تقدير موقف

الصراع العسكري في السودان.. التطورات، والمواقف، والسيناريوهات المحتملة

مقدمة

أعاد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة “ود مدني”، والسيطرة على ولاية الجزيرة، تسليط الضوء على الصراع العسكري في السودان، بعد أن طغت عليه أخبار الحرب في قطاع غزة.

كان سقوط مدينة “ود مدني” نتيجة منطقية للتطورات التي شهدها الصراع العسكري، الذي تتدخل فيه قوى إقليمية ودولية لمساعدة أحد طرفيه، بالدعم المباشر أو غير المباشر.

وتحاول هذه الورقة رصد تطورات هذا الصراع، ومنها تقدم قوات الدعم السريع، لمعرفة أسباب هذا التقدم، وآثاره، ثم تنتقل إلى مواقف القوى الداخلية والخارجية من الأحداث، لتصل في النهاية إلى وضع سيناريوهات محتملة لمستقبل الصراع.

1 – تطورات الصراع السوداني

بعد أكثر من ثمانية أشهر على بدء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، شهد الصراع العسكري تطورات عديدة، كان أبرزها فشل مفاوضات جدة، وتقدم قوات الدعم السريع، وتفاقم المأساة الإنسانية، وتعرُّض الدولة السودانية لخطر التفكك والانقسام.

تعثر مفاوضات جدة

فشل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في التوصُّل إلى اتفاق لإيقاف الحرب، من خلال مفاوضات منبر جدة، الذي ترعاه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وتشارك فيه الهيئة الحكومية للتنمية في دول شرق أفريقيا “إيغاد”، من أجل الملف الإنساني، وخطوات بناء الثقة، وإنهاء المظاهر العسكرية في العاصمة.

حَمَّل كلُّ طرفٍ من طرفي الصراع الطرف الآخر مسؤولية إفشال مفاوضات جدة، حيث اتهم الجيش قوات الدعم السريع بالتراجع عن “إعلان جدة”، الموقع في مايو 2023، والذي ينصُّ على خروجها من منازل المواطنين والأعيان المدنية ومواقع الخدمات، بعد أن طالبت بأن يكون ذلك في مقابل وجود نقاط تفتيش تابعة لها في الطرق وقرب المؤسسات الحكومية ومواقع الخدمات[1].

هذا بالإضافة إلى سعي الدعم السريع لتزويد قواته بالعتاد والأسلحة من خلال المساعدات الإنسانية الخارجية، التي يتمسك بوصولها إلى المطارات التي يسيطر عليها، ومنها مطارات دارفور، وليس إلى مطار بورتسودان الذي تسيطر عليه قوات الجيش.

أمَّا الدعم السريع، فإنه يتهم الجيش بمحاولة الحصول على مكاسب عسكرية عبر طاولة المفاوضات، بعدما عجز عن ذلك في ميدان القتال، وعدم تنفيذ بنود اتفاق بناء الثقة، ومنها إعادة إلقاء القبض على نحو 30 من قيادات نظام الرئيس السابق عمر البشير، وذلك لأنهم يؤججون الحرب ويحرضون على استمرارها، ومنهم الأمين العام للحركة الإسلامية، ووزير الخارجية الأسبق، علي كرتي، الذي يتهمه الدعم السريع بدفع شباب حركته للانخراط في القتال بجانب الجيش.

انعكس تعثر المفاوضات على العمليات العسكرية، التي شهدت اشتباكات عنيفة في الخرطوم، وتصعيدًا من جانب الدعم السريع، الذي حقق مكاسب عسكرية في غرب وجنوب السودان.

تقدم قوات الدعم السريع

تعكس الأوضاع الميدانية تقدمًا كبيرًا لقوات الدعم السريع، وذلك بعد أن نجحت في السيطرة على مناطق واسعة في العاصمة الخرطوم، وتعزيز تواجدها في دارفور والمناطق المجاورة لها، والسيطرة على ولاية الجزيرة، في 18 ديسمبر 2023.

ويمكن إرجاع تقدم قوات الدعم السريع إلى الأسباب التالية:

  • الدعم الإماراتي الذي قلب موازين القوة في السودان. فقد ذكرت تقارير أن الدعم السريع تلقى أسلحة متقدمة، منها مدرعات وأسلحة مضادة للدروع وطائرات مسيرة بدون طيار، وهو ما وازن تفوق الجيش في مجال المدرعات والطيران.
  • وجود حاضنة اجتماعية ممتدة لقوات الدعم السريع، من دارفور إلى كردفان، حيث تتمركز معظم القبائل العربية التي تنتمي إليها غالبية عناصرها المقاتلة.
  • تزايد أعداد المرتزقة الذين يصلون إلى السودان من عدة دول إفريقية، على رأسها تشاد، للحرب مع قوات الدعم السريع، في مقابل مبالغ مالية كبيرة، والحصول على ما يغنموه من ممتلكات السودانيّين. وهؤلاء المرتزقة من المُدرَّبين بشكل جيّد على القتال في بؤر الصراع المختلفة.
  • وجود إمكانيات مالية هائلة لدى قوات الدعم السريع، التي يسيطر قائدها على مناجم للذهب، ويمتلك استثمارات كبيرة بالداخل والخارج، حتى إن راتب المقاتل فيها يعادل ثلاثة أضعاف راتب نظيره في الجيش.
  • الاستيلاء على المدن المهمة، وهو ما يفتح الباب أمام الحصول على مزيدٍ من الدعم الخارجي المباشر، عبر مطارات هذه المدن، التي يتمتع بعضها بمواصفات دولية، تؤهلها لاستقبال الطيران الخارجي.
  • الاستعانة بقوات “فاغنر” التي قدمت لقوات الدعم السريع صورًا من الأقمار الصناعية، تساعدها في القتال، وصواريخ مضادة للطائرات من قواعد في جمهورية إفريقيا الوسطى.
  • الحصول على تقنيات تجسس حديثة ومعدات عسكرية عالية التقنية من إسرائيل[2].
  • اعتماد الدعم السريع في نجاحه الميداني على أساليب الترويع والتخويف ضد المدنيّين، وارتكاب الجرائم والانتهاكات، وهو ما لا يستطيع الجيش مجاراته فيه.

تراجع سيطرة الجيش

تسيطر قوات الجيش على ولايات الشرق والشمال، بعد أن فقدت السيطرة على ولايات الغرب والجنوب، لكن احتمال صمود هذه الولايات بات محل شك كبير، خاصَّة بعد سقوط ولاية الجزيرة في يد الدعم السريع بسهولة.

ويمكن إرجاع تراجع سيطرة الجيش إلى الأسباب التالية:

  • محاصرة قوات الجيش في قواعدها ومعسكراتها، وعدم وصول الإمدادات إليها، من مؤن وذخائر، بعد أن حاصرها الدعم السريع وقطع طرق الإمداد إليها، وهو ما أدى إلى انسحاب قوات الجيش من مواقع عديدة.
  • فقدان أسلحة الجيش الرئيسة (الطيران، والمدفعية، والمدرعات) جانبًا كبيرًا من فعاليّتها في حرب المدن والعصابات، خاصَّة أن الدعم السريع يتحصن في الأحياء السكنية، وهي خطوة مدروسة، تناسب نوعية القتال الذي يجيده وينسجم مع تسليحه وقدراته وآليَّاته.
  • ضعف استعداد الجيش للحرب، بعد أن اعتمد في السنوات الماضية على قوات الدعم السريع في محاربة الحركات المتمردة، فاكتسبت الخبرة الميدانية والجاهزية التي افتقد إليها الجيش في مثل هذه الحروب.
  • ضعف المساعدات الخارجية التي تصل إلى الجيش، بالمقارنة مع المساعدات الخارجية التي تصل إلى الدعم السريع.
  • الحرب في غزة، التي استغلتها أطراف إقليمية (مثل الإمارات) في التدخل لمساعدة الدعم السريع ماليَّا ولوجستيًّا، في ظِل انشغال قوى أخرى (مثل مصر) عن مساعدة الجيش السوداني.
  • إمكانية وجود اختراقات في الجيش، خاصَّة في عناصر الاستخبارات والوحدات الأمنية[3]، أو في قيادات الوحدات والتشكيلات.
  • تحالف الجيش مع الإسلاميّين في حربه مع الدعم السريع، الأمر الذي يؤدي إلى امتناع قوى إقليمية ودولية عن مساعدته ودعمه في الحرب بالشكل المطلوب. 

كل هذا سوف يؤدي إلى تعقيد مهمة الجيش، إذا لم يستطع الحصول على دعم مماثل لما تحصل عليه قوات الدعم السريع، الأمر سوف يُطيل أمد الحرب، وسوف يُجبر قادة الجيش على التفاوض والخضوع لشروط قائد الدعم السريع.

السيطرة على ولاية الجزيرة

سيطرت قوات الدعم السريع، في 18 ديسمبر 2023، على مدينة “ود مدني”، عاصمة ولاية الجزيرة، والمدينة الاقتصادية الأولى في البلاد.

وتنبع أهمية “ود مدني”، التي تقع على بعد 190 كيلومترًا من الخرطوم، من كونها تمثل حلقة وصل بين جميع ولايات البلاد؛ فهي تعد المركز الرئيس لربط ولايات النيل الأبيض وكردفان ودارفور غربًا، وسنار والنيل الأزرق جنوبًا، والقضارف وكسلا وبورتسودان شرقًا، ونهر النيل والشمالية والخرطوم شمالًا.

وتضم المدينة أكبر مستودعات للوقود بعد الخرطوم، تعمل على تغذية وسط وغرب السودان، بعد خروج مستودعات ولاية الخرطوم عن الخدمة نتيجة الحرب المشتعلة هناك.

كذلك، تحتضن مدينة “ود مدني” مقر قيادة الفرقة الأولى التابعة للجيش، وكانت قاعدة عسكرية ينطلق منها الجيش السوداني لمهاجمة قوات الدعم السريع في الخرطوم.

أحدث سقوط “ود مدني” صدمة في الشارع السوداني، وأثار تساؤلات حول انسحاب الجيش دون مقاومة، خاصَّة وأن قواته في المدينة لم تُحاصَر، والطرق إليها سالكة لمدها بالسلاح والرجال، والطبيعي أن تصمد في القتال، ولكنها انسحبت منها بعد 4 أيام.

وساعد بيان الجيش على شيوع حالة من الذعر في صفوف المدنيّين بالولايات القريبة، بعد أن ذكر أنه يُجرِي تحقيقًا في انسحاب قواته، الأمر الذي يُوحِي بوجود تواطؤ أو خيانة، أو وجود متخاذلين على أقل تقدير.

ولكن وسائل إعلام سودانية نقلت عن مسؤول أمريكي سابق، هو كاميرون هديسون، أن قائد الجيش في “ود مدني” تمَّ شراؤه من قبل قوات الدعم السريع للتخلي عن منصبه، وهو من أعمال الخيانة[4]، الأمر الذي يثير الشكوك في ولاء قيادات الجيش.

يَرى محللون عسكريون أن الاستيلاء على ولاية الجزيرة سوف يكون نقطة انطلاق للتحرك نحو ولايات الشرق والشمال التي يسيطر عليها الجيش السوداني.

وإزاء التطورات الميدانية الجديدة، سارعت حكومات محلية عديدة، مثل حكومات القضارف والشمالية، إلى إعلان حالة الطوارئ، وحظر التجوال، ومنع استخدام الدراجات البخارية، في خطوة تبدو احترازية لهجوم محتمل من قوات الدعم السريع على باقي الولايات[5].

وقد أدَّت هذه التطورات إلى تصاعد دعوات تسليح المدنيّين في الولايات المجاورة لولاية الجزيرة، ليحموا أنفسهم وممتلكاتهم في مواجهة تقدم الدعم السريع.

المأساة الإنسانية

زادت أحداث ولاية الجزيرة، التي تستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح، من المأساة الإنسانية التي يُعانيها السودان منذ بداية الحرب.

فقد رافقت سيطرة الدعم السريع على مدينة “ود مدني” حالات نزوح جماعية، بعد أن وُجِّهت إلى عناصر الدعم السريع اتهامات بارتكاب أعمال سرقة، ونهب، واغتصاب، وقتل بدوافع عرقية.

وكانت الحرب قد أسفرت حتى الآن عن سقوط أكثر من 12 ألف قتيل، ونزوح أكثر من 7 ملايين نازح، من بينهم مليون ونصف سوداني لجأوا إلى البلدان المجاورة، في واحدةٍ من أكبر أزمات النزوح في العالم، بحسب الأمم المتحدة.

كما حرم الصراع العسكري 28 مليون شخص من الحصول على الأغذية والمياه والمأوى والكهرباء والتعليم، بما في ذلك الرعاية الصحية، في ظِل خروج أكثر من 80 بالمائة من المستشفيات عن الخدمة والنقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة، وانتشار الأمراض المعدية التي حصدت أرواح المئات.

وأحدثت المعارك دمارًا هائلًا في البنية التحتية، شمل شبكات المياه والكهرباء والطرق والجسور وغيرها من المرافق الحيوية، وتعرَّضت معظم المباني الحكومية لدمار كامل أو جزئي.

وأصبح اقتصاد البلاد يُعاني من تدهور كبير، حيث خرجت غالبية قطاعات الإنتاج عن الخدمة، جرَّاء تعرضها لعمليات نهب وتدمير واسعة، طالت كبرى الشركات والمصانع والبنوك، في حين تراجعت حركة الصادرات، خصوصًا الزراعية وصادرات الماشية.

وتوقع صندوق النقد الدولي انكماش اقتصاد البلاد بنسبة 18.3 بالمائة خلال عام 2023، وهي “أكبر نسبة تراجع في تاريخ الاقتصاد السوداني”، بحسب الخبراء.

مخاوف تفكيك السودان

تشكل الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خطرًا على وحدة الدولة السودانية، التي يمكن أن تتفكَّك وتنفصل أقاليمها وولاياتها، خاصَّة أن السودان بيئة مناسبة للانقسام، بسبب ما فيه من تنوع إثني وثقافي وسياسي، وصراعات مسلحة، وميليشيات عرقية وجهويَّة تحمل السلاح، وتمرَّست على حرب العصابات ومواجهة الحكومة المركزية.

بدأت بوادر التفكُّك والانقسام بعد أن خرج قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، عبدالفتاح البرهان، من الخرطوم، في أغسطس 2023، وتحوَّل إلى مدينة بورتسودان، لتكون مقرًا آمنًا لقيادته بدلًا من العاصمة التي فقد السيطرة عليها.

وفي المقابل، تزايد نفوذ قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في دافور، التي سيطر على ولاياتها، ويمكن أن يتخذ له عاصمة فيها، في حالة خروج قواته من الخرطوم.

وفي ظِل عدم قدرة أيّ من الطرفين على حسم الحرب لمصلحته، يَرى البعض أن السودان سوف يذهب إلى سيناريو ليبيا، المنقسمة بين غربٍ تسيطر عليه حكومة تعترف بها الأمم المتحدة، وشرق يسيطر عليه اللواء المتمرد خليفة حفتر.

هذا في حين يرى آخرون أن السودان في سبيله إلى سيناريو كارثي، يشبه السيناريو الصومالي أو السوري، من خلال تفكيكه إلى مناطق نفوذ، على نحو يَخدم في النهاية تحقُّق حالة فوضى شاملة في هذا البلد، وتغيير صورته الحالية كدولة إلى الأبد.

2 – مواقف القوى السودانية

تتسم مواقف القوى السودانية بالتغيُّر على حسب تطور الصراع العسكري، وذلك بعد أن شهدت المرحلة الأخيرة من هذا الصراع تغيرًا في موقف الجيش، الذي تتراجع سيطرته على البلاد، ويمكن أن يلجا إلى المفاوضات والجلوس مع حميدتي في مفاوضات مباشرة، بين طرفين متساويين.

وما بين الجيش وقوات الدعم السريع، تتنوع مواقف القوى السياسية والحركات المسلحة في السودان، بين تأييد وحياد ومعارضة.

موقف الجيش

أثار سقوط مدينة “ود مدني” تساؤلات خطيرة حول قدرات الجيش السوداني، الذي وُجِّهت ضربة قوية لمصداقيته والتزامه بحماية المدنيّين الذين يُضطرون إلى الفرار من ولاية إلى أخرى، خوفًا من الانتهاكات التي ترتكبها عناصر الدعم السريع.

وفي تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”، قالت إن انسحاب الجيش من “ود مدني” وفقدان السيطرة على ولاية الجزيرة ألقيا بظلال من الشك على مستقبل الفريق أول عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني، الذي كان يؤكد أن هزيمة التمرد مسألة وقت.

وحذر محللون من أن دول الجوار قد تنجرف إلى الصراع، مع احتمال تصعيد القوى الإقليمية، مثل الإمارات العربية المتحدة، لتورطها في الحرب[6].

وبعد تراجع سيطرة الجيش على الولايات السودانية، وسقوط “ود مدني”، توقع متابعون أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط الدولية على أطراف النزاع من أجل العودة إلى المفاوضات، حيث تخشى قوى دولية من أن يؤدي تمدد الحرب في السودان وتوسع رقعتها إلى إثارة فوضى واضطرابات، ويمكن أن تنزلق البلاد إلى حرب أهلية، وتتشظى، وستكون لذلك تداعيات خطيرة على دول الجوار والمنطقة، ومنها التشجيع على “الإرهاب”، والهجرة غير النظامية لأوروبا.

وكان البرهان قد صرح بأن الجيش ربما ينخرط قريبًا في مفاوضات مع قوات الدعم السريع، وإنه وافق على ذلك، وسيركز التفاوض على نقاط محددة، أبرزها وقف إطلاق النار، وخروج الدعم السريع من المناطق السكنية للمدنيّين. وتعهد البرهان بعدم توقيع “اتفاق سلام فيه ذل أو مهانة للقوات المسلحة والشعب السوداني”.

موقف الدعم السريع

تسيطر قوات الدعم السريع على الجزء الأكبر من ولاية الخرطوم، العاصمة السياسية والاقتصادية للبلاد، كما استولت على كل ولايات دارفور، وكردفان.

وبالاستيلاء على ولاية الجزيرة، حقق الدعم السريع وحلفاؤه مكسبًا سياسيًّا كبيرًا، لأن السيطرة على هذه الولاية يَعني فك الحصار الذي كان مفروضًا عليها. وبهذا صار الدعم السريع – بحسب مراقبين سودانيّين – شبه دولة، بسيطرته على العاصمة السودانية، وكذلك ولاية الجزيرة، وهذه كلفة كبيرة جدًّا، لأنه “حين يذهب الطرفان إلى التفاوض، فالقوي هو مَن يفرض شروطه”[7].

وإذا ما تقدم الدعم السريع للاستيلاء على باقي الولايات، فسوف يكون ذلك في إطار تنفيذ مخطط للسيطرة على السودان كله، أعلنه نائب قائد قوات الدعم السريع، عبدالرحيم دقلو، ويمكن أن يبدأ بالتقدم نحو منطقة شرق السودان، لتسهيل حصول قوات الدعم السريع على قدرات لوجيستسة جديدة، عبر مطارات إثيوبيا القريبة.

ووفقًا لبعض التقديرات، فإن استقالة المستشار السياسي لقوات الدعم السريع، يوسف عزت، جاءت في إطار إعداد الرجل لتولي منصب سياسي رفيع المستوى ضمن ترتيبات السيطرة على غالبية التراب الوطني السوداني[8].

موقف الإسلاميّين

سارعت فصائل عديدة من القوى الإسلامية بالسودان إلى الوقوف مع الجيش في حربه مع قوات الدعم السريع، ومنها الحركة الإسلامية السودانية، والمجموعات التي تشكل “التيَّار الإسلامي العريض”، الذي يضم الإخوان المسلمين وكيانات أخرى.

وكانت الحرب فرصة للإسلاميّين للسعي نحو مزيد من التوحد والالتفاف حول الجيش الوطني، فتطوَّع عدد كبير من أبناء التيَّار الإسلامي للقتال مع الجيش في مواجهة التمرد، ودعت القوى الإسلامية الشعب السوداني لحمل السلاح والانتظام في المقاومة الشعبية.

هذا الحضور للإسلاميّين، أظهرهم كقوة سياسية واجتماعية لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها في أيّ عملية تسوية أو إنهاء للصراع الدائر في السودان. وهو ما ألمح إليه رئيس البعثة الأممية في السودان، فولكر بريتس، بقوله: “إن عودة الإسلاميّين إلى المشهد السياسي واردة”[9].

وبعد تقدم قوات الدعم السريع، والسيطرة على ولاية الجزيرة، وَجَّه الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي، خطابًا إلى الجيش، طالبه فيه بسرعة تسليح المُستنفَرين لمحاربة المتمردين والعملاء المأجورين من جهةٍ، والكشف عن الحقائق للشعب من جهةٍ أخرى.

وبعدها بساعات، ظهر تسريب صوتي آخر، منسوب لقائد كتيبة “البراء بن مالك”، المحسوبة على الإسلاميّين، والتي تُتَّهم بالمشاركة في القتال إلى جانب الجيش ضد الدعم السريع، يتحدث فيه عن الانسحاب من “ود مدني”.

استخدمت هذه التسجيلات الصوتية من جانب خصوم الإسلاميّين، الذين استدلوا بها على انخراط الحركة الإسلامية في الحرب لإطالة أمدها وتخريب الانتقال المدني الديمقراطي، خوفًا من عودة قوى الثورة إلى المشهد مرة أخرى.

وطالب قياديّون في “قوى إعلان الحرية والتغيير” باعتبار الحركة الإسلامية “جماعة إرهابية”، واعتبروا العقوبات التي فرضت من جانب الولايات المتحدة على أمينها العام، في 28 سبتمبر 2023، دليلًا على ضلوع الحركة في الحرب.

ويَرى البعض أن بيان علي كرتي الأخير، هو بمثابة انتحار، لأنه يضع الإسلاميّين في مواجهة مباشرة مع قوات الدعم السريع التي تقول إنها في حربها التي تخوضها ضد الجيش السوداني، تسعى لملاحقة الحركة الإسلامية السودانية بقيادة كرتي، وأتباع نظام عمر البشير.

أمَّا “التيار الإسلامي العريض” فقد طالب البرهان بالعمل على تقوية وتعزيز وتسليح المقاومة الشعبية الراشدة، لإحلال الأمن والسلام في ربوع البلاد، وعدم الاستجابة للمحاولات التي تجري لإعادة “قوى الحرية والتغيير” مرة أخرى، بما يصحب ذلك من إقصاء وتمييز يذهبان باستقرار السودان[10].

موقف الحركات المسلحة

قررت الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا (مسار دارفور) إنهاء الحياد، والمشاركة في العمليات العسكرية على جميع الجبهات، بعد أن توسع الدعم السريع في الاستيلاء على المدن والولايات، وارتكبت قواته جرائم ضد الإنسانية في ولايات دارفور، التي تنتمي إليها هذه الحركات.

وتضم هذه الحركات فصائل مهمة، شاركت في الحرب ضد الحكومة من قبل، وعلى رأسها حركة العدل والمساواة، وجيش تحرير السودان، والحركة الشعبية لتحرير السودان.

وأدانت الحركات المسلحة انتهاكات قوات الدعم السريع، ووصفت ما تقوم به ضد سكان القبائل غير العربية في دارفور بأنه جرائم إبادة جماعية، ورفضت أجندة تفكيك السودان، التي قالت إنه يجري تنفيذها الآن، وحذرت من تمزيق السودان بالاستعانة بالدوائر الأجنبية وإقامة دويلات مستقلة على أنقاض الدولة السودانية[11].

ولكن خمسًا من هذه الحركات رفضت الخروج عن الحياد، وتمسكت بالسعي لإنهاء الحرب بالطرق السلمية التفاوضية واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي[12].

وكان ما يُعرف بقوات “درع السودان”، قد أعلن الانضمام إلى الدعم السريع، بحجة مقاتلة فلول النظام، والكيزان (الإسلاميّين). وتقدر هذه القوات أعداد منتسبيها بـ35 ألف، يتمركزون في وسط السودان[13].

موقف المكون المدني

يَدعو المكون المدني لوقف الصراع المسلح في الوقت الذي يُعد فيه هذا المكون شريكًا في هذاالصراع، بدعمه لأحد طرفيه وتغاضيه عن ممارسات الطرف الأخر، وعلاقاته بالقوى الخارجية المعنية بالشأن السوداني ودول الجوار المتورطة في دعم أطراف الصراع وإطالة أمد الحرب وتعريض أمن السودان للخطر.

ولعل أهم ما يمكن ملاحظته في موقف المكون المدني من الحرب، وأبرز تطوراتها، المتمثلة في الاستيلاء على “ود مدني”، هو تحكم الخلفية الأيديولوجية في تقييم الأوضاع، إذ لم يُركز الفصيل المدني المعارض للجيش على الجرائم التي ارتكبتها عناصر الدعم السريع ضد المدنيّين، وإنما توقف عند علاقة الإسلاميّين بالأحداث، لتشويه موقفهم الداعم للجيش الوطني ضد التمرد، وإظهار مساندتهم للجيش على أنها محاولة لتدمير السودان، في الوقت الذي لا يأتون فيه على ذكر لمشاركة المرتزقة في الحرب إلى جانب الدعم السريع وارتكابهم جرام ضد الشعب السوداني، أو لمشاركة الحركات المسلحة الأخرى، المنتمية إلى ولاية دارفور، والتي أعلنت انضمامها للجيش من باب الوطنية والحفاظ على وحدة البلاد وإنقاذ المدنيّين من الانتهاكات التي تمارس ضدهم.

وفي محاولة لإعادة الزخم إلى المكون المدني الذي فقد الكثير من ثقة المواطن السوداني، بسبب خلافاته الداخلية، ومواقفه المنحازة لأطراف داخلية وخارجية، أعلن رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، رئيس “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية” (تقدم)، مبادرة لإنهاء الصراع، تقوم على وقف إطلاق النار، وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح، وإبعاد قوات طرفي الصراع خارج العاصمة، ونشر قوات إفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية، والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي[14]. والتقى حمدوك في أديس أبابا مع حميدتي الذي أعلن موافقته على المبادرة.

ومن الطبيعي أن يوافق حميدتي على المبادرة؛ لأنها في شكلها ومضمونها تتسق مع ما يطرحه الدعم السريع، وأهمه عدم الاعتراف بالبرهان رئيسًا لمجلس السيادة.

وينظر الإسلاميّون في “التيَّار الإسلامي العريض” إلى مبادرة حمدوك على أنها محاولة من القوى الإقصائية للعودة مرة أخرى للسلطة، لمواصلة إقصاء خصومهم.

وترى “الحركة الإسلامية” أن نصوص الإعلان السياسي الموقع في أديس أبابا تحمل ذات البنود التي أوردت السودان مورد الهلاك، وتقنن لتقسيم البلاد.

كذلك يرفض نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، الاعتراف بتحالف “تقدم” ككيان مستقل عن قوات الدعم السريع، واصفًا إيَّاه بـ”الجناح السياسي” للقوات شبه العسكرية.

المقاومة الشعبية المسلحة

انتظمت قطاعات كبيرة من السودانيّين في مقاومة شعبية مسلحة، للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وأعراضهم، بعد أن ارتبط تقدم قوات الدعم السريع بالانتهاكات التي تنسب إلى عناصره، من نهب وسلب وقتل وتنكيل.

وتتركز حملات الاستنفار والتدريب والتسليح للمواطنين في الولايات التي مازالت تحت سيطرة الجيش في الشرق والشمال، والتي يُخشى من أن تكون الهدف القادم لقوات الدعم السريع بعد سقوط ولاية الجزيرة.

جاءت الدعوة لتسليح المواطنين من جانب بعض حكَّام الولايات، والقيادات العسكرية، وشيوخ القبائل، الذين حضوا الناس على الدفاع عن أنفسهم.

وكان البرهان قد أعلن، في يونيو 2023، التعبئة العامة والاستنفار، ودعا الشباب القادرين على حمل السلاح إلى التوجه إلى أقرب وحدة عسكرية[15].

وقد أدانت قوات الدعم السريع تسليح المدنيّين من قبل الجيش، وقالت إن تسليحهم محاولة من أنصار الرئيس السابق عمر البشير وحزبه لتفكيك البلاد وتقسيمها. وبالتزامن مع هذه الإدانة، يدعو الدعم السريع المواطنين السودانيّين إلى الانضمام إليه والتطوع في صفوفه.

يُعَد تكوين هذه المقاومة الشعبية دليلًا على أن الجيش لا يستطيع مواجهة قوات الدعم السريع، وتحقيق نصر حاسم عليها، وحماية ما تحت يده من ولايات، والدفاع عن المواطنين، بمفرده.

قد تتمكن المقاومة الشعبية المسلحة من التصدي لقوات الدعم السريع، كما فعلت قبيلة “حمر”، التي سلحت 5 آلاف من شبابها، ومنعت الدعم السريع من دخول معقلها في مدينة “النهود”[16]، ولكن ثمَّة شك في تدريب هذه المقاومة وقدرتها على القتال بكفاءة أمام قوات محترفة.

كذلك، ثمَّة مخاوف من أن يؤدي انتشار السلاح في يد المواطنين إلى دفع البلاد إلى حرب أهلية، خاصَّة أن قوات الدعم السريع سوف تسعى لحشد مقاومة شعبية مضادة، لمواجهة أيّ مقاومة في المناطق التي تسيطر عليها، وسوف تستخدم أقصى ما لديها من عنف، ليتحول السودان إلى منطقة صراع دائم.

3 – مواقف القوى الخارجية

اختلفت مواقف القوى الإقليمية والدولية ودول الجوار من الحرب في السودان، ولكنها أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تعقيد حالة الصراع.

موقف الولايات المتحدة

ترى أوساط سياسية سودانية أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد ممارسة ضغوط حقيقية لإنهاء الصراع عبر طاولة المفاوضات، وهو ما ترجم في فشل منبر جدة. ومن جهةٍ ثانيةٍ، هي تعمل على الحفاظ على قدر من التوازنات في الميدان، بما لا يسمح لطرف بالانتصار على الآخر، وهذا يشي برغبتها في إدارة الصراع لا حسمه[17].

فمع كل تقدم لقوات الدعم السريع، تسارع واشنطن إلى إصدار بيانات تنديد وتحذير، وهو ما تم تسجيله حينما تقدمت قوات الدعم صوب الفاشر عاصمة ولاية شمال دافور، ليتكرر نفس الأمر مع مدينة “ود مدني”، وبنفس الحجة، وهي “الخشية على النازحين”.

وعمليًّا، لا تلقى دعوات الولايات المتحدة صدى لدى قوات الدعم السريع، التي تدرك أن الهدف لدى واشنطن ليس حماية النازحين، بل هي تسعى في واقع الأمر للحيلولة دون تحقيق الدعم السريع لمزيد من المكاسب الميدانية، الأمر الذي من شأنه أن يمنحه تفوقًا عند بداية البحث بشكل جدي في الحل السياسي.

وفي هذا السياق، صدرت العقوبات الأمريكية، التي طالت زعيم الحركة الإسلامية، علي كرتي، المنحاز إلى الجيش، بعد فرض عقوبات على عبدالرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، بسبب أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.

ولعل الأمر الذي يدفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذا الموقف، هو انحياز الإسلاميّين إلى جانب قوات الجيش السوداني، وإمكانية عودتهم إلى المشهد في حالة انتصار الجيش.

موقف الإمارات

تزايد التوتر مؤخرًا بين السودان ودولة الإمارات، ووصل الخلاف بينهما إلى حد طرد دبلوماسيّين بسبب اتهامات سودانية لأبوظبي بالتدخل السافر في الشأن السوداني، ودعم قوات حميدتي بالسلاح، وجلب مرتزقة ليحاربوا إلى جواره من تشاد ومالي وإفريقيا الوسطى.

 وذكرت تقارير أن الإمارات سلحت قوات الدعم السريع بعربات مدرعة وصواريخ وطائرات بدون طيار، وأمدتها بالدعم الفني، والتخطيط، والدعم السياسي، الأمر الذي رجح كفتها في القتال وساعدها في الاستيلاء على كثير من الولايات، كان آخرها الجزيرة.

كذلك، أكد المدير التنفيذي لمؤسسة “السلام العالمي”، أليكس دي وال، أن الإمارات قامت برشوة ضباط بالقوات المسلحة السودانية بالمال، كما اشترت ولاء زعماء القبائل، مشيرًا إلى أهمية المال أكثر من الأسلحة في تقدم قوات حميدتي[18].

ويَرى مراقبون أن ما تقوم به الإمارات يهدد الأمن والسلم في القارة، ويفتح الطريق لأصحاب الطموحات للتجهيز لكيانات حاملة للسلاح تنقلب على الجيوش الوطنية.

موقف مصر

ثمَّة تقارير تؤكد دعم مصر للجيش السوداني، وتزويده بأسلحة، منها طائرات مسيرة تركية الصنع. ولكن هذا الدعم لا يرقى حتى الآن إلى مرتبة الدعم الكامل الذي يمكن أن يُعيد إلى الجيش تقدمه على قوات الدعم السريع، التي تتلقى الدعم من الإمارات، عبر دول مجاورة للسودان، على رأسها تشاد.

وعلى الرغم من أن الوضع في السودان يُهدِّد الأمن القومي المصري، ويُعرِّض المصالح المصرية للخطر في حالة دخول السودان في حالة من الفوضى، أو سقوطها في يد قوات الدعم السريع التي تتعاون مع إثيوبيا التي ترفض التوافق مع مصر حول سد النهضة وحصة مصر من مياه النيل، فإن الموقف المصري لم يؤثر حتى الآن في تغيير الوضع لمصلحة الجيش.

بل ثمَّة أخبار تفيد بمنع النظام المصري وصول شحنات من الأسلحة إلى الجيش السوداني، في الوقت الذي يغض فيه الطرف عن وصول شحنات أسلحة إلى الدعم السريع، بالقرب من الحدود المصرية، وهو ما يمكن أن يمنعه إذا أراد ذلك.

ويمكن قراءة ذلك على ضوء العلاقة التي تربط الجيش بالإسلاميّين في السودان، وخوف القاهرة من عودتهم إلى المشهد بعد انتصار الجيش، خاصَّة أن الحرب أثبتت أن الإسلاميّين مازالوا يتواجدون في صفوف القوات المسلحة السودانية ولا يمكن عزلهم بشكل كامل.

ولعل العقوبات الأمريكية المفروضة على زعيم الحركة الإسلامية، علي كرتي، رسالة إلى القاهرة والدول التي تريد أن تدعم البرهان، بوصفه قائد الجيش وممثل الشرعية، مفادها أن علاقة البرهان بالحركة وبقايا النظام السابق مرفوضة، وهو ما يمكن أن يدفع هذه الدول، ومنها مصر، إلى مراجعة موقفها من الجيش، وعدم اتخاذ مواقف قوية لدعمه.

كذلك، يمكن أن يكون ضعف الدعم المصري للجيش السوداني مؤشرًا على إعادة النظام المصري تقييم موقفه من الدعم السريع، الذي أصبح قوة أمر واقع، ويمكن أن يسيطر على السودان كله ويؤسس لنظام جديد.

موقف دول الجوار

على الرغم من إعلان دول الجوار السوداني عن موقف معارض للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتبنيها لمبادرات ومساع من أجل إيقاف القتال، إلَّا أن هذه الدول تتعامل مع الصراع بموضوعية في بعض الأحيان، ووفقًا للمصالح في أحيان أخرى، وهو ما يجعل مواقف طرفا النزاع متأرجحة في علاقتهما بهذه الدول، وعلى رأسها إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وكينيا.

فتشاد على سبيل المثال، يتضح دورها يومًا بعد يوم في التعاون مع الإمارات لمساعدة قوات الدعم السريع، حيث تستخدم الإمارات مطار “أم جرس” على الحدود السودانية التشادية لتأمين احتيجات الدعم السريع من السلاح والعتاد العسكري تحت غطاء المساعدات الإنسانية، بحسب تقارير صادرة في هذا الشأن.

4 – السيناريوهات المحتملة

على ضوء التطورات الأخيرة بالسودان، والتي مازالت تتفاعل، ومع عدم وجود مؤشرات تدل على التهدئة أو التوصل لحل سلمي في المدى القريب، يمكن القول إن الصراع في السودان قد يسير وفق أحد السيناريوهات المحتملة الآتية:

سيناريو (1): انتصار الجيش السوداني

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
انتصار الجيش السوداني نصرًا حاسمًا على قوات الدعم السريع.تزايد التدخل الخارجي لمصلحة الجيش.حسم الولايات المتحدة والسعودية ومصر موقفها بمساعدة الجيش.استعادة الجيش زمام المبادرة وصد التقدم العسكري للدعم السريع.انضمام الجماعات المسلحة السودانية إلى الجيش.تمسك قائد الجيش بأن النصر العسكري هو الطريق إلى السلطة.نجاح الجيش في تعبئة أعداد من الشعب وتسليحهم.زيادة الضغوط من جانب الولايات المتحدة على الإمارات لوقف مساعدتها للدعم السريعانهيار الدعم السريع، وانقسام صفوفه، وانضمام أفراد وقيادات منه إلى الجيش.إحكام الجيش سيطرته على العاصمة الخرطوم.عودة القيادة العسكرية والحكومة إلى مقراتها في الخرطوم.السيطرة على المدن الكبرى والولايات وحصر الدعم السريع في مناطق نائية.اعتراف المجتمع الدولي بانتصار الجيش السوداني.

سوف يؤدي انتصار الجيش إلى خلق واقع سياسي تتحكم فيه القوات المسلحة السودانية، التي سوف تحدد شكل الحكومة ومؤسسات الدولة للفترة المقبلة، فيما يمكن وصفه بأنه نسخة من الحكم العسكري بثوب مدني.

ومن المنتظر أن تلقى سيطرة الجيش على الشأن العام قبولًا من القوى الإقليمية والدولية، من ضمنها مصر والسعودية والولايات المتحدة، لكون الجيش هو القادر على حماية الاستقرار داخل السودان، بموقعها الإستراتيجي المؤثر على أمن المنطقة واستقرارها.

وسوف يضمن البرهان مكانة بارزة في الحياة السياسية، تمكنه من التحكم في السلطة. ويمكن حينها دمج عناصر من الدعم السريع والفصائل المسلحة في الجيش بعد تفكيكها.

وبشكل عام، فإن انتصار الجيش لن يكون على حساب الدعم السريع فقط، وإنما على حساب التحول الديمقراطي في السودان أيضًا.

سيناريو (2): انتصار الدعم السريع

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
انتصار قوات الدعم السريع انتصارًا حاسمًا على الجيش.تزايد التدخل الخارجي لمصلحة قوات الدعم السريع.تمكن قوات الدعم السريع من المحافظة على الولايات التي استولت عليها.استمرار التقدم العسكري للدعم السريع والاستيلاء على باقي الولايات.تمسك قائد الدعم السريع بأن النصر العسكري هو الطريق إلى السلطة.السيطرة على المناطق الحيوية التي تؤمن خطوط الإمداد والتجارة الخارجية.استفادة الدعم السريع من قدرته على خوض حرب العصابات.التحالف مع الجماعات المسلحة داخل السودان.استغلال التحالفات مع الدول المجاورة، واستمرار تدفق المرتزقة.استسلام الجيش والتوقف عن القتال.إحكام الدعم السريع سيطرته على العاصمة الخرطوم.استيلاء الدعم السريع على  القيادة العسكرية والمقرات الحكومية.السيطرة على المدن الكبرى والولايات والمواقع الإستراتيجية.تنصيب حكومة جديدة.الحصول على اعتراف بالشرعية من القوى الإقليمية والدولية.

في حالة انتصار الدعم السريع، فسوف يتم تشكيل هياكل سياسية مدنية، تقوم بمهام تأسيس سلطة الدعم السريع في البلاد. وليس بالضرورة أن تدشن السلطة الجديدة تحولًا ديمقراطيًّا في السودان، وفاءً بتعهدها بتنفيذ الاتفاق الإطاري المختلف عليه.

وحتى لو التزم قائد الدعم السريع بتعهده، ونفذ الاتفاق الإطاري، فسوف يستخدم هذا الاتفاق في إقصاء القوى السياسية الأخرى، مما يجعل من الحكومة التي يشكلها حكومة أقليات، تحكم البلد بالقمع، لأن تلك الأحزاب المتحالفة مع الدعم السريع ليس لها رصيد سياسي ومناصرون من الشعب[19].

ومن المنتظر أن يتجه الدعم السريع إلى الحواضن الخارجية، ليُدار السودان من الخارج، من خلال الدول التي دعمته في السيطرة على البلاد.

سيناريو (3): الحرب الأهلية

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
الدخول في حرب أهلية مفتوحة، واستنزاف جميع أطراف الصراع.فشل جهود الوساطة لإيقاف إطلاق النار.تنامي التدخل الأجنبي وتوزعه على طرفي الصراع.انضمام القبائل والأعراق السودانية المختلفة إلى الصراع.تحول الحرب إلى حرب بالوكالة لمصلحة القوى الخارجية.تبادل السيطرة على المدن والولايات.انتشار السلاح في يد المواطنين.انهيار الحكومة المركزية.فقدان سيطرة طرفي الصراع على السلطة.ظهور أمراء حرب جدد طبقًا لخرائط الموارد وتطلعات القوى الإقليمية والدولية.الفشل في قيام الدولة بمهامها تجاه مواطنيها. استمرار المعارك وتبادل الانتصار والهزيمة بين أطراف الصراع.تدمير البنية التحتية للبلاد ومؤسساتها الخدمية.انهيار الاقتصاد السوداني وزيادة معدلات الفقر.تفاقم الأزمة الإنسانية، وعمليات النزوح، وانعدام الأمن الغذائي، ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية.تصاعد العنف، واتساع دائرة الفوضى.

يُعد هذا السيناريو سيناريو انهيار وفوضى، بما يحتوي عليه من انهيار الدولة السودانية، وسقوط سلطتها، وامتداد للصراع المسلح على أكثر من مستوى، بعد انضمام القبائل والعرقيات المختلفة إلى القتال، وتسليح مدنيّين سودانيّين على أسس سياسية أو قبلية. وهو أقرب ما يكون إلى سيناريو الصومال.

وما يُقوي سيناريو الانهيار والفوضى، أنَّ تمكُّن قوات الدعم السريع من السيطرة على الحكم وهزيمة الجيش لا يعني إمكانية الحفاظ على استقرار ووحدة السودان، بسبب بنيتها التنظيمية وفقدانها للدعم الشعبي والمشروع السياسي[20].

سيناريو (4): تقسيم السودان

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
تقسيم السودان بين حكومتين، في وضع يشبه الوضع الليبي.فشل جهود الوساطة واستمرار الحرب.سيطرة كل طرف من طرفي الصراع على المناطق التي استولى عليها وإدارتها.الخصومات الإقليمية والدولية والتنافس على الموارد الطبيعية السودانية.قبول القوى الإقليمية والدولية بوضعية التقسيم لتجنب الكوارث الإنسانية.إعلان حميدتي حكومة مقابلة للحكومة الشرعية.وجود حكومتين تتنازعان السلطة والشرعية.تعامل القوى الإقليمية والدولية مع الوضع الجديد.

كان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، قد حذر من سيناريوهات تقسيم السودان، كاشفًا عن اتجاه لإعادة صياغة التفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع كحكومتين، وليس بين البرهان وحميدتي كقادة جيوش. ولم يستبعد مناوي قيام حكومة ثالثة في جنوب كردفان، برئاسة عبدالعزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان[21].

وعلى الأرض، صار هناك تقسيم واقعي الآن، بعد أن صار الدعم السريع يسيطر على معظم مناطق العاصمة والولايات الجنوبية والغربية، في مقابل سيطرة الجيش على ولايات الشرق والشمال.

كذلك، فإن حميدتي قادر على الاعتماد على حلفاء أقوياء في الإقليم وخارجه، إلَّا أن البرهان مازال يحافظ حتى الآن على منصبه كرئيس فعلي للدولة، في المنتديات والمحافل الدولية، ويشارك في اجتماعات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

سيناريو (5): المفاوضات

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
القبول بالمفاوضات كحل للأزمة في السودان.إدراك طرفي النزاع أنه لا يمكن حسم الصراع عن طريق الحرب.إدراك الجيش بأن الظروف الإقليمية والدولية ليست في مصلحته.خوف الجيش من استمرار تفوق الدعم السريع.إدراك الدعم السريع أنه لن يستطيع المحافظة على ما يستولي عليه من مناطق.عدم وجود رغبة إقليمية ودولية في انتصار طرف على طرف.وقف إطلاق النار.القبول بإحدى المبادرات المطروحة لحل الأزمة.عودة النازحين واستئناف إيصال المساعدات.الاتفاق على مسار سياسي يضمن مصالح طرفي الصراع والجهات المساندة لهما.

ثمَّة بوادر لإمكانية استجابة طرفي الصراع للمبادارات التي تطلق من أجل الدخول في مسار تفاوض، تحت مظلة “منبر جدة”، أو مبادرة هيئة “إيغاد”، بالإضافة إلى المبادرة التي يقودها حمدوك، ووافق عليها حميدتي.

وكانت الإيغاد قد رتبت للقاء يجمع البرهان وحميدتي في مفاوضات مباشرة، في نهاية ديسمبر 2023، ولكن تمَّ تأجيل اللقاء.

ولكن الموافقة على المبادرات لا تعني حتمية نجاح المسار التفاوضي، خاصَّة وأن طرفي الصراع لم يلتزما بمقررات إعلان جدة، ومخرجات منبر جدة التي وافقوا عليها.

فكلا الطرفين يشترط شروطًا يصعب معها نجاح المفاوضات، منها أن يشارك البرهان كممثل للجيش، وليس بوصفه رئيسًا لمجلس السيادة، وأن يقر بخسارة الحرب، وأن يلقي القبض على قيادات الإسلاميّين، وهو أمر يصعب الأن بعد أن  صار الإسلاميون الحليف الأول للجيش في حربه على الدعم السريع.

أمَّا البرهان فيشترط للقاء حميدتي أن يوافق الأخير على وقف دائم لإطلاق النار، وخروج قوات الدعم السريع من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها، والخروج من المدن السودانية، وإعادة المنهوبات، وهو ما يعني تخلي حميدتي عن انتصاره العسكري.

لا يحظى المسار التفاوضي بقبول الإسلاميّين، أبرز المساندين للجيش، لعدم ثقتهم في الأطراف الوسيطة، وإقحام أمور لا علاقة لها بالحرب في مخرجات المفاوضات، مثل بند إعادة إلقاء القبض على القيادات الإسلامية.

ويَرى متابعون أن القضية ليست لقاء البرهان وحميدتي، إنما قدرتهما على وقف الحرب والسيطرة التامة على القوات، وفرض إرادة السلام في ظِل التحشيد السائد حاليًّا، على أساس عسكري، وسياسي، وعرقي، خاصَّة أن صفوف الدعم السريع تضم عصابات ومرتزقة لن يتخلوا بسهولة عن الأموال التي يغنمونها من النهب والسلب في ظِل الحرب.

وإلى أن تتغير المعطيات الراهنة، فإن السيناريو الرابع هو الأرجح والأقرب للتحقق، نظرًا لسيطرة كل طرف من طرفي الصراع على مساحة متصلة من الأرض، تمتلك من الإمكانيات والموارد والثروات ما يُمكِّن المسيطر عليها من إقامة حكومة تحظى بتأييد ودعم قوى إقليمية ودولية مستفيدة من توسيع نفوذها في هذه الأرض.

خاتمة

لاشك أن سقوط مدينة “ود مدني”، ومن ورائها ولاية الجزيرة، ذات الموقع الإستراتيجي المهم، كان هو الحدث الأبرز منذ أن انتقلت إدارة الدولة من العاصمة الخرطوم إلى مدينة بورتسودان.

جاء هذا الحادث ليكشف حقيقة الأوضاع في السودان، ويؤكد أن البلاد معرضة لخطر الانهيار أو التقسيم، إذا استمر التدخل الخارجي لمصلحة قوات الدعم السريع، في مقابل حجب هذه المساعدات عن قوات الجيش السوداني، الذي وعد بدحر التمرد، ولكنه صار مضطرًا الآن للجلوس على مائدة المفاوضات مع المتمردين، وربما يقبل بشروطهم لوقف الحرب، بعد أن تقدمت قواتهم في ميدان القتال، فحافظت على تواجدها بالخرطوم، واستولت على نصف ولايات السودان تقريبًا.

وفي حالة استعادة الجيش السوداني زمام المبادرة، وتمكنه من وقف تقدم قوات الدعم السريع، دون استعادة ما فقده من ولايات، فإن الوضع على الأرض ينذر بتكرار السيناريو الليبي، وقيام حكومتين، يدير كل منهما شؤون المنطقة التي يسيطر عليها، ويتصارعان على اكتساب الشرعية الدولية.


[1] – الجزيرة، الجيش السوداني والدعم السريع يكشفان أسباب انهيار مفاوضات جدة، 4 ديسمبر 2023، https://2h.ae/AoXC

[2] – الحرة، “اختراقات” رافقتها انتقادات.. أسباب تقدم “الدعم السريع” في معارك السودان، 29 ديسمبر 2023، https://2h.ae/bXsR

[3] – المصدر السابق.

[4] – أخبار السودان، مسؤول أمريكي سابق يدلي بتصريحات مثيرة عن قائد الجيش في مدني، 21 ديسمبر 2023، https://2h.ae/BMhs

[5] – بي بي سي عربي، ربع مليون نازح بسبب الاشتباكات في مدينة ود مدني، 19 ديسمبر 2023، https://2h.ae/iIir

[6] – راديو دبنفا، سقوط ود مدني يثير التساؤلات حول قدرات الجيش ومستقبل السودان، 21 ديسمبر 2023، https://2h.ae/yANp

[7] – الشرق، ود مدني.. كيف استولت الدعم السريع على قلب السودان؟، 24 ديسمبر 2023، https://2h.ae/wNBY

[8] – سودانيل، السودان: ماذا بعد سقوط ود مدني، 31 ديسمبر 2023، https://2h.ae/hLQj

[9] – الميادين، الصراع الدائر في السودان وملامح “عودة الإسلاميين” إلى المشهد، 3 يونيو 2023، https://cutt.us/Ar9lw

[10] – سودانيل، بيان من التيار الاسلامي العريض حول الوضع الراهن بالبلاد، 5 يناير 2024، https://2h.ae/Ksle

[11] – الشرق الأوسط، الحركات المسلحة الموقعة تعلن إنهاء الحياد والقتال ضد الدعم السريع، 16 نوفمبر 2023، https://2h.ae/rIsi

[12] – أخبار السودان، حركات الكفاح المسلح الموقعة علي اتفاق جوبا تتبرأ من جبريل ومناوي، 18 نوفمبر 2023، https://2h.ae/hHin

[13] – المراسل، أعلنت انضمامها للدعم السريع.. ما حجم قوات “درع السودان”؟، 10 أغسطس 2023، https://2h.ae/rcQZ

[14] – سكاي نيوز عربية، تجتمع بحميدتي في إثيوبيا.. “تقدم” تطرح رؤية لحل أزمة السودان، 1 يناير 2024، https://2h.ae/TbCQ

[15] – الجزيرة، ماذا وراء إعلان “المقاومة الشعبية المسلحة” في السودان؟، 26 ديسمبر 2023، https://2h.ae/Rbxp

[16] – صحافة العرب، ماذا وراء إعلان المقاومة الشعبية المسلحة في السودان، 26 ديسمبر 2023، https://2h.ae/dXCB

[17] – صحيفة العرب، واشنطن لا تريد حسم الحرب في السودان عسكريا ولا إنهاءها سياسيا، 18 ديسمبر 2023، https://2h.ae/XshK

 [18]- صحيفة الاستقلال، الإمارات تنتقم.. هل يعجل سقوط “ود مدني” بانتصار حميدتي؟، 27 ديسمبر 2023، https://2h.ae/NEhh

 [19]- الحرة، سيناريوهات أزمة السودان.. التسوية “مستبعدة” والحكم المدني بعيد المنال، 18 أبريل 2023، https://2h.ae/yfKC

[20] – مركز الأهرام، السيناريو الليبي: السودان بين شبح التفسيم والفوضى، 23 ديسمبر 2023، https://2h.ae/QytN

 [21]- RT عربي، حاكم إقليم دارفور يحذر من سيناريوهات تقسيم السودان، 20 سبتمبر 2023، https://2h.ae/bVEM

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى