الخبر:
في غضون 4 أيام، من 17 حتى 21 سبتمبر 2024، شنَّ الاحتلال الصهيوني، سلسلة هجمات عدوانية عسكرية ولا سلكية، سقط بموجبها أكثر من 70 قتيلًا من لبنان، غالبيتهم من قادة وجنود وأسر حزب الله، والباقي من المدنيّين.
حيث قتل الاحتلال على مدار يومين، 37 لبنانيًّا عبر تفجير أجهزة اتصالات لاسلكية، صنعها الموساد عبر شركات وهمية في أوروبا، ووضع بها متفجرات صغيرة ووردها إلى لبنان، خاصَّة أجهزة النداء (بيجر) التايوانية واللاسلكي الياباني.
واتبع الاحتلال ذلك بقصف مبني كان يجتمع فيه قرابة 20 من قادة حزب الله العسكريّين بجنوب لبنان بقنابل أعماق، طالت الطابق الثاني تحت الأرض، الذي يجتمعون فيه، فقتل 16 منهم، أبرزهم قائد قوة الرضوان ونائبه.
الضربات الإسرائيلية المتتالية لحزب الله، واستغلال تلأبيب حرص الحزب على عدم الخروج عن “قواعد الاشتباك” مع الاحتلال، أي قصر القصف على أهداف عسكرية وفي نطاق منطقة الحدود فقط، أدَّي لتآكل كبير في ردع الحزب، ما شجع الاحتلال على خرق هذه القواعد وتوجيه ضربات أكبر له.
رد حزب الله بضربة صاروخية كبيرة، يوم 22 سبتمبر 2024، خرقت قواعد الاشتباك، ووصلت حتى 60 كم لشرق حيفا ومرج بني عامر والعفولة والناصرة، شملت قاعدة رامات ديفيد ومجمعات صناعات عسكرية في حيفا.
نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، وصف الصواريخ التي أمطرت الشمال الفلسطيني المحتل بأنها “دفعة على الحساب في معركة الحساب المفتوح”.
وبالمقابل، أعلن الاحتلال نقل مركز ثقل الحرب من غزة إلى لبنان، وبدأ في قصف عنيف، قال إنه لن يتوقف لحين انسحاب حزب الله من المنطقة الحدودية وإعادة قرابة 100 ألف مستوطن هجروا مدن الشمال إلى منازلهم.
بدأت المجازر ضد المدنيّين في جنوب لبنان، مثل غزة، بقصف صهيوني جنوني أدَّي لسقوط 492 شهيدًا، بينهم 35 طفلًا و58 سيدة، وجرح ما يقرب من 1645 في يوم واحد، ومسح أسر بالكامل من السجل المدني، وهو ما يتطلب ردًّا بالمثل من حزب الله، وهذه هي نقطة التصعيد الحرجة لحرب شاملة.
الآن بات حزب الله يواجه خيارات صعبة، تتراوح بين استمرار الرد المحسوب والدخول في مواجهة شاملة مع الاحتلال، وهي حرب لا يريدها الحزب، لكن بنيامين نتنياهو يريدها.
ليس أمام حزب الله سوي المواجهة الشاملة بعد صفعات تفجيرات البيجر واللاسلكي وقتل قادة “قوة الرضوان” والمجازر ضد المدنيّين؛ لأن خيارات “الرد المحسوب” تعني أن الردع انتهي من جانبه وبات في يد الاحتلال.
التعقيب:
- الأضرار المحتملة المترتبة عن الحرب الشاملة ستكون جسيمة على الجانبين، لبنان وإسرائيل، مع استحالة تحقيق انتصار سهل، لذا قرر الاحتلال اتباع استراتيجية “التصعيد من أجل التصعيد”، ولكن دون الوصول إلى حرب شاملة، حسبما قالت قناة “كان 11” الرسمية يوم 22 سبتمبر.
- مشكلة نتنياهو أنه يهرب للأمام، سواء في غزة أو لبنان، ويختار التصعيد وعدم وقف الحرب لأن انتهائها يعني انسحاب الأحزاب الدينية الصهيونية المتطرفة من حكومته وانهيارها، وبدء فتح ملفات هزيمة “طوفان الأقصى” ومحاكمته.
- مشكلته أيضًا أنه – رغم علمانيته- يؤمن أن الدولة الصهيونية في طريقها للانهيار مع اقتراب “لعنة الثمانينات”، حيث لم يعش لليهود دولة سوي حتى عمر 80 سنة، وإسرائيل في عامها رقم 76 الحالي، ودوره هو محاولة انقاذها، بإزالة خطر حركة حماس وحزب الله اللبناني، لذا قال قبل أيام: “زمن المشياح (المسيح المنتظر من نسل داوود) جاء ليقيم مملكة اليهود”.
- إسرائيل تهدف من وراء التصعيد الحالي لوضع حزب الله أمام ثلاثة خيارات، جميعها سيئة بالنسبة له: الأول “الحرب الشاملة” التي لا يريدها الحزب، والثاني دفع نصر الله لوقف إسناده لجبهة غزة، والثالث عودة الحزب للالتزام بقواعد الاشتباك، رغم أن إسرائيل تخرقها.
- حزب الله يدرك أن الصفعات الأخيرة التي تلقاها من جانب الاحتلال أهدرت مصداقيته وأخلت بالردع، لذا فهو يصعد بما قد يؤدي في لحظة ما لحرب إقليمية شاملة تتدخل فيها إيران ومعها محور المقاومة والغرب، لأن قبوله بخيارات الاحتلال معناه إعلان الاستسلام للاحتلال، كما أن نتنياهو لن يكتفي بذلك.
- قصف حزب الله المدن الإسرائيلية والمطارات العسكرية يوم 22 سبتمبر كان مختلفًا هذه المرة، فهو قصف قوي، وشمل مساحات تصل الي 60 كم، واستهدف قواعد جوية إسرائيلية، مثل “رامات ديفيد” ومصنع رافاييل للتصنيع العسكري قرب حيفا.
- أظهرت الضربات المتبادلة الأخيرة أن ما يُشاع عن انهيار حزب الله عقب قتل الاحتلال 16 من قادته غير صحيح، حيث لا يزال الحزب يمتلك نفس القدرات.
- حزب الله انتقل لاستخدام صواريخ أكبر، مثل فادي 1 وفادي 2، لكن هذه الصواريخ متوسطة المدى ورؤوسها متوسطة الحجم، ما يَعني أنه يوفر الصواريخ طويلة المدى لمرحلة حرب أكبر، هي الحرب الشاملة.
- استمرار نتنياهو في التصعيد والخروج عن قواعد الاشتباك مع حزب الله بحجة إعادة 100 ألف مستوطن لمدنهم بشمال دولة الاحتلال، سيؤدي به لوضع مليوني إسرائيلي آخرين تحت رحمة صواريخ حزب الله.
- الخلاصة أن الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات؛ لأن توقفها معناه هزيمة المشروع الصهيوني، لكن استمرارها وتصاعدها سيؤدي عند نقطة ما لانزلاق الجميع لحرب شاملة.