تهدف هذه المقالة إلى تقديم توصيف للمشهد الإعلامي الحالي، ما بين الإعلام التنويري المقاوم والإعلام التضليلي، والتعريج على الأسباب التي أدَّت إلي هزيمة الأول في معركة المواجهه الأخيرة، فضلًا عن تحرير مصطلح الإعلام التنويري المقاوم مما اعتراه من تقزيم وحصر في نوعية واحدة ومحاولة التدليل أن العمل الإعلامي بتفرعاته ونظرياته وتشعباته ينحصر في نوعين إعلاميّين لا ثالث لهما: الأول يهدف للتنوير والتثوير وتحرير النفس البشرية من عبودية الوهم إلي عبودية المولى عز وجل، والآخر يهدف عبر تقسيماته وتفريعاته ونظرياته إلي تعبيد الذات الإنسانية المصنوعة بيد الله إلى ذات عابدة لشهواتها، والتقسيم الفعلي وفقًا للرواية الربانية من لدن آدم إلى اليوم هو في إعلام تنويري وإعلام تضليلي، مع كشف أسباب الضعف والركود التي اعترت النوع الأول من الإعلام وكيف نستطيع إعادة الاعتبار له وإعادة التمكين لهذا النوع من الإعلام بعد قرون من الخمول.
نموذجان للإعلام
كان البيان الرباني الأول للملائكة بالإعلان عن خلق الانسان، واستخلافة في الأرض، وما دار من نقاش ملائكي حول ذلك المخلوق، وما يمكن أن يُحدِثه من إفساد في الأرض، بمثابة التأسيس الأول للخطاب الإعلامي التنويري الضمائري، والذي وضع اللبنة الأولى لهذا الشكل من الإعلام التحريري للمخلوق. وكانت ملامحه واضحه جليَّة، فهو يقوم على الإخبار بالحقائق، ويَعرض زوايا القضية، ويتقبل النقاش حولها، ويُطلِق للضمائر عنان القبول من خلال وضوح الرؤية ووضوح هدف الرسالة.
لنستمع للرد الرباني التفسيري العملي، بعد أن قال لملائكتة: “إني أعلم ما لا تعلمون”، جاء بعدها: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [البقرة: 31-33]. فهو إعلام يُعطِي الحقائق ويفسرها ويدلل عليها بالأدلة الدامغة، لتستقر في النفوس السوية والفطر الحسنة.
وقد تمأسست منذ هذه اللحظة مؤسسة إعلامية تسلسلت من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، عبر جبريل عليه السلام، لتأديه هدف أساسي، ولعله وحيد، وهو تذكير الإنسان بالغاية التي خُلِق من أجلها، ووضعه على طريق الله.
ولم تكن هذه المؤسسة لتعمل دون قانون الدفع؛ فالحياة قامت على تدافع الأضداد، الخير والشر، الحُسْن والقبح، الأسوياء ومرضي النفوس.. لذلك فقد نشأت على هامش هذه المؤسسة الربانية مؤسسة موازية، وهي مؤسسة الإعلام التضليلى الغرائزي، والتي بدت ملامحها في استكبار الشيطان وإعلانه الأفضلية لنفسه بحسب ما اعتبره تمايزًا، فهو المخلوق من النار: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ [الحجر: 75-76]
وازدادت هذه المدرسة وضوحًا بعد الأمر الرباني لآدم بأن يسكن الجنة، والتحذير من الشجرة: ﴿فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ لِيُبۡدِيَ لَهُمَا مَا وُۥرِيَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَٰلِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ﴾ [الأعراف: 20-21]
فنري أن هذه المؤسسة والتي تأسست أيضًا والإنسان ما زال لم يتسلم بعد مهمته الربانية ويشرع في عمله الإعماري والعبادي في الأرض. ونجد أن ملامح هذه المؤسسة من البداية سوف تقوم على التزيين الغرائزي واستخدام المثيرات، والتأكيد الكاذب على الصدقية، وأيضًا ادعاء الحيادية، فالشيطان هنا مجرد ناصح، وفي موضع آخر مجرد دليل لشجرة الخلد ولمُلك لا يبلي.
انظر إلى التزيين الغرائزي واللعب على الاحتياج البشري، فالإنسان يحتاج إلى أن يحفظ نفسه خالدًا، وأن لا يذوق الموت، وينزع إلى المُلْك. وتلك غرائز وضعها المولى عز وجل بتركيبته، كما وضع الزهد والتقوي والرغبة في الطاعة. ولكن الإعلام التضليلي يلعب على الوتر الأسهل، وتر الشهوات. وصدق الحبيب صلي الله عليه وسلم إذ قال: “وحفت النار بالشهوات”.
ونستطيع أن نستقي من كلا النظامين الإعلاميّين أن الأول يعمل لصالح البنية البشرية والمرور بها من صعوبة الطريق إلى الجنة لبلوغها، بينما يلعب الإعلام التضليلي على فتح المجال لسيطرة العبد على العبد. فالشيطان أقسم بعزة الله أنه سوف يغوي ليكون معه العدد الأكبر، وسلم رايته للإنسان من أجل أن يقوم بالمهمة نيابة عنه.
وسوف نجد بعد قليل أننا مع بدايات القرن العشرين وصلنا لنموذجين مختلفين أيدلويجيا متوافقين ومتطابقين تضليلًا: النموذج الليبرالي الديمقراطي، والنموذج اللينيني الماركسي. كلاهما كان متطابقًا في محاولة السيطرة على العقول وإخراج الإنسان من مهمته التحرير التفردية ﴿وَكُلُّهُمۡ ءَاتِيهِ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَرۡدًا﴾ [مريم: 95] إلى مهمة القطيع المنقاد لمجموعة تدعي لنفسها الأفضلية، إحداهما تدعي الأفضلية التخطيطية الحاكمية والأخري تدعي الأفضلية الثورية التقدمية، والكل مندرج تحت (أنا خير منه). والأهم أن الله تعالى حذرنا من قبل من الوقوع في هذا الفخ، فخ القطيع السائر خلف الأفكار في أكثر من موضع، فنجد المولى عز وجل ينبهنا برسله: ﴿إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ﴾ [البقرة: 166]، ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيۡنِ أَضَلَّانَا مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ نَجۡعَلۡهُمَا تَحۡتَ أَقۡدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلۡأَسۡفَلِينَ﴾ [فصلت: 29]
لذلك فإن هذه المقالة تطمح أن تقدم عبر عدد من المحاور ملامح المؤسستين الإعلاميتين اللتين بنيت عليهما قيمة الدفع الربانية، وكيف استطاعت المؤسسة الأولي عبر الرسل أن تقيم للإنسان أياما على الأرض بينما كانت المؤسسة التالية تقوض هذه الأيام، لنصل لذروة النصر في عهد الرسالة المحمدية وما تلاه من انتشار الإسلام في أرجاء الأرض، وتصل مرحلة أخرى من الهزيمة، عندما تخلَّت الأمة المحمدية حاملة المشعل عن رعاية هذه المؤسسة التي تسلمتها ببيان رباني: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾ [آلعمران: 110].
ومع تخلف الأمة في العصر الحديث عن تطوير أدائها الإعلامي وعجزها عن تحقيق نظرية خاصة بها للإعلام، استولت على الأرض رسالة تضليلة بوجهين مختلفين لمرحلة، ثم بوجه واحد الآن، بينما اكتفت الأمة باستيراد الرسالة وتعليبها وضخها في الجسد الذي أنهك بالشهوات لتخرج أجيالًا لا تعي معني الخيرية.
تحرير المصطلح
دارت تعريفات الإعلام المقاوم منذ نشأة المصطلح على أنه ذلك الإعلام الذي يحمل مشروع المقاومة وهويتها ويتبناها نهجًا أساسيًّا وقضية دائمة، وبذلك فقد حصر المفهوم في إطار قضايا التحرر الوطني، سواء من المحتل الوافد أو المحتل المتوطن (الطاغية الحاكم من أبناء نفس الوطن ). والواقع أن البون شاسع بين هذا المفهوم وبين النشاط الإعلامي الأول الذي دار في بدايات معركة الوجود الإنساني، حيث انقسم الإعلام لمقاوم تنويري وغرائزي تبريري.
فإعلام المقاومة وفقًا لهذه الرؤية هو ذلك الإعلام “الكاشف للحقائق الداعي لتحرر الفرد من سيطرة الأوهام الغرائزية، لنقلها من مرحلة التغول القاتل لإنسانيته إلى مرحلة التهذيب الدافع لإكمال مهمته، فضلًا عن تحرره من عبودية الأوهام إلى عبودية الخالق، ومن ثم المحرر للجماعات الإنسانية من طواغيت البشر. وهو ببساطه المخرج للإنسان من عبادة الأوثان بكل أشكالها إلى عبادة الواحد القهار ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”. ولهذا الإعلام خصائص ومقومات لا يقوم إلا بها، ولا يعمل إلا من خلالها. ولكي يزيد الأمر وضوحًا فالسؤال الذي علينا الإجابة عليه الآن: ما هي مقومات الإعلام المقاوم وما هي معاييره؟
المعايير والأسس التي تحكم الإعلام التنويري المقاوم
- طرح الحقائق بمسمياتها (خمر – زنا – كذب – نفاق – سرقة – كفر – شرك – إيمان… إلخ)، فليس من مهمة هذا الإعلام بحال من الأحوال تزيين المصطلحات أو البحث عن مبررات، وقد ظهر ذلك جليًّا في أكثر من تحذير رباني لرسوله صلي الله عليه وسلم: ﴿إِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً. إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ [الإسراء: 73-75]. وقد اخترت هذه الآيات لأن بها شقين أساسيين: الأول أن الله عز وجل حذر نبيه من رقة قلبه لقومه في هذه الآية، وثانيًا لأن بها بيانًا واضحًا لمصدر تثبيت القلوب، حتى قلب النبي. فالمولى رد الأمر لنفسه. وضوح العاقبة دون اعتبار لحيثية المخاطب في نهاية الآية، فالرسول الأكرم والخاتم عندما رق قلبه عالجه ربه ببيان واضح وبتنوير وبعرض للحقيقة. الثبيت من عند الرب والنصر من عند الرب وأنت حامل رسالة، فإذا ارتكنت ذقت العذاب ولن تنصر علينا.
- منح الفرصة الكاملة للاختيار الحر ما بين الطريقين مع الإعلام بالعاقبة، فالإعلام المقاوم ليس تسلطيًّا غرائزيًّا، ولعل أقرب مثل لهذا فهم سيدنا مصعب بن عمير، عندما جاءه أسيد بن حضير شاهرًا سيفه يريد طرده، فطلب منه أن يستمع أولًا، فإما اختار الإسلام أو اعتزله مصعب ومَن معه. والمولي عز وجل اخبرنا بقوله: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: 29]. وفتوحات الإسلام تخبرنا عن الإسلام أو الجزية أو الحرب، ورسائل النبي للملوك كانت بـ “أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين”.
- طرح المعلومة كاملة غير منقوصة ومفصلة تفصيلًا يسمح بالمعرفة، وليس أدل على ذلك من طرح حادثة الإفك وعرضها من كل جوانبها من خلال الكتاب والسُّنة، بل وبالأسماء. وليس أدل من ذلك أيضًا على عرض حادثة المخلفين بالأسماء، وفرز الحقيقة بين من نافق ومن زلت قدمه بالركون والخطأ، وتبيان عاقبة الطرفين، فالإعلام المقاوم التنويري لا يجتزئ ولا ينتقص ولا يصنع وصاية على العقول، بل يطرح ويناقش ويصحح حتى لا تبقي غبارة زيف.
- إعلاء القيم المساعدة لإعمار الأرض ( العدل – جهاد الكفار والمنافقين – أجر الشهداء – فضل الجهاد – قيمة الصدقة والزكاة – الكلمة الطيبة – الإحسان بكل أنواعه للنفس وللضيف وللجار وللابن وللأهل – الحفاظ على الأسرة- عدالة توزيع الميراث… إلخ).
- تقديم الحقائق مجردة دون تهوين أو تهويل، فالإعلام المقاوم لا يستنزف مشاعر الناس في تهويل من أمر الفئة المؤمنة وقدراتها ولا تهوين من أمر الآخر، والعكس بالعكس. وسنري ذلك في الإخبار الصادق ليوم حنين: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة:25-26).
- المعلومة في الإعلام التنويري المقاوم تقدم لانها حق من حقوق العباد وليست محاولة دفاع عن الذات، فحق المعرفة حق أصيل، اختص به المولى الإنسان، منذ علم آدم الأشياء كلها. فقد أعطاه معلومات لم تتوافر للملائكة، وعلمه وهو تعالى الذي لقنة كلمات التوبة ليتوب من فعلته. فالمعلومة ليست للجدال ولا الدفاع، بل هي حق العباد. كل الموضوعات قابلة للنقاش في الإعلام التنويري، والكيفية هي التي تختلف. فهو يناقش الجنس في إطار من الرقي والفهم للفطرة الإنسانية، بل ويناقش التحرش في قصة سيدنا يوسف بأرقي ما يقدم، ودون إسهاب في وصف غرائزي. كما يناقش العفة في أقوي صورها، لتصل بصاحبها إلى السجن المحبب.
- يعترف بالاختلاف العقائدي، ويراه ضرورة، ولكنه يحث على الدفع في اتجاه تصحيح العلاقات ويخبرنا أن هناك مستحيلًا اسمه الإجماع: ﴿لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: 118-119].
ولكي يقوم هذا الإعلام بدوره في الحياة البشرية، فلابد له من مقومات تناسب المجموعة البشرية التي يعمل على توجيهها وإرشادها. وهذه المقومات تراعي التركيبة النفسية والمهارات المكتسبة لدى تلك المجموعة، وتعالج ما فيها من خلل بشكل يتناسب معها، وتعزز أحيانًا من قيم فطرية اكتسبتها المجموعة عبر تجاربها الإنسانية.