سقوط الأسد، عادت الدول العربية القلقة من التوجه الإسلامي لفصائل المعارضة السورية التي سيطرت على دمشق، للمطالبة بإحياء القرار المعطل منذ 9 سنوات، رغم انتهاء دور نظام الأسد، ما يعني إعطاء الأمم المتحدة والدول الكبرى أداة للتحكم في تشكيل نظام الحكم المقبل في سوريا.
يُعبر هذا التحرك من جانب الأنظمة العربية، خاصَّة أنظمة الثورة المضادة (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) عن حالة القلق، التي أشارت لها عدة تقارير غربية، من انتصار الثوار الإسلاميّين وسيطرتهم على سوريا، ومن ثم خشية الأنظمة من تكرار تجربة الربيع العربي عام 2011م وتدخلهم حينها لإجهاضه.
“بيان العقبة” يُفهم منه وضع سوريا تحت وصاية الأمم المتحدة؛ لأن اللجنة العربية رهنت مستقبل سوريا وما تحقق من ثورة باقتلاع نظام الأسد بعد 61 عامًا في السلطة، بأن تكون تلك العملية السياسية تحت وصاية الأمم المتحدة (قرار مجلس الأمن رقم 2254).
استخدم بيان الأنظمة العربية في “العقبة” نفس مفردات بيان الأمم المتحدة، متجاهلًا انتصار الثورة علي بشار الأسد، رغم أنه بيان قديم وعفا عليه الزمن، ما جعل سوريون يتخوفون من اختطاف ثورتهم، ويصفون بيان العقبة عبر مواقع التواصل بأنه “الخنجر الأول من خناجر الثورة المضادة”.
إدخال الأمم المتحدة في الشأن السوري بهذه الطريقة يفتح المجال لكل دولة أن تطلب تعيين مندوب لها في المجلس الانتقالي السوري، بما يدعم أجندتها، التي ليست بالضرورة تتفق مع أولويات سوريا.
مطالبة الأنظمة العربية بخضوع عملية التغيير في سوريا، وتشكيل النظام السياسي الجديد، لقرار مجلس الأمن القديم، الذي كان يطالب بمفاوضات بين المعارضة ونظام الأسد، معناه السماح لنظام الأسد بالعودة للتفاوض، بعدما انتهي دوره وتخلصت منه الثورة، ويعني ضمنًا إجهاض الثورة المسلحة نفسها.
بعد طرح الأنظمة العربية فكرة وصاية الأمم المتحدة، التي هي في الأصل خارطة تفاوض بين نظام الأسد وفصائل المعارضة السورية، أصدر بشار – في مفارقة وتوقيت مريب – أول بيان له من روسيا يصف فيه تحرر سوريا بأنه “تنصيب للإرهاب العالمي”، وتحدث عن “عودة سوريا حرة مستقلة”، ما يَعني أن بيان العقبة أحيا آماله في العودة للظهور من باب التفاوض.
فهم أحمد الشرع – قائد القيادة العامة للإدارة السياسية الجديدة في سوريا – هذا الهدف، لذا أبلغ مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا “غير بيدرسون” الذي زار سوريا بضرورة إعادة النظر في خارطة الطريق التي حددها مجلس الأمن الدولي عام 2015م.
هاجم سياسيون ونشطاء سوريون البيان الختامي لقمة العقبة، واعتبروه محاولة لإجهاض الثورة السورية وتسليمها للأمم المتحدة والدول المتحكمة فيها، كي تحكم سوريا وفق مصالحها، عبر فرض وصاية دولية على المنتصر.
أكد سياسيون سوريون أن بيان العقبة تحريض واضح للمجتمع الدولي كي لا يَعترف بالنظام الجديد في سوريا بديلاً عن النظام المخلوع، واعتبروه “دعوة لتشكيل هيئة حاكمة تضع سوريا تحت وصاية الأمم المتحدة بدلًا من تشكيل حكومة وطنية تستجيب للثورة ومطالبها”.
تحدث كتاب وصحفيون سوريون عن محاولات الثورة المضادة، التي تقودها الإمارات ومصر، لتدويل قيادة سوريا الجديدة، خشية من انتقال ثورتها لمصر والخليج، مشيرين لحالة الرعب التي انتابت السيسي وقادة عرب آخرين وتصريحاتهم حول ثورة سوريا.
أكدت صحيفة “واشنطن بوست”، في 14 ديسمبر 2024م، أن “سقوط الأسد بأيدي الثوار الإسلاميّين يزعزع استقرار الحكام المستبدين في المنطقة”، لذا فهم خائفون.
وذكرت أن زعماء دول مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية يشعرون بالقلق من أن تؤدي الإطاحة بالأسد، وصعود حكومة إسلامية إلى إعادة مشهد الأيام الأكثر إثارة في الربيع العربي، وأن القلق من حكام سوريا الإسلاميّين الجدد يحكم مواقف الأنظمة الاستبدادية العربية.
أوضحت الصحيفة أيضًا أن نظام السيسي في مصر هو أكثر المرعوبين من انتصار ثوار سوريا الاسلاميّين، خاصة بعد احتجاج مصريين ضده في النرويج والصراخ في وجهه “أنت التالي بعد الأسد”.
أرجع مصريون رعب السيسي، ليس فقط إلى انتصار الثوار الإسلاميّين في سوريا، ولا إلى الشعب المصري، ولكن إلى قبول أمريكا والغرب والخليج، على مضض، لهذا التغيير في سوريا، ما يَعني أنهم سيتخلون عنه أيضًا بسهولة لو حصلت ثورة ضده.