مقدمة
أثارت سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد توليه الرئاسة للفترة الثانية، حفيظة العديد من الدول، سواءً على المستوى العالمي أو على مستوى الشرق الأوسط، بما طرحه من مقترحات حول الاستيلاء على أراضٍ تابعةٍ لدول أخرى، منها قطاع غزة.
هذه الورقة محاولة لتقديم تقدير موقف حول تعاطي العالمين العربي والإسلامي مع خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة والاستيلاء عليه.
تسلط الورقة الضوء على مخطط ترامب، والتفسيرات المختلفة لتصريحاته حول الاستيلاء على القطاع. ثم تنتقل إلى استعراض الموقف العربي، الذي ينقسم إلى موقف مُعلَن وآخر غير مُعلَن، وخطورة هذا الموقف – الذي يتبلور في شكل ترتيبات سوف تتبناها الدول العربية – على المقاومة ومستقبل القضية الفلسطينية. وتُختَم الورقة برصد الموقف الإسلامي، الرسمي والشعبي، لمعرفة أهميته في التصدي لمخطط التهجير.
أولًا: مخطط تهجير الفلسطينيّين
يمكن القول إن تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب حول تهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة، والاستيلاء على القطاع، جزء من مخططات اليوم التالي للحرب، التي طُرِح منها الكثير أثناء الحرب، وتسعى كلها للوصول إلى قطاع لا تسيطر عليه حركة حماس.
1 – مخطط ترامب للتهجير
اقترح ترامب أن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة، وتحويلها إلى منتجع فاخر، أو “ريفييرا الشرق الأوسط”، بينما يتم إعادة توطين سكانها الفلسطينيّين في دول أخرى بالمنطقة، هي مصر والأردن، حيث يُطلَب من كلا البلدين استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيّين وتوطينهم.
أثارت هذه الخطة رفضًا واسعًا من جانب الدول العربية، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، الذين اعتبروها انتهاكًا للقانون الدولي ومحاولة لتهجير الفلسطينيّين قسريًّا، ما يتماشى مع خطة اليمين الإسرائيلي المتطرِّف، الذي يسعى لإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية.
ويبدو أن جاريد كوشنر، صهر ترامب، هو مَن طرح هذه الفكرة، حيث كان سابقًا قد اقترح إعادة بناء غزة كمشروع فاخر ونقل سكانها إلى أماكن أخرى.
وَصَف محللون الخطة بأنها غير واقعية واستفزازية، وتعكس نهج ترامب في التعامل مع القضايا السياسية كما لو كانت صفقات عقارية، مما قد يؤدِّي إلى مزيدٍ من التوتر وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
2 – تفسير تصريحات ترامب
نظرًا لعدم واقعية فكرة ترامب، فقد طرح بعض المحللين احتمالات أربعة في تفسيرهم لتصريحات ترامب حول التهجير، مفادها أن تصريحاته مجرد وسيلة لتحقيق أهداف أخرى، هي:
- صرف الانتباه عن قضايا أكثر أهمية وإن كانت أقل إثارة. فترامب معروف بأنه يَغمر الساحة السياسية بأفعال جريئة، وغالبًا ما يمكن التشكيك فيها من الناحية القانونية، ما يجعل من الصعب على الآخرين مجاراته في جميع القضايا التي يخوض فيها. المشكلة تكمن في تحديد ما هو جاد وما هو غير جاد فيما يطرحه، ولكن تجاهل مثل هذه الأطروحات، خاصَّة فيما يرتبط بقطاع غزة والقضية الفلسطينية، قد يكون أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
- رفع سقف التهديد ثم التراجع مقابل تنازلات مقبولة وملوسة. فقد يكون هذا تهديدًا غير منطقي من ترامب لإجبار دول الشرق الأوسط على البحث عن سلام أكثر استدامة، إذ قد تكون الفكرة هي: “إذا لم تتمكنوا مِن حل هذه المشكلة، فسوف نتدخل نحن لحلها”.
- ترسيخ فكرة أن ترامب لا يمكن التنبؤ بأفعاله، وأنه قادر على فعل أيّ شيء، لدفع الدول الأخرى إلى البقاء في صفه. وقد وَصَف أحد مستشاري ترامب السابقين ذلك بقوله: “ترامب ينقل حدود الجنون إلى مستوى جديد، وهو في هذه المرة لا يخشى العناوين الرئيسة للصحف أو النقاد والمحللين السياسيّين. سوف يلقي بكل ما يريد أن يلقيه ببساطة”.
- الميول الاستعمارية، فتهديد ترامب بالاستيلاء على قطاع غزة جزء من هذه الميول المتزايدة، فقد تحدث بطريقة جدية عن ضم كندا إلى أمريكا، والمطالبة بجرينلاند وقناة بنما، وترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية استخدام الإكراه العسكري للقيام بذلك.
هذه الاحتمالات الأربعة لتصريحات ترامب حول تهجير سكان قطاع غزة والاستيلاء عليه، كلها يمكن أن يكون صحيحًا، غير أن أقربهم إلى الواقع في الشرق الأوسط هو الاحتمال الثاني، الذي يتفق مع شخصية ترامب، الذي يميل إلى الضغط على الآخر ورفع سقف المطالب للوصول إلى تنازلات، ويتفق أيضًا مع أهداف الأنظمة العربية، التي تريد القضاء على حماس وإخراجها من المشهد ولكنها لا تستطيع في الوقت نفسه أن تتجاوب مع فكرة التهجير القسري لسكان القطاع.
ثانيًا: الموقف العربي من التهجير
الموقف العربي من التهجير موقف شائك، على المستوى الرسمي، في غياب موقف شعبي مؤثر بسبب الاستبداد والقمع. فالموقف الرسمي لا يُعبّر مستواه العلني الرافض للتهجير عن حقيقته كاملة، حتى وإن بَدَت الأنظمة العربية في أزمة حقيقية بسبب تصريحات ترامب وضغوطه المتزايدة عليها، خاصَّة وأنها بين خيارين، أحلاهما مُر، وهما القبول بالتهجير كما يريد ترامب والتعرُّض لأزمات داخلية قد تهدد استقرارها، أو رفض التهجير وتعريض علاقاتها مع واشنطن للخطر، بالإضافة إلى تفويت فرصة انتظرتها هذه الأنظمة، وهي التخلص من المقاومة.
1 – الموقف العربي الرسمي
وضعت تصريحات ترامب الأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة – والتي تعتمد عليها في حماية بقائها في السلطة – في مأزق؛ لأن ولاءها للولايات المتحدة وحاجتها إلى العلاقات الإستراتيجية معها يقتضيان مشاركتها في تنفيذ خطة ترامب في حال قرر المُضي قدمًا في تنفيذها، أو التجاوب معها في حال استخدمها في تحقيق أهداف أخرى، منها إزاحة حماس من حكم قطاع غزة وإقامة إدارة بديلة في القطاع.
ولكن الموقف الرسمي لهذه الأنظمة، خاصَّة مصر والأردن، كان الرفض العلني لهذه الخطة؛ لأن النظامين المصري والأردني لا يمكنهما تحمُّل عواقب التواطؤ في التطهير العرقي الممنهج على أرض فلسطين، للأسباب التالية:
- طبيعة التركيبة الديمغرافية في الأردن، والتي تضم نسبة كبيرة من السكان الفلسطينيّين، مما يهدد بقاء الدولة الأردنية في حالة استقبال أعداد أخرى من سكان غزة.
- مخاوف النظام المصري من توطين المُهجَّرين الفلسطينيّين في سيناء، واتخاذهم من المكان نقطة انطلاق لمهاجمة الكيان الصهيوني، وهو ما يُهدِّد اتفاقية السلام بين مصر وتلأبيب.
- مخاوف السيسي من وجود إسلاميّين بين المُهجَّرين، ينتمون إلى حركة الإخوان المسلمين، أو إلى الجهاديّين، وهو ما يَعتبره تهديدًا مباشرًا له في حال تواجدهم على الأراضي المصرية.
- المخاوف من تعرُّض نطامي مصر والأردن المُطبّعين مع إسرائيل للخطر، في حالة انفجار الغضب الشعبي بسبب المشاركة في خطة التهجير التي تهدد مستقبل القضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من الرفض الإماراتي الرسمي، إلَّا أنها خرجت بموقف يُفهَم منه الموافقة ضمنًا على خطة ترامب، حينما علَّق سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، على مقترح ترامب بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن قائلًا: “لا أرى بديلًا عمَّا يُعرَض”. تلك التصريحات المريبة حول التهجير وضعت أبوظبي في مرمى الاتهامات، لأنها لم تكن تصريحات عابرة، بل جاءت من قلب القمَّة العالمية للحكومات في دبي وأمام رؤساء دول ومسؤولين دوليّين.
ولعل هذا الموقف الإماراتي يشير إلى أن الموقف العربي ليس موحدًا، ويُفسِّر تأجيل القمة العربية الطارئة التي دَعَت إليها مصر، رغم خطورة القضية المطروحة على جدول أعمالها، بحجَّة وجود اعتبارات تتعلق بجدول أعمال قادة الدول المشاركة.
2 – الموقف العربي غير المُعلَن
يُفضِّل النظامان المصري والأردني هزيمة حماس في كل من غزة والضفة الغربية، ويَرى كل منهما في الظرف الحالي في قطاع غزة فرصة لإضعاف الحركة والقضاء عليها. فحماس، التي تنتمي لمدرسة الإخوان المسلمين، يَعتبرها هذان النظامان تهديدًا مباشرًا لحكمهما؛ لأن أي تصور لانتصار حماس من شأنه أن يُعزز الجماعات المعارضة الإسلامية، ويُهدِّد استقرار أنظمة عربية عديدة يمثل الإسلاميون المعارضة الحقيقية لها.
ومع ذلك، فإن كلا النظامين ومعهما الأنظمة العربية الأخرى، المُطبِّعة مع الكيان الصهيوني، يحافظان علنًا على موقف متوازن، إذ يجب أن يُظهِرا مقاومة لخطة ترامب لتجنب ردود الفعل المحلية وحماية مكانتهم الدولية.
ويجادل محللون بأنه ليس من المُستبعَد أن يكون النظامان المصري والأردني قد اتفقا سرًّا على دعم مشروط للاقتراح، بشرط أن يمارس ترامب الضغوط بما فيه الكفاية، ليجعل الأمر يبدو كما لو أنهما ليس لديهما خيار سوى الامتثال. ويَحظى هذا الاحتمال بموافقة كثيرين رغم عدم وجود أدلة ملموسة على وجوده.
ولكن ثمَّة تحليل آخر، هو أن يَرفع ترامب سقف مطالبه، ويُمارس أقصى درجات الضغط والتشدُّد، في مقابل رفع سقف الرفض العربي الرسمي من جانب الأنظمة الموالية لواشنطن والمُطبّعة مع الكيان الصهيوني، لتظهر هذه الأنظمة أمام الشعوب العربية في مظهر الباحث عن مصلحة الفلسطينيّين، ثم تقدم خطة عربية تقوم على الحل الوسط، وهو وقف خطط التهجير في مقابل إزاحة حماس من حكم قطاع غزة وتوقفها عن المقاومة المسلحة، ليتحقق لإسرائيل هدفٌ لم تستطع تحقيقه من خلال الحرب.
وفي حالة رفض حركة حماس، سوف تُشَن ضدها حملة تشويه، مفادها أن الأنظمة العربية فعلت كل ما بوسعها، وتَحدَّت الولايات المتحدة، من أجل مصلحة الفلسطينيّين، ولكن حركة حماس لا تريد أن تضحي من أجل سكان القطاع.
3 – الخطة العربية البديلة
يُنتظر أن تطرح مصر، خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، في اجتماعٍ لبعض الدول العربية، بالرياض، في 20 فبراير 2025م، فيما يمكن أن يشكِّل خطة عربية، في حال التوافق عليها في القمِّة العربية المحتمل عقدها في مارس 2025م.
ووفق ما تسرَّب من عناصر هذه الخطة، فإنها تقوم على عنصرين رئيسين: تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزة دون مشاركة حركة حماس، ومشاركة عربية في إعادة إعمار القطاع دون تهجير سكانه، بمبلغ يصل إلى 20 مليار دولار.
ويدعو الاقتراح المصري إلى إنشاء “مناطق آمنة” داخل غزة، بحيث يمكن للفلسطينيّين العيش فيها بينما تقوم شركات البناء المصرية والدولية بإعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع.
وكانت قناة “القاهرة الإخبارية”، التابعة لجهاز المخابرات المصرية، قد نشرت أخبارًا عن “مصدر مطلع”، أن “حركة حماس قبلت بعدم المشاركة في إدارة قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة”، وأن “مصر تجري اتصالات لتشكيل لجنة مؤقتة من أجل الإشراف على عملية الإغاثة وإعادة إعمار قطاع غزة”.
ووفقًا لمسؤولين مصريين مشاركين في الجهود، فإن جوهر الاقتراح المصري هو إنشاء إدارة فلسطينية غير متحالفة مع حماس أو السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع والإشراف على جهود إعادة الإعمار. كما تدعو القاهرة إلى قوة شرطة فلسطينية تتكون في الأساس من رجال شرطة سابقين من السلطة الفلسطينية الذين بقوا في غزة بعد سيطرة حماس على القطاع في عام 2007م، مع تعزيزات من القوات المدربة من قبل مصر والغرب.
من جهتها قالت حماس إنها مستعدة للتخلي عن السلطة في غزة. وقال المتحدث باسمها عبد اللطيف القانوع إن الحركة قبلت إمَّا حكومة وحدة فلسطينية من دون مشاركة حماس أو لجنة من التكنوقراط لإدارة المنطقة. فيما تعارض السلطة الفلسطينية حتى الآن أي خطط لغزة تستبعدها.
هذا في حين تنتظر إسرائيل تقييم الخطة المصرية فور طرحها، لكنها حذرت من أن “أيّ خطة تستمر فيها حماس في حكم غزة لن تكون مقبولة”.
4 – خطورة الموقف العربي
ما يبدو من التوافق العربي الرسمي حول رفض مشروع ترامب للتهجير، بل ووضع الدول العربية لخطة بديلة لإعادة الاعمار بميزانية قد تصل إلى 20 مليار دولار من أموال المنطقة، ومهاجمة الإعلام الرسمي السعودي لإسرائيل، بالإضافة للتأكيد الرسمي المتكرر لمصر والأردن والسعودية على رفض التهجير، وإعلان جاهزية الجيش المصري ونشر أخبار تحركاته في سيناء، بالإضافة إلى أن خطة ترامب قد تؤدِّي إلى الإضرار بمصالح هذه الدول العربية وزعزعة استقرارها؛ يشير لدى محللين إلى أن رفض هذه الدول هو رفض حقيقي وليس فقط من أجل امتصاص الغضب الشعبي لديها. حيث جاء الاقتراح المصري محققًا لإعادة إعمار القطاع وبأموال عربية، ومؤكدًا في الوقت نفسه على أمن إسرائيل، بمحاولة التخلُّص من أيّ دور مستقبلي لحركة حماس.
وسواء نُفذت خطة ترامب أو تمَّت الموافقة على الخطة العربية لإعادة الإعمار، فإن ما يحدث على أرض الواقع هو أن جميع الأطراف متفقة على ضرورة القضاء على حركة حماس أو على الأقل إخراجها نهائيًّا من اللعبة السياسية. ويبدو أن استشعار الحركة لهذا الإجماع ضدها هو سبب تراجعها وإبداء استعدادها للتنازل عن الحكومة في غزة للجنة وطنية، وتفاوضها حول دورها في اختيار أعضاء اللجنة ونشر أي قوات برية في القطاع.
ومما يقوي القبول بهذا السيناريو أنه يضمن أمن إسرائيل بالتخلُّص من المقاومة، ويُعِيد الإعمار بأموال عربية، مع ضمان عدم مطالبة الدول العربية لإسرائيل بإعادة الاعمار، ويحقق مصالح جميع الأطراف.
ويقوى هذا السيناريو أيضًا إذا وضعناه في سياقه العالمي الذي سبق عرضه، حيث طالب ترامب بضم كل من كندا وجزيرة جرينلاند للولايات المتحدة والسيطرة على قناة بنما، وهذا لا يمكن أن تسمح به هذه الدول أبدًا، مما يشير إلى أن ترامب يتعامل بمنطق السمسار، الذي يهدد بصفقات تبدو غير ممكنة للحصول على مكاسب أخرى ممكنة.
ولكن ثمَّة احتمالية أخرى خطيرة، وهي أن يكون المقصود النهائي هو وضع الدول العربية في مواجهة مع حركة حماس للتخلُّص منها، خاصَّة مع انتشار الجيش المصري في شمال سيناء، والذي من شأنه تسهيل هذه المهمة، بخنق الحركة تمامًا من ناحية البوابة الجنوبية.
وبكلمات أخرى فإن فكرة ترامب قد تكون مقامرة أمنية مفادها أن “أمنكم مرتبط بأمن إسرائيل”. أي أن ترامب يُخاطِب الدول العربية بأنه بدلًا من تعريض أمنكم القومي للخطر وعدم الاستقرار بسبب التهجير وإثارة شعوبكم ضدكم قوموا أنتم بالقضاء على حماس وضمان أمن إسرائيل.
يقوي هذه الاحتمالية تأكيد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، المتكرر على ضرورة القضاء على حركة حماس، وكذلك إشارته في لقائه مع نتنياهو إلى أن الرئيس ترامب أكَّد أنه لا يمكن لحماس أن تستمر كقوة سياسية وعسكرية.
ثالثًا: الموقف الإسلامي من التهجير
حظي موضوع تهجير سكان قطاع غزة باهتمام كبير في العالم الإسلامي غير العربي، ليس لكون القضية الفلسطينية قضية جامعة لشعوب العالم الإسلامي فقط، وإنما لمحاولات إقحام دول إسلامية في قضية التهجير، في آسيا وأوروبا، واستغلال أسماء هذه الدول في الضغط على المقاومة الفلسطينية في القطاع.
1 – التهجير والبدائل الإسلامية
في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط على مصر والأردن لقبول خطة تهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة إلى أراضيهما، بدأت إسرائيل وأمريكا في الترويج لوجود بدائل أخرى، منها دول إسلامية، يمكن تهجير الفلسطينيّين إليها، هي إندونيسيا وألبانيا.
كان ترامب قد ألمح، في 26 يناير 2025م، إلى أن مقترحه حول التهجير يضم دولًا عربية وإسلامية أخرى، إضافة إلى مصر والأردن.
ونقل الإعلام الإسرائيلي عن مسؤولين إسرائيليّين كبار أن حديث ترامب عن تهجير سكان غزة إلى دول إسلامية لم يكن “زلة لسان”، بل هو تحرُّك أوسع بكثير، وتمَّ التنسيق له بين واشنطن وتلأبيب، وأن العمل من أجل التهجير إلى الدول الإسلامية أكثر جدوى.
ويمكن تفسير البحث عن بدائل إسلامية لمصر والأردن بوجود العراقيل الحقيقية التي تحول دون قبولهما للتهجير، والتي ذُكِرت من قبل.
لهذا، توضع الدول الإسلامية كبديل لتنفيذ خطة التهجير التي يَرى محللون أنها جزء من خطة لحماية حكومة نتنياهو، الذي يرغب في استعادة تأييد اليمين المتطرف، بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عبر تهجير أعداد كبيرة من سكان غزة.
التهجير إلى إندونيسيا
قبيل تنصيب ترامب، تحدث الرئيس الأمريكي للإعلام عن نقل جزء من الفلسطينيّين في قطاع غزة إلى إندونيسيا. وقالت قناة (NBC) إن “إدارة ترامب تقترح إندونيسيا من بين الدول المستضيفة مؤقتًا لفلسطينيي غزة”.
رفضت الحكومة الإندونيسية أيّ محاولة لتهجير أو إبعاد فلسطينيي غزة، وقالت إن هذا الأمر غير مقبول على الإطلاق، وإن مثل هذه الجهود لإخلاء غزة من السكان لن تؤدِّي إلَّا إلى إدامة الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، وتتوافق مع الإستراتيجيات الأوسع التي تهدف إلى طرد الفلسطينيّين من غزة.
ونفت الخارجية الإندونيسية أن تكون حكومتها قد تلقت أيّ معلومات من أيّ طرف، عن أي خطط تتعلق بنقل بعض فلسطينيي غزة البالغ عددهم مليوني نسمة إلى إندونيسيا كجزءٍ من جهود إعادة الإعمار بعد الحرب.
التهجير إلى ألبانيا
ذكرت تقاير إسرائيلية أن إدارة الرئيس ترامب تُجرِي محادثات مع الحكومة الألبانية من أجل استقبال حوالي 100 ألف فلسطيني من قطاع غزة.
نفت ألبانيا وجود محادثات مع الإدارة الأمريكية بشأن استقبال أعداد كبيرة من الفلسطينيّين. وقال رئيس الوزراء الألباني، إيدي راما، إن هذه الأخبار زائفة وغير صحيحة، ولم يطلب أحدٌ منهم ذلك، ولا يمكنهم تحمُّل مسؤوليته.
وأكَّد راما أن بلاده تتضامن مع سكان غزة، وفخورة بعلاقاتها مع إسرائيل ودول الشرق الأوسط، وتتمنى قيام دولة حرة، وألَّا تتمكن حماس من “إيذاء” إسرائيل أبدًا.
إمكانية التجاوب وحدوده
على الرغم من رفض إندونيسيا وألبانيا المشاركة في خطة التهجير ونفي وجود مباحثات مع أطراف أخرى في هذا الشأن، إلَّا أن ذلك لا يَعني استبعادهما تمامًا من خطة ترامب؛ لأن مجرد ذكر أسماء مثل هذه الدول في خطة التهجير يُعَد في حد ذاته دورًا في الخطة، خاصَّة إذا كان هدف الولايات المتحدة وإسرائيل هو توسيع دائرة الضغوط على المقاومة، من خلال إخراج المشهد وكأن التهجيرَ أمرٌ لا مفر منه، وأن الحل الوحيد هو خروج حركة حماس من المشهد في مقابل التراجع عن تهجير سكان القطاع. وذلك للأسباب التالية:
- إمكانية تعرُّض إندونيسيا لضغوط اقتصادية وعسكرية من جانب الولايات المتحدة التي تدعم الحكومة الإندونيسية في مواجهة الصين.
- وجود علاقات بين إسرائيل وإندونيسيا التي هي واحدة من الدول الإسلامية الموجودة على قائمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان من المنتظر أن تطبَّع رسميًّا بعد أن تُطبّع السعودية، ولكن توقفت عملية التطبيع بعد أحداث “طوفان الأقصى”.
- إمكانية تقديم مساعدات لألبانيا من أمريكا والغرب، وربما من دول عربية، مثل الإمارات، في مقابل استقبال عدد من المُهجَّرين من غزة. خاصَّة أن ألبانيا بلد فقير، وتحتاج إلى قوة عاملة، ومساعدات خارجية.
- وجود سوابق لدى ألبانيا في قبول المُهجَّرين مقابل مساعدات وحوافز مالية. فقد استقبلت أعدادًا كبيرة من أعضاء منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة بعد خروجهم من العراق، وأعدادًا من الأفغان الذين خرجوا من أفغانستان بعد عودة طالبان للحكم. كما أن ألبانيا تتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي في استقبال المهاجرين غير الشرعيّين في مراكز استقبال على أراضيها، بعد ضبطهم أثناء محاولاتهم دخول تلك الدول.
2 – الموقف الإسلامي الرسمي
ثمَّة موقف إسلامي رسمي من تهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة، تبلور من خلال تواصُل إسلامي إسلامي، وتواصُل إسلامي عربي، على مستوى قيادي رفيع، أظهر حالة من التوافق الكامل بشأن هذه القضية، وهو رفض التهجير.
التوافق الإسلامي الإسلامي
احتلت قضية تهجير سكان غزة صدارة الاهتمامات المشتركة بين الدول الإسلامية غير العربية، وعلى رأسها الدول الكبرى، وهي تركيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان وإيران.
والمُلاحَظ أن الدول الإسلامية قد تجاوزت ما بينها من خلافات أمام الخطر الذي يتعرَّض له الفلسطينيون، وأظهرت توافقها الكامل حول دعم القضية الفلسطينية، وهو ما ظهر في التواصُل بين إيران وتركيا اللتين تصاعد الخلاف بينهما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، وبين إيران وباكستان اللتين وَصَل الخلاف بينهما إلى حد تبادل القصف في 2024م.
أمَّا الموقف الإسلامي الإفريقي من التهجير فقد ظهر من خلال الدور الذي لعبته الدول الإسلامية في اجتماع قمَّة الاتحاد الإفريقي، التي عقدت في إثيوبيا، في 15 فبراير 2025م، وخرجت ببيان رفضت فيه التهجير، واعتبرته مخالفًا للقانون الدولي، ودَعَت إلى وقف كافة أشكال التعاون والتطبيع مع إسرائيل لحين إنهاء احتلالها لفلسطين وعدوانها على الفلسطينيَّين.
التوافق الإسلامي العربي
أتاحت قضية التهجير فرصة للتواصُل الإسلامي العربي، من خلال مباحثات مباشرة وغير مباشرة بين الدول الإسلامية ودول عربية كبرى، مثل مصر والسعودية.
هذا التواصُل أظهر حالة كبيرة من التوافق بين العالم الإسلامي بشقيه، العربي وغير العربي، حول قضية مركزية جامعة، هي القضية الفلسطينية.
ظهر هذا التوافق في تواصُل دولة مثل إيران مع دول عربية عديدة، منها السعودية، التي تتصارع معها على النفوذ الإقليمي وتعتبرها خطرًا يهدد أمنها القومي، حيث اتفق البلدان على رفض التهجير، ودَعَمت الرياض مقترح طهران بعقد اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي لتوحيد المواقف إزاء ما وصفه البلدان بالمؤامرة.
كذلك أظهر التواصُل بين تركيا ومصر وجود درجة عالية من التوافق حول الشأن الفلسطيني، رغم التنافس في العديد من الملفات، في ليبيا وسوريا ومنطقة القرن الإفريقي، حيث رفض البلدان التهجير والانتزاع من الأرض، أو تشجيع نقل الفلسطينيّين إلى دول أخرى، لأغراض قصيرة أو طويلة الأجل؛ لأن مثل هذه الأعمال تهدد الاستقرار وتؤجج الصراع في المنطقة وتقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها.
مرتكزات الموقف الإسلامي الرسمي
اشتمل الموقف الإسلامي الرسمي من مخطط تهجير سكان قطاع غزة على مجموعة من المحاور، التي تصب في إبطال حجة ترامب بعدم صلاحية القطاع للمعيشة، ودعم القضية الفلسطينية، وهي كما يلي:
- رفض أيّ مخطط لتهجير الفلسطينيّين قسرًا من قطاع غزة إلى دول أخرى.
- رفض أيّ خطوة أو مقترح أو مشروع يُصفِّي القضية الفلسطينية ويَحوُل دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
- استنكار عدم التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار واستمرار سياساتها العدوانية ضد الفلسطينيّين.
- ضرورة إنهاء إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية وتعويض الأضرار التي أحدثتها.
- دعم إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة والمتكاملة جغرافيا على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
- التأكيد على التعاون الإسلامي من أجل تعمير قطاع غزة والدفاع عن القضية الفلسطينية.
- تعهد الدول الإسلامية بالقيام بدورها في تعمير قطاع غزة.
- تفعيل دور المنظمات التي تنتمي إليها الدول الإسلامية، مثل منظمة الآسيان، التي ترأسها ماليزيا، حيث تعهد رئس وزرائها، أنور إبراهيم، بحشد دول المنظمة من أجل إعادة إعمار قطاع غزة وتوفير المساعدات الإنسانية لسكانه.
2 – الموقف الإسلامي غير الرسمي
لا يختلف الموقف الإسلامي غير الرسمي من تهجير الفلسطينيّين عن الموقف المُعلَن للحكومات الإسلامية. ويمكن رصد هذا الموقف من خلال التحركات الشعبية، ومواقف المؤسسات غير الحكومية، مثل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
الموقف الشعبي
تحرك الشارع الإسلامي رفضًا لمقترحات ترامب بتهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة، وخرجت مظاهرات في بعض البلدان من أجل التنديد بهذا المخطط وإعلان التضامن مع أهل فلسطين.
من هذه المظاهرات تلك التي خرجت في مدينة إسطنبول التركية، والتي أكد المشاركون فيها أن الشعب الفلسطيني لن يُقتلَع من أرضه رغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
ولكن اللافت في الحراك الشعبي أن المظاهرات لم تعد الشكل الوحيد لتحركات الشعوب، بعد أن ظهرت مبادرات شعبية في بعض الدول لدعم القضية الفلسطينية، مثل مبادرة “هيئة عاملي الزكاة” في إندونيسيا، التي نظمت فعالية بعنوان “من طنجة إلى جاكرتا”، في المحافظات الإندونيسية، لجمع التبرعات من أجل الفلسطينيّين ورفع الوعي والاهتمام بمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة.
كذلك اهتم الحراك الشعبي بالمقاطعة الاقتصادية كوسيلة فعَّالة للضغط على الشركات الغربية الداعمة لإسرائيل، ومِن ثمَّ على حكومات الدول التي تنتمي إليها هذه الشركات. وقد ظهرت آثار هذه المقاطعة بشكل واضح في دول تمتلك أسواقًا واسعة، مثل إندونيسيا وتركيا، اللتين تكبَّدت فيهما شركات غربية خسائر كبيرة واضطرت لتقليص نشاطها بسبب المقاطعة الشعبية.
موقف الأحزاب والمنظمات
أعلنت أحزاب وقوى سياسية ومنظمات مدنية في دول إسلامية رفضها القاطع لمحاولات تهجير الشعب الفلسطيني من أراضيه، ومنها حزب “جمعية علماء الإسلام” الباكستاني، الذي أدان مخطط ترامب الرامي إلى تهجير الشعب الفلسطيني والاستيلاء على قطاع غزة، ودَعَا الحكومة والمؤسسات الباكستانية إلى اتخاذ موقف واضح تجاه القضية الفلسطينية.
كذلك تحركت أحزاب ومنظمات مدنية من أجل إعادة الإعمار، كخطوة مهمة في مساعدة الشعب الفلسطيني للبقاء في أرضه. فشهد البرلمان الإندونيسي – على سبيل المثال – اجتماعًا تنسيقيًّا من أحزاب مختلفة وبمشاركة 120 جمعية إنسانية وإغاثية لها إسهام في العمل الإنساني بفلسطين بهدف تنسيق جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
تحرُّك البرلمان الإندونيسي أسفر عن مبادرت لبناء مجمعات سكنية في قطاع غزة، وترميم المرافق الصحية، وإقامة مستشفيات ميدانية، وإرسال طواقم ومعدات طبية، وكفالة الطلاب، وإعمار المساجد المدمرة.
المهم في موقف الأحزاب والمنظمات غير الرسمية هو إدراكها لأهمية الجانب التوعوي في القضية الفلسطينية، لإحياء القضية في نفوس الشعوب الإسلامية. وهو ما ظهر في مقترحات إندونيسية بتبني الجامعات برامج دراسات حول فلسطين والقدس والنضال الفسطيني، وعقد مؤتمرات وندوات للتوعية بالقضية، وتضمين القضية الفلسطينية في المناهج التعليمية للطلاب في مرحلة ما قبل الجامعة، وإعداد أجيال من المتطوعين المهتمين والمتابعين للشأن الفلسطيني.
4 – موقف الكيانات الإسلامية العابرة للأقطار
لم يختلف موقف الكيانات الإسلامية العابرة للأقطار عن موقف الشعوب والحكومات الإسلامية التي تمثلها. من هذه الكيانات العبارة للأقطار ما يلي:
- منظمة التعاون الإسلامي، التي رأت أن مخطط التهجير يُرسِّخ الاحتلال والاستيطان، ويَنتهِك مبادئ القانون الدولي وقررات الأمم المتحدة ذات الصِّلة. وأكَّدت أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين المحتلة.
- الأزهر الشريف، الذي وَصَف مخططات التهجير بأنها وهمية، ولا يفقه أصحابها حقائق التاريخ، وأن خدعة التهجير لن تتكرر ولن يَسمَح بها أهل غزة. وطالب الأزهر الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف شجاع ومُوحَّد ضد المخططات التي تحاول انتزاع حقوق الفلسطينيّين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف.
- الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي طالب الأمة الإسلامية والعربية بالوحدة والوقوف أمام المؤامرات المستمرة على قطاع غزة. ودَعَا الاتحاد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وأحرار العالم لمنع الانتهاكات الخطيرة للمبادئ والقوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية، وفرض عقوبات دولية على الاحتلال.
- رابطة علماء المسلمين، التي دَعَت إلى اتخاذ موقف حازم ضد التصريحات الأمريكية، واستخدام الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية للضغط على الولايات المتحدة لمنع تنفيذ مخططات التهجير، واستنكرت المواقف “الرخوة” لبعض الدول التي لم تُعلِن رفضها القاطع لهذه السياسات. وحَثَّت الرابطة المسلمين إلى إظهار رفضهم وغضبهم وتوحيد صفوفهم.
- جماعة الإخوان المسلمين، التي أدانت تصريحات ترامب، واعتبرت الموافقة على التهجير مشاركة في جريمتي التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وأكدت الجماعة على أن أيّ هجرة في ظِل الأوضاع الحالية بالقطاع هي “قسرية” وإن بَدَت “طوعية”.
3 – أهمية الموقف الإسلامي
ترتبط القضية الفلسطينية بشكل عام، وقضية التهجير بشكل خاص، بفواعل ثلاثة أساسية، هي الشعب الفلسطيني، بما فيه المقاومة المسلحة، والدول العربية التي تتصدَّر المشهد، والتي أغلبها من الدول المُطبّعة أو التي تسير في طريق التطبيع على حساب الفلسطينيّين، وترى في المقاومة المسلحة حجر عثرة في سبيل التطبيع، وإسرائيل والولايات المتحدة.
هذا لا يَعني أن الدور الإسلامي للدول غير الناطقة بالعربية غير مهم في قضية التهجير، ولكنه دور داعم، يرتبط تأثيره بما ينتج عن تفاعل مواقف الفواعل الثلاثة الرئيسة.
الدعم الإسلامي يمكن أن يساعد الدول العربية في حال تمسَّكت برفضها للتهجير، من خلال رفض الدول الإسلامية أن تكون بديلًا لاستقبال الفلسطينيّين، وتسخيرها للإمكانيات المتاحة لديها في إعادة تعمير قطاع غزة في أسرع وقت ممكن ليكون صالحًا لبقاء السكان فيه، وللقضاء على فكرة أن التهجير عمل إنساني بسبب صعوبة الحياة في مكان مُدمَّر ولا توجد فيه مقومات الحياة.
وعلى مستوى الدعم الشعبي، يمكن للحراك الذي تقوده الأحزاب والمنظمات المدنية وتحث عليه الكيانات الإسلامية العابرة للأقطار، أن يوفر حاضنة شعبية إسلامية واسعة للشعب الفلسطيني، تحول دون انفراد الأنظمة العربية المُطبّعة والموالية للغرب بهذا الشعب وبمقاومته المسلحة، وتضغط على الولايات المتحدة والغرب من خلال توسيع رقعة المقاطعة الاقتصادية.
هذا الدعم الشعبي يمكن أن يُسهِم في المستقبل القريب في وقف عملية التطبيع التي كادت أن تنضم إليها دول إسلامية كبيرة، مثل إندونيسيا وماليزيا، بعد أن عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام عند الشعوب الإسلامية التي تابعت صمود الشعب الفلسطيني وجرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة.
خاتمة
لا يمكن القول إن تنفيذ خطة ترامب لتهجير سكان قطاع غزة أمر حتمي؛ لأنها بعيدة عن الواقعية، ولا يمكن تنفيذها إلَّا من خلال قبول الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة، وهو أمر مستحيل، أو بتشديد الحصار، وهو أمر لم يُفلِح في كسر صمود سكان غزة من قبل، أو بالتدخل العسكري، وهو ما لا يمكن أن يَمر بسهولة، وقد يُدخِل العالم كله في أزمة.
الغالب هو أن ترامب يطرح هذه الخطة من أجل الوصول إلى حل وسط، يُراعي مصالح إسرائيل والدول المُطبّعة معًا، ويُحقِّق لهم هدفهم المشترك، وهو استبعاد حماس من المشهد في غزة، سياسيًّا على الأقل، من خلال الخطة العربية التي سوف تُقدَّم على أنها الحل الوحيد لتجنُّب التهجير، وتشترط تخلي حماس عن دورها في إدارة القطاع.
هذا لا ينفي أن المخاوف العربية من خطة التهجير هي مخاوف حقيقية، ولكن لأسباب لا علاقة لها بمصالح الشعب الفلسطيني، ولهذا ترفض الأنظمة العربية التهجير، ولكنها سوف تستغل القضية في السعي للتخلَّص من المقاومة الفلسطينية المسلحة التي تسبب لها حرجًا أمام الشعوب التي ترفض التطبيع وتتهم حكامها بالتواطؤ والتآمر وتدعم المقاومة ضد الكيان الصهيوني.
الرفض العربي الرسمي للتهجير كان محل توافق مع الدول الإسلامية، التي رفضت التهجير على المستويين الرسمي والشعبي، وهو موقف يدل على أن القضية الفلسطينية مازالت القضية الجامعة للحكومات والشعوب العربية والإسلامية، بعد محاولات إبعاد العالم الإسلامي عن الصراع وتحويله إلى صراع عربي إسرائيلي، رغم أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية، بعد أن أنشأ الغرب إسرائيل لعرقلة وحدة العالم الإسلامي وإفشال أي مشروع جامع للدول والشعوب الإسلامية.
قد لا يكون الدور الإسلامي على نفس درجة الأهمية التي يحظى بها الدور العربي، بحكم الجوار بين الدول العربية وفلسطين، ولكنه سوف يكون داعمًا للفلسطينيّين، على المستويين السياسي والاقتصادي.
المصادر الأساسية:
- الحرة (202512 فبراير 2025)، لماذا يرفضان؟.. مصر والأردن وخطة “نقل الفلسطينيين” من غزة.
- اليوم السابع (31 يناير 2025)، ألبانيا وإندونيسيا ودول الجوار، غزة والتهجير، مؤامرات عدة وصمود لا ينقطع.
- وكالة الأناضول (5 فبراير 2025)، الإمارات ترفض تهجير الفلسطينيين وتطالب بدولة مستقلة لهم.
- جريدة القدس (11 فبراير 2025)، ماليزيا وتركيا تتعهدان بحشد دول آسيان لإعادة إعمار غزة وتوفير المساعدات.
- فرانس 24 (11 فبراير 2025)، في لقاء بالبيت الأبيض… العاهل الأردني يؤكد أن “العرب سيأتون إلى أمريكا برد على خطة ترامب بشأن غزة.
- موقع الخارجية المصرية، بيان صحفي (11 فبراير 2025)، مصر تعرب عن اعتزامها تقديم تصور لإعادة إعمار غزة يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه.
- الحرة (14 فبراير 2025)، تحرك موحد نادر للعرب ردا على خطة ترامب بشأن غزة.
- وكالة الصحافة اليمنية (15 فبراير 2025)، باسم نعيم: مستعدون للتنازل عن السلطة في قطاع غزة في إطار توافق وطني فلسطيني.
- BBC عربي (17 فبراير 2025)، خطة ترامب لغزة تترك الدول العربية أمام خيار مستحيل.
- الشرق الأوسط (17 فبراير 2025)، إبعاد «حماس» عن إدارة غزة… هل يجهض خطة «التهجير»؟
- الجزيرة نت (17 فبراير 2025)، نتنياهو يتوعد أمام روبيو بـ”فتح أبواب الجحيم” على حماس.
- الحرة (18 فبراير 2025)، “مناطق آمنة وقوة مدربة دوليا”.. ما معالم خطة مصر في غزة؟
- Reuters, Pesha Magid, Samia Nakhoul, Suleiman Al-Khalidi , Ahmed Mohamed (2025 February 14), Saudi Arabia spearheads Arab scramble for alternative to Trump’s Gaza plan.
- The Washington Post, Aaron Blake (2025, February 5), 4 explanations for Trump’s shocking Gaza proposal.
- The Washington Post, Tharoor, I. (2025, February 7), Trump’s plan for Gaza is a nonstarter, but it reflects a stark reality.
- Jerusalem Center for Security and Foreign Affairs, [1] Yoni Ben Menachem (2025 February 9). The Test of President Trump’s Determination.
- Anadolu Agency, Ibrahim al-Khazen and Ahmed Asmar )2025 February 17), Saudi Arabia to host 5-way Arab meeting on Feb. 20 to discuss Gaza reconstruction plan.
- Reuters, Nafisa Eltahir and Pesha Magid (2025 February 18), Gaza Arab plan may involve up to $20 billion regional contribution, sources say.