تقدير موقف

الرَّد الإيراني على إسرائيل.. حسابات الربح والخسارة، والسيناريوهات المحتملة

للتحميل والقراءة بصيغة PDF

مقدمة

قامت إسرائيل، في الأول من أبريل 2024، باستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ما أسفر عن مقتل عدد من كبار قيادات الحرس الثوري المتواجدين على الأراضي السورية، الأمر الذي دفع إيران إلى الرَّد على إسرائيل بعمل عسكري أثار حالة من الجدل، حول طبيعته والمستهدف منه وآثاره على المنطقة.

تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على طبيعة الرَّد العسكري الإيراني، وأهم المؤشرات التي يمكن استخلاصها من هذا الرَّد، وما أحدثه من واقع جديد في حالة الصراع الإيراني الإسرائيلي، وإمكانية تطور المواجهة العسكرية إلى حرب إقليمية شاملة، وحالة الداخل الإيراني والموقف الشعبي من هذه المواجهة، ومكاسب وخسائر الأطراف المعنية بالصراع، وصولًا إلى وضع سيناريوهات محتملة لتبعات المواجهة.

الرد الإيراني على إسرائيل

بعد مرور ما يقرب من أسبوعين على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق، ردَّت إيران بعملية عسكرية ضد إسرائيل، في 13 أبريل 2024، أطلقت عليها اسم “الوعد الصادق”، واستخدمت فيها مئات من الطائرات المُسيَّرة، والصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، الموجَّهة من الأراضي الإيرانية إلى أهداف في عمق دولة الاحتلال، منها القاعدة الجوية التي انطلق منها الهجوم على القنصلية بدمشق، مستغرقة مدة وصلت إلى 9 ساعات للوصول إلى إسرائيل.

لم تستخدم إيران الصواريخ الأحدث والأدق والأكثر تأثيرًا في ترسانتها العسكرية، ومنها صواريخ فرط صوتية، أعلنت عن امتلاكها، وتستطيع الوصول إلى أهداف في العمق الإسرائيلي بعد أقل من 15 دقيقة فقط.

وكان وزير الخارجية الإيراني، أمير عبد اللهيان، قد صرَّح بأن بلاده أبلغت جيرانها ودول بالمنطقة بهجومها على إسرائيل قبل 72 ساعة، وأن “إيران أبلغت الولايات المتحدة أن ردَّها على إسرائيل سيكون “محدودًا” وللدفاع عن النفس[1].

قامت القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية الموجودة في المنطقة، بالإضافة إلى الأردن، بالتصدي للصواريخ والطائرات المُسيَّرة الإيرانية، لمنعها من الوصول إلى الأجواء الإسرائيلية.

تضاربت تصريحات المسؤولين من كلا الطرفين حول نتيجة الهجوم، حيث أعلنت إيران أن الرَّد على إسرائيل حقق أهدافه، وتمَّ بنجاح كامل، وأن الضربة حققت إصابات مباشرة، بعد أن أصابت نصف الصواريخ أهدافًا إسرائيلية.

أمَّا إسرائيل فقد أعلنت اعتراض 99 بالمئة من المُسيَّرات والصواريخ التي أطلقت باتجاهها، بينما ذكرت مصادر أخرى أن الهجوم أدَّى إلى إصابة مطار عسكري إسرائيلي بالنقب، إضافة إلى وقوع أضرار مادية طفيفة في قاعدة أخرى، وأن الضحية الوحيدة للهجوم الإيراني هي طفلة صغيرة من العرب البدو في جنوب إسرائيل، أصيبت بجروح جراء سقوط شظية على بيتها. بالإضافة إلى إصابة بعض الإسرائيليّين بصدمة نفسية[2].

مؤشرات ذات دلالة

ثمَّة مؤشرات يمكن استخلاصها من الرَّد العسكري الإيراني على إسرائيل، تدل كلها على أن هذا الرَّد محدود ومنضبط، وغير تصاعدي، ويهدف إلى حفظ ماء الوجه ورد الاعتبار، وليس الهدف منه الدخول في حرب مفتوحة، ولكنه يؤسس في الوقت نفسه لمرحلة جديدة وقواعد اشتباك مختلفة، ويكسر مسلمات حاولت إسرائيل فرضها على المنطقة. ومن هذه المؤشرات ما يأتي:

  • لم يكن الرد الإيراني بالقوة التي روجت لها إيران إعلاميًّا، ولم يتناسب مع السقف المرتفع لتصريحات أقطاب النظام الإيراني وقادته العسكريّين، الذين أكَّدوا أن الكيان الصهيوني ينتظر عملًا ساحقًا وردًّا حازمًا.
  • لم يكن لدى إيران نية إلحاق ضرر بالغ بإسرائيل أو إسقاط عدد كبير من القتلى والجرحى، وهو ما اتضح من انعدام عنصر المفاجأة في الرَّد العسكري، حتى لا تدفع إسرائيل إلى القيام برد شديد ينتهي بحرب شاملة.
  • نفذت إيران تهديدها بالرَّد على إسرائيل، وهاجمت العمق الإسرائيلي، على عكس التهديدات السابقة، التي كانت تقف عند حدود الاحتفاظ بحق الرَّد في الزمان والمكان المناسبين.
  • انطلاق الرد العسكري من الأراضي الإيرانية، بعد أنباء عن اختلاف داخل القيادة الإيرانية حول المكان الذي ينطلق منه الهجوم. وترجيح المرشد الأعلى على خامنئي خيار الرَّد من الأراضي الإيرانية، هو رسالة إلى إسرائيل، مفادها أن إيران قد تحولت من “الصبر الإستراتيجي”  إلى “الردع”[3].
  • الهجوم الإيراني على إسرائيل هو الأول من نوعه في تاريخ المواجهة بين الجانبين، والأول الذي توجهه إيران انطلاقًا من أراضيها، ولكنه قد لا يكون الأخير بينهما، بسبب وجود عدد من الملفات الشائكة (مثل الملف النووي) ومناطق التماس الساخنة (مثل سوريا ولبنان) التي يمكن أن تتسبب في مواجهة جديدة بين الطرفين.
  • الرَّد الإيراني هو صورة مكررة من ردها على الولايات المتحدة بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” بالحرس الثوري، قاسم سليماني، إذ لم يكن الهدف منه إيقاع خسائر كبيرة بالخصم، وإنما تسجيل موقف ورد اعتبار. 
  • بَدَت رغبة إيران في عدم التصعيد والوصول إلى حرب شاملة واضحة من خلال تفاصيل كثيرة، أولها التأخر في الرَّد، والتواصل مع دول الجوار لإيصال رسائل إلى الولايات المتحدة حول طبيعة الرَّد ومحدوديته والهدف منه، لدفعها إلى تحجيم أيّ رد فعل إسرائيلي.
  • تجنبت إيران استهداف المدن الإسرائيلية الكبرى، واستخدمت أسلحة من المستوى الثاني والثالث، تحتاج إلى وقت يتراوح بين ساعتين وتسع ساعات للوصول إلى إسرائيل، الأمر الذي وفر لتل‌أبيب وحلفائها فرصة الاستعداد لصد الهجوم والتعامل معه.
  • الهجوم الإيراني على إسرائيل هو تغيير في معادلات الصراع ووسائل الردع بين الطرفين، لمصلحة الإيرانيّين، الذين أسسوا لواقع جديد يقوم على الرد بالمثل والردع في مقابل الردع.
  • لا يمكن تقييم الهجوم الإيراني بحجم الخسائر التي أحدثها، وهي ضئيلة، ولا تتساوى مع حجم الخسائر التي ألحقتها إسرائيل بإيران، وإنما يجب أن يُقيَّم على ضوء كونه تطورًا نوعيًّا في الصراع الإيراني الإسرائيلي.
  • يمكن لإيران وإسرائيل أن يزعما الانتصار في هذه المواجهة، على حسب منظور كل منهما، فإيران نجحت “إستراتيجيًّا” في فرض معادلة جديدة للصراع، وتحقيق تهديدها بالرَّد “على غير العادة”، وهو ما يكسبها مصداقية من ناحيةٍ، ويجعل صانع القرار الإسرائيلي يتحسب للرَّد الإيراني في حالة مهاجمة مصالحها مستقبلًا من ناحيةٍ أخرى. أمَّا إسرائيل فيمكن أن تزعم النصر “عسكريًّا”، وقد زعمته بالفعل، وشاركتها في ذلك الولايات المتحدة[4]؛ لأنها صدت الهجوم ولم تتعرَّض لخسائر تُذكَر.
  • الرَّد الإيراني كبير من حيث الكم، فقد استخدمت فيه مئات الصواريخ والطائرات المُسيَّرة، وهو ما قد ينذر بدخول الطرفين في مرحلة المواجهات المباشرة والواسعة نسبيًّا، الأمر الذي قد يُفضي إلى حرب شاملة في المستقبل، إذا خرجت الأمور عن السيطرة أو أخطأ المتشددون من كلا الجانبين في تقديرهم للمواقف أو في اتخاذهم للقرارات.
  • احتاجت إسرائيل إلى مساعدة دولية وإقليمية في صد الهجوم الإيراني “المحدود” و”غير المفاجئ”، وهو ما يدل على أنها غير قادرة على حماية أمنها القومي دون وجود حلفاء إقليميّين ودوليّين، وهو ما ظهر في تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن.
  • تحول الدول الحليفة لإسرائيل إلى جزء من الصراع الإيراني الإسرائيلي، عبر المشاركة الفعلية في عمليات صد الهجوم الإيراني، وهو مؤشر على شكل المواجهة في أيّ حرب شاملة يمكن أن تقع بين الطرفين في المستقبل.

نهاية “الصبر الاستراتيجي”

تمسَّكت إيران في صراعها مع إسرائيل بمبدأ “الصبر الإستراتيجي”، حمايةً لأمنها القومي من التهديد، إذا تمَّ جرها إلى حرب لم تستعد لها، أو تتجاوز قدرتها على الصمود، ما قد يُعرِّض النظام الحاكم للخطر، أو يؤدي إلى توجيه ضربة إلى مشروعها النووي، بعد أن صارت قريبة من امتلاك سلاح نووي، يردع القوى الإقليمية والدولية عن التعرُّض لها.

كانت إيران تعتمد في مواجهتها للولايات المتحدة وإسرائيل على وكلائها في المنطقة، من الميليشيات المسلحة، التي تكفيها خطورة الدخول في مواجهة مباشرة، قد تُفضِي إلى حرب يمكن استغلالها في زعزعة الاستقرار الداخلي الهش، في وقتٍ يستعد فيه المشهد السياسي الإيراني لتغيير في أعلى منصب في هرم السلطة، وهو منصب المرشد الأعلى، الذي يمكن أن يخلو في أيّ لحظة بوفاة علي خامنئي.

ولذلك، تتجنب طهران المواجهات المباشرة والحروب الشاملة، تحت شعار حق الرَّد في المكان والزمان المناسبين، ومستعيضة عن هذه المواجهات والحروب بما يمكن وصفه بـ”حرب الظل” بينها وبين خصومها.

وحتى لحظة الرد العسكري الإيراني على إسرائيل، كانت معظم التقديرات تذهب إلى القول بأن إيران تخشى من آثار الرَّد المباشر، وأنها سوف ترد عبر أذرعها بالمنطقة، أو قد توجّه ضربة سيبرانية مباشرة لإسرائيل وتؤجل الرَّد العسكري إلى وقتٍ آخر[5].

ولكن إيران اختارت تغيير معادلة الردع، وإنهاء عصر الصبر الإستراتيجي، والدخول في مواجهة مباشرة ومحسوبة بدقة مع إسرائيل، لأسباب كثيرة، منها ما يأتي:

  • تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء، باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ما يمثل اعتداءً على أرض إيرانية، بحكم القانون الدولي المختص بالمقرات الدبلوماسية، ما يبرر لطهران تجاوز الخطوط الحمر في صراعها مع دولة الاحتلال.
  • تمادي إسرائيل في استهداف القيادات الإيرانية بالخارج، وتصفية عدد من كبار قادة الحرس الثوري بالقنصلية في دمشق، وهم غرفة عمليات “فيلق القدس” في سوريا ولبنان وفلسطين.
  • رغبة إيران في فرض معادلة ردع جديدة، تقوم على الرَّد بالمثل، واستهداف العمق الإسرائيلي في مقابل استهداف المصالح الإيرانية، وهو ما شبَّهه البعض بعملية “طوفان الأقصى”، التي استهدفت المقاومة فيها العمق الإسرائيلي.
  • توصيل رسالة إلى تل‌أبيب بأن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أيّ هجوم يمكن أن تتعرَّض له من جانب إسرائيل، وأنها سوف ترد في حال تنفيذ التهديدات الإسرائيلية بالهجوم على إيران لمنعها من امتلاك سلاح نووي.
  • عدم الرَّد على إسرائيل بعد تكرار استهداف مصالح إيران ورجالها يثير الشكوك في قدرتها على الردع، وهو ما يتناقض مع الدعاية العسكرية التي تتحدث عن امتلاك قدرات عسكرية كبيرة تمكنها من حماية أمنها القومي وردع أعدائها وخصومها في المنطقة.

اتساع رقعة الصراع

على الرغم من اختيار إيران الرَّد على إسرائيل بهجوم عسكري مباشر، ينطلق من الأراضي الإيرانية، إلَّا أن طهران لا ترغب في توسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، عبر الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة والدول الغربية.

وقد أعربت إيران عن ذلك صراحة على لسان بعثتها في الأمم المتحدة، التي صرحت بعد انتهاء الهجوم بأن “العمل العسكري الإيراني كان ردًّا على عدوان النظام الصهيوني على المقر الإيراني الدبلوماسي في دمشق، ويمكن اعتبار الأمر منتهيًا”[6]، في إشارة إلى أنها تكتفي بهذا القدر من المواجهة، ولا ترغب في الاستمرار فيها.

كذلك، حاولت إيران إبعاد الولايات المتحدة عن صراعها مع إسرائيل، من خلال دعوتها إلى النأي بنفسها عن أيّ مواجهة بين الطرفين، وإطلاعها عن طرق تركيا بأن هجومها هو رد فقط على هجوم القنصلية ولن يتجاوز ذلك النطاق.

كما استبقت إيران الهجوم باستيلاء الحرس الثوري على سفينة تجارية مرتبطة بإسرائيل لدى مرورها من مضيق هرمز، لتوصيل رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب بأن مصالحهم في الخليج معرضة للخطر في حالة عدم تفهمهم للموقف الإيراني ومشاركة إسرائيل في أيّ هجوم انتقامي على إيران.

وفي المقابل، حرصت واشنطن على عدم توسيع نطاق الصراع في المنطقة، فنفت أن يكون لها علاقة باستهداف إسرائيل للقنصلية في دمشق، وأكدت أنها لم تكن ضالعة في الهجوم بأيّ شكل من الأشكال، الأمر الذي يجعلها خارج دائرة الانتقام الإيراني. وهو ما حرصت على إيصاله لإيران عبر قنوات خاصَّة.

وأخطرت واشنطن طهران عبر أنقرة بوجوب أن تكون العملية “ضمن حدود معينة”، وفق تصريحات لمصدر دبلوماسي تركي[7].

هذه التسريبات تشير إلى أن بعض الدول كانت على علم بطبيعة الرد الإيراني، وأن الولايات المتحدة مشاركة في إدارة هذا الصراع، وأنها قبلت بتمرير الهجوم بوصفه مجرد رسالة مدروسة لتحقيق أثر معين، الأمر الذي ينفي إمكانية حدوث رد مشترك من جانب إسرائيل وحلفائها على إيران، وبما يعني عدم تلقي إسرائيل لدعم مطلق، يشبه الدعم غير المسبوق الذي تلقته بعد عملية “طوفان الأقصى”.

وقد أكدت الولايات المتحدة على ذلك، من خلال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، الذي أكد أن “الولايات المتحدة لا تريد تصعيدًا للأزمة في الشرق الأوسط، ولا تسعى إلى حرب أكثر اتساعًا مع إيران”[8].

الداخل الإيراني

احتفى المسؤولون الإيرانيّون بالرَّد على إسرائيل، واعتبروا عمليتهم العسكرية ناجحة، بغض النظر عن حجم الخسائر التي أحدثتها، وأكَّد بعضهم على رمزية هذه العملية.

ولكن هذا الاحتفاء لا ينفي حالة القلق التي يعيشها النظام، ليس بسبب الخطر الخارجي المتمثل في الرَّد الإسرائيلي والدعم الأمريكي فقط، وإنما بسبب الخطر الداخلي أيضًا؛ بسبب تنامى مستويات الاحتقان والسخط االشعبي من جراء الأزمات المعيشية والقيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية.

فصنَّاع القرار في إيران يخشون من إمكانية استهداف مقرات قوات الأمن ومراكز القيادة والاتصالات التابعة للحرس الثوري الإيراني في حالة الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما يمكن أن يُشعِل الاحتجاجات والمظاهرات من جديد، ويُشجّع معارضي النظام على الخروج مرة أخرى، في وقتٍ يحاول فيه النظام بالفعل السيطرة على أيّ احتجاجات محتملة[9].

ولهذا، اهتمت السلطات بتتبع الأصوات المعارضة والمنتقدة والتضييق عليها، فأصدرت مخابرات الحرس الثوري بيانًا يَحث المواطنين على الإبلاغ عن أيّ نشاط في وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن تفسيره بأنه دعم لإسرائيل أو معارضة للرَّد العسكري، للتعامل مع أصحابه على أنهم “مجرمون”[10].

ووجهت النيابة العامة في طهران تهمة نشر محتوى يخل بالأمن النفسي للمجتمع ويزعزع استقرار المناخ الاقتصادي إلى صحف إيرانية تحدثت عن الآثار الاقتصادية السيئة للمواجهة العسكرية مع إسرائيل، وطالبت صحفيّين بالمثول أمامها للتحقيق معهم بسبب موقفهم المعارض للحرب.

وصاحب هذا نشر بيانات ومعلومات ومواد إعلامية غير صحيحة، عن طريق وسائل إعلام رسمية أو محسوبة على النظام، لدعم الرواية الرسمية عن الأحداث، وتضخيم العملية العسكرية والمبالغة في نتائجها، وإخراج المشهد في صورة انتصار كبير.

كانت البداية مع البيان الأول للحرس الثوري، والذي نُشِر بالتزامن مع إطلاق الصواريخ والطائرات المُسيَّرة، وذكر أنها أصابت أهدافها داخل الأراضي المحتلة[11]، وهي ماتزال في الطريق إلى إسرائيل، وتمَّ تعديل البيان لاحقًا.

كذلك، نشرت صور وفيديوهات قديمة ولا علاقة لها بالرَّد العسكري على إسرائيل، منها مقطع فيديو قيل إنه لاشتعال النار في قاعدة النقب العسكرية الإسرائيلية بعد إصابتها بصاروخ إيراني، واتضح بعدها أنه فيديو لحرائق في غابة بالولايات المتحدة. وصور أخرى قيل إنها لاختراق الصواريخ الإيرانية القبة الحديدية الإسرائيلية، واتضح أنها من أحداث “طوفان الأقصى”.

موقف الشعب الإيراني

يعيش الشعب الإيراني حالة من الانقسام حول النظام الحاكم وسياساته الداخلية والخارجية، وهو ما انعكس على موقفه من الرَّد العسكري على إسرائيل.

وهذا الانقسام أمر طبيعي، نظرًا لانفصال أولويات كثير من الإيرانيّين عن أولويات النظام، خاصَّة وأن هذا النظام يطالب مواطنيه – الذين يعيشون في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة – بتحمل خياراته التي يرون أنها تهدد الأمن القومي الإيراني، وتعرّض البلاد لعقوبات قاسية ومتواصلة، وتستنزف الأموال التي تنفق على وكلاء النظام وأذرعه في المنطقة، في الوقت الذي يُحرَم فيه المواطنون الإيرانيّون من حقهم في هذه الأموال، وصار 68 بالمئة منهم فقراء أو معرضون لخطر الفقر، بحسب تقارير البنك الدولي.

ولهذا، فإن قطاعات من الإيرانيّين تعتقد أنه لا مصلحة لإيران في معاداة إسرائيل والولايات المتحدة والغرب، ولا تؤيد الوقوف مع ما يُسمَّى محور المقاومة.

ويمكن تقسيم الشعب الإيراني في موقفه من الرَّد العسكري على إسرائيل إلى ثلاث فئات، هي على النحو الآتي:

  • المؤيدون لموقف النظام

في أعقاب الرَّد الإيراني، خرج العديد من أنصار النظام الحاكم إلى الشوارع للاحتفال، وللإعلان عن تأييدهم لقرار القيادة، معتبرين هذا القرار صحيحًا؛ حتى تتوقف إسرائيل عن قتل المزيد من القادة الإيرانيّين في سوريا وغيرها من الأماكن.

ولم يتوقف دور هؤلاء على إعلان السرور والتأييد، بل قاموا بدور آخر مهم، وهو القيام بحملة لنشر معلومات وُصِفت بالمزيفة من جانب بعض المتابعين.

تركزت المحاور الرئيسة لهذه الحملة على نشر صور وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهِر نجاح العملية العسكرية الإيرانية، ورعب الشعب الإسرائيلي بعد الهجوم الإيراني، والدعم الدولي الواسع للرَّد الإيراني[12].

  • الخائفون من الحرب

تابع إيرانيّون أحداث الرَّد العسكري على إسرائيل بقلق شديد؛ لخوفهم من تورط البلاد في حرب شاملة تعيدهم إلى أجواء السنوات الصعبة التي عاشوها أثناء الحرب مع العراق.

عبَّر كثير من المواطنين عن هذه المشاعر على منصات التواصل الاجتماعي، مستعيدين ذكرياتهم مع الحرب وفقدانهم ذويهم وبيوتهم وأموالهم.

وصرح كثيرون برفضهم للحرب، وتمنوا ألَّا تقوم إسرائيل بالرَّد على إيران، وانتشر هاشتاج يقول “لا للحرب” بين الإيرانيّين في الساعات الأولى للمواجهة.

وأعرب بعض الشباب من الذين وصلوا إلى سِن التجنيد عن خوفهم من إمكانية نشوب حرب شاملة واضطرارهم للمشاركة فيها.

وقد ظهرت آثار هذا الخوف والتحسُّب لتبعات الرَّد الإيراني في سلوك المواطنين الذي وقفوا في طوابير أمام محطات البنزين وامتلات بهم المحال التجارية في طهران والمدن الكبرى، لتخزين ما يحتاجونه، خوفًا من تطور الأحداث وعدم القدرة على توفير الاحتياجات. 

  • الراغبون في حرب شاملة

للمفارقة، ثمَّة إيرانيّون يرغبون في نشوب حرب شاملة بين إيران وإسرائيل، ليس كرهًا في إسرائيل، وإنما رغبة منهم في إسقاط النظام الإيراني الحاكم.

هؤلاء الإيرانيّون هم من المعارضين للنظام الحاكم، ويرون أن حربهم الحقيقية مع النظام وليس مع إسرائيل، حتى إن بعض المصادر رصدت كتابات على جدران الشوارع في طهران، بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، يطالب أصحابها بتوجيه مزيد من الضربات للجمهورية الإسلامية، لأنها لن تجرؤ على الرَّد[13].

ويبرر هؤلاء موقفهم بأن حرب النظام الشاملة مع إسرائيل يمكن أن تسمح بفرصة للخلاص منه، وربما تكون وسيلة لإسقاط الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد أن يئس الإيرانيّون من إمكانية تغيير هذا النظام أو حتى إصلاحه من الداخل عن طريق التيَّار الإصلاحي الذي تمَّ تهميشه لمصلحة المتشددين.

في هذا السياق، نقلت وسائل إعلام خارجية آراء مواطنين حول الحرب، ومنهم مواطن سبق اعتقاله في أثناء الاحتجاجات التي أعقبت مقتل/موت الفتاة “مهسا أميني”، في مركز احتجاز حكومي بسبب سوء حجابها.

عَبَّر هذا المواطن عن أمله في أن تنتصر إسرائيل على إيران في الحرب، حتى يشعر بالارتياح، معللًا ذلك بأن وضع البلاد الاقتصادي والأمني قد وصل إلى درجة من السوء لن يكون هناك ما هو أسوأ منها، ولذلك لابد من الخلاص.

ورغم إقرار هذا المواطن بأن الحرب مؤلمة، إلَّا أنه لا يَرى طريقًا آخر للتخلص من حكم “الملالي” غير الحرب.

وحذر مواطن آخر من أن عدم رد إسرائيل على إيران سوف يسمح للجمهورية الإسلامية بـ”التنمر” ومواصلة سياساتها داخل إيران وخارجها.

حسابات الربح والخسارة

خرجت إيران وإسرائيل بجملة من المكاسب وبعض الخسائر بعد الرَّد العسكري الإيراني، بينما خرجت أطراف أخرى بخسارة كاملة، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية المُطبّعة والمتعاونة مع الكيان الصهيوني.

  • إيران ومحور المقاومة

على الرغم من أن الهجوم الإيراني غير مؤثر من الناحية العسكرية، بحسب نوعية الأسلحة المستخدمة وحجم الخسائر الإسرائيلية المعلنة، وبغض النظر عن حجم الرَّد الإسرائيلي المتوقع، إلَّا أن إيران يمكن أن تخرج بمكاسب عديدة، على جميع المستويات: المحلية والإقليمية والعالمية.

فعلى المستوى المحلي، يسعى النظام الإيراني إلى إرضاء قطاعات من الإيرانيّين الذين تساءلوا عن سبب عدم الانتقام من إسرائيل، واتهموا القوات المسلحة الإيرانية بالفشل، بعد توالي الاعتداءات الإسرائيلية على المصالح الإيرانية واستمرار استهداف القادة الإيرانيّين.

هذا بالإضافة إلى محاولة استخدام أخبار الحرب في التغطية على مظاهر الأزمتين السياسية والاقتصادية، من باب أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وأن الاتحاد خلف القيادة واجب وطني، ولا يخرج عنه إلَّا خائن.

وعلى المستوى الإقليمي، سوف تستخدم إيران الرَّد العسكري في محاولة استعادة صورتها كدولة إقليمية كبيرة وقادرة على الردع، بعد سلسلة من الخسائر في صراعها مع إسرائيل، والتي تمثلت في عمليات الاغتيال والتخريب في العمق الإيراني، واغتيال قادة من الحرس الثوري في سوريا.

وفيما يخص محور المقاومة الذي تتزعمه إيران في مواجهة إسرائيل، يمكن للعملية العسكرية أن ترمم – إلى حدٍّ ما – صورة الإيرانيّين، وتعيد إليهم بعض المصداقية، بعدما خيبوا آمال المقاومة الفلسطينية، ولم يشاركوا في الضغط المباشر على إسرائيل بعد عملية “طوفان الأقصى”.

وعلى المستوى العالمي، وضعت إيران بهذا الرَّد القوى الدولية أمام مسؤوليتها عن إيقاف السياسات الإسرائيلية التي تزعزع استقرار المنطقة، وتعرّض مصالح العالم كله للخطر، بإثباتها أنها على استعداد للدخول في مواجهة مباشرة، والرَّد بالمثل، الأمر الذي قد يَخرج عن السيطرة في لحظة تاريخية ما، وقد يدفع إلى مواجهة شاملة، ومن ثمَّ إلى حرب إقليمية واسعة النطاق.

وفي مقابل المكاسب المنتظرة، يمكن القول إن تغيير إيران لقواعد الاشتباك واستهداف العمق الإسرائيلي لن يكون في مصلحة إيران على طول الخط؛ لأنه سوف يُعيد إلى الواجهة محاولات تكوين تحالف شرق أوسطي يشمل إسرائيل ودولًا من المنطقة لمواجهة التمدد الإيراني ومنع طهران من امتلاك سلاح نووي.

  • إسرائيل

ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن الرَّد العسكري الإيراني – الذي وصفته بـ”الفاشل” – تحوَّل لنعمةٍ لم تكن متوقعة لإسرائيل، ومنحها فوائد كثيرة.

لقد نجحت إسرائيل في جر إيران إلى القيام برد عسكري، وهو ما سوف تصدره الحكومة الإسرائيلية إلى الداخل والخارج على أنه اعتداء إيراني، وتستغله في تحقيق مصالحها.

فعلى المستوى الداخلي، تسعى الحكومة إلى حشد الجبهة الداخلية المنقسمة بسبب كيفية إدارة الحرب في غزة وعدم تحقيق انتصار وإعادة الأسرى بعد 6 أشهر من الحرب، وذلك من خلال المواجهة مع عدو واضح، يعتبره الإسرائيليّون خطرًا وجوديًا؛ بسبب عدم اعترافه بدولة إسرائيل وسعيه لامتلاك سلاح نووي.

وعلى المستوى الخارجي، سوف يساعدها التعرُّض للهجوم الإيراني في استعادة زخم الدعم الغربي ومقاومة الضغوط الخارجية التي تتعرَّض لها بسبب الانتهاكات التي تمارسها ضد المدنيّين في قطاع غزة، الأمر الذي دفع بعض الحكومات الحليفة إلى مراجعة دعمها غير المحدود لإسرائيل، والنظر في تصدير الأسلحة إليها، ومنها كندا.

وهكذا صارت إسرائيل ضحية لإيران، وتوقف العالم عن التركيز على قطاع غزة، والمأساة الإنسانية هناك، وتحولت الأنظار إلى طهران بوصفها عاصمة الإرهاب. 

كذلك، تستطيع إسرائيل أن تستعيد بعض سمعتها كقوة تكنولوجية واستخباراتية كبيرة، بعد أن تصدت للهجوم الإيراني، وخرجت بأقل قدر ممكن من الخسائر.

ولكن هذا لا يمنع من وجود خسائر إسرائيلية، داخلية وخارجية. فداخليًّا، خسرت إسرائيل من وجود حالة طوارئ غير عادية في الشارع الإسرائيلي قبل الرَّد الإيراني، وصارت هناك مخاوف لدى المواطنين من إمكانية تكرار الهجوم في المستقبل.

وخارجيًّا، ظهرت إسرائيل في مظهر الدولة التي لا تستطيع حماية نفسها إلَّا بدعم من حلفائها، وهو ما يضر بمساعيها للتطبيع والاندماج في منطقة الشرق الأوسط من بوابة التفوق العسكري والقدرة على ردع إيران وتحقيق الأمن لدول المنطقة.

  • المقاومة الفلسطينية

احتاجت المقاومة الفلسطينية منذ بداية الحرب في قطاع غزة إلى دور كبير من جانب إيران في مواجهة إسرائيل، وهو ما لم يقم به الإيرانيّون، واستعاضوا عنه بتحريك وكلائهم في المنطقة.

والآن، لا يمكن اعتبار قيام إيران بالرَّد العسكري على إسرائيل دخولًا على خط المعركة المباشرة مع إسرائيل؛ لأن هذا الرَّد لا يرتبط بمجريات الحرب في قطاع غزة، وإنما يرتبط بالمصالح الإيرانية التي تضررت بعد أن تكرر استهدافها من جانب إسرائيل وصارت مهددة بفقدان صورتها كدولة إقليمية كبرى تمتلك قوة عسكرية قادرة على الردع.

وقد توقع بعض المحللين إمكانية تأثير الرَّد الإيراني بشكل إيجابي على مسار الحرب ومفاوضات الهدنة بين المقاومة وإسرائيل، وهذا أمر مستبعد؛ لأن إسرائيل استفادت من الضربة في تخفيف الضغط وحشد الدعم الأمريكي والغربي لها مرة أخرى، بعد أن هيأت بنفسها المجال لها، ودفعت إيران إلى القيام بها.

  • العالم السُّني

لا شك أن البُعد المذهبي حاضر في الصراع الإيراني الإسرائيلي؛ لأن إيران تحاول أن تبرز دورها كدولة شيعية تقوم بدور قيادي في خدمة القضية الفسطينية، وهي قضية إسلامية، تخصُّ عموم المسلمين، الأمر الذي يمنح إيران أفضلية على كثير من الدول السُّنيَّة الكبرى، التي طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل، أو سارت في مسار التطبيع، وتخلَّت عن دورها في خدمة القضية الفلسطينية، مثل مصر والإمارات والسعودية، بالإضافة إلى الدول التي تراجع دورها في خدمة القضية، مثل تركيا.

وبعد الرَّد العسكري، يمكن لإيران أن تنفي عن نفسها الاتهام باستغلال القضية الفسطينية لمصلحتها، وأنها لم تقدم ما يدل على محورية هذه القضية بالنسبة لها.

وباستهداف العمق الإسرائيلي، تكون إيران قد قامت بعمل لم يقم به إلَّا العراق، في عام 1991، عندما قصف صدام حسين دولة الاحتلال، وهو ما يمكن استغلاله في تحسين صورتها أمام العالم السُّني، بعد مواقف كثيرة سيئة، مثل موقفها من الثورة السورية.

  • الدول العربية

تجاوز موقف إيران من الكيان الصهيوني موقف كثير من الدول العربية، التي اختارت التطبيع والتعاون مع تل‌أبيب في الوقت الذي تواجه فيه طهران الإسرائيليّين وتصطدم معهم عسكريًّا.

وقد كشف الرَّد الإيراني على إسرائيل مواقف دول عربية تدعي مساعدة الفلسطينيّين، وعلى رأسها الأردن، ودول أخرى لم تسمها إسرائيل، ولكنها ساعدت في صد الهجوم الإيراني، بحسب التصريحات الصادرة عن تل‌أبيب.

لقد أظهر الأردن وتلك الدول التي لم تسمها إسرائيل تحالفهم الفعلي مع إسرائيل، بعد أن قاموا بدورهم في حماية حدود إسرائيل وأمنها القومي.

وإذا ما استمرت الحرب في غزة على نفس الوتيرة من حصار للقطاع واستهداف للمدنيّين، فسوف تجد هذه الدول نفسها في مأزق، بعد تحالفها العلني مع إسرائيل وتعاونها في حماية أمنها، وهو ما قد يدفعها إلى العمل على إيقاف الحرب، أو تخفيف حدتها على أقل تقدير، حتى لا تجد نفسها في مواجهة مع شعوبها.

السيناريوهات المحتملة

ثمَّة ثلاثة سيناريوهات محتملة، يمكن أن يتحقق أحدها في إطار تبعات المواجهة العسكرية المباشرة بين إيران وإسرائيل، وهي على النحو الآتي:

سيناريو (1) الحرب المفتوحة

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
تحوُّل المواجهة المحدودة بين إيران وإسرائيل إلى حرب شاملة ومفتوحة، ومِن ثمَّ تورط المنطقة في حرب إقليمية.يمكن أن يتحقق هذا السيناريو في حالة نجاح المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية في إقناع نتنياهو بالقيام برد كبير، يستهدف العمق الإيراني، ويمثل ضربة موجعة للنظام في طهران، الأمر الذي سوف يدفع الإيرانيّين إلى الرَّد بالمثل، ليستمر الطرفان في تبادل الهجوم، وتتسع رقعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، بدخول إيران ووكلائها بالمنطقة في حرب على جبهات عدة، يمكن أن تتحوَّل إلى حرب إقليمية، تتورط فيها الولايات المتحدة والقوى الغربية الحليفة لإسرائيل.فشل الولايات المتحدة في منع إسرائيل من الرَّد على إيران.قيام إسرائيل برد قوي ضد إيران.تبادل الرَّد بين الطرفين.تدخل قوى إقليمية ودولية لصالح أحد الطرفين.

سيناريو (2) الرَّد المحدود

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
قيام إسرائيل برد محدود، يحفظ لها ماء الوجه، ولا يمثل خطرًا كبيرًا على إيران، ولا  تعتبره طهران انتهاكًا للكرامة الوطنية.يمكن أن يتحقق هذا السيناريو في حالة رغبة إسرائيل في المحافظة على ما تحقق لها من مكاسب جراء الرَّد الإيراني، خاصة وأنها في حاجة داخلية وخارجية لاستثمار تبعات هذا الرد في حربها في غزة.نجاح الولايات المتحدة في منع إسرائيل من الرَّد على إيران بعملية عسكرية كبرى.قيام إسرائيل بعمل محدود.لجوء إيران إلى عدم التصعيد.

وقد يكون الرد المحدود في صورة استهداف إسرائيل لمواقع المليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، أو أن تقوم بهجوم كبير على أهم وكلائها بالمنطقة، وهو حزب الله اللبناني، أو أن تقوم بعمليات استخباراتية، مثل التخريب، واغتيال الخبراء النوويّين، والهجوم السيبراني.

وربما تعمد إسرائيل إلى انتهاج الطريقة الإيرانية في الرَّد، عبر إطلاق مجموعة من الصواريخ على إيران، دون تعمد استهداف مواقع مهمة أو إحداث خسائر كبيرة تدفع إيران إلى رد أوسع وبأسلحة أكثر تطورًا.

سيناريو (3) وقف التصعيد

التوصيفعوامل التحققالاستجابة للسيناريو
توقف التصعيد وانتهاء المواجهة، واكتفاء إيران وإسرائيل بما حققاه من نتائج ترتبت على الهجوم الإسرائيلي والرَّد الإيراني.يمكن أن يتحقق هذا السيناريو في حالة قناعة طرفي الصراع بأن كلًّا منهما حقق انتصارًا، وأنه نجح في إيصال رسالته إلى الطرف الآخر، بأنه قادر على استهدافه.عدم قيام إسرائيل بالرَّد على إيران.وقف التصعيد المتبادل.

وتحقق أيٌّ من السيناريوهات الثلاثة رهين بموقف الولايات المتحدة، فعجز واشنطن عن كبح جماح الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، التي يسعى وزراء فيها للرَّد على الهجوم الإيراني بهجوم أكبر، قد يؤدي إلى تحقق السيناريو الأول، بينما يمكن أن يتحقق السيناريوهان الثاني والثالث في حالة ضغط واشنطن على تل‌أبيب لمنعها من جر المنطقة لحرب إقليمية.

التقدير

لعل السيناريو الأقرب إلى التحقق – في ظِل الظروف الراهنة، ورغبة أطراف عديدة في عدم تصعيد الصراع بالشرق الأوسط إلى مرحلة الحرب الإقليمية – هو السيناريو الثاني، الذي يضمن للحكومة الإسرائيلية شكلًا من أشكال الرَّد.

في هذا السياق، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، عن مصادر رفيعة ومطلعة، أنه من غير المتوقع أن يتضمن الرَّد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني خطوة حربية في إيران نفسها، بل تحركات مشابهة لتلك التي سبق أن نُسِبت إلى إسرائيل في الماضي، وهي مرتبطة بالصراع غير المعلن حول البرنامج النووي، مثل عمليات التخريب والاغتيالات المحدودة[14].

التوصيات

  • الوقوف مع أيّ مسعى لتقليص دور المشروع الإسرائيلي في المنطقة.
  • دعوة إيران ومحور المقاومة للاستمرار في القيام بدورهم في إشغال الكيان الصهيوني لتخفيف الضغط عن المقاومة الفلسطينية في غزة.
  • كشف حقيقة الدور الذي تقوم به الأنظمة العربية المُطبّعة في حماية أمن إسرائيل.
  • الاستمرار في دعوة الشعوب العربية والإسلامية للتحرُّك من أجل وقف التعاون مع إسرائيل.

خاتمة

لم يكن الرَّد الإيراني على إسرائيل عسكريًّا فقط، ولا يقاس بأثره التدميري أو بالخسائر التي أحدثها، أو بالتبعات العسكرية التي يمكن أن تترتب عليه، وإنما يقاس بالواقع الجديد الذي فرضه، وهو الردع المتبادل وامتلاك الحق في الرَّد بالمثل.

ولهذا جاءت الضربة العسكرية على قدر المستهدف منها، وهو رد الاعتبار، وصياغة وضع جديد، يسمح لطهران بالرَّد على أيّ تهديد لمصالحها من جانب تل‌أبيب التي سوف تستفيد هي الأخرى من الهجوم الإيراني في حربها في غزة.

ولهذا يمكن وصف نتيجة المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل بأنها نتيجة إيجابية في مجملها لكلا الطرفين؛ وسلبية بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، نظرًا للمكاسب التي يمكن أن تحققها طهران وتل‌أبيب.

وتكتمل هذه النتيجة الإيجابية بالنسبة للطرفين إذا ما استطاعت الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بعدم الرَّد على إيران، أو الضغط عليها للقيام برد ضعيف، وهو ما سيجعل خسائرهما من المواجهة في أدني درجاتها.


[1] – فرارو، عبداللهيان: از ۷۲ ساعت قبل از عملیات، به کشور‌های منطقه اطلاع دادیم، 26 فروردين 1403، لينك

[2] – ايران واير، یک دختر بچه هفت‌ساله بادیه‌نشین، تنها مجروح حمله نظامی ایران به اسراییل، 26 فروردين 1403، لينك

[3] – RT عربي، خامنئي أمر بضرب إسرائيل من إيران لتأكيد التحول من الصبر إلى الردع، 14 أبريل 2024، الرابط

[4] – CNN بالعربية، بعد هجوم إيران على إسرائيل.. بايدن لنتنياهو: اعتبر هذه الليلة انتصارًا، 14 أبريل 2024، الرابط

[5] – الشرق الأوسط، إسرائيل تتوقع رداً إيرانياً محسوباً… وتستعد لتوسيع الحرب، 2 أبريل 2024، الرابط

[6] – ايرنا، نمایندگی ایران با هشدار به اسرائیل: اقدام نظامی بر اساس بند ۵۱  منشور سازمان ملل بود، 26 فروردين 1403، لينك

[7] – الحرة، بعد أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل.. كيف سيتصرف المجتمع الدولي إزاء طهران؟، 14 أبريل 2024، الرابط

[8] –  JPOST, US doesn’t seek war with Iran, looks to curb Israeli response, 14-04-2024, Link

[9] – BBC عربي، ما هو المزاج السائد في إيران بعد الهجوم على إسرائيل؟، 15 أبريل 2024، الرابط

[10] – هم ميهن، هرگونه فعالیت در حمایت از اسرائیل در فضای مجازی به سایت گرداب گزارش شود، 27 فروردين 1403، لينك

[11] – عصر ايران، اطلاعیه سپاه درباره حمله به اسرائیل : ارتش نیز همراهی مان می کند، 27 فروردين 1403، لينك

[12] – إيران إينترنشنال، مؤيدو النظام الإيراني يشنون حملة لنشر معلومات مزيفة، 14 أبريل 2024، الرابط

[13] – Y net, Iranians rally in support of Israeli strikes on regime sites, 14-04-2024, Link

[14] – الشرق، سيناريوهات للرد الإسرائيلي على هجمات إيران، 14 أبريل 2024، الرابط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى