خبر وتعقيب

السيسي وترامب.. هل تتفق الأولويات في الفترة الرئاسية الثانية؟

الخبر:

فور الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بأصوات تؤهله لاستعادة الرئاسة والعودة إلى البيت الأبيض، وقبل إعلان النتائج النهائية، سارع رأس النظام في مصر، عبد الفتاح السيسي، بتقديم التهنئة له مرتين.

مرة عبر صفحة الرئاسة المصرية، وفيها أعلن عن تطلعه “لتعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية بين البلدين”، مشيرًا إلى “نموذج التعاون والنجاح” السابق في فترة ترامب الرئاسية الأولي، وهو ما ساهم في تحقيق المصالح المشتركة للبلدين.

والثانية، في اتصال هاتفي مباشر، بادر به السيسي، ليؤكد أيضًا على “التعاون المميز بين الجانبين الذي شهدته ولاية ترامب الأولى”، في إشارة لتطلعه لنفس التعاون في ولايته الثانية.

وكان السيسي اتصل أيضًا هاتفيًّا بـ “ترامب” عقب محاولة اغتياله يوم 23 يوليو 2024م، للاطمئنان على صحته، في مبادرة تشير لتمنيه فوزه وتعويله على ذلك، وأشاد ترامب بهذه “اللفتة الكريمة”، وفق بيان الرئاسة المصرية.

التعقيب:

تختلف رئاسة دونالد ترامب الثانية عن الأولي في الأولويات، لذا تتوقع تقديرات سياسية أن يختلف حجم دعم ترامب للسيسي في الرئاسة الثانية.

ففي الرئاسة الأولي (2016-2020م)، كانت هناك حاجة مُلِحة من جانب نظام السيسي لدعم ترامب له في مواجهة خصمه جماعة الإخوان المسلمين، التي دخل في عملية تصفية جسدية وسياسية لها.

وكانت معظم سفريات السيسي وفريق عمله بالمخابرات والخارجية ونواب البرلمان، منصبه على طلب دعم “أمريكا ترامب” ضد الإخوان، أي كانت مطالبه تتعلق بشؤون داخلية هي دعم نظامه.

لذا كان بحاجة لغطاء ترامب لانتهاكاته الداخلية وقمعه لحقوق الإنسان، وكانت عبارة “ديكتاتوري المفضل” التي وصف بها ترامب نظام السيسي، تلخيصًا لهذه المرحلة.

لكن، في الرئاسة الثانية، التي سوف تبدأ في 20 يناير/كانون الثاني 2024م، تختلف مطالب نظام السيسي، بعد استقرار الأوضاع له ونجاحه في البطش بكل القوى السياسية، لا الإخوان فقط، كما هو الهدف الحقيقي للعسكر من انقلاب 2013م، إذ تنصب على مطالب اقتصادية، وأخري خارجية.

فنظام السيسي يعاني من أزمة اقتصادية مستمرة، دفعته للقيام بتعويم سري للجنيه (هو الرابع للجنية منذ انقلاب 2013م)، بضغوطٍ من صندوق النقد، كما يعاني من مشكلات خارجية، مثل تداعيات الحرب في قطاع غزة وخسارة 6 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس، ومشكلة تحدي سد النهضة الإثيوبي.

لأن سياسة ترامب، كرجل أعمال في مجال المقاولات، تقوم على فكرة “المقاولات السياسية” أي “الدفع مقابل الخدمات أو الحماية”، يُتوَقع أن تتصادم أولويات ترامب مع السيسي في الرئاسة الثانية.

إذ يحتاج كلاهما للأموال، ما سوف ينعكس على عدم استفادة السيسي من إدارة ترامب الثانية ماليًّا، ومن ثم توقع تقليص إدارة ترامب دعمها لنظام السيسي ماليًّا للحد الأدنى، ضمن برنامج تقليص النفقات الخارجية الذي يتبناه الرئيس الأمريكي المنتخب.

خاصة أن السيسي يبادر بعرض خدماته، وينفذ السياسات الأمريكية والإسرائيلية (صفقة القرن)، ومن ثم لا حاجة لتشجيعه ماليًّا بأموال جديدة، بخلاف المعونة السنوية المتصلة باتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني.

انصياع السيسي لترامب في رئاسته الثانية، مثل الأولي، أظهرتها تصريحات ترامب عام 2019م، حينما وصفه بـ “القاتل اللعين” و”الديكتاتور المفضل”.

تصريحات مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، يوم 6 نوفمبر 2024م، أن الفترة المقبلة لن تشهد تعويمًا كاملاً للجنيه أمام العملات الأجنبية، وإنما “سيتم التحرك وفقًا للعرض والطلب، مما يعني حدوث تحركات صعودًا وهبوطًا للعملة الصعبة، تشير لهذه الأزمة الاقتصادية الجديدة التي يعاني منها النظام.

تقرير البنك المركزي المصري الأخير، في ديسمبر 2023م، أشار إلى ارتفاع إجمالي الأقساط وفوائد الديون خلال عام 2024م، لتسجل نحو 42.3 مليار دولار، وتضاعف إجمالي الديون الخارجية خلال السنوات العشر الأخيرة، لتصل في الربع الأول من 2024م لنحو 165.4 مليار دولار.

قضية “الحريات وحقوق الإنسان” هي مجرد “ورقة ضغط سياسية” و”أداة” من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، يجري اللعب بها من قبل الإدارات الأمريكية المختلفة (ديمقراطية أو جمهورية).

سبق أن استخدم ترامب هذه الورقة مرة واحدة ضد السيسي، ثم تغاضى عنها تمامًا، وحين استخدمها الرئيس بايدن ضد نظام السيسي ثلاثة مرات، كان الهدف هو الضغط على السيسي ليتماهى مع مطالب أمريكا لا بسبب حقوق الإنسان.

والدليل على ذلك أن المعونة الأميركية عادت بالكامل إلى مصر في نهاية فترة الرئيس بايدن الديمقراطي، بسبب الدور الذي لعبته مصر في غزة، مقابل التغاضي عن ملف حقوق الإنسان، وملفات أخرى، ولأن السيسي يحقق “مصلحة الأمن القومي الأمريكي”، كما قالت الخارجية الأمريكية.

ففي 11 سبتمبر/أيلول 2024م، قررت إدارة بايدن إعفاء مصر من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنح نظام عبد الفتاح السيسي المعونة العسكرية كاملة دون تقسيطها، بقيمة 1.3 مليار دولار.

مسارعة السيسي لتهنئة ترامب بعد فوزه، وحفاوة إعلام السلطة بهذا الفوز، أعاد للذهان الفضيحة التي فجرتها صحيفة “واشنطن بوست”، في 2 أغسطس 2024م، حول تمويل السيسي لحملة الرئيس السابق ترامب للرئاسة عام 2016م، وهل استمرت في انتخابات 2024م أم لا؟

كما أعادت للأذهان تساؤل صحيفة “إندبندنت” البريطانية، في 2 أغسطس 2024م، عما إذا كان “تبرع الحاكم الاستبدادي في مصر، عبد الفتاح السيسي، لترامب بـ 10 ملايين دولار، لها أي علاقة بمودة دونالد ترامب له؟”.

قد يكون ترامب مفيدًا للسيسي في حالة واحدة، تتعلق بسد النهضة الإثيوبي، بعدما أعلنت أديس أبابا اكتمال بنائه وملئه بنسبة 100 بالمئة، وتحدت مصر واعتدت على حصتها المائية السنوية.

سبق لترامب أن انتقد في 23 أكتوبر 2020م عدم مبادرة السيسي لنسف سد النهضة، قائلًا: “عليهم أن يفعلوا شيئاً”؟ و”كان ينبغي عليهم إيقافه قبل وقت طويل من بدايته”، وكانت هذه رخصة أمريكية لم يستغلها السيسي، فهل يفعل في رئاسة ترامب الثانية أم أن الواقع الجديد على الأرض أضاع فرصة عام 2020؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى