تقدير موقف

الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. استمرار الصراع، والتدخل الخارجي

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

مع تأخر حسم المواجهة المسلحة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتوقع طول أمد الصراع، يَعتقد كثير من المراقبين أن هذا الصدام هو “الجولة الأولى من حرب أهلية شاملة”، تفتح الباب للتدخل الخارجي، وهو ما قد يُعرَّض السودان لخطر الانهيار، ليواجه مصير دول مثل اليمن وليبيا وسوريا.

استعرضت هذه الورقة تطورات الصراع، وسلطت الضوء على دلالات إجلاء الرعايا الأجانب، واستخدام الإسلاميّين كفزاعة من جانب حميدتي لاستمالة المعادين للحركة الإسلامية، ومقدمات التدخل الخارجي وأسبابه في السودان، والدول الأكثر تدخلًا في الشأن السوداني من خلال علاقاتها بطرفي الصراع.

ثم قدمت الورقة مجموعة من السيناريوهات المفتوحة حول التدخل الخارجي، وتبعات هذا التدخل إذا ما طال أمد الصراع وفشل طرفاه في حسمه أو رفضا الرجوع إلى الحوار.

تطورات الصراع

بعد أكثر من عشرة أيام على اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، صار واضحًا للمراقبين أن أحد الطرفين لا يمكنه حسم الصراع بشكل فوري وكامل، حتى وإن كانت هناك مؤشرات تدل على أن الجيش هو الأقرب إلى الحسم، وأن خسائر الدعم السريع كبيرة.

فقد استهدف الجيش مقرات الدعم السريع، وحرم قواته من التواصل مع قيادتها، وقطع عليها خطوط الإمداد، ولكنه يواجه صعوبة في ملاحقة عناصر الدعم السريع التي تتحرك بسهولة في الأحياء السكنية، وتحرمه من الاستفادة القصوى من التفوق المعتمد على سلاح الطيران والمدرعات الثقيلة التي أدت دورها في استهداف المقرات والقوات التي حاولت السيطرة على الأماكن الاستراتيجية.

ومع تواصل القتال، دخلت البلاد في كارثة إنسانية، بسبب انهيار الخدمات، ونقص المواد التموينية، والانفلات الأمني. وتبادل الطرفان الاتهامات حول القيام بعمليات تخريب واسعة، ونهب منازل المواطنين، ومقار شركات ومصانع وبنوك.

اتهم الجيش قوات الدعم السريع بارتكاب أعمال سرقة، وإجبار الناس على إخلاء منازلها، والتمركز داخل المناطق المأهولة والمزدحمة بالسكان المدنيّين، واتخاذهم كدروع بشرية.

كما تبادل الطرفان الاتهامات بارتكاب انتهاكات ضد بعثات دبلوماسية، كان أبرزها مقتل أحد أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية، والاعتداء على دبلوماسيّين من دول عربية وإسلامية وغربية، وسرقة أموالهم.

وقد دفعت الأوضاع السيئة الدول الأجنبية إلى البدء في إجلاء رعاياها، بالتزامن مع حركة نزوح داخلي من الخرطوم وعدة مدن أخرى إلى ولايات قريبة، لشعور المواطنين بخطورة البقاء في أماكن الاشتباكات.

كما عبرت أعداد كبيرة من السودانيّين إلى الدول المجاورة، ومنها تشاد التي استقبلت ما يقرب من 20 ألف سوداني من دارفور، ومصر التي استقبل معبرها البري أعدادًا كبيرة من المواطنين السودانيّين.

ومع صعوبة التحقق من المعطيات الميدانية بسبب تعذر التدقيق في صحة المعلومات التي تبث عبر طرفي النزاع لخدمة أهدافهما، فإن المتاح من المعلومات يشير إلى أن أيًّا من الطرفين لم يستطيع تحقيق نصر سريع وحاسم حتى الآن، ولكنهما يرفضان فكرة الرجوع إلى الحوار بدلًا من القتال، وهو ما أكده البرهان، الذي قال إنه “لا يوجد خيار آخر غير الحل العسكري”، وحميدتي الذي يدعي ضرورة التخلص من البرهان لإطلاق التحوُّل الديمقراطي.

إجلاء الرعايا الأجانب ودلالاته

دفعت الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع كثيرًا من الدول إلى إجلاء رعاياها وأفراد بعثاتها الدبلوماسية وموظفي المنظمات الدولية العاملة في السودان، عبر دول قريبة، مثل دولة جيبوتي.

ويأتي هذا الإجراء في ظِل استبعاد الولايات المتحدة – التي تنسق مع طرفي الصراع من أجل إجلاء رعاياها – تغير الوضع الأمني في السودان على المدى القريب.

وقد أثار تسارع عمليات الإجلاء تكهنات لدى المراقبين باستمرار الصراع، واحتدام المعارك، وتردي الأوضاع بعد خروج الرعايا الأجانب، وهو ما أثار المخاوف حيال مصير السودانيّين.

ومن المؤسف أن التركيز الأساسي كان على محاولة وقف إطلاق النار لإجلاء الرعايا الأجانب وليس على أعمال الإغاثة الإنسانية أو إيقاف الحرب وإحلال السلام.

وفي المقابل، يشكك البعض في القول بأن إجلاء الرعايا الأجانب مؤشر على أن الصراع سوف يطول أمده، وأن المعارك سوف تشتد، وهو ما سيؤدي إلى سوء الأوضاع في الأيام القادمة، ويرى هؤلاء أن هذا الإجراء تتخذه الدول لحماية أرواح رعاياها، بغض النظر عن طول أمد الصراع أو قِصره، ولهذا فإن الإجلاء يتم لأسباب تتعلق بخطورة البقاء في السودان في الوقت الراهن، منها:

  • شدة المواجهات العسكرية في الخرطوم، وهي مقر البعثات الدبلوماسية، ويعيش فيها أكثر الأجانب، بعد أن انتشرت عناصر الدعم السريع في شوارعها.
  • انعدام الأمن وتعرض الأجانب للاعتداءات، بعد أن زادت عمليات السلب والنهب.
  • انهيار الخدمات العامة، في مجال الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، ونقص الوقود والمواد التموينية، وانقطاع وسائل الاتصال الخارجي التي تعتمد في أغلبها على خدمة الإنترنت.
  • الاعتداء على أعضاء البعثات الدبلوماسية من جهات منفلتة أمنيًّا، وربما كان ذلك بتخطيط من جهات تسعى إلى جر القوى الخارجية للصراع.

والواقع أن طول أمد الصراع أمر متوقع، بسبب صعوبة الحسم، بعد أن انتشرت قوات الدعم السريع – التي فقدت مقراتها – في أحياء المدنيّين بالخرطوم، وهو ما صعب أمر الحسم على الجيش الذي لا يمكنه قصف الأماكن السكنية.

وحتى لو انتهى الصراع المسلح في الأمد القريب، فإن آثاره سوف تستمر لفترة طويلة، لصعوبة إعادة الوضع إلى ما كان عليه بسرعة، في بلد يعاني أصلًا من اضطرابات أمنية، وانهيار في البنية التحتية، ونقص حاد في الخدمات والمتطلبات المعيشية.

فزاعة الإسلاميّين

يحاول حميدتي ضمان التأييد الخارجي له بكل الوسائل والطرق الممكنة، ومنها استدعاء الإسلاميّين إلى المشهد، كفزاعة لصرف القوى الإقليمية والدولية المعادية للمشروع الإسلامي في المنطقة عن دعم الجيش السوداني.

والتخويف من الإسلاميّين محور أساسي في عملية تسويق حميدتي لنفسه لدى الغرب، من أجل إقناع صناع القرار بأنه رجل المرحلة، وذلك من خلال التأكيد على أنه يحارب الإسلام السياسي ويعمل على عدم عودة الإسلاميّين إلى الحكم.

وفي سبيل ذلك، اتهم حميدتي البرهان بالانحياز للإخوان المسلمين، وزعم أنهم يريدون استعادة السلطة وتشكيل ديكتاتورية على غرار فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير.

وقال حميدتي في تصريح لمجلة “فايننشال تايمز” إن “البرهان وعصابته من الإسلاميّين وصلوا إلى السلطة وهم غير مستعدين للتخلي عنها”.

ودعا حميدتي المجتمع الدولي، في تغريدة باللغة الإنجليزية، للتحرُّك ضد ما وصفه بـ”جرائم الجنرال السوداني عبد الفتاح البرهان، الإسلامي الراديكالي الذي يقصف المدنيّين من الجو، ويشن حملة وحشية ضد الأبرياء”.

وأضاف: “نحن نقاتل ضد الإسلاميّين الراديكاليّين الذين يأملون في إبقاء السودان معزولًا وفي الظلام، وبعيدًا عن الديمقراطية، سنواصل ملاحقة البرهان وتقديمه للعدالة”.

وكان مستشار حميدتي السياسي، يوسف عزت، المعروف بعدائه للإسلاميّين، قد صرح لقناة “كان” الإسرائيلية بأن ما تتعرض له الخرطوم وقوات الدعم السريع هو هجوم، يشنه الجيش، واستغلته العصابة الإسلامية الإرهابية.

وفي المقابل، نفى البرهان هذه الاتهامات، وأكد في أكثر من مناسبة أن الادعاء بوجود “كيزان”، وهم الاسم الذي يطلق على أنصار النظام السابق من الإسلاميّين، في الجيش هو ادعاء كاذب.

ولكن نفي البرهان لكلام حميدتي لا ينفي وجود مصلحة مشتركة بين الإسلاميّين والجيش في إبعاد قائد الدعم السريع وإضعاف أولئك الذين يؤيدونه في قوى الحرية والتغيير.

فالبرهان يستفيد من التناقضات بين القوى السياسية لتمكين نفسه في السلطة، ويبحث عن حلفاء في المستقبل لضمان استمراره في الحكم عبر الانتخابات المقبلة بعد نهاية المرحلة الانتقالية.

كما أن هناك مزاج عام داخل المؤسسة العسكرية يرتاب من موقف تيار في تحالف قوى الحرية والتغيير، ينادي بتفكيك الجيش باعتباره مواليًا لنظام البشير، ويطالب بجعل قوات الدعم السريع نواة لجيش سوداني جديد، ولهذا فإنه يعمل على إضعاف هذا التيار.

أما الإسلاميون فإنهم يساندون الجيش رغم سلوك قيادته تجاههم، وتحالفها مع قوى الحرية والتغيير ضدهم بعد الثورة، وهو موقف مبدئي ينبع من الحرص على وحدة السودان واستقراره.

ثم إن غياب حميدتي عن المشهد السياسي سيكون في صالحهم أيضًا، لأن خصومهم في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، الذين نكلوا بهم، وزجوا بقياداتهم في السجون، وصادروا ممتلكاتهم، سيفقدون حليفهم القوي، ولن يجدوا مَن يساعدهم في إقصاء الإسلاميّين عن المشهد السياسي.

ولهذا أعلنت جماعة الإخوان المسلمين بالسودان دعمها للجيش، وهاجمت قوات الدعم االسريع، واتهمتها بالتمرد على الدولة وتمزيق وحدة البلاد بدعم من جهات خارجية وعملاء داخليّين، يريدون فرض اتفاق يُقصِي أغلبية القوى الوطنية لمصلحة مجموعة سياسية معزولة وتستقوي بسلاح الدعم السريع.

التدخل الخارجي

قد تكون المواجهات المسلحة الداخلية من أشد الكوارث التي يمكن أن تواجهها الدولة، لكونها بداية لحرب أهلية شاملة تهدد مركزية الدولة وتعرضها للانهيار، خاصَّة إذا طال أمدها، وتوفرت مقومات اتساع نطاقها، وأهم هذه المقومات هو تدخل جهات خارجية لدعم أطراف الصراع.

ولكن في الحالة السودانية، ربما كانت هذه المواجهة هي الحل الوحيد لإنهاء واقع معيب لا يتناسب مع طبيعة الدولة المركزية الحديثة، وهو وجود كيان مواز للجيش، يتمتع بشرعية قانونية وصلاحيات تمكنه من التأثير في الشأن الداخلي والتعامل مع جهات أجنبية بشكل مستقل عن الدولة.

كانت المواجهة بين الجيش والدعم السريع حتمية، لإنهاء هذا الوضع الذي لم تعد هناك فرصة لإنهائه عبر المفاوضات، لأسباب عديدة، منها تطلع قيادة الجانبين إلى السلطة، ووجود تدخل من قوى خارجية لدعم أحد الطرفين على حساب الآخر، لرعاية مصالح هذه القوى المتعارضة داخل السودان، وهو ما يُعقد المشهد السوداني، ويُصعِّب مهمة الجيش، ويطيل أمد الصراع.

وعلى الرغم من أن الموقف الرسمي والمعلن من جانب القوى الإقليمية والدولية هو عدم التدخل في الشأن الداخلي للسودان، والنأي عن دعم طرف على حساب آخر، فإن المصالح المتضاربة لهذه القوى ورغبتها في انتصار الطرف الذي يضمن لها مصالحها يدحض مزاعم الحيادية.

ولهذا فقد بدأ الحديث عن مظاهر التدخل الخارجي منذ بداية المواجهة المسلحة، عندما اعتقلت قوات الدعم السريع قوة مصرية في مطار مَرَوي، ودمرت طائرات عسكرية مصرية، بعد أن حاصرت المطار الذي تواجدت فيه هذه القوة، وذكرت تقارير أن تواجدها كان لدعم البرهان في أي مواجهة محتملة.

ثم ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الطرفين قد تلقيا مساعدات عسكرية من مصر وليبيا، بمجرد اندلاع الصراع المسلح، ونقلت عن مسؤول بالجيش السوداني قوله إن مقاتلة مصرية دمرت مستودعًا للذخيرة تسيطر عليه قوات حميدتي، وأن الجيش المصري أرسل دعمًا إلى الجيش السوداني. وفي المقابل، ذكرت الصحيفة أن اللواء الليبي خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا بدعم من الإمارات وروسيا، قد نقل إمدادات عسكرية إلى قوات الدعم السريع.

ويُرجح محللون عسكريون واستراتيجيون تلقي قوات الدعم السريع لـ”دعم خارجي عسكري واستراتيجي وتكتيكي”، مَكَّن هذه القوات من الصمود حتى الآن، لأنها لا تمتلك ما يمكنها من “التخطيط العسكري والاستراتيجي” خلال مواجهة جيش نظامي.

يقول المحلل العسكري السوداني، بابكر يوسف: “حميدتي وقواته لا يمتلكون المقدرة الذهنية لإدارة المعارك بالشكل الحاصل الآن، وهناك تخطيط خارجي عبر جهات إقليمية ودولية”.

ويؤكد يوسف أن هناك خبراء عسكريّين وجهات محترفة من خارج البلاد يضعون الخطط العسكرية لقوات الدعم السريع التي لا تعرف إلَّا العمل في المناطق المكشوفة.

وإذا كان البعض يَرى أن الحديث عن التدخلات الخارجية لنصرة طرفي الصراع هو من قبيل حرب الشائعات، لعدم وجود أدلة مادية واضحة وملموسة حتى الآن، فإن مطامع القوى الخارجية التي تشابكت مصالحها المتعارضة مع طموحات البرهان وحميدتي تؤكد أنه من غير المتوقع أن تمتنع هذه القوى عن دعم حليفها، للحيلولة دون سقوطه، وهو ما سوف يطيل أمد الصراع، ويحوله إلى حرب أهلية شاملة، ويُغرق السودان في اضطرابات قد تنتهي بانهيار الدولة وتفككها.

التدخل المصري

تردد اسم مصر في الصراع السوداني المسلح منذ البداية، حينما اتهمت بمساعدة البرهان من خلال تواجد قوات لها في مطار مَرَوي، والحديث عن إرسال دعم عسكري مصري للجيش السوداني، وقصف طائرة مصرية لمخزن ذخيرة تابع لحميدتي.

وعلى الرغم من نفي القاهرة لأي تدخل في الشأن السوداني وعدم دعم أي طرف، فإن قوات الدعم السريع تتهم البرهان بتمكين “النفوذ المصري”، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة رويترز.

والحقيقة أن نظام السيسي يرتبط بعلاقات وثيقة مع الجيش السوداني بقيادة البرهان، لرغبته في وجود كيان منظم يستطيع التفاهم معه، ويساعده في إدارة بعض الأزمات، كملف سد النهضة، وذلك على الرغم من بقايا المكون الإسلامي فيه.

أما الدعم السريع فإنها قوات يخشى النظام المصري من دعمها والتعامل معها لأنها كيان يسهل إدارته من خلال العلاقات الشخصية والتأثير المالي للتحكم في قراراته، بخلاف المؤسسات التي يكون لها علاقات وتوازنات مختلفة.

ومن غير المتوقع أن يقف النظام المصري مكتوف الأيدي إذا ما تعرض الجيش السوداني للهزيمة في مقابل حميدتي وقواته، لأسباب عديدة، ترتبط بالمصالح المصرية في السودان، التي تتعارض مع مصالح قوى أخرى تؤيد قوات الدعم السريع، والمشاكل التي يمكن أن تواجهها مصر بسبب الاضطرابات على حدودها الجنوبية.

تأتي علاقة حميدتي بإثيوبيا على رأس هذه الأسباب، لقلق القاهرة من تحالفه معها ضد مصر في أزمة سد النهضة، وهو ما سوف يُضعِف موقف مصر التفاوضي.

كما أن مصر تخشى من مشاركة قوى مدنية مؤيدة للدعم السريع في صنع القرار السياسي في حالة وصول حميدتي للسلطة، وهي القوى التي تشكّك في نوايا مصر تجاه السودان، وترفض تدخل النظام المصري في الشأن السوداني.

وإذا انتقلنا إلى جانب من جوانب تأثر مصر بانهيار الدولة السودانية وتعرض السودان لحالة فوضى، فسنجد أن هذا الجانب هو فقدان الأمن في جنوب البحر الأحمر، وهو ما يعرض الملاحة في قناة السويس للخطر.

وعلى الرغم من أن موقف مصر الرسمي والمعلن من الأحداث هو الحياد وعدم التدخل، فإن الأزمة أظهرت انحسار الدور المصري في السودان بسبب انحياز نظام السيسي للجيش السوداني على حساب باقي الأطراف السودانية، واتهام القوى المدنية السودانية له بدعم البرهان في انقلابه على المكون المدني في انقلاب أكتوبر 2021، وهي القوى التي يستقوي فريق منها بحميدتي في مواجهة الجيش.

ويمكن ذكر مظاهر عديدة لانحسار الدور المصري وضعف تأثير القاهرة على الأطراف السودانية المختلفة بسبب مواقفها المنحازة، وخياراتها القائمة على عرقلة التحول الديمقراطي في السودان، لعل أهمها عجز القاهرة عن إقناع الفرقاء السودانيّين بالتوسط بينهم، وتجاهل المبادرة التي أطلقها السيسي مع رئيس جنوب السودان، سيلفا كير، في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل عن تقدم في مبادرتها للوساطة بين البرهان وحميدتي.

هذا بالإضافة إلى أن استعادة القاهرة لجنودها “الأسرى” من يد قوات الدعم السريع التي تعمدت نشر صور اعتقالهم بوساطة إماراتية، توضح إلى أي مدى انحسر الدور المصري لمصلحة دول أخرى، مثل الإمارات، عضو الرباعية الدولية المعنية بالشأن السوداني، وهي اللجنة التي استبعدت مصر من عضويتها.

إلَّا أن انحسار التأثير المصري على المستوى السياسي لا يعني عجز النظام المصري عن التدخل لدعم الجيش السوداني في حالة تدخل قوى إقليمية أخرى لدعم قوات الدعم السريع، ولكن هذا التدخل يمكن أن يتعارض مع موقف الإمارات التي ينتظر السيسي مساعدتها في تجاوز مشاكله الاقتصادية.

التدخل الإماراتي

ترتبط الإمارات بعلاقات وثيقة مع أطراف الصراع في السودان، ولكن هذا لا يمنع كونها ترتبط بعلاقات أوثق مع قوات الدعم السريع، التي استعانت بالآلاف منها في الحرب ضد الحوثيّين في اليمن.

وبحسب “نيويورك تايمز”، فإن الإمارات من بين أهم اللاعبين الأجانب في السودان، بما تملكه من عوائد نفطية ساعدتها في توسيع نفوذها في القرن الإفريقي خلال السنوات الأخيرة.

وتهتم الإمارات بالسودان لأسباب اقتصادية وسياسية، تتمثل في الإمكانات الزراعية الهائلة للبلاد، والتي يأمل الإماراتيون في استغلالها لتأمين إمداداتهم الغذائية. بالإضافة إلى استغلال الموانئ السودانية على البحر الأحمر، لإحكام السيطرة على طرق النقل البحرية.

ويعود نمو ثروة حميدتي إلى استخراج الذهب الذي يتم شحنه إلى الإمارات، وهي الثروة التي يحتفظ بجزء كبير منها في دبي، وتساعده في الإنفاق على قواته.

وبعد الإطاحة بالبشير، دعمت الإمارات المؤسسة العسكرية وقوات الدعم السريع، في إطار دورها المتنامي في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، والذي يقوم على أساس محاربة الإسلام السياسي وإفشال الثورات الشعبية.

وقبيل الصراع المسلح، أبدت الإمارات تأييدها للاتفاق الإطاري الذي يحد من تمدد الإسلاميّين، ويسعى حميدتي لتنفيذه بالتعاون مع فصيل من المكون المدني، على خلاف إرادة الجيش.

وبعد اندلاع الصراع المسلح، ذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن الجيش السوداني استولى على قذائف حرارية قدمتها الإمارات لقوات الدعم السريع، وهو ما يتعارض مع مساعي الإمارات المعلنة للتوسط من أجل وقف إطلاق االنار.

وإذا انتقلنا إلى جانب آخر من جوانب التدخل الإماراتي، فسنجد أن الإمارات تقوم بدور في الدعم الإعلامي لقوات الدعم السريع، في حربها الإعلامية ضد الجيش. فقد حملت تغريدة داعمة لحميدتي وقواته بصمة رقمية تفيد بأن الحساب يدار من الإمارات، وهو أحد الحسابات التي تتحدث باسم حميدتي والدعم السريع.

التدخل الإسرائيلي

ترتبط إسرائيل بعلاقات مع كلا طرفي الصراع في السودان، وذلك بعد أن توصلت تل‌أبيب إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع الخرطوم في 2020، مقابل رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، إلَّا أنه لم يتم توقيع اتفاق رسمي حتى الآن.

ويمثل السودان أهمية كبرى بالنسبة لإسرائيل التي ترى فيه بوابة إلى القارة الإفريقية، وتخشى من أي وجود معاد لها في هذا البلد، لكونه طريق إمداد لوجستي لدعم المقاومة الفلسطينية.

وتتولى جهتان في إسرائيل المسؤولية عن العلاقة مع السودان: الأولى هي وزارة الخارجية، التي تتواصل مع البرهان فيما يتعلق بعملية التطبيع، والثانية هي الموساد المسؤول عن التواصل مع حميدتي في قضايا الأمن ومكافحة “الإرهاب” ومنع تهريب السلاح عبر البحر الأحمر.

ولهذا تراقب إسرائيل الصراع الدائر في السودان عن كثب، خشية أن يفضي إلى تأجيل أيّ اتفاق تطبيع قريب مع الخرطوم، وهو ما يمكن أن يربك مخططات تل‌أبيب الساعية إلى إخراج السودان من دائرة الدول المعادية لها، وإبعاده عن الإسلاميّين ومحور المقاومة في المنطقة.

وفي خطوة تدل على قوة العلاقات بين الإسرائيليّين والبرهان وحميدتي، ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن الخارجية الإسرائيلية دعت الرجلين إلى اجتماع مشترك في إسرائيل للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة إسرائيلية.

وبحسب الموقع، فإن اتصالات المسؤولين الإسرائيليّين مع الجنرالين السودانيّين، أظهرت تقدمًا بشأن مقترح الوساطة التي تتم في إطار من التنسيق مع الولايات المتحدة ودول في المنطقة، منها الإمارات.

وعلى الجانب الآخر، يدرك البرهان وحميدتي أن طريق الوصول إلى علاقات جيدة مع الغرب هو التطبيع مع إسرائيل، وزاد هذا الطريق أهمية بعد اندلاع الصراع المسلح الذي يسعى كلا طرفيه إلى كسب القوى الإقليمية والدولية إلى صفه.

ولهذا فإن البرهان قد يعول على دعم دولي منبثق من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، خاصَّة بعد أن نقل العلاقات مع الإسرائيليّين إلى مستوى متقدم، من خلال مقابلته للمسؤولين الإسرائيليّين والاتفاق معهم على التطبيع الكامل بين البلدين.

أما حميدتي فقد شرع بالفعل في استمالة الجانب الإسرائيلي، وهو ما ظهر في مكالمة مستشاره السياسي، يوسف عزت، مع قناة “كان” الإسرائيلية، التي وصفها معلق الشؤون العربية بالقناة بأنها محاولة لتجنيد الرأي العام الإسرائيلي لصالح حميدتي، حيث ذكر من خلالها أن ما تتعرض له قوات الدعم السريع قد تعرضت له إسرائيل آلاف المرات من المجموعات الإرهابية، مثل حماس والمنظمات الأخرى التي يعرفها الشعب الإسرائيلي جيدًا.

لقد وضع الصراع المسلح بالسودان صناع القرار في تل‌أبيب في حيرة من أمرهم، ليس بسبب تأجيله لعملية التطبيع فقط، وإنما لإرباكه معادلة التفاهم مع السودانيّين، والتي تقوم على التعامل الرسمي والعلني مع الجيش في مجال التطبيع، والتعامل المخابراتي والسري مع الدعم السريع لحماية أمن إسرائيل.

وإذا كان من الصعب على الإسرائيليّين الاختيار بين البرهان وحميدتي لاستفادتها من كلا الرجلين، فإن أبعادًا أخرى تُصعِّب عليهم هذا الاختيار، منها تخوفهم من وقوع السودان تحت تأثير دول أخرى تتعارض مصالحها مع المصالح الإسرائيلية بعد خروج أحد طرفي الصراع من المشهد. مثل روسيا التي تتحالف مع إيران، ويمكن أن تسيطر على السودان في حالة انتصار حميدتي الذي يرتبط بعلاقات قوية مع موسكو ومجموعة “فاغنر” الروسية.

وللخروج من هذا المأزق، أكدت إسرائيل من خلال موقفها الرسمي المعلن على عدم انحيازها لأي من أطراف الأزمة، وسعيها لإيقاف إطلاق النار عبر التوسط بين حميدتي والبرهان.

التدخل الروسي

تتواجد روسيا في المشهد السوداني من خلال العلاقات الرسمية، التي خططت من خلالها لإقامة قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان، تتيح للقوات الروسية البقاء على مقربة من قناة السويس والمحيط الهندي.

كما تتواجد على مستوى آخر غير رسمي، عن طريق مجموعة “فاغنر” الروسية، التي أقامت علاقات وثيقة مع قوات الأمن السودانية، واستغلت هذه العلاقات لتعزيز المصالح الاقتصادية والعسكرية لموسكو، بما في ذلك امتيازات تعدين الذهب المربحة وصفقات الأسلحة واستكشاف اليورانيوم.

ووفقًا لوثائق عسكرية مسربة، فإن فاغنر ساهمت في تدريب قوات الأمن السودانية وأمدتها بالمعدات، كما قدمت المشورة لقادة الحكومة وأجرت عمليات معلوماتية لمصلحتهم.

وتوفر قوات حميدتي الأمن لشركة “مَرَوي جولد”، وهي شركة تعدين تسيطر عليها فاغنر، التي أصبحت لاعبًا رئيسًا في صناعة الذهب في السودان.

وكان حميدتي قد أرسل قوات من الدعم السريع إلى ليبيا، للقتال نيابة عن حفتر، بجانب مرتزقة فاغنر، التي تحرص على علاقاتها مع قوات الدعم السريع لتأمين طريق عبر السودان للمركز اللوجستي للشركة في ليبيا، والذي يربط الشرق الأوسط وأوروبا بساحات القتال الإفريقية في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.

وعلى الرغم من عدم وجود أدلة على تورط مرتزقة فاغنر في القتال الحالي بالسودان، إلَّا أن مصادر عدة أكدت أن ميليشيا ليبية تربطها علاقات وثيقة بالمجموعة الروسية، أرسلت إمدادات إلى قوات الدعم السريع.

ووفقًا لما ورد في تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”، فإن قوات الدعم السريع تلقت ما لا يقل عن 30 ناقلة وقود وشحنة واحدة على الأقل من الإمدادات العسكرية من أحد أبناء اللواء المتقاعد الليبي خليفة حفتر، وهو ما نفته قوات حفتر.

وعلى الرغم من نفي الدعم السريع وفاغنر لهذه المعلومات، فإن صور الأقمار الصناعية تشير إلى زيادة نشاط فاغنر في قواعد حفتر بالتزامن مع ما قيل عن الدعم المقدم لحميدتي، وهو ما أدى إلى الاعتقاد بأن روسيا والجنرال الليبي ربما كانا يستعدان لدعم قوات حميدتي حتى قبل اندلاع العنف.

ويفسر بعض المراقبين إمكانية إمداد روسيا لحميدتي بالسلاح عن طريق فاغنر برغبة موسكو في نقل بؤرة الاهتمام بعيدًا عن الحرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من جميع التقارير التي تتحدث عن الدعم الروسي لحميدتي عن طريق مجموعة فاغنر، فإن روسيا تواجه نفس المأزق الذي يواجه إسرائيل، بسبب مصالحها المتشابكة مع البرهان وحميدتي معًا، وهو ما يعرض مصالحها للخطر حال انحيازها لطرف على حساب الآخر، أو دعمها للجانب الخطأ في الصراع الحالي.

ولهذا فإن موقف الكرملين مما يجري حاليا في السودان غير واضح حتى الآن، ولا يبدو أن روسيا سوف تغامر بالانحياز لأحد طرفي الصراع في هذه المرحلة.

سيناريوهات التدخل وتبعاته

في حال فشل المبادرات الساعية لوقف القتال، وطول أمد الحرب، سوف يجد السودان نفسه أمام أشكال عديدة من التدخل الخارجي من جانب القوى الإقليمية والدولية التي سوف تتدخل لصالح أحد الطرفين، أو للحيلولة دون انتصار أحدهما على الآخر. ويمكن رصد السيناريوهات المحتملة لشكل التدخل الأجنبي وما يمكن أن يترتب على هذه السيناريوهات المفتوحة على النحو التالي:

  1. التدخل الخارجي لصالح الجيش السوداني، وحسم الصراع لمصلحة البرهان. خاصَّة وأن هناك تقديرات تشير إلى أن الجيش هو الأقرب إلى الحسم، حتى لو لم يقض على قوات حميدتي بشكل كامل، وذلك لما يملكه من أسلحة ثقيلة، أو نوعية، مثل الطيران، ومقرات ثابتة، في مقابل قوات الدعم السريع التي فقدت مقراتها ومعسكراتها وخطوط إمدادها، ولا تستطيع المحافظة على الأماكن الاستراتيجية التي تستولي عليها.

ويمكن تحقيق هذا السيناريو بدعم مصري للجيش السوداني. كما أن إسرائيل يمكن أن تساعد في تحقيق هذا السيناريو إذا ما قررت حسم موقفها من طرفي الصراع، ووصلت إلى اتفاق مع البرهان حول تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل‌أبيب.

ولكن ما يُضعِف هذا السيناريو هو وجود قوى خارجية تدعم حميدتي، وترتبط مصالحها بوجوده، ولهذا فإنها لن تتركه يواجه هزيمة قاسية تخرجه من المشهد تمامًا.

  • التدخل الخارجي لمصلحة قوات الدعم السريع، وحسم الصراع لمصلحة حميدتي. خاصَّة وأن هناك تقديرات تشير إلى أن هذه القوات يمكن أن تصمد في مواجهة الجيش بسبب قدرتها على الحركة السريعة، وتلقيها أسلحة من جهات إقليمية، لمواجهة التفوق النوعي للجيش.

ويمكن تحقيق هذا السيناريو بدعم من الإمارات وروسيا ومجموعة فاغنر وإثيوبيا التي ترتبط بعلاقات قوية مع حميدتي وترى مصالحها في وجوده، إما على رأس السلطة أو كجزء منها.

ويقوي من هذا السيناريو ما يزعمه حميدتي من مواجهته للإسلاميّين، وهو ما يمكن أن يرجح كفته لدى القوى التي لم تحسم أمرها في دعم طرف على حساب الآخر، أو يجعل هذه القوى تغض الطرف عن جرائم قواته وعدم شرعيتها.

ولكن ما يُضعِف السيناريو هو أن الجيش السوداني سوف يحصل على دعم مواز ومماثل من دول أخرى، مثل مصر، وبموافقة القوى التي تخشى من اتساع النفوذ الروسي في السودان حال سقوط البلاد في يد حميدتي.

  • التدخل الخارجي لفرض وقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات، ومن ثم إلى المسار الديمقراطي، وذلك عبر الضغوط واستخدام سلاح العقوبات، سواء كان ذلك بالعقوبات الاقتصادية أو حظر بيع السلاح للطرفين المتصارعين.

ويحتاج هذا السيناريو إلى وجود قناعة لدى القوى الإقليمية والدولية باتخاذ موقف موحد تجاه طرفي الصراع، وإيجاد آليَّات للضغط عليهما، ورصد أي خروقات والتصدي لها.

ويمكن للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لعب دور كبير في دفع القوى المؤثرة في الشأن السوداني إلى تبني هذا السيناريو والمساعدة في تنفيذه، مثل مصر والإمارت والسعودية، خاصَّة وأن الغرب من دعاة الرجوع إلى المفاوضات واستكمال مسار تسليم السلطة للمدنيّين.

ويقوي من هذا السيناريو فشل الطرفين في حسم الصراع، وتزايد كلفة القتال، وإدراك كل منهما بأنه غير قادر على الحسم العسكري في ظل تناقص الإمدادات وضعف القدرة القتالية، وارتفاع مستوى السخط الشعبي بسبب سوء الأوضاع.

ولكن المؤشرات الحالية تشير إلى أن الطرفين يرغبان في مواصلة القتال لتحقيق حسم عسكري، بالإضافة إلى أن سلاح العقوبات قد لا يجدي نفعًا في دفعهما إلى وقف القتال، لأن تعارض المصالح الدولية في السودان سوف يساعدهما في التملص من آثار هذه العقوبات.

  • التدخل الخارجي لدعم الطرفين، وعدم قدرة أحدهما على استغلال هذا الدعم في حسم الصراع، ودخول السودان في حرب أهلية شاملة، تؤدي إلى انقسام البلاد، وذلك بانسحاب حميدتي وقواته إلى دارفور التي ينتمي إليها أغلب هذه القوات، وسيطرة البرهان على العاصمة الخرطوم، وتقسيم السودان إلى مناطق نفوذ بين الطرفين.

وفي هذه الحالة، سوف يكون السودان أمام سيناريو مماثل للسيناريو الليبي، خاصَّة إذا تمكن الطرفان من إقناع الجماعات المسلحة التي لم توقع على اتفاقية جوبا ولم تنخرط في المسار السلمي والقبائل السودانية بالانضمام إليهما.

ومع انقسام السودان بين الطرفين، سوف تجد القوى الإقليمية والدولية الفرصة للتدخل المباشر في الشأن السوداني، ما ينذر بتقسيم البلاد التي تعاني من الدعوات الانفصالية منذ عقود، وجربت هذا الانفصال مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي انفصلت بالجنوب.

  • سيناريو ما قبل سقوط البشير، وهو تمكن البرهان من طرد حميدتي وقواته من العاصمة والمدن الكبرى، وحصره في ولاية دارفور، وإدارة حرب ضده كجماعة متمردة، كما كان الحال مع حركة “العدل والمساواة”، و”جيش تحرير السودان”.

وفي هذه الحالة، يمكن لحميدتي أن يشكل إزعاجًا للحكومة المركزية، كحركة تمرد كبرى، ولكنه لن يستطيع الانتصار على الجيش السوداني، لعدم قدرته على السيطرة على ما يستولي عليه من أماكن استراتيجية، وهو ما رأيناه في عام 2008، عندما تمكنت قوات حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم من التحرك من دارفور والوصول إلى أم درمان في قلب العاصمة السودانية، ولكنها لم تستطع المحافظة على ما حققته في تقدمها على امتداد أكثر من ألف كيلومتر.

ويقوي هذا السيناريو فقدان قوات الدعم السريع مقراتها ومعسكراتها، ونزع غطاء الشرعية عنها وإعلانها قوات متمردة، وهو ما سوف يحول بينها وبين إمكانيات الدولة السودانية، ويفقدها القدرة على التعامل مع الدول الخارجية، ويحرمها من مصادر الدخل الكبيرة، المتمثلة في الشركات والمناجم وغيرها من مصادر التمويل.

ونظرًا لتطورات الأحداث التي تتوالى، فإن السيناريوهات السابقة تظل مفتوحة لأي تغيير يطرأ لتغير مواقف طرفي الصراع، أو القوى المؤيدة لهما. ومع ذلك فإن السيناريو الرابع هو الأقرب حتى الآن، في ظِل الأوضاع على الأرض، وما يصدر عن طرفي الصراع من بيانات ومعلومات، ومواقف القوى الخارجية المعلنة.

خاتمة

لا شك أن طول أمد المواجهة المسلحة في السودان وعجز طرفي الصراع عن الحسم الواضح سوف يفتحان باب التدخل الخارجي في الشأن السوداني على مصراعيه. خاصَّة وأن السودان بيئة خصبة لهذا التدخل، بسبب العلاقات الممتدة بين البرهان وحميدتي مع القوى الإقليمية والدولية التي تريد حماية مصالحها المتعارضة من خلال دعم أحد الطرفين.

ولكن هذا التدخل يشكل خطرًا كبيرًا على السودان الذي يمكن أن يشهد حربًا أهلية تؤدي إلى انقسامه وتحوله إلى دولة فاشلة إذا ما توسعت دائرة القتال وتدخلت فيه جهات خارجية لدعم الطرفين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى