مقدمة
على الرغم من أن انتخابات الرئاسة المصرية، المزمع إجراؤها في 2024، شأن داخلي، يرتبط بأعلى منصب سياسي في هرم السلطة في مصر، فإن التدخل الخارجي في هذه الانتخابات صار أمرًا واقعًا ولا يمكن تجاهله منذ انتخابات الرئاسة في 2012، والتي جاءت بالرئيس الراحل محمد مرسي.
والآن، وبعد أن قضى عبدالفتاح السيسي ما يقرب من عشر سنوات في الحكم، بدعم من قوى خارجية، ساعدته في الاستيلاء على السلطة، وساندته طوال السنوات الماضية، هل يمكن أن نرى تدخلًا خارجيًّا في الانتخابات الرئاسية القادمة؟ خاصَّة في ظِل تأزم الوضع الاقتصادي وانسداد المجال السياسي. وإذا حدث هذا التدخل، فما هي أشكاله المحتملة والجهات التي تقف خلفه؟ ولمصلحة مَن يكون؟
تحاول هذه الورقة الإجابة على هذه الأسئلة، من خلال ربط الاستحقاق الانتخابي المقبل بالوضع الحالي في مصر، وعلاقة النظام بداعميه، والتجارب الانتخابية السابقة، التي شهدت تدخلات من قوى خارجية، ممثلة في حكومات ومنظمات دولية على صِلة بالشأن المصري، سواء كان هذا التدخل لمصلحة النظام أو بهدف مواجهة الانتهاكات التي تصاحب الانتخابات.
التدخل في اختيار الرئيس المصري
لا يرتبط التدخل الخارجي في اختيار الرئيس المصري بفترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، وانقلاب 2013، الذي تزايدت بعده التدخلات وصارت تطرح في العلن، بعد أن كانت من الأمور المسكوت عنها، اللهم إلَّا في بعض فلتات اللسان، وهو ما حدث مع الدكتور مصطفى الفقي، الذي قال في عهد حسني مبارك إنه “لن يأتي أيُّ رئيس قادم إلى مصر ترفضه الولايات المتحدة أو تعترض عليه إسرائيل”.
ولكن بعد ثورة 25 يناير، ظهر التدخل الخارجي في اختيار الرئيس المصري بشكل فج، عندما أيدت دول خليجية، على رأسها الإمارات والسعودية، الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة المصرية، في 2012، كمرشح يمثل بقايا نظام حسني مبارك والدولة العميقة، في مقابل المرشح الممثل للثورة، وهو الدكتور محمد مرسي.
لم ترض الإمارات والسعودية، ومعهما قوى دولية وإقليمية أخرى، على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، باختيار رئيس ينتمي للتيار الإسلامي، في تدخل سافر في الشأن المصري، وعدم احترام لإرادة الشعب، وعملت هذه القوى على إفشاله، وعزله، والإتيان برئيس آخر.
وبعد الانقلاب العسكري في 2013، كانت دول الخليج التي ساعدت في الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، ودمرت التجربة الديمقراطية، تنسق مع المجلس العسكري وعبدالفتاح السيسي، لترشيح الأخير في انتخابات 2014، ووَصَل التنسيق إلى حد إبلاغ الديوان الملكي السعودي – بحسب تسريب لمدير المخابرات الحالي، عبّاس كامل – بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ترشيح السيسي للرئاسة قبل انتهاء الاجتماع وصدور القرار بشكل رسمي.
ثم عادت دول الخليج للتدخل مرة أخرى، عندما انقلبت على حليفها، أحمد شفيق، ولم تدعمه في محاولته للترشح أمام السيسي في انتخابات 2018، وذلك بعد أن قامت الإمارات بمنعه من السفر والعودة إلى مصر، لإعلان ترشحه للرئاسة، حتى لا يربك معادلة إقليمية صار السيسي جزءًا مهمًّا فيها. وهو ما اعتبره شفيق تدخلًا مرفوضًا في شؤون بلاده، بإعاقة مشاركته في ممارسة دستورية.
وتمّ ترحيل شفيق إلى القاهرة، ليُجبَر بعدها على التراجع عن الترشح، واعتزال الحياة السياسية برمتها، بعد أن تحرَّك منفردًا دون الحصول على موافقة إماراتية.
وفي مقابل التدخل الخارجي لدعم أحد المرشحين، والوقوف في وجه مرشحين آخرين، كان هناك تدخل من نوع مختلف، هو تدخل المنظمات الحقوقية الدولية، التي كان لها تواجد مع كل استحقاق انتخابي، بسبب الانتهاكات التي شهدتها انتخابات 2014 و2018، والتي لم تتوفر فيها معايير النزاهة، ولم تشهد تنافسية حقيقية، بعد أن قام السيسي بإقصاء منافسيه، بطرق مختلفة، كان أبرزها السجن.
وبينما كان النظام يرحب بالتدخل في الشأن المصري إذا كان لصالحه، ويعتبر ذلك نوعًا من وقوف الأشقاء والأصدقاء إلى جانب مصر، فإنه كان يتعامل بحساسية شديدة تجاه أي شكل من أشكال الانتقاد لانتهاكاته في ملف الانتخابات الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالملف الحقوقي، سواء كان هذا الانتقاد من جانب المنظمات الحقوقية الدولية، أو من جانب بعض الدول التي كانت تتعامل مع هذا المف عن طريق وسائلها الإعلامية، مثل تركيا وقطر.
التدخل الخارجي في انتخابات 2024
تأتي انتخابات الرئاسة القادمة في ظِل ظروف تسمح بالتدخل الخارجي على جميع المستويات، سواء كان هذا التدخل من جانب الداعمين للنظام أو المعارضين لممارساته.
فالاقتصاد المصري يعاني من أزمة حادة، ظهرت آثارها على المواطنين الذين يعيش 60 بالمئة منهم عند خط الفقر أو تحته، بعد أن انهارت دخولهم.
وقد أدى سوء الوضع الاقتصادي إلى تآكل شرعية النظام، التي قامت على الإنجاز، وهو ما لم يحدث خلال السنوات العشر الماضية، التي شهدت تراجعًا في جميع مناحي الحياة.
ولمحاصرة آثار تآكل الشرعية، لم يجد النظام غير العنف في مواجهة الأصوات المطالبة بالإصلاح، أو التغيير، لعجزه عن إيجاد حلول لأزماته المتتالية.
كل هذا أدى إلى تزايد الحديث عن التغيير والاستبدال، عن طريق إجراء انتخابات مبكرة، أو عدم ترشح السيسي في الانتخابات المقبلة، وهو أمر من الصعب أن يتحقق بمعزل عن تدخل القوى الخارجية التي صارت جزءًا من المعادلة السياسية المصرية، وترتبط مصالحها في مصر والمنطقة بشكل النظام المصري وتوجهات القائم على رأس هذا النظام، وفي مقدمة هذه القوى الإمارات والسعودية والولايات المتحدة وإسرائيل.
ولإدراك النظام أن القوى التي ساعدت في مجيئه يمكن أن تعمل على رحيله والإتيان بغيره، فإنه مستنفر باستمرار لمواجهة دعوات التغيير، خاصَّة إذا كان لها امتداد خارجي، والتي يشتبك معها أنصار النظام والأذرع الإعلامية التابعة له بضراوة، ويردون عليها أولًا بأول.
فقد رفض رئيس حزب الإصلاح والتنمية، أنور السادات، ما وصفه بـ”الدعوات الخارجية” لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما فسره البعض بأنه حديث موجّه لأطراف خارجية بالأساس، لأن هذه الدعوة لم تصدر عن أطراف داخلية، وذلك لأن الفترة الأخيرة زادت فيها حدة الأزمة الاقتصادية، وشهدت تصاعد أحاديث داخل الأروقة السياسية، سواء داخل المستويات الرسمية، أو بين أحزاب المعارضة، بشأن ضغوط خارجية على النظام المصري لأسباب سياسية واقتصادية.
وحول الأطراف الخارجية التي خاطبها السادات، لم يستبعد البعض أن يكون المقصود هو السعودية، التي توترت العلاقة معها، وتطرقت دوائر في الرياض إلى الوضع السياسي في مصر، وطريقة إدارة النظام المصري للأزمة الاقتصادية التي يواجهها[1].
كما يربط أنصار النظام وأذرعه الإعلامية بين أي حديث خارجي عن الإصلاح السياسي والحقوقي وبقاء السيسي في الحكم، ويصفون ذلك بأنه “حملة تحريضية”، ومحاولة من جهات خارجية تستغل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر من أجل تركيعها وضرب حالة الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها البلاد، سواء من خلال الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة أو المطالبة بعدم ترشيح السيسي مرة أخرى، أو حتى من خلال الضغط على مصر لتقديم تنازلات في الكثير من الملفات الداخلية والخارجية.
بل وتوقع النائب والإعلامي مصطفى بكري، المُقرَّب من النظام، والمعروف بشدة دفاعه عنه، أن تزداد هذه “الحملة التحريضية”، خلال الأيام والشهور القادمة، تزامنًا مع الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، لهز الثقة في القيادة السياسية التي “تبني البلاد”.
كان هذا الموقف من الأذرع الإعلامية التابعة للنظام ردًّا على ما ورد في تقرير لمعهد واشنطن، جاء فيه أن التدهور السريع للاقتصاد المصري قد يجعل من الرئيس عبدالفتاح السيسي أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات وتغيير مواقفه من حيث حقوق الإنسان والسياسة الخارجية.
واقترح المعهد الأمريكي أن تستغل الولايات المتحدة الأزمة الاقتصادية لزيادة نفوذها لدى الرئيس السيسي وتقديم المساعدات لتغيير سياسته في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان والديمقراطية، وملف السياسة المصرية تجاه روسيا والصين وليبيا.
وطالب التقرير الولايات المتحدة بربط المساعدات وتسهيل الاستثمارات في مصر بالتحسُّن في وضع الحريات المدنية بشكل ملموس[1].
المرشح المدعوم من الخارج
هناك تلميحات إلى وجود مرشح مدني، قد يكون ذا خلفية عسكرية، لم يَحزم أمره بعد بالتقدُّم للترشح في انتخابات الرئاسة 2024، وهو ما أكده رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، الذي أصدر بيانًا، في أكتوبر 2022، توقع فيه عدم ترشح السيسي في 2024، ثم أصدر بيانًا آخر، في أبريل 2023، بشأن “مرشح رئاسي مرتقب”.
وفي تعليقه على الجدل الذي أثاره حول هذا المرشح، لم يَنفِ السادات وجود تدخل خارجي لدعم مرشحين للرئاسة، وقال إن “هناك مواقف إقليمية ودولية داعمة لمرشحين بعينهم، في حال أعلنوا ترشحهم”.
وهو بهذا يناقض نفسه، فيما يخص قبول التدخل الخارجي، فقد رفض من قبل هذا التدخل إذا كان في إطار إجبار السيسي على إجراء انتخابات مبكرة، ولكنه يقبله الآن في إطار توقعه بأن يمتنع السيسي عن الترشح في انتخابات 2024 طواعية، وأن يترشح آخرون ممن تدعمهم القوى الإقليمية والدولية.
وبغض النظر عن هذا التناقض، المبرر بالرغبة في عدم إغضاب السيسي، فإن السادات، مازال يثير الجدل حول حقيقة المرشح الرئاسي المرتقب، وذلك بعد أن ذكرت أسماء عديدة، من قبيل اللواء مراد موافي، رئيس جهاز المخابرات العامة السابق.
وكان أيمن نور، رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، قد طالب بإعادة النظر في فرضية أن السيسي هو المرشح للرئاسة، وتساءل عن عدم وجود افتراضية أخرى بأن هناك مرشحًا آخر من جانب المؤسسة التي أتت بالسيسي، وهي القوات المسلحة.
وألمح نور إلى أنه يتحدث على أساس معلومات، وأن هناك تقارير لدى الجهات الفاعلة بأن هناك شعورًا بالقلق، وأن البلاد في مرحلة في غاية الصعوبة، وأن بقاء الأشخاص يعني بقاء السياسات، وأن البلاد في حاجة إلى تغيير حقيقي يطال الأشخاص.
وأكد نور أن الرأي العام الدولي لابد أن يلعب دورًا في توفير ضمانات واردة في مواثيق حقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة.
وبربط ما ذكره أنور السادات وأيمن نور، سنجد أنفسنا أمام تكهنات عن وجود مرشح مرتقب، ذي خلفية عسكرية، أو مدني مقبول من جانب المؤسسة العسكرية، وسوف يُدعَم من جانب قوى خارجية، أو ينبغي أن تتوفر له الضمانات التي تنصُّ عليها مواثيق المنظمات الدولية.
وإذا كان اختيار رئيس لمصر في المرحلة التاريخية الحالية لا يمكن أن يمر بعيدًا عن أعين القوى الخارجية المؤثرة في الشأن المصري، فإن التلويح بـ”المرشح المرتقب” و”المدعوم من الخارج” يمكن أن يفسر على ضوء الفرضيات التالية:
- الرغبة الحقيقية في التغيير، من خلال تقديم البديل الذي يمكن الاعتماد عليه في حالة حدوث تطورات على الساحة المصرية تحول دون بقاء السيسي في السلطة، وتُعرِّض مصالح الداعمين الخارجيّين للخطر، خاصَّة وأن هذا المرشح قد يكون ذا خلفية عسكرية، أو ينتمي إلى الدولة العميقة.
- الضغط على السيسي من خلال التلويح بإمكانية الوقوف خلف مرشح آخر، أو بديل له، من أجل الحصول على مزيد من المكاسب والامتيازات داخل مصر، وضمان التزام النظام المصري بالمشروع الإماراتي والسعودي في المنطقة وسياسة أمريكا في المنطقة.
- إجبار السيسي على إجراء بعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تخفض من مستوى الغضب الشعبي المتزايد، وتبعد شبح انفجار الوضع في مصر وتكرار سيناريو 2011 مرة أخرى، وهو ما يُعرِّض مصالح القوى الخارجية للخطر.
وإلى أن تجرى الانتخابات الرئاسية، في 2024، فإن تحقق أحد الفرضيات الثلاث مرهون بأمور عديدة، منها مستوى الضغوط الخارجية واستمراريتها، وحجم الدعم الذي يمكن أن يحظى به المرشح الرئاسي المرتقب من جانب القوى المؤثرة في تغيير الوضع المصري.
تدخل الحكومات الغربية
يرتبط الدعم الخارجي للسيسي من جانب الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بقدرته على المحافظة على مصالح الغرب وإسرائيل في مصر والمنطقة.
وفي مقابل الخدمات التي يقدمها النظام الانقلابي لحلفائه الخارجيّين، فإن هؤلاء الحلفاء يسعون لمساعدة رأس النظام في البقاء في السلطة. ولهذا غضت الإدارة الأمريكية الطرف عن انتهاكات هذا النظام لحقوق الإنسان، ودعمته إسرائيل لدى القوى الدولية الفاعلة.
ولا شك أن حدوث انفجار شعبي في مصر بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والقمع الأمني وانعدام الحريات، لن يكون في مصلحة حلفاء النظام والمنتفعين من وجوده، مهما كان المسار الذي سوف يسير فيه هذا الانفجار، سواء كان هذا المسار هو مسار الاستقرار أو مسار الاضطراب والفوضى.
ولهذا، فإن فكرة البديل لا تغيب عن صنَّاع القرار في الغرب، وهو ما أشار إليه مسؤول شمال أفريقيا بالخارجية الأمريكية السابق، وليام لورانس، الذي أكَّد على وجود هذا المبدأ، حينما صرح بأنه يمكن البحث عن بديل للسيسي إذا تدهور الوضع في مصر.
وبحسب ما ينقله موقع “ميدل إيست مونيتور” عن خبراء، فإن هناك تخوفًا دوليًّا من استمرار الرئيس المصري لولاية رئاسية ثالثة، خوفًا من ثورة جياع في أكثر الدول العربية سكانًا، لكن “هذه القوى مهتمة فقط بمَن يحمي مصالحها في مصر، ويرون أن السيسي يقوم بهذا الدور بشكل أفضل، خاصَّة بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، لذا فهم في حيرة من أمرهم، وقد يحتفظون به لفترة ثالثة لعدم وجود البديل المناسب حتى الآن”.
وينقل الموقع عن خبراء مصريّين أنه يمكن الضغط على مرشح عسكري جديد، أو بديل مدني مرتبط بالدوائر الحاكمة، لتلبية متطلبات المرحلة المقبلة، وفق ترتيبات داخلية وإقليمية ودولية، بشرط أن يكتفي السيسي بفترتين رئاسيتين، ويقبل بالخروج الآمن.
وفي سياق الحديث عن البديل، وطرق أبواب القوى المؤثرة في المشهد المصري في انتخابات 2024 من أجل الحصول على الدعم الخارجي، كشف تقرير لموقع “أفريكا إنتليجنس”، المقرب من المخابرات الفرنسية، عن لقاء سري عقده جمال مبارك مع السفير الأمريكي، وتحدث فيه عن احتمال الترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عام 2024.
وذكر الموقع أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، تغذي طموح جمال مبارك لمنافسة عبد الفتاح السيسي على الرئاسة في الانتخابات المقبلة.
وقالت مصادر الموقع إن جمال مبارك عقد في مارس 2022 اجتماعًا سريًّا بقصر لعائلته مع السفير الأمريكي وقتها، جوناثان كوهين، لكي يضمن دعمه من الجيش المصري، وذلك من خلال الاطمئنان على استمرار المساعدة العسكرية الأمريكية لمصر إذا ترشح للرئاسة.
وقد ربط البعض بين الأخبار التي وردت عن محاولات جمال مبارك للتواصل مع الولايات المتحدة حول ترشحه للرئاسة وقرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على عائلة مبارك، وإنهاء إجراءات تجميد أصولهم، والسماح لمواطني الاتحاد الأوروبي بالدخول في معاملات مالية معهم، ووجدوا في ذلك مؤشرًا على قبول أوروبي بجمال مبارك، كبديل للسيسي.
وبغض النظر عن إمكانية ترشح جمال مبارك للانتخابات، فإن تسريب مثل هذا الخبر يمكن أن يفسر في إطار الضغط على السيسي من جانب جهات محلية أو إقليمية أو دولية.
التدخل الخليجي
وَصَل التدخل الخليجي في مصر إلى حد غير مسبوق في عهد السيسي، بعد أن تمدد النفوذ الإماراتي والسعودي في المنطقة، حتى إن بن هابرد، مدير مكتب “نيويورك تايمز” الأمريكية بالرياض، ذكر أنه سمع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو يتحدث عن قدرته على إزاحة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أو أي زعيم عربي عن منصبه إذا أراد ذلك.
والواقع أن التدخل الإماراتي والسعودي في الشأن المصري قد زاد في عهد السيسي الذي يدين لهما بالفضل في دعمه، وصار هذا الدعم وسيلة ضغط على النظام المصري الذي يواجه أزمة اقتصادية كبيرة. وكان آخر مظاهر هذا الضغط هو ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، التي قالت إن دول الخليج ترفض مساعدة السيسي ما لم يخفض قيمة العملة المصرية، ويُغيّر فريقه الاقتصادي، ويقلص مشاركة الجيش في الاقتصاد المصري. وهو مساس بشؤون داخلية، وإظهار للعلاقة بين مصر والخليج على أنها علاقة تبعيَّة وليست علاقة تحالف.
ومع توتر العلاقة بين السيسي وداعميه في الخليج، نشأت ظاهرة جديدة في العلاقة بين الطرفين، وهي خوض الإعلام الخليجي في موضوع بقاء السيسي نفسه على رأس السلطة، ومثال ذلك ما قاله المحلل السياسي الكويتي، أحمد السلامي، الذي يرى أن الحل للخلاص من الأزمات التي تواجهها مصر يكمن في “عزل السيسي، وتحييد المؤسسة العسكرية، على أن يقابل هاتين الخطوتين صياغة دستور وطني يمثل الشعب المصري العظيم ويخدم مصالحه ويحقق له الاستقرار الأمني والسياسي، لتتنفس مصر والمصريون الصعداء”.
لا شك أن حلفاء السيسي لا يريدون تكرار سيناريو عام 2011، ولا يريدون تكرار تجربة وصول رئيس عبر صناديق الانتخابات، وبإرادة شعبية حرة، مثل الرئيس محمد مرسي، لكنهم بالتأكيد مستاؤون من تحول مصر إلى ما يشبه “الثقب الأسود”، الذي يبتلع حزم المساعدات التي أسيء استخدامها.
ويمكن القول إن موقفًا جديدًا يتبلور داخل العواصم الخليجية فيما يتعلق بإمكانية بقاء السيسي في السلطة حتى عام 2030، وربما تتفق المؤسسة العسكرية المصرية مع هذا الموقف في حالة وصول الطرفين إلى توافق مشترك حول ضرورة رحيل السيسي، للحيلولة دون تحول السخط الشعبي إلى انفجار يُعرِّض مصالح هذه الدول ومشاريعها المستقبلية في مصر للخطر.
وإذا كانت دول الخليج هي أهم مؤثر خارجي في الشأن المصري، بالتوافق مع القوى الدولية المعنية بالشان المصري، والقادرة على التدخل فيه أيضًا، فإن السؤال الآن هو: هل يمكن أن يواصل الخليج ضغطه على السيسي قبل انتخابات 2024، ليجد نفسه عاجزًا عن إيجاد حلول لأزمته الاقتصادية، وهو ما يُضعِف موقفه في انتخابات الرئاسة، أو يدفعه إلى الانسحاب الطوعي من المشهد وعدم الترشح، أو يتركه في مواجهة انفجار شعبي محتمل؟
الواقع أن العلاقات بين السيسي وحليفيه الكبيرين في الخليج، الإمارات والسعودية، هي في أسوأ حالاتها في الفترة الأخيرة، وهو ما ظهر في تراجع الدعم الاقتصادي الذي يمثل الشغل الشاغل للنظام المصري في الفترة الحالية، وهو ما عَدَّه البعض تخليًا عن السيسي.
ولكن الحديث عن تخلي الخليج عن السيسي ليس جديدًا، ويتكرر مع كل أزمة تواجه العلاقة بين الطرفين، وهو ما يثير التكهنات بإمكانية البحث عن بديل يرضى عنه الخليج ليحل محل السيسي.
فقد سبق وأن تحدث مراقبون حول محاولة الإمارات إعداد بديل يمكن أن يتولى السلطة للحيلولة دون حدوث انفجار يُعرِّض مكتسباتها ومصالحها للخطر، وقيل إن هذا البديل هو الفريق محمود حجازي، رئيس الأركان السابق، وإن الإمارات كانت تهدف إلى التوافق معه بشأن إمكانية أن يكون بديلًا جاهزًا لخلافة السيسي خلال أي مرحلة قد تضطر فيها القوى المؤثرة في الشأن المصري إلى اتخاذ قرار بخروجه من المشهد.
ثم جاء ظهور جمال مبارك ليحيي هذه التكهنات، بعد أن تدخلت الإمارات للسماح له بالسفر إلى أبوظبي، في مايو 2022، على غير إرادة من السلطات المصرية، لتقديم العزاء في وفاة رئيس الإمارات السابق، خليفة بن زايد.
وأثار مستوى الترتيبات التي قام بها الجانب الإماراتي لاستضافة جمال مبارك استياء الجانب المصري، وذلك بعد أن استقبل في أبوظبي وفقًا لبروتوكول رسمي مماثل لنفس مراسم البروتوكول التي جرى بها استقبال السيسي.
ووفقًا لمصادر مصرية فإن هناك ضيقًا لدى الدائرة المقربة من السيسي بشأن الظهور المتكرر لنجلي مبارك، لوجود قناعة راسخة لدى السيسي ودائرته بأن أحلام رئاسة الدولة المصرية لا تزال تراود النجل الأصغر للرئيس المخلوع، جمال مبارك، وأن أسرته ماتزال تحظى بدعم وتقدير كبيرين لدى حكام الخليج.
وفي سياق التواصل مع المعارضة المصرية، قبل انتخابات الرئاسة، أكد أيمن نور، رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، لقاءه بإحدى الشخصيات السعودية، بعد أن طرح مبادرة لفتح صفحة جديدة بين المعارضة المصرية والخليج، خاصَّة السعودية، ولكنه نفى في الوقت نفسه أن تكون الشخصية التي قابلها شحصية رسمية.
ولكن توتر علاقة السيسي بالخليج، لا تعني أن الدول الخليجية قد قررت التخلى عنه، لأنه يظل حتى الآن شريكًا لا يمكن الاستغناء عنه في الترتيبات الإقليمية التي تقودها الإمارات والسعودية، وحليفا قويًّا في محور الثورة المضادة.
دور المنظمات الخارجية
تتابع المنظمات الحقوقية الدولية، والمنظمات المعنية بالديمقراطية، الحالة المصرية عن كثب، وعادة ما توجه انتقاداتها للنظام المصري في المناسبات التي تزداد فيها انتهاكاته، مثل انتخابات الرئاسة، التي شهدت انتقادات شديدة من جانب هذه المنظمات للسلطات المصرية.
كانت انتخابات 2018 قد شهدت انتقادات واسعة من جانب منظمات حقوقية دولية كثيرة، منها “منظمة العفو الدولية”، التي تابعت فعاليات الانتخابات، وانتقدت الاعتداء على حقوق المشاركة العامة، وحرية التعبير، من خلال القضاء على أي معارضة جدية لعبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية.
وأكدت المنظمة حينها أن السلطات المصرية حريصة على اعتقال ومضايقة أي شخص يواجه الرئيس السيسي، وهذا ما يتماشى مع جهود الحكومة المصرية المستمرة لقمع المعارضة، وتوطيد السلطة من خلال الاعتداء على المجتمع المدني والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.
وتكمن أهمية الدور الذي تقوم به المنظمات الدولية في قدرتها على مخاطبة الرأي العام العالمي، والحكومات التي يمكن أن تضغط على النظام المصري. وهو ما حدث في انتخابات 2018، حينما نددت 14 منظمة حقوقية دولية بممارسات النظام، وطالبت حلفاء مصر بإعلان موقفهم والتنديد بالانتخابات “الهزلية” بدل الاستمرار في الدعم غير المشروط لحكومة تقود أسوأ أزمة حقوقية في البلاد.
وخصَّت هذه المنظمات الولايات المتحدة والدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي والأطراف التي تقدم الدعم للنظام المصري بطلب إعادة النظر في المساعدات المقدمة له.
وحتى الآن، لم يوفر النظام الحاكم أي ضمانات يمكن أن تدل على أن هناك تغييرًا سوف يطرأ على انتخابات الرئاسة القادمة، بل وأكد النظام أنه مستمر في انتهاكاته، التي بدأت باعتقال أقارب النائب السابق أحمد طنطاوي وأصدقاء له، واتهامهم بحيازة منشورات لتأييد طنطاوي، قبل يومين من الموعد الذي حدده للرجوع إلى مصر، والمشاركة في انتخابات الرئاسة القادمة.
وفي هذا السياق، كانت جهات من المعارضة المصرية قد أكدت على ضرورة أن يكون هناك دور للمنظمات الدولية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، كإحدى ضمانات شفافية الانتخابات وصيانة الحريات والحقوق السياسية، وكشرط من شروط المشاركة فيها.
فقد طالب أيمن نور، رئيس اتحاد القوى الوطنية المصرية، بالالتزام بالمادة رقم (3) من البروتوكول رقم (1) للاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، وكل ما تتضمنه من معاني ومفردات لمفهوم انتخابات حرة ونزيهة، وكذلك قواعد العمل التي أصدرتها اللجنة المستقلة لانتخابات جنوب أفريقيا 1994، والتي تنظم ضمانات وحدود عمل المراقبة المحلية المستقلة والمراقبة الدولية بما فيها إطلاع المجتمع الدولي على مدى توافق العملية الانتخابية مع القواعد الدولية، وإسناد مهمة الرقابة الدولية للمؤسسات الدولية المعنية، وللجهات الدولية والمنظمات غير الحكومية المشهود لها بالنزاهة والخبرة في هذا المجال، مثل المعهد الدولي الديمقراطي، والمنظمات التابعة للاتحاد الأوربي، وكذلك الاتحاد السويسري، واتحاد الدول الفرنكوفونية، ومعهد كارتر، والبرلمان الأوربي أو أعضاء منه.
كما طالبت الحركة المدنية الديمقراطية، المكونة من عدد من الأحزاب المصرية، بخضوع العملية الانتخابية برمتها للمتابعة من قبل هيئات ومنظمات محلية ودولية مشهود لها بالحياد والموضوعية، لاسيما وأن السيسي قد أعلن استعداده للقبول بالرقابة من هيئات تابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقد بدأت ضغوط المنظمات الخارجية بالفعل، وهو ما عبَّرت عنه سامية هاريس، رئيسة منظمة “مصريون أمريكيون من أجل الديمقراطية”، التي وصفت المشهد الحالي في مصر بأنه لا يُطمئن على الإطلاق، ولهذا فإن “من الحكمة أن ننادي برحيل السيسي عن السلطة بشكل سلمي، وذلك عبر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد فترة انتقالية تضع مصر في مسار التصحيح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقانوني والحقوقي والإعلامي، وأن يَجري سريعًا الإفراج عن جميع المعتقلين ظلمًا داخل السجون من السياسيّين وأصحاب الرأي”.
ومن المنظر أن تنشط المنظمات الحقوقية الدولية في متابعة انتهاكات النظام المرتبطة بالانتخابات الرئاسية في 2024 مبكرًا، بعد أن كشف النظام عن نواياه تجاه المرشحين المحتملين، ومنهم أحمد طنطاوي. ولكن هذا التدخل الحقوقي الدولي يظل بعيدًا عن الأثر المنتظر منه لعدم وجود إرادة دولية للوقوف في وجه النظام المصري.
التدخل الخارجي وأثره على القوى الوطنية
يختلف أثر التدخل الخارجي في الشأن المصري على القوى الوطنية المعارضة سلبًا أو إيجابًا على حسب مصالح القوى الخارجية وغاياتها من هذا التدخل.
وإذا كان التدخل الخارجي يدور حول مستقبل السيسي في المشهد السياسي المصري، ويأخذ أحد مسارين: أولهما دعم السيسي للبقاء في الحكم، وثانيهما الضغط على السيسي لإزاحته من المشهد، فسوف يُلقِي هذا التدخل بظلاله على القوى الوطنية، عبر أحد شكلين أيضًا.
فإذا التقت إرادة الغرب ودول الخليج مع إرادة المؤسسة العسكرية على بقاء السيسي، فهذا يعني بقاء الأمر في مصر على ما هو عليه، لأن السيسي سوف يستقوي بإرادة القوى الخارجية في مواصلة سياسته القمعية، وهو ما سوف تتحمل القوى الوطنية تبعاته، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين التي سوف تتحمل الجانب الأكبر من هذه التبعات، لأنها الفصيل الأكثر تضررًا من بقاء السيسي، الذي لم يُظهِر أي نيَّة للإصلاح السياسي، ومازال يحتفظ بآلاف المعتقلين في السجون والمعتقلات.
أما إذا كانت إرادة الغرب ودول الخليج هي إزاحة السيسي عبر الضغط عليه، وإذا ما اتفقت هذه الإرادة مع إرادة المؤسسة العسكرية، فإن هذا سوف يضع القوى الوطنية المعارضة، بما فيها الإخوان المسلمون أمام تحدٍّ كبير، وهو كيفية اختراق الحاجز الموجود بينها وبين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الشأن المصري، للتواجد في ترتيبات أي تغيير محتمل في الساحة المصرية.
إن سيناريو التغيير عبر الضغوط المفروضة من جانب القوى الخارجية بالاتفاق مع المؤسسة العسكرية، تحدٍّ كبير بالنسبة للقوى الوطنية المعارضة؛ لأن عدم التفاعل الإيجابي معه خطير، ويمكن أن تجد نفسها أمام “سيسي” جديد، وهو ما سوف تسعى إليه هذه القوى الخارجية، حتى لو بدأ الرئيس البديل بانفراجة مؤقتة في المجال السياسي.
ولهذا، لابد أن تمتلك القوى الوطنية المعارضة رؤية واضحة لكيفية التواصل مع القوى الإقليمية والدولية، وإمكانية المشاركة في أي ترتيبات يمكن أن تفضي إلى استبعاد السيسي، كما يجب أن تستعد برؤية أخرى واضحة أيضًا لكيفية التعامل مع الاستبعاد من مثل هذه الترتيبات التي يمكن أن تأتي بنسخة أخرى من السيسي.
وإذا انتقلنا إلى أثر الدور الحقوقي – الذي يمكن أن تلعبه المنظمات الدولية – على القوى الوطنية المعارضة، أثناء انتخابات الرئاسة المقبلة، فسنجد أن الانتخابات فرصة يمكن استثمارها في الضغط على النظام، من خلال مخاطبة المنظمات الدولية، لفضح ممارساته تجاه المعارضة المصرية، والتذكير بقضايا المعتقلين والمختفين قسريًا.
خاتمة
لم تعد انتخابات الرئاسة المصرية شأنًا مصريًّا خالصًا، وذلك بعد أن صارت مصالح القوى الخارجية التي تزايد تأثيرها في السياسة المصرية عاملًا مهمًّا من عوامل اختيار الرئيس.
ومن المنتظر أن تشهد انتخابات 2024 مزيدًا من التدخل الخارجي، لتزامنها مع أزمة اقتصادية خانقة، وخلافات بين السيسي وداعميه الذين يخشون على مصالحهم في مصر، وهو ما قد يدفعهم للبحث عن بديل يقفون خلفه، ليحافظ لهم على هذه المصالح.
ولكن التخلي عن السيسي من جانب القوى الخارجية مرهون بوصول هذه القوى إلى يقين قاطع بأن رحيله صار ضرورة، وأن بقاءه يعني انفجار الأوضاع في مصر وخروجها عن السيطرة، والعثور على مرشح بديل مناسب، يحظى بموافقة المؤسسة العسكرية.
وإلى أن تتحقق هذه الشروط، ستظل القوى الخارجية داعمة للسيسي، ولن تغامر بالتخلي عنه، رغم الضغوط التي تمارسها عليه، ورغم التلويح بالبديل.
ومع ذلك، لابد من الاستعداد لأي تغيير قد يفضي إلى تخلي القوى الخارجية عن السيسي، واستغلال الاستحقاق الانتخابي المقبل في فضح ممارسات النظام وتذكير المجتمع الدولي بمأساة المعتقلين والمختفين قسريًّا.